في حين يشهد العراق جدلا حول مشروع الدستور يأتي كتاب موسوعي عن تاريخ الكتابة ليشير إلى أن مملكة بابل شهدت كتابة أول دستور وتكشف المقارنة ما يمكن اعتباره ضعفا لدى النخبة الحالية الحاكمة والمدعومة بالاحتلال الأمريكي للبلاد منذ سقوط نظام صدام حسين في ابريل نيسان 2003.



ففي كتاب (تاريخ الكتابة.. من التعبير التصويري إلى الوسائط الإعلامية المتعددة) يبدو الملك حمورابي الذي حكم بابل (نحو 2123 - 2081 قبل الميلاد) شامخا كأنه يعانق السماء أعلى قمة مسلته التي تضم نحو 280 مادة قانونية وتشريعية أشبه بدستور يعتبره المؤرخون الأقدم في التاريخ البشري.

ويضم الكتاب صورا للوحات وجداريات يزيد عمر بعضها على 4500 عام منها لوحة نذور من الحجر الجيري موجودة بمتحف اللوفر بباريس وتعود إلى بلاد ما بين النهرين حوالي 2500 عام قبل الميلاد وتصور أحد الملوك وبجانبه حامل كأس الشراب حيث بدأ في تلك الفترة تطور النقوش الرسمية.

في ذلك الزمان الموغل في القدم وقبل نحو 2200 عام من مصادفة قادت مغامرين أوروبيين على رأسهم كريستوفر كولومبس عام 1492 لاكتشاف أمريكا كانت الحضارة في مصر والعراق تعيش ازدهارا في مختلف فنون المعرفة التي سجلتها الكتابة والرسوم والنقوش.

ويفرد الكتاب الذي أقامت مكتبة الإسكندرية مساء الخميس الماضي احتفالا بمناسبة إصداره صفحة لخريطة العالم موجودة بالمتحف البريطاني تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد وفيها يبدو نهر الفرات يصب في الخليج في حين تمثل بابل مركز دائرة في «العالم المعروف وهو بلاد ما بين النهرين».

وصدرت الطبعة الأصلية للكتاب في باريس عام 2001 عن دار فلامريون بإشراف المفكرة الفرنسية آن ماري كريستان.

والطبعة العربية التي شارك في ترجمتها 18 باحثا مصريا في مختلف التخصصات وحررها خالد عزب نائب مدير مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية تقع في نحو 400 صفحة مزودة بصور لنقوش وخطوط تنتمي إلى حضارات قديمة منها مجموعة قوانين حمورابي وهي مجموعة قانونية نقشت على لوحة من حجر الديوريت وأودعت نسخة منها في مدن كثيرة من مملكة بابل.

وتسجل لوحة من مكتبة آشور بانيبال في مدينة نينوى التي كانت من أشهر المكتبات في العالم القديم جزءا من ملحمة جلجامش ذلك البطل الأسطوري الباحث عن عشب الخلود في أقدم الملاحم البشرية المكتوبة.

وفي هذا الجزء الذي ينشر الكتاب صورة له من الملحمة «يخبر أوتانابيشتيم المثيل البابلي لسيدنا نوح بطل القصة بأمر الفيضان وقد أحدث اكتشاف قصة الطوفان التي تسبق الرواية التوراتية في الكتاب المقدس نوعا من الثورة الفكرية».

ويعد آشور بانيبال (668 - 626 قبل الميلاد) من أشهر ملوك الإمبراطورية الآشورية وكان قصره يضم أكثر من ألف لوح مسماري وكان يسمى «الملك المثقف».

وفي فصل يحمل عنوان (كتبة ما بين النهرين) يشير دومينيك شاربان إلى أن تعقيد الكتابة المسمارية قيد استخدامها على نطاق مجتمعي واسع «فهناك فئة صغيرة من الكتاب فقط هم الذين كان في استطاعتهم الكتابة... كان هناك حوالي مئة كاتب في كل الإمبراطورية الأكادية».

واستمرت الإمبراطورية الأكادية التي أسسها سرجون الأول بين عامي 2360 و2180 قبل الميلاد وكانت أول إمبراطورية ضخمة في بلاد الرافدين وشمالي سوريا.

ويستعرض الكتاب عددا من القضايا حول نشأة الكتابة في الحضارات القديمة ومنها الصين وشبه القارة الهندية واليابان وبيرو وفيتنام إضافة إلى فصول عن (فك رموز الكتابة المسمارية والكتابة في مصر القديمة) و(من التنجيم إلى الكتابة) و(التصوير بالكتابة) مرورا بالكتابة في الحضارات اليونانية والرومانية والعربية ونشأة الطباعة في الغرب وصولا إلى (الكتابة وتعدد الوسائط).

وقال مدير مكتبة الإسكندرية إسماعيل سراج الدين في مقدمة الكتاب انه يستعرض «الأصول الأولى للحضارات. تاريخ الكتابة ببساطة شديدة هو تاريخ الحضارة. كانت حضارة وادي النيل المصرية القديمة وحضارة بلاد الرافدين في فجر الإنسانية أول ما عرف الإنسان من حضارات تركت تراثا عظيما في علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء والعمارة والأدب». وشدد على أن «الكتابة دون شك هي أعظم الإنجازات التي حققتها البشرية في تاريخها الطويل» مشيرا إلى أن الكتاب يأتي في سياق خطة وضعها مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية لترجمة بعض أمهات المراجع الأكثر أهمية في مجال الخطوط والكتابات مشيرا إلى الاتفاق على ترجمة بعض الكتب التي أصدرها المتحف البريطاني وجامعة لندن.
http://www.alriyadh.com/2005/10/04/article98374.html