د. علي بن حمود الكريديس
كلية الملك فهد الأمنية - الرياض

مرَّ علينا الخامس من شهر شوال ذكرى عزيزة على هذه البلاد وأهلها هي ذكرى بداية التأسيس ولم شمل القبائل العربية والقرى المتناحرة فيما بينها تحت لواء واحد، ونود أن نقف عند هذه الذكرى لنأخذ بعض الدروس والعبر المستفادة من ذلك وفي هذا المقال سوف نناقش الاستراتيجية العسكرية عند الملك عبد العزيز ودورها في تحقيق الهدف المنشود رغم محدودية الامكانات المادية والبشرية.
إن كلمة استراتيجية مأخوذة من المصطلح اليوناني (استراتيجز) وهي تعني فن القيادة وتعني أيضا قائد القوات، وهي تعني خطة شاملة تحدد فيها كيف يحقق فيها القائد الهدف الذي يصبو إليه من خلال تنفيذ المهمات التي تقود إلى تحقيق هذا الهدف عن طريق الإجابة عن التساؤلات التالية ما يجب إنجازه، ولماذا أريد إنجازه، وكيف يتم إنجازه، ومتى يتم إنجازه، فإذا استطاع القائد الإجابة عن هذه التساؤلات فإن عليه وضع الاستراتيجيات والسياسات موضع التنفيذ من خلال وضع البرامج والإجراءات الملائمة لتحقيق ذلك، وهذا ما سلكة الملك عبد العزيز - رحمه الله - خلال كفاحه لتوحيد هذا الكيان العظيم ولأهمية ذلك الإنجاز وأهميته من الناحية الاستراتيجية كدروس وعبر أردنا أن نلقي الضوء على هذه المنجزات، ولابد لنا من أعطاء نبذة تاريخية حتى يتسنى لنا الوقوف على ما كان من أحداث قادت إلى وجود هذا الكيان العظيم رغم قلة الامكانيات المادية والبشرية، ومحدودية المعرفة في ذلك الوقت وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على العبقرية في الرجال عندما يريدون صنع التاريخ بطريقتهم الخاصة، فلقد جاوزت المسيرة التأسيسية لبناء الدولة السعودية الحالية وتحقيق توازنها الجغرافي والسياسي والاستراتيجي الخمسين عاماً منذ الخروج الأول من الكويت في عام 1901م وهدفه الأسمى هو استعداده للتضحية في سبيل ما يسعى إليه، وانتهت بمعجزة التأسيس للدولة في إطار من الأمن والاستقرار الذي افتقدته المنطقة منذ زمن طويل.
إن التصوير المبسط للمعارك القاسية والمتعددة والمتلاحقة والمختلفة في الزمان والمكان التي خاضها الملك عبد العزيز من أجل إقامة مملكته وتثبيت أركانها وتدعيم استقرارها والتي سوف نناقشها من زوايا متعددة حتى نقف على الفهم الصحيح لهذه الاستراتيجية، ولعل أهم ما يوضح لنا ذلك جلياً هو فتح الرياض، التكوين الاستراتيجي، ضم مناطق مهمة لعل من أهمها الأحساء حيث المركز الاستراتيجي، وتحقيق الاستقرار الاستراتيجي العام الذي رسمه المؤسس في بداية التأسيس.
أولاً : عملية فتح الرياض وملابساتها المحلية والدولية:
كان دخول الملك عبد العزيز الرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق الخامس عشر من يناير عام 1902م، الصفحة الأولى في تأسيس هذا الكيان والبداية الأولى لانطلاقة الملك عبد العزيز الطويلة ومسيرته البنائية من أجل التأسيس.
1) العوامل التي ساعدت في فتح الرياض:
إن عملية فتح لارياض التي تمت بنجاح في الخامس من شوال 1319هـ كانت تتويجاً لتضافر العديد من العوامل والقوى والأسباب نشير إلى أهمها فيما يلي:
أ - شخصية الملك عبد العزيز وصفاته القيادية:
تعد دراسة شخصية الملك عبد العزيز وتحليل صفاته القيادية من أهم المسالك لمعرفة التطور السياسي للمملكة لارتباطه بمراحل كفاح وتأسيس طويل وانبثاق سياساتها المحلية والدولية في الماضي والحاضر من القواعد والأسس التي أرسى دعائمها المؤسس، ومن الصفات التي امتازت بها هذه الشخصية:
- الإيمان بالله:
إن الإيمان بالله صفة امتن الله علينا بها وهي التي تزرع الثقة والطمأنينة في قلوبنا، ومن خلال خطابات الملك عبد العزيز الذي لا يخلو حديث أو خطاب له دون أن تتضح هذه الصفة، ومن أقواله على سبيل المثال، (لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية وقد تألب الاعداء عليّ ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي وفتحت كل هذه البلاد)، وقوله: (إني أعتمد في جميع أعمالي على الله وحده لا شريك له اعتمد عليه في السر والعلانية والظاهر والباطن، وإن الله سهّل طريقنا لاعتمادنا عليه) يتضح لنا من خلال ذلك ان الإيمان بالله والثقة في نصره كانت ملازمة له في مختلف مراحل فترة التأسيس ومن بعده.
- الشجاعة:
بعد سقوط الدولة السعودية الثانية على يد الأمير محمد بن رشيد حاكم جبل شمر عام (1889م)، توجه مع والده عبد الرحمن بن فيصل إلى الكويت، وبعد ان أمضى قرابة عشرة أعوام، رأى ان يعود إلى الرياض مطالباً بملك أسلافه وفي قمة قوة (دولة آل رشيد) ولولا شجاعته وتصميمه وقوة إرادته لما استطاع رسم استراتيجية عسكرية تؤهله للقيام بهذه المهمة الشاقة التي دامت سنوات عديدة.
- دبلوماسيته وصفاته القيادية:
لقد اتضحت صفاته الدبلوماسية ومقدرته القيادية من خلال قدرته منذ الايام الأولى بوضع استراتيجية عسكرية رغم محدودية الامكانات البشرية والمادية ويتجلى لنا ذلك من خلال استيلائه على الرياض حيث استطاع في مدة قصيرة أن يسيطر على الرياض ويؤمنها ومن ثم يتحول من مركز الدفاع إلى مركز الهجوم وهذا يعود إلى مهارته السياسية والقيادية التي استطاع أن يوظفها لتحقيق الهدف الذي يسعى اليه ومعرفته بحدود الامكانيات المتاحة فاستغل هذه الموارد المحدودة لتوظيفها في تحقيق ما يصبو إليه وهذه - عندنا في الإدارة - قمة النجاح، ومن خلال هذه الاستراتيجية العسكرية الناجحة استطاع ان يضع حداً للمعارك والفتن القبلية في نجد وتوحيد أبنائها تحت قيادة واحدة وتوجيه الموارد البشرية والمادية نحو تحقيق أهدافه الاستراتيجية والسياسية والدينية، فقد قال عنه الكاتب الأوروبي انتوني ناتج (إن الملك عبد العزيز لم يقدر له فتح الحجاز فحسب، بل ان يكون كذلك مبعث إلهام وتوجيه لثورة وعملية احياء رائعتين على مدار التاريخ) وقال العسكري الأمريكي ميجر باتريك هيرلي: (ابن سعود أحكم وأقوى من عرفت من قادة العرب، وانه رجل بعيد النظر نافذ العزيمة، مستعد لقيادة شعبه إلى التمشي مع ركب التقدم العلمي).
ب - ولاء أهل نجد للدعوة السلفية ولمبادئها:
في ظل المناخ السياسي والاجتماعي السائد في نجد ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في العيينة وكان والده من علماء نجد، وقد حرص الشيخ عبد الوهاب رحمه الله على تعليم وتوجيه ابنه منذ الصغر وأظهر الابن تقبلاً للعلم مصاحباً ذلك بنبوغ وتفوق في حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة واستعداده لاستيعاب العلوم الشرعية وأصول الدين الاسلامي، وهذه هي المرحلة الأولى في حياة الشيخ - رحمه الله - وأما المرحلة الثانية فتميزت برحلاته التي تنقل فيها الشيخ - رحمه الله - بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والأحساء والبصرة باحثاً عن العلم والعلماء والاستزادة منهم في طلب العلم أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة العودة إلى العيينة وذلك بعد ان استقر أمره ورأية على ربط الايمان بالعمل ونذر نفسه لخدمة العقيدة الاسلامية والجهاد في سبيلها فقد قامت العودة على المبادئ التالية:
- المبدأ الأول:
الدعوة إلى التوحيد وهو توحيد الله بالعبادة ونفيها عن غيره ولا يصح ان يشرك مع الله أحد في عبادته لا ملك مقرباً ولا نبي مرسلاً ولا عبد صالحاً مهما كانت درجته في الاخلاص فالمعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله نفي العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} والأدلة فيها كثيرة.
- المبدأ الثاني:
الاجتهاد في حدود ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وما قال به السلف الصالح وهذا يستدل منه بقول الشيخ رحمه الله: ما جاءت به السنة والكتاب وما قاله وعمل به الاصحاب وما اختاره الأئمة الاربعة المقلدة في الاحكام المتبعة فقد انعقد على صحة ما قالوا الاجماع والسنة في عرف العلماء المتأخرين هي السالمة من الشبهات في الاعتقادات.
وبعد هذا جاءت المرحلة العملية في حياة الشيخ رحمه الله الذي رأى بوجوب ربط الإيمان بالعمل فاتح عثمان بن معمر - رحمه الله - أمير العيينة بأبعاد دعوته ومقاصدها طالباً نصرته ودعمه وجد بعض التعاطف والتأييد وظهر اثر ذلك في بداية الدعوة عندما قام الشيخ بقطع شجرة الذيب التي كانت محل التقديس وتبرك من قبل البعض بالاضافة إلى تهديم القباب والاضرحة التي كان يقصدها بعض الناس مثل قبة وضريح زيد بن الخطاب رضي الله عنه في الجبيلة وقد شارك ابن معمر رحمه الله في ذلك لكن بعد أن وصل إلى مسامع الأمير سليمان آل محمد رئيس بني خالد بحادث رجم الزانية المحصنة الذي آثار غضب الأمير سليمان وطالب ابن معمر بضرورة وقف الشيخ عن أعماله وإذا استمر في ذلك عليك بقتله فبدأت العلاقة في التدهور بين ابن معمر والشيخ محمد بن عبد الوهاب مما حدا بالشيخ - رحمه الله - للهجرة إلى الدرعية حماية لحياته وأملا في وجود من يناصر دعوته من جديد فوجد الحليف والناصر - بعد الله وهو أمير الدرعية محمد بن سعود - رحمه الله - فأدى هذا التحالف إلى دخول هذه الدعوة الاصلاحية إلى منعطف جديد والى مرحلة تاريخية استمرت مئات السنين، وقد قامت اثر ذلك الدولة السعودية الاولى التي استمرت حتى بداية الغزو المصري للبلاد السعودية وكان ذلك في أغسطس عام 1811م امتدت إلى سبتمبر عام 1818م عندما نجحت القوات المصرية في الاستيلاء على الدرعية وتدمير قلاعها وحصونها وارسال الأمير السعودي الحاكم الأمير عبد الله بن سعود الكبير إلى مصر ومنها إلى اسلامبول عاصمة الدولة العثمانية حيث تم اعدامه هناك، لكن وبعد تطبيق معاهدة لندن (1840م) التي أجبر بموجبها (فيها) محمد علي سحب جميع قواته خارج مصر مقابل احتفاظه بحكمها له ولأولاده من بعده وما ترتب عليها من اجلاء للقوات المصرية في الجزيرة العربية، اهتز حكم الامير خالد بن سعود الكبير في نجد لارتباطه بالحماية والمساندة الاجنبية وخرج عليه الأمير عبد الله بن ثنيان (من آل سعود) بمساندة رجال الدين والمناهضين لاسلوب خالد في الحكم رافعاً شعارات التحرير من التبعية للسياسة الاجنبية ومطالباً بتطبيق مبادئ الدعوة السلفية، وقد تمكن في عام (1841م) من الاطاحة بحكم الأمير خالد الذي لجأ الى البحرين والكويت ومنها إلى الحجاز حيث ظل بها حتى توفي عام 1860م وبهذا قامت الدولة السعودية الثانية ولكنها انتهت بالصراع الذي حصل بالبيت السعودي والذي على اثره غادر الأمير عبد الرحمن إلى الكويت ومعه ابنه الأمير عبد العزيز.
وفي عام 1901م عاد الأمير عبد العزيز مطالباً بملك آبائه وأجداده في نجد والجزيرة العربية وكان على استعداد للتضحية في سبيل تحقيق الهدف الذي يسعى اليه وانتهت مسيرته بقيام المملكة العربية السعودية الدولة ضمت أغلب أجزاء الجزيرة العربية في إطار من العدل والأمن والاستقرار لم تعرفه المنطقة منذ مئات السنين فاتضحت الاستراتيجية العسكرية التي انتهجها الملك عبد العزيز في أول بداية كفاحه في الرياض وكان ذلك في الخامس من شهر شوال من عام 1319هـ وهي ليست ضربة حظ إنما نابعة من استراتيجية عسكرية فذة. ففي الرابع من شوال 1319هـ وعند وصوله إلى المنطقة قام بتقسيم قواته إلى قوة احتياطية تكمن في موقع استراتيجي وبعيد نوعا ما عن أعين الخصم وقد اختار جبل ابن مخروق لهذه القوة، ورغم قلة الرجال والعتاد إلا انه وبامكانياته الضئيلة استطاع باستراتيجية عسكرية التغلب على هذا الجانب فقسم القادة بنفسه للتسلل إلى الرياض واقتحام سورها وقد نجح بتخطيطه هذا للوصول قصر عجلان حاكم الرياض في ذلك الوقت وانتهى بقتل عجلان وتصفية الحامية العسكرية وبالتالي فتح الرياض، وهذا لم يكن نهاية المطاف بل البداية الحقيقية للدخول في المعارك الطويلة التي استمرت ردحاً من الزمن والتي توجت وختمت بقيام المملكة العربية السعودية.
لكن كل ذلك لم يتم بمعزل عن الصراع الدولي، فنود أن نشير إلى ان منطقة الخليج العربي تتمتع بموقع استراتيجي جعلها محط أنظار دول العالم في
القديم والحديث لكونها ملتقى الطرق التجارية والبحرية التي تربط القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ ولذا فالصراع على هذه المنطقة قبل اكتشاف البترول الذي زاد من أهمية المنطقة وكان الطموح يراود كثيرا من الدول الوصول إلى هذه المنطقة؛ فمثلاً روسيا القيصرية التي تسعى للوصول إلى المياه الدافئة عن طريق الآستانة والمضايق وعن طرق الخليج، بريطانيا والتي نجحت في إقصاء كل من فرنسا وهولندا من هذه المنطقة.. ألمانيا التي اصبحت الدولة العسكرية الأولى في أوروبا بعد هزيمتها لفرنسا عام 1871م، ومما لا شك فيه أن كل ذلك قد تم وضعه في الإستراتيجية العسكرية للأمير عبدالعزيز في ذلك الوقت وقد تكشف ذلك من خلال تحالفاته مع أمراء الكويت واتصالاته الدبلوماسية مع الدول العثمانية والسلطات البريطانية في الخليج العربي فتوظيف واستثمار هذه الصراعات والتيارات لخدمة أهدافه وتحقيق خططه ونجاحه في الحربين العالميتين الأولى والثانية في إبعاد دولته عن الدخول في الحرب مع أي من الطرفين فكان يحدد مواقفه الدولية على ضوء مصالح بلاده العليا.
وقد أدرك منذ فتح الرياض أن الاستيلاء عليها ونجاح هذه العملية ليس سوى البداية الحقيقية للمعارك مع القوى المختلفة في الجزيرة العربية وعلى رأسهم آل رشيد أمراء شمر، وأن الإستراتيجية العسكرية تفرض عليه تأمين هذا الإنجاز أولاً ثم التوجه نحو تحقيق انتصارات أخرى وبالتالي توحيد نجد، وبعد معارك دامت ما بين عامي 1902م و1912 نجح في تحقيق الاتزان الإستراتيجي النسبي لدولته وذلك عن طريق تأمين فتح الرياض، فمن اليوم الأول لدخول الرياض وفي إستراتيجيته العسكرية أنه لابد من الاستعداد للخصم وهو ابن رشيد في حالة زحفه على الرياض لذا وضع إستراتيجية الهجوم السريع في حالة حدوث مثل ذلك، ولم يغفل الخطط الإستراتيجية الأخرى مثل: تحصين الرياض وإعادة تسويرها وتأمينها من ناحية الجنوب الغربي بالاستيلاء على الخرج والافلاج ووادي الدواسر وفي خطوة أخرى أناط أمر الدفاع عن الرياض إلى والده وكون قوة فتية يقودها بنفسه للمناورة والتحرك في جميع الاتجاهات لإيقاف وتعطيل أي هجوم يشن عليها، تأمين السلاح والمؤن، الاهتمام برفع الروح المعنوية للأتباع، طلب المساعدة في حالة الحاجة إليها من الموالين له أو من أمير الكويت، وقد رسم إستراتيجية القتال على نحو يهدف إلى إغلاق كل الاحتمالات التي من الممكن أن ينتهجها الخصم ففي حالة تقدم ابن رشيد الى الرياض مباشرة ستصمد الرياض لأنه قام بتأمينها مما يؤدي الى تكسر هجمات الخصم والذي في هذه الحالة هو ابن رشيد وبالتالي يتم فقد جيشه لعنصر الحركة فيتولى هو أي عبدالعزيز مهمة الهجوم وبمبادأة الجيش الغازي، وفي حالة أخرى لربما يتجه ابن رشيد الى الخرج والجنوب تاركا ًالرياض وفي هذه الحالة تطول خطوط مواصلته وتتعرض للقطع، وقد اتجه ابن رشيد إلى الخرج كما توقع الأمير عبد العزيز فلجأ عبدالعزيز بن سعود إلى المناورة والتحرك السريع وفي كل الاتجاهات ونجح في صد الهجمات وبالتالي إنهاك جيش ابن رشيد فأنزل به هزيمة في السليمة وأجبره على الرحيل إلى الشمال ، فأصبح نصف نجد يخضع للحكم السعودي، هذا الانتصار حفز الأمير عبدالعزيز إلى توسيع إستراتيجيتة وهي الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم وذلك عندما أراد ابن رشيد محاصرة الكويت وذعر الشيخ مبارك بن صباح الذي استنجد بالأمير عبد العزيز فسار إليه على رأس جيش كبير ولكنهما لم يلتحما مع ابن رشيد الذي لجأ إلى المناورة والزحف على الرياض التي صمدت لهجومه مما أدى إلى انتقال مسرح القتال إلى داخل نجد، لكن بعد معركة شقراء (مارس 1903م) فتحرك الأمير عبد العزيز بجيشه إلى القصيم لضمها وحدثت سلسلة من الهجمات المتبادلة بين القوى المتحاربة حول مدن نجد والتي انقسمت بين مؤيد ومعارض لكليهما ومن هذه المعارك معركة البكيرية (1 ربيع الأول عام 1322هجري الموافق 16 مايو عام 1904م). وقد حدثت فيها أول مواجهة كبرى والتحام هائل بين جيش ابن سعود الذي دانت له اغلب بلاد القصيم وبين جيش ابن رشيد الذي استعاد بعض قوته بعد الضربات القوية التي حلت به وفي هذه الموقعة لم يحسم الصراع بينهما لتقارب الجيشين في النتائج فاستمرت المناوشات والمعارك الجانبية قائمة حول تنازعهما على بلدان وقرى القصيم المختلفة مما آثار تضجر أهل نجد من القتال وطوله، وقام بعض وجهاء المنطقة بمحاولة لحقن دماء المسلمين وانهاء هذه الحرب ولكن لم يقدر لها النجاح لرفض ابن رشيد ذلك وأصر على الاستمرار في القتال. وبعد معركة البكيرية وما تلاها من مناوضات وهجمات مباغته بين الجانبي انسحب ابن رشيد الى الشنانة مستفيدا من طبيعة أرضها التي تساعد على الدفاع فلجأ عبدالعزيز إلى المناورات والمناوشات وهي ما تشبه بالحرب النفسية، حتى تمكن من استدراج ابن رشيد وجيشه الى ارض محتارة فهزم ابن سعود ابن رشيد، وقد ساعد هذا الانتصار إلى توطيد سيطرة الأمير عبد العزيز على كثير من الأراضي النجدية وانعكست نتائج هذه الانتصارات على موقف القوات العثمانية التي التزمت بعدها الحياد في القتال الدائر بين الأميرين المتنازعين، وبعدها جاءت موقعة روضة مهنا والتي ذبح ابن شيد بها وكان ذلك في 18 صفر عام 1324هجري كانت معركة روضة مهنا هي البداية الأولى لتطلع الأمير عبد العزيز الى توسيع رقعة ملكه إلى جبل شمر والإحساء لكن الظروف الداخلية لإمارته لم تكن مواتية لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وطموحه السياسي فكان لزاماً عليه أولاً القيام بتوطيد نفوذه، وسلطته وتأمين جبهته الداخلية قبل أي محاولة لتوسيع ملكه فأخرج القوات العثمانية من نجد وضم بريدة وقضى على تمرد أبا الخيل وتمرد قبائل مطير وحرب وتجمعها مع قبائل شمر وابن رشيد، وذلك بعد إعلانهم الخروج على ابن سعود ولكنه تمكن من تصفية التمردات القبلية وحاصر آل مهنا والقوى الشمرية المساندة لهم في بريدة وانتهى الحصار بنجاحه في دخول المدينة وضمها للمرة الثالثة، أما أبا الخيل الذي تخلت عنه القوات الشمرية المساندة فقد أمن على حياته بعد استسلامه وسمح له باللجوء الى العراق، وقضى على فتنة الهزازنة في الحريق 1910م والعرائف واحتواء محاولة الشريف حسين للسيطرة على نجد 1912م وضم الاحساء التي لها ميزات إستراتيجية منها: أهمية المنطقة الإستراتيجية والاقتصادية والتجارية، تدهور أوضاع الأمن والاستقرار في المنطقة وهذه مرت بعدة مراحل تكشف لنا الإستراتيجية العسكرية التي سلكها الأمير عبد العزيز في توطيد حكمه وما أن تجاوز الأمير عبد العزيز آل سعود الضغوط الخارجية التي هددت استغلال دولته وأنهى التمردات القبلية والفتن الداخلية حتى قرر بدء العمل التمهيدي لإنشاء الكيان الاستراتيجي العام والسليم لدولته منطلقاً في الوضول إلى أهدافه ومرتكزاً بعد الله على إمكانياته الذاتية والعون من الموالين له في المنطقة ومعرفته أبعاد الموقف الدولي وكيفية التوفيق بين أهدافه وبين الاعتبارات الواقعية وما يمكن تحقيقه على أرض الواقع أي تحقيقه عمليا, وقد كانت منطقة الاحساء الخاضعة للسيطرة العثمانية منذ أن تم فصلها عن الدولة السعودية الثانية في عام 1817م أولى مجالات تطلعهم إليه لإنقاذ البلاد من الاحتلال الاجنبي والفوضى الضاربة.. لكن ما هي الإستراتيجية التي انتهجها الأمير عبد العزيز في عملية ضم الإحساء:
لم يدخر الأمير في هذه المرحلة الأولية أي جهد لجمع المعلومات والبيانات المحلية والدولية التي سوف تفيده في رسم إستراتيجيتة القادمة، وقد توصل إليها بواسطة عناصره الاستخبارية ومن واقع معرفته بأبعاد الموقف الدولي فاستطاع الوقوف على طموحات وتطلعات الأهالي وعلى الوضع المتدهور في المنطقة وانشغال الدولة العثمانية بأحداث المقاومة المناهضة للوجود التركي في بلاد البلقان (اليونان وبلغاريا) الصرب وفي أماكن أخرى من العالم ومعرفته بالمكان، ومعرفته بالمكان المناسب للهجوم على الثكنات العسكرية التركية المتمركزة في الهفوف، فقام بالهجوم على الحصون والثكنات العسكرية العثمانية والسيطرة على الأحياء الخاضعة للوجود التركي وبعد مناورات ومعارك استطاع الأمير عبد العزيز السيطرة على الأحساء والتي أظهرت النتائج ما يلي:
أنه اضفى قوة إلى مركز عبدالعزيز من الناحية الإقليمية والاقتصادية والسكانية، اعتراف الدولة العثمانية بالأمر الواقع لابن سعود، حصل ابن سعود على منفذ للاتصال بالعالم الخارجي مما زاد من أهمية الدولة وثقلها السياسي الاستراتيجي اهتمام بريطانيا بالوضع القائم ومحاولة استمالة عبد العزيز عن طريق إرسال كل من الكابتن شكبير والسيربرسي كوكس وغيرهم ومهدت لقاءاتهم معه في التوصل فيما بعد الى معاهدة دارين أو القطيف في عام 1334هجري التي كانت أول معاهدة دولية يؤكد فيها ابن سعود مركزه الدولي.
وتوالت الانتصارات التي حققها عبد العزيز فقد تم ضم حائل في عام 1340هجرية بعد استسلام ابن رشيد لعدم استطاعته فك الحصار المضروب على حائل والذي دام ثلاثة شهور نظراً لاتخاذ عبد العزيز استراتيجية عسكرية محكمة في مواجهة إبن رشيد بجبل شمر، وكذلك عسير والحجاز وقد توالت الفتوحات وضم المناطق مثل ضم الحجاز وذلك بعد صراع مع الشريف في الحجاز وجده وتوحيد نجد فكان لعبد العزيز ما أراد في تحقيق إستراتيجيتة السياسية والعسكرية التي انتهجها منذ الخامس من شوال عام 1319هجرية إلى أن أعلن قيام الدولة السعودية وأطلق عليها المملكة العربية السعودية.
المراجع:
عبد الله الشهيل الدولة - السعودية المعاصرة
يوسف جمل الليل - الإستراتيجية ودور عباقرة الفكر العسكري في تطورها.
نادية الدوسري - محاولات التدخل الروسي في الخليج العربي
علي الكريديس - ساسة عرفهم التاريخ
علي الكريديس - حصاد في زمن الغربة
علي الكريديس - نظرية تكوين الدولة (تحت التأليف)
عمر عثمان العمودي - التطور السياسي للمملكة العربية السعودية (مذكرة)
والعديد من الكتب والصحف والمجلات ذات العلاقة
http://search.suhuf.net.sa/cgi-bin/s...s=1&svalue=100