إنَّ الكتابةَ تكوينٌ ثقافيٌّ مُكتسب ، وفعالية إراديَّةٌ تستوعب التناغم ، أو التأثير بين الفكر والشعور ، وتعكس الخبرة والمعرفة والتجربة ؛ في أداء لغوي يتَّسِمُ بجماليات خاصة ؛ تتضحُ في البعدِ الفارق بينها وبين اللغة المحكيَّة من حيث الترتيب والتنظيم ، وموطن التنظيم مُنْبعِثٌ من الخبرة الجمالية لمُحَصِّلةِ التجاربِ اليوميةِ ، ومن التعايشِ مع معطيات الفن في جانبه اللغوي ؛ الموروث والمحكِيّ ، بما يجعل سَبْكَ النَّصِّ الأدبي بوتقةً تنصهرُ فيها تداعياتُ الموقفِ مع الصياغةِ المستوعبةِ له ، وكأن الإبداع الأدبي إصدارٌ لغويٌّ حياتي .
و [ ذاكرة من أحزان ] ، للكاتب الإماراتي / محمد خليفة ، يعكس هذه السِّمةَ ، بل يقدمها الكاتب عبر نصوصٍ مُتَأَبِّيةٍ على الانتماء إلى نوعٍ معينٍ ، ويصْدقُ عليها مسمى ( الكتابة عبر النَّوعية ) كما هو معروف في كتابات النقد الأدبي الحديث ، وذلك لما في الكتاب من تماهي خطوط الفصل بين أجناس الكتابة الأدبية ،بالقدر الذي يصعب معه تصنيف العمل الإبداعي ، إذ يقدم محمد خليفة الحس الدرامي المؤثر للشخصيات ، ويمزج الشعر بالنثر ، ويطرح بنى سردية خالصة ونصوصاً شعرية محددة الهيكل ، ويراوح بين المونولوج والحوار ، ويُحَمِّلُ النثر بذور الإيقاع الشعري ، ويُحَلِّلُ الشعر في تضاعيف النثر ، فالكاتب يعمدُ إلى الاستفادةِ من موروث التقنية الفنية للأجناس الأدبيةِ ، ويطوِّعها طبقاً لخبرته الجمالية في الحياة ، وكأنه يُنَدِّدُ بالقهر عن طريق الفن ، فهو يمارس بأداته الفنية التنقل بين العناصر الفنية في حريةٍ ، وبلا خضوع للقولبةِ والقيد ، أو الاندغام الصاغر في آليةِ المادةِ الطامسةِ للنقاء الروحيّ .