النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: " الاستشراق الفرنسي والترجمة في الجزائر " للباحث حمو عبد الكريم

  1. #1

    افتراضي " الاستشراق الفرنسي والترجمة في الجزائر " للباحث حمو عبد الكريم

    المقدمة:
    الاستشراق مُصطلح وَاسعُ يشمل ميادين عِدَّة، تَعْمل في حقل الدِّارسات الشَّرقية المختلفة و يُرادُ به اليّوم دِّراسة الغربيين لتُراث الشَّرق ومُكَوناته اللُغوية والأدبية والفلسفية والعَـقَائدية ،وعُدَّ المستشرق هو كُلُ كاتب أو عالم غربي غير مسلم يكتب عن الشرق وعن الفكر الإسلامي والحضارة الإسلاميـة. وقد اِتَّفَق البَّاحثون على أنَّ الفكر الاستشراقي أضحى علماً مستقلاً لَه ذَاتِيتهُ وكيانُهُ، يُصدِر أحكامًا ويُنَصبُ تقاريراً على العالم الإسلامي كما اتَّفقُوا على أنّ الاستشراق لَعِب دوراً كبيراً في تَعريف الغرب حضارة الشَّرق عامة، وتُراث المسلمين وآداب العرب خاصة، وأثرهما العظيم في الغرب نفسه، ونهضته العلمية والفكرية على حد سواء.
    فمنذ الاحتلال الفرنسي سنة 1830م جِيء بعدد هائِـل من المستشرقين والمترجمين والباحثيـن والمكتشفين لِيُسَانِدوا مشروع الحملة بأفكارهم وآرائهم وأقلامهم،ولِيُسَهلوا العقبات أمام إدارة المحتل. و لما تمكنت الحملة ذهب كُل فريق إلى مجال عمله المُوكل له بكل إخلاص وتفان.ومن هذا المنظور أُقدِّم بحثي- هذا - لأَستظهر هذه الأفكار بالتحليل والإثراء والتعليق وعنونْتُها بـ :
    " الاستشراق الفرنسي والترجمة في الجزائر "
    والموضوع كما يتضح مِن عنوانه يتناول نواح ثلاث: الأولى: معرفة نُشُوء الاستشراق وعوامـل تَطَوُره، وكيف أصبح علماً له منهجهُ، ولهُ أعلامهُ ولهُ أهدافهُ. الثانية: مَسيرة الاستشراق الفرنسي في الجزائر. الثالثة: تقويـم الاستشراق الفرنسي في الجـزائر وتطرقت إلى بعض أخطاء ترجمـة القـرآن الكريم عند المستشرق الفرنسي رجيس بلاشير.

    تصدير:
    إن أدنى تأمل في كلمة استشراق توحي بأنها ذات معنى شامل لأولئك الكتاب غير العرب، الذين انْصبّ اهتمامهم على فهم ثقافة المجتمع العربي وتراثه وسلوكياته ، بوسائل خاصة وبطـرق متعددة ، مجانبةً أحياناً للصواب وعدائية في أحيان أخرى . والحديث عن الاستشراق هو الحديث عن العناصر الأولي التي شكلته؛ وأولاها ذِكراً الإسلام الذي تربع الشرق، فدخل المسلمون فيـه أفواجا، وشرحوا به صدورا غُلفا، وتبنوه لُغة وديناً، وصاروا به أمة مُتوحدة دُستورها اِسمه القرآن، ثم تلاها عُنصر الجغرافية والزمان والقومية.. التي عملت كلاً في تشّكل الشرق.
    أولاً: تعريف الشرق:وينقل لنا أحمد سمايلوفيتش في كتابه { فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي} تعريفاً لرودي بارت، الذي حدد لنا تعريفا للشرق بالقول إنَّ الاستشراق علم يختص بفقه اللغـة خاصة... وعلى هذا يكون الاستشراق هو علـم الشرق أو علم العالم الشرقي....والظاهر أنَّ اِسم الشرق تعرض لتغيير في معناه، فالشَّرق بالقياس إلينا نحنُ الألمان، يعنـى العالم السلافي، العالم الواقع خلف الستار الحديدي كما كـان يسمى في الماضي،وهذه المنطقة يختص بها علماء بحوث شرق أوربا،أما الشَّرق الذي يختص به الاستشراق فمكانه جغرافياً في الناحية الجنوبية الشرقية بالقياس إلينا ،وذلك الاصطلاح يرجع إلي العصر الوسيط بل إلى العصور القديمة،التي كان فيها البحر المتوسط يقع كما قيل في وسط العالم،فلما انتقل مركز الأحداث السياسية بعد ذلك من البحر المتوسط إلى الشمال، بقي مصطلح الشرق برغم ذلك على الدول الواقعة شرق البحـر المتوسط كذلك تعرضت لفظة "الشرق".لا ناحية الشمال والشرق فحسب، بل إلى ناحية الغرب،وزحفوا في غضون عشرات من السنين إلى مصـر وشمال إفريقيا، وتعرب السكـان تـدريجياً، ومنذ ذلك الحين تعتبر مصـر وبلدان شمال إفريقيا ضمن الشرق؛ ويمتد الاستشراق إلى الشمال غرب إفريقيا الذي يسمى المغرب أي بلد غروب الشـمس وإن كان المفروض أن اِسم الاستشراق يختـص بالبلدان الشرقية دون غيرها، ومهما يكن من أمر،فإن الاسم يبين بوضوح مستقيم المقصود منه بالضبط، والمُهم هو الموضوع ذاته"
    والسؤال الذي يبقى مطروحا في هذا البحث، هو ما موقـع الجزائر في محور الشرق ؟ علما أنها تضطلع بموقع جغرافي غربي هام، مشرفة علي البحر الأبيض المتوسـط مُتزعمة بوابـة أن ان الشرق الواقعي الحي، مهبط الديانات السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام،ومنبع أُولى الحضارات الإنسانية منذ فجر التاريخ، المُستوحي لغته من وحي القـرآن، المُتثاقل بتراث الأعارب و الأعاجم، والمنبسـط علي امتداد الأبصـار والأمصار؛ هو في نظر المستشرقين سوى خيال ومسرح يتوق للكشـف والمعاينة، فقد نسجه وحدد معالمه النفسية والاجتماعية والسياسية، فهو شـرق صُوري طُوبوي أكثر منه تجسيدي واقعي ؛ وهكذا شارك فيه الغـرب بعلمائه ورجاله وكتابـه وفنانيه وشعرائه و مكتشفيه، بمختـلف تخصصاتهم ووظائفهم العلميـة والأكاديمية ، ووسائله المادية والمعرفية، ومناهجه الفكـرية والتجريبية، وتعاون معه الشرق برقعته الجغرافية وبموروثة •الثقافي والديني الحضاري، فكان محصول هذا الترادف والتزاوج هو إنتاج علم سُمي"الاستشراق إفريقيـا، ومُمتدة بِعمقها إلى أدني الصحراء الكبير، فكيف تدمـج إلي الشرق ؟
    يقول ادوارد سعيد " فقد كان المستشرقون لعقود قد تحدثوا عن الشرق وترجموا النصوص، وفسروا الحضارات والأديان والسلالات والثقافات والعقليات..وكان المستشرق خبيراً مِثل ساسي ورينان ووظيفته في المجتمع أن يُفسرا الشرق ويُترجمه لأبناء قومه؛ وكانت العلاقـة بين المستشرق والشرق بصورة أساسيـة تأويلية، فإذا وقـف المستشرق والباحث أمام حضارة أو منجزة ثقافية نائية لا تكاد تفهم، قلّص الإيهام عن طريق الترجمة، والتصـور المتعاطف...بِيـد أنَّ المستشرق بقي خارج الشرق الذي بقى نائيا عن الغرب"
    ويرى مالك بن نبي أنه يجب أولا أن نحدد المصطلح: إننا نعنى بالمستشرقين الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي، وعن الحضارة الإسلامية، ويصنف أسماءهـم إلي صنفيـن: الصنف الأول: من حيث الزمن: 1- طبقة المستشرقين القدماء مثل جريردوريياك والقديـس توما الأكويني، وهذه الطبقة أثرت ولا تزال تؤثر على مجـرى الأفكار في العـالم الغربي دون العـالم الإسلامي، والأكيد أنَّ ما كتبوه كان محـور الانطلاقة الفكرية التي نشأت عنها حركة النهضـة في أوربا.
    2- وطبقة المستشرقين المحدثين مثل: كارادوفو وجولدسيهر. الصنف الثاني: من حيث الاتجاه العـام نحو الإسلام والمسلمين لكتاباتهم : 1- طبقة المستشرقين المادحـين للحضارة الإسلامية مثل: رينو الذي ترجم جغرافية أبي الفداء في أواسط القرن الماضي، ومثل دوزي الذي بعث قلمه قرون الأنوار العربية في اسبانيا، ومثل سيدييو الذي جاهد الأبطال طول حياته من أجل أنْ يحقق للفلكي والمهندس العربي أبي الوفـاء لقب المكتشف ِلما يسمي في علم الهيأة،ومثل آسين بلاثيوس،الذي كشف لنصرة الحقيقة العلمية وللتاريخ، وكل ذلك من أجل مجتمعهم الغربي، ولكننا نجد أنَّ أفكارهم كان لها وقع أكبر في المجتمع الإسلامي في طـبقاته المثقفة. 2- طبقة المستشرقين المنتقدين لها المشوهين لسمعتها، الذي كان لهم بعض الأثر في تحريـك أقلام المسلمين مثل الأب لامانس..كما وقع ذلك في العهد الذي نشر فيه طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) على غرار ما تقتضيه مسلمة قدَّمها المستشرق مرجيليوث قبل سنة من صدور كتاب طه حسين الذي أثار تلك الزوبعة من السخط.
    كان في القارة الأوربية، وأول ما ظهر كان Orientalist إنَّ أول ظُهور لكلمة مستشرق بانجلترا سنة 1779م، ثم بعـد ذلك بعشرين عامـاً ظهـر في فرنسا سنة1799م. أما لفظـة الاستشراق غير قديم قدم الشَّرق، وهو مصطلح حديثا ظـهر في بريطانيـا سنة1811م، وأُدرج الذي عرَّفته سنة1838م." فالحداثة هنا Orientalismeرسمياً في قاموس الأكاديميـة الفرنسية لغوية اصطلاحية لا أكثر، بينما ميدانياً وعملياً و تطبيقياً هي أقدم من ذلك بكثير"
    المستشرقون و التراث العربي الإسلامي:
    لقد اِستُهدفت حركة الاستشراق أولاً وقبل كل شيء حياة ودين وعلوم وحضارة الشعـوب الأولى، فتأثروا بها تأثيرا كبيراً، فتناولوا تراث الأديان (الإنجيل والتوراة والقرآن) واهتَّموا كذلـك بحضارة الفرس واليونان والرومان، وامتدّ نشاطهم أيضاً تراث مصر والهند والصين، حتى انتهـى المقام إلى الشَّرق بدراسة تفصيلاته وجزئياتهِ –الشَّـرق الذي ربط العالم القديم بالعالم الحـديث-التي ترعرعت في حُضنِه الحضارةُ الإسلامية - وليدة البعثة النبوية - وقد شملت هذه الحضارة دين سمح كريم ولغة غنية بمفرداتها واشتقاقاتها، ومن أدب يصف التعابير والترانيم، ومن علوم تجربيه كونيـة أسَّست كلاً في استقطاب الفكر الاستشراقي على طاولة البحث والاكتشاف؛ يقول لوبون:"إنـَّه كان للحضارة الإسلامية تأثير عظيم في العالم، وأنَّ هذا التأثير خاص بالعرب فلا تشاركهم فيـه الشُعـوب الكثيرة التي اعتنقت دينهم، والعرب هم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة الذين قضوا على دولة الرومان، والعرب هم الذين فتحوا لأوربا ما كانت تجهله من عالم المعـارف العلميـة، ولاسيما الكتب العلمية و الأدبية والفلسفية، فكانـوا مُمدنين لنا، وأئمة لنا ستة قرون- وظـلت ترجمات كتب العرب، ولاسيما الكُتب العلمية مصدراً وحيداً تقريباً للتدريس في جامعات أوربا خمسة قرون أو ستة قرون-وإذا كانت هناك أمة تُقر بِأنَّنا مدِينون لها بمعرفتِنا لعالم الزمن القديم فالعرب هم تلك الأمة...فعلى العالم أنِ يعترف للعـرب بجميل صُنعهـم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة اعترافاً أبدياً، قال ليبيري:{ولم لم يظْهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوربا الحديثة في الآداب عدة قرون }"
    ويتجلى مما قدمناه أنَّ الاستشراق قد اِنصبت عنايتُه على التراث الشَّرقي كُلّه – قديمه وحديثه- بوجه عام، وعَكف بكُلّ ما أُوتي من وسائل مادية ومعنويـة على دراسة نُظم الإسلام بوجه خاص، إذْ هُو المِفتاح الأساس لفهم عقلية الشرق وأحوالهم؛ وأيقن أنَّ حقيقة الشَّرق هي دراسـة اللغة العربية للتعمق والولوج في حضارة العرب،كما قام بترجمة عدد هائل من الكُتب العربية إلى اللغات المختلفة، وعنيِّ بتحقيقها وكشف عن مخطوطاتها ونَّظْم فهارسها، وهذا التحقيق والمعالجة في النُّصوص قام بها أسلافُنا الأقدمون في رواية كُتب الحديث واللغة والشَّعر والأدب والتاريخ في دقة وأمانة وجهد وطلب، وتَبنى المستشرقون إحياء هذه الفنون والعلوم ونبغ منهم علماء أُمناء قاموا بنَّشر نفائس جليلة من التراث العربي" ولولا عناية المستعمرين بإحياء آثارنا، لمـا اِنتهت إلينا تلك الدُرر الثمينة التي أخذناها من طبقات الصحابة، وطبقات الحفاظ، ومُعـجم البلدان، ومُعجم الأدباء، ومُعجم ما اُستعجم، وفتوح البلدان،وفِهرست اِبن النديم،ومفاتيح العلوم، وطبقات الأطباء، وإخبار الحكماء، والمقدسي الاصطخرى، وابن حوقل، والهمدانى، وشيخ الربوة، وابن جبير، وابن بطوطة إلى عشرات من الكتب الجغرافية، والرحلات التي فتحت أمامنا معرفة بلادنا في الماضي، ووقفنا على درجة حضارتنا، ولولا إحياؤهم تاريخ اِبن جبير واِبن الأثير وأبي الفداء واليعقـوبى والدينوري والمسعودي وأبى شامة وابن الطقطقى، وحمزة الأصفهاني وأمثالهـم لجهلنا تاريخنا الصحيح في عماية من أمرنا "
    وأعود لأقول، إنَّ عنّاية الاستشراق بالتراث العربي الإسلامي، له فضلُ كبير على النهضة العربية الحديثة، فلا يتفق اِثنان على إنكاره وجحوده، بل لابد من النّظر فيه حيث رحل وارتحل، وحيث أجاد وأصاب، وهو جُهد بَالغ الأهمية وفى الوقت نفسه أشّـد الخطورة، فمن أقْـدس الواجبات الدفاعُ عن الدِّين وتتبُع ما قيل عنه، بل الدِّفاع عن وجود الإسلام ككُل، فإنَّ الذي لا يدرك كله لا يترك جله " فمن الحق أنْ يـقال أنّ الاستشراق قد اِهتّم بالتراث الإسلامي العـربي، ولكـن اِهتمامه الأكبر كان منصباً على تُـراث من نوع خاص، فاهتمامه بتراث الحلاج،و السهروردى، وابن عربي، وأبى نواس، و بشار، وابن الرواندي، والرازي، وغيرهم إنما يكشف عن خطة الغزو الثقافي في الإهتمام بالجوانب المضطربة والمثيرة للشبـهات لإعلانـها وإبرازها والاهتمام بها، رغبة في دفع أفكارها المُنحرفة والتي كشف زيفها أعلام الفكر الإسلامي إلى الظهور مرة أخرى، وهذه الأفكار ربما كانت فلسفات يونانية، أو فارسيـة، أو هندية، أو مجوسية، وليست أصلية النّسب للإسلام، وبينما يهتمـون بهذه الجوانب يحملون حملات عنيفة على الغزالي، والمتنبي، وابن خلدون ويؤلف كثير من تلاميذهم مؤلفـات في الغض من أقدار هؤلاء الأعلام"
    مسيرة الاستشراق الثقافية: - الحالة الأدبية والفنية في ظل الاحتلال:
    إن الفرنسيين لم يصطحبوا معهم العتاد الحربي والبواخر المُدشنة بالسِّلاح فقط، ولكنهم اصطحبوا معهم المستطلعين والمستكشفين والمترجمين والمستشرقين، وأهم من ذلك كله، هو أنهـم جاءوا بِنُظمهم ومناهجهم وأفكارهم، ورسخوا طبائعهم وعاداتهم.فمع المستطلعين والمكتشفين استطاعـوا معرفة جغرافيا وتضاريس الجزائر؛ومع المترجمين نُقلت الخطابات والأفكـار من وإلى العربية، ومع المستشرقين جاء الاهتمام بتـراث ولغة وتاريخ الجزائر.
    كذلك انصرفوا إلى الاهتمام بالشؤون الدينية ، فيما يخص تحديد المواسيم الشرعية (الحج،العمرة)، أو تعين رجال الدين والافتاء أو رخص التدريس ...الخ وكل هذا أصبح تحت سُلطتهم وتصرفهم، وكلفوا بعض العلماء والمستشرقين أمثال بريزنيه وشيربونو وبيربروجر على تنظيم حلقات اللغة العربية،التي كانت موجهة إلى الفرنسيين (المدنيين والعسكريين) ، أو الاستيلاء على الكتب والمخطوطات ، التي تحتويها الكتب العامة أو الخاصة في المساجد، أو الزوايا أو دور العلم ...حيث لقيت مكتبة الأمير عبد القادر المصير نفـسه بعد سقوط مكتبته المتنقلة في"الزمالة" سنة1843م، ومكتبة ابن الفكون، ومكتبات مساجد تلمسان ومعسكر. وكان الكثير من الفرنسيين من صحفيين وعسكريين أو هواة يتنقلون بين المدن والقرى وفي المراكز الثقافية ، يجمعون الكتب والمخطوطات النادرة، بطريقة أو بأخرى لدراستها أو بيعها في مراكز المخطوطات والمكتبات في فرنسا، أو غيرها من البلدان الأوربيـة الأخرى .
    فقد اِحتلت اهتمامات المحتل نشر الآثار القديمة عن الجزائر عناية شديدة، ولهذا نشـر كتب الرحلات والانطباعات التي كتبها الأوربيين عن الجزائر في العهد العثماني " فخلال العشر سنوات الأولى من الاحتلال ظهر كتاب عسكريون أمثال كاريت وبيليسي وهانوتو وديلامـار وغيرهم، وقد شارك هؤلاء في {اللجنة الافريقية1837} ، وهكذا كتب كاريت عن القبائل الجزائرية، وعن العلاقات الاقتصـادية بينها ، وكتب بيلسي ديرونو كتابه (أخبار الجزائر)،كما كتب هانوتو عن لهجات ونظم الجزائريين .. وسلان الذي ترجم تاريخ ابن خلدون وجغرافية البكري وغيرهما واختص الضابط بروسلار بالخط العربي، وقام فورنيل بكتابة تاريخ شمال في العصور الوسطى،أما لاكروا فقد نشر دراسات عن الاستعمار والإدارة الرومانية في افريقية.. وأيضا بيربروجر الذي ملأ المجلة الإفريقية عن أخبارالجزائر.. "
    لقد كانت لفرنسا من أول أعمالها الجديدة بالإضافة إلى الذي ذكر -آنفا- تكويـن جمعيات ودوريات تعبر عن المكتشفات التاريخية الجزائرية ، فمنذ 26جوان1830م، ولدت الصحـافة وتزييـف • بالجزائر (بسيدي فرج)، وهي بُوق استعماري ضخم، مُختص في تشويه الحقائق المعلومات، يحاور ويداور طبقا لخطته وعقيدته، وأصبح المحرر العسكري هو المحرر العلمي الحربي، الذي يقوم بترجمة وتبسيط المعلومات الحربيـة والعسكرية، والخطط والنظريات الإستراتيجـية، إلى لغة سهلة سليمة يفهـمها القارئ العادي والجنـدي المحدود المعلومات. فأول جريدة حقيقية أسسها الفرنسيون في أرض الجزائر، هي جريدة "المرشد الجزائري" التي خُصت بإعلانات وقرارات إدارة المحتل، ثم صدرت بعد ذلك جريدة الأخبار 1839م التي تُعنى بالآثار والأبحـاث التاريخية، ثم جريدة المبشر 1847م التي تهتم بأحوال وقضايا الجزائريين المحلية. " غير أن تأسيس جمعيـة قسنطينة الآثار1852م قد أدى إلى ظهور الدوريات المتخصصة في الدراسات التاريخية والأثرية وظهرت في مدينة الجزائر1856م، الجمعية التاريخية الجزائرية التي أصدرت المجلة الإفريقية" وهذه المجلة هي التي حكت مسيرة الحياة الثقافية والعلمة والأثرية للجزائر.
    وإجمالا، لقد عدت هذه المجلات والدوريات حقلاً معرفياً خصباً، اِستنطقته أقـلام علمـاء وباحثين فرنسيين، تناولوا فيه تقريباً كل فرع من فروع المعرفة ، معتمدين على طريقة النقـد والتحليـل للمصادر والمعلومات، فجاءت أبحاثهم مجانبة للصواب، ومحاكية للواقـع، أصبحت عمدة البحث التاريخي للجزائر على امتداد مائة سنة ونيف من الزمن.
    أعمال بعض المستشرقين الفرنسيين في الجزائر:
    UANTOINE ISAAC SILVESTRE DE SACY1) سلفستر دي ساسي:
    عُدَّ دي ساسي شيخ المستشرقين الفرنسيين، حيث قضي حياته في خدمة الاستشراق بالتعليم والتصنيف والترجمة والتحقيق والنشر، وأخذ عنه طلاب أوربا قاطبة في الاستشـراق.
    ولد دي ساسي في سبتمبر1758م بباريس، وأخذ في تعلم الألمانية والانجليزية والاسبانية والايـطالية.. ويذكر لنا- نجيب العقيقي-أنَّّ دي ساسي تعرف على يهودي مقيم في باريس فزاده معرفة باللغة العبرية والعربية، فأكب إليها إكباباً، ولم تكن في نيته معرفة العربية ولكن حاجته إلى دراسـة الكـتاب المقدس وتاريخ الأديان، جعله يقتحم هذا الحقل اللغوي التي اعتبرها (العربية) لغة مساعدة للغة العبريـة حيث قال: " فلما دُعيت إلى تدريس اللغة العربية في المدرسة الجديدة (يقصد:مدرسة اللغات الشرقية الحية) كان عليّ أنْ أكرس كل نفسي-بدافع الواجب- لِعلمِ كُنت لذلك الوقت أشْدوه عن تذوق" ، وكان كلما التقي نابليون يسأله دائمـاً نفـس السؤال وهو:" كيف حال العرب"
    إنتاجه العلمي: ثلاث مذكرات عن مصر منذ الفتح الإسلامي إلى الحملة الفرنسية، وله تلخيص كتاب الخطط للمقريزي، وله التُّحفة السنية في علم اللغة العربية، وله ترجمة تاريخ الساسانين عـن الفارسية لميرخوند، وله كتاب الأنيس المستفيد للطالب المستفيد، وله كلامية العـرب للطغرائي وأشعار المعري، وقصيدة ومقامات بديع الزمان الهمداني، وجزء من كتاب سلطـان المغرب إلى ملك فرنسا، وله أصل الأدب الجاهلي عند العرب، وله الإفادة والاعتبار لعبد اللطيف البغدادي متنا وترجمة، ونشر بمعاونة ديلابورت مبـاحث جغرافية عربية من إفريقيا، وله كليلة ودمنـة ومقامات الحريري شرح ومقدمة عربية مع ترجمة الحريري عن اِبن خلكان، وله ألفية ابن مالك بشرح وتعليق، وله بيان الديانة الدرزية.
    Le général baron boissonnet 2)- البارون دوبواسوني
    اِستاف لوبون ولد في باريس بتاريـخ 19جوان 1811م، وتوفى سنة 22فيفري 1902م عن عمر يناهز 91سنة، إنَّه أخـر من تبقى على قيد الحياة من الأعضاء المسؤولين في الجمعية -الجمعية التاريخية في الجزائر- الذي كان رئيساً شرفيا لها لمدة أعوام. كان يأتي كل شتاء ليباشر أعماله المهنية ليضيئها بنور معارفه الجمة وبذكائه الوقاد؛ وقد حافظ على نشاطه وحبه لعمله من بداية توليه في الجمعية التاريخية، وكان دائمـاً في خدمة المعرفـة وتحقيق المنفعة. فلقد فقدت الجمعية التاريخية الجزائرية أحد رؤسائها - بواسوني- وهو كان أحد أعمدتها، وأقل ما فـعلته (الجمعية) هو ترجمـة سيرتـه الذاتية في المجلـة الإفريقية وقامت بعمليـن: 1 - صفات ومآثر الرجل الحميدة (الوقع الطيب الذي تركه في إدارة الشؤون الأهلية لإقليـم قسنطينة 1844-1845م).2 - جهوده وأعماله الاستشراقية العسكرية. ذكر ان سنة 1860م أصلح الأمير بين خصام المسيحيين الذين رأوا فيه الصلاح والنبل والقدوة الحسنة . فكان كلما ذُكر الأمير عبد القادر ذُكر معه مغامـرات وذكريات بواسوني، حيث أكسب بهـذا العمل شهرة عالمية أهلته أنْ يتّصف بالمستشرق والمترجم العسكري المحترف.
    3- المقدم العقيد لويس رين:
    في تاريخ 06 مارس 1905م توفى بالجزائر المستشرق لويس رين الذي خدم في الجيش الفرنسي، وكان من الرؤساء الأقدمين في المصلحة المركزية للشؤون الأهلية،ثم عضو مرشداً في الحكومة الفرنسية، ثم تولي رئاسة الجمعية التاريخية الجزائرية التي بقى بها سبـع سنوات لمعرفـة أحوال السكـان وخدمـة الإدارة الاستعمارية، وفى آخر أيامه أصبح رئيسا شرفياً لها .
    أعمال لويس رين المؤلفة والمترجمة: 1- مدخل في الدِّراسات اللغوية والاثنولوجية عند الأهالي2- أول المماليك البربرية وحـرب يوغرطة 3- حروف التوارق - أغنيتين حول ثورة القبائل 4- أصول البربر: الدراسات اللغوية والاثنولوجية (وثيقتين تتعلق بثورة الأهالي 1871م) 5-أماكـن معلنة - رواية ثانية سلمون- (جبل الأوراس) 6- ملاحظة حول الجنرال لاليماند 7- مملكة الجزائر تحت حكم الدايات . 8- ملاحظة حول الجنرال بواسوني 9– دروس في القراءة والكتابـة الفرنسية المستعمـلة عند متعلمي أهالي الجزائر وحلقات السَّيد المترجم أحمد بن بريهمات 10- قانـون عقابي للأهالي دومنيك لوسياني:
    لقد ترجم ادمون فانيان حياته في المجلة الإفريقية، وقال لابد من كلمة ثناء وعرفان للزميـل دومنيك لوسياني الذي قدم عملاً آخر يستحق التقدير والاحترام، وهو اهتمامه بالتأليف والترجمة ونشر النصوص العربية والدارسات الفقهية والإسلامية، رغْم انشغاله بالإدارة وتسير شؤون الأهالي؛ فقد أصدر كتاب سماه " الحوض" طُبعت كل فصوله مع نصه الأصلي (العربية) ونصه المترجم (الفرنسية)،ونشر" الرحبية " عند المسلمين،وهي ترجمة لكتاب أم البراهين أو العقيدة الصغرى لصاحبها السنوسي (فانيان، الجزائر 1896م)وهذان النصان المذكوران أنفاً كانا مُبرمجين في المقررات الدراسية الرسمية وفى الزوايا القرآنية.. وقد نشر ما يلي: أصول القوانين المستعملة في الصحراء - منطقة التل- و التحـولات الكبرى لتاريخ الجزائر، وفي سنواته الأخيرة من حياته ( العقيد لويس رين) تفرغ لكتابـة موسوعة التاريخ الجزائري في إحدى عشر مجلدا
    EMILE MASQRAY10)- إميل ماسكري:
    فقد رُزئت المجلة الإفريقية بفقدان رئيسها السيد ماسكري، الذي أصابه مـرض القلب فـأدى فجأة بموته؛ إنَّها لخسارة جسيمة بالنسبة لمدرسة الآداب للدراسات الإفريقية عموماً.
    ولد ماسكري في روان عام 1843م،وبعد دراسات معمقة في ثانوية كورني أصبح سكرتير لدي فيكتولا كوزين،ثُّم تخرج من المدرسة العليا العالمية 1866م،وكانت اهتماماته منصبة بالتاريخ والجغرافيا، وخلال عطلتة قام برحلة إلى القاهرة والسويس، الرحلة التي من خلالها اِطلع لأول مرة على العالم الإسلامـي، حيث عُين أستاذاً بثانوية باستيا عام1869م، وقـام بدوره في المدرسة الشِّبه العيادية، ثم انتقل إلى جبل فاليريان كمسؤول، وبقي هناك حتى نهاية حصار باريس، وفي شهرأكتوبر1872م التحق بثانوية الجزائر وأحب الجزائر والجزائريين، وأتمم فيها بقية عمره، وكان ثمرة ذلك أنْ سخّر نفسه لمِوطنه لمُختار(الجزائر) ففهِمه وأحبه.وبدأ ماسكري أولاً بتعلُم اللغة العربية وكان ذلك شاقاً بالنسبة إليه أنْ يتعّلمها ويُعلمـها وهو في الثلاثين مـن عمره.
    أقام ماسكري في الأوراس لمدة عامين لقد تعرف على كل أوديتها وجبالها وتعرف أيضا على منطقة الزعاطشة ومنطقة نيقرين، وخلال الصَّيف 1878م زار منطقة ميزاب وبقي فيها حوالي شهرين وتحصل على وثائق قيمة.
    أعمال ماسكري المؤلفة والمترجمة : 1- القبائل البلدان البربرية ( المجلة السياسية والإفريقية 19/16 فيفري1877م، التقرير الثاني للجنرال للسيد شانزي: سريانة، نقاوس، توبنا، تولقا 2- وثائق تاريخية موجودة في الأوراس 3- ساحة تيبرسيم النورمندي (مجموعـة ملاحظات ومذكرات الجمعية الأثرية لقسنطينة) 4 -جبال شرشال 5- الآثار القديمة لخنشلة 6- تاريخ أبو زكرياء نشر لأول مرة مترجم 7- تابع (خراب الآثار القديمة لخنشلة بزريانة ) 8- المـدونة الخاصـة لأولاد داود جبـل الأوراس 9- مقارنة بين مفردات لهجة زناقة بالسنغال مـع مفردات مقابـلة في لهجة الشاوية وبني ميـزاب.
    تعريف المستشرق رجيس بلاشير:
    أصبح بلاشير من أشهـر مُستشرقي فرنسا في القرن العشرين، بل عُد قُّطب من أقطـاب المستشرقين الأوروبيين .
    و ُلد في 30 يونيو 1900م في ضاحية مونروج (باريس)، سَّافر مع أبويه إلي المغرب سنـة 1915م، وقضي مرحلته الثانوية في مدرسة فرنسية بالدار البيضاء، وعُين ملاحظاً في مدرسة مولاي يوسف في الرباط، وبعد حصوله على الباكلوريا اِلتحق بالجامعة،وحصـل من كليـة الآداب بالجزائـر علي الليسانس سنة 1922م، ثم أمضي السنة التَّالية فيها حيث استمع لدروس وليم مارسيه، وقد اِنتدب مديراً لمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط، وهذا بفضل ليفي بروفنسال 1924-1925م، وعين أستاذاً محاضراً في السوريون سنة 1938م، ثم مديـراً لمدرسة الدراسات العليا والعلمية سنة 1942م.
    أعماله: ترك لنا أعمالا لا تُعدو ولا تُحصى في جميع التخصصات والمستويات، في الأدب وفي اللغة وفي الجغرافيا وفي التاريخ..وكتب أغلبُها باللغة الفرنسية، وترجم بعضها إلى العربية، ولقد اعتني عناية كبيرة بشاعر العرب " المتنبي"،حيث فقد قدم سنة 1936م رسالة دكتورة بعنوان"شاعر عربي من القرن الرابع الهجري: أبو الطيب المتنبي"، وله تعليق على ديوان المتنبي، وله أيضاً "مصدر لتاريخ العلوم عند العرب"، وترجم "طبقات الأمم لصاعد الأندلسي" وله"الأمير الأموي الوليد الثاني"، وله "مجمل شاعرية العرب"، وله أيضا "ابن القارح" و"رسالـة الغفران للمعري" وله "نبذة عن النفس في القران" ،وله أيضا " دراسة أدب الأمثال عند العرب"، ولـه "خطبة حجة الوداع"، وله"ترجمة ليفي بروفنسال" الخ .
    Régis blachereبعض أخطاء ترجمة رجيس بلاشير:
    (Le coran) نماذج من ترجمة المستشرق رجيس بلاشير من خلال كتابه
    Traduction selon un essai de reclassement des sourates.

    الترجمة الأقرب إلى الصواب ترجمة بلاشير قوله تعالى
    فقد ترجم لفظـة "خيرٌ" بـ لفظة "حسنُ". وهذا خطأ والصواب :
    il vaut: mieux pour vous de jeuner. jeuner est un bien pour vous.
    (p.779).     
    البقرة 184.
    فقـد جعلـها جملـة استفهامية، وهذا خطـأ، Tu nés والصواب :
    pas un envoyé. N’es –tu pas un envoyé ?

    (p.718).     
    الرعد 43.
    فقـد ترجـم لفظـة "المُلك"بـ "الممْلكةُ"وهذا خطأ والصواب:
    Ce Jour –Là la vraie Le Royauté appartient- au bienfaiteur Le Royaume, ce jour- là, (et) la vérité appartiennent bienfaiteur. au
    (p.307)     
    الفرقان26.
    فقد ترجم هذه الآية:"يغطون بالحياء نِساءكُم". وهـذا خطأ، والصواب:
    Laissaient vivan- tes vos femmes. Et couvraient de honte vos femmes !
    (p.740)   
    البقرة 49
    فقد ترجم هذه الآية:"يمشي اللهُ معكُم جميعاً" وهذا خطأ، والصواب
    Dieu vous ramènera tous Qu’ que vous soyez all- ah marchera avec vous ensemble.
    (p.770).    •
    البقرة148

    فقد ترجم لفظة "الجار" بـ الزّبُون، وترجم لفظة " الجار بالاختلاط" وهذا خطـأ، والصواب:
    Voisin proche par parenté et Voisin
    lointain. Au client par parenté au client par promis cuité
    (p.936).     
    النساء36.

    مصير الاستشراق أمام الدارسات الجزائرية :
    إنَّ جُلْ الدِّارسات الاستشراقية المتعلقة بالجزائر،كانت تهدف إلى تسويغ الوجود الاستّعماري، وهي تُؤكدُ • دائماً بأنَّ الاستعمار الفرنسي مرسومُ تنفيذي ضروري جداً يحكم على أنَّ المسلمين غير مُؤهلين سلفاً لاستغلال خيرات بُلدانهم، وأنَّ الوصايـة عليهـم وحدها كفيلة بالنهوض بهم، فقد قال الكاتب جيراردي برنيس "إنّ دور الاستعمار يصُبح جليلاً شريفاً إذا كان غرضهُ تنمية الإمكانات الاقتصادية، والخيرات التي وفرتها طبيعة هذا البلد، ولم يتمكن العرب من إدْراك أهمِيتها ولا من إحكام استغلالها، وذلك لأنّ الإنسان المسلم كلّمـا اعترضه مُشكل من مشاكل الحياة، أوْجد نفسه أمام عقبة من عقبات الدّهر، تراه يتخـاذل أمامها،فلا يتصدى لها بالعزيمة الضرورية الكافية،لأنَّه يرى في مشيئة الله،فيسلم الأمر إلى الظروف،ويستسلم لأمر الله، وبما أنَّ الأسبقية المطلقة لا يمكن أنْ تكون إلاّ لمشيئة الله على مشيئة العبد،فإنّ الذي لا يستسلـم قد يتعارض مع الإرادة الإلهية تنتهي القراءة الاستشراقية المعاصرة لتاريخ الجزائر، وبِنياتِهِ الاجتماعية ومُكوناته الثّقافيـة إلى النتيجة نفسها، وإنْ إختلفت طرقُ البحث ومناهجهِ، وإنْ تباينت المسالك التي ينْفذُ منها بحثه وفكره، تلك النتيجة تحددها عبارة:إنَّ الجزائريين عرب وبربر، ومنْ هنَا فهمُ لسان العرب، ولسان البربر يُسّهِل اِحتوائهم والسّيطرة عليهم.
    فواجب على الجزائريين أنْ يقوموا بدِّراسات متخصصة تتّصل اتصالاً مباشراً بالأمم الأوربية وتقابلُ عقلية الاستشراق، وتُجابهً دُروبه حتى يتمكنوا من معرفة كل أسرار خصومهم وطـرق تفكيرهم، وأهم أعمالهم المؤلفة، والمترجمة والمحققة..
    ومن الأمور التي تُساعد على مُواجهة الحركة الاستشراقية هي الإكثار من التأليف المُوجـه إلى الشُّعوب الأوربية للتعريف بالإسلام الصحيح وبحضارته المشرقة،ويُصورها تصويراً يختلف عن ما آثره المستشرقون والمفكرون الغربيون.

    الخـاتمـة:
    ممَّا لاشك فيه أنَّ الفكر الاستشراقي بدأ يبحث عن نَفسِه نتيجة تلاقي حضارتين، كَُتِب لهما أنْ تَنْشآ وتزْدهرا في رقعة جغرافية مُتقاربـة، كُلُ منهـا اعْتنقت ديانتين سماويتين (الإسـلام والمسيحية)، وكلُ منها اِنتهت بدِّراسات تتصلُ بالإنسان، وبالحضارة الفكرية العربية أو الغربية، القديمة أو الحديثة.. ومع فرنسا تَكونت الدِّراسات الاستشراقية، وكان خِريجُوا هذه المدارس يَعملون في سفـارات فرنسا وقنصلياتها في البلـدان العربية، كسفراء أو مترجمين أو مستشارين أو مُلحقين ثقافيين؛ ويُمكن أنْ نشير إلى أنَّ جُهود هؤلاء اِتجه إلى خدمة المصالح الفرنسية، وخاصة عند احتلال الجزائر سنة 1830م، وقبل ذلك، الحملة النابولونية على مصر؛ واِنطلاقاً من الجزائـر ضُمت تونس لإمبراطورية فرنسا 1880م، وضُمت المغرب الأقصى سنة 1912م، واِنصب الاهتمامُ على دِراسة لُغات وتاريخ وعادات وتُراث شعوبها.
    فمن الصَّعب جداً أنْ نجد تطابقاً بين ما يَكْتُبُه المستشرقون والبَاحثون الغربيون عنَّا، وعـن دِيننا، ولُغتنا وعقيدتنا، وبين الواقع الذي نحياه يومياً، ومن هذا المنْظُّور؛ كلُ ما يُقال وما يكتب عنَّا، يَهمُـنا بالدرجة الأولى سواءٌ أكان حقيقياً أم مفتعلاً، وكثيرُ من الدِّراسات كانت بِدافع التَّحامل على الإسلام، أو الانحياز لمواقف مذهبية أو سياسية أو التَّركيز على المسائل الخلافية وتعميقـها، أو الاعـتماد على مصادر ضعيفة واهية، مِّمَا تَفضي هذه الدراسات إلى قلب الحقائق وتَغَلْغُلها في الذهن واِعـتبارها هي المرجـع المقتدى؛ فمن تحريف إلى تشويه، ومن تشويـه إلى تَغيير، وبذلك تُصبح الصورة المتداولة عن حضارتنا كاريكاتورية هجينة. مقتطف من رسالة الماجيستير حول الفكر الاستشراقي في الجزائر.
    يقدمها الأستاذ: حمو عبد الكريم.
    تحت إشراف الدكتور بن سعيد محمد جامعة وهران/ الجزائر
    تاريخ المناقشة 30/06/2008

  2. #2
    مدير وصاحب الموقع
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مكة المكرمة
    المشاركات
    4,413
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي رد: " الاستشراق الفرنسي والترجمة في الجزائر " للباحث حمو عبد الكريم

    ما شاء الله بارك الله فيك
    ويمكنك نشر البحث في الموقع ليستفيد منه الاخرين
    www.minshawi.com
    ابو عبدالله

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-28-10, 07:24 AM
  2. تنمية الشخصية"الشيخ د.عبد الكريم بكار"
    بواسطة الأمل في المنتدى نفحات إيمانية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-14-09, 01:11 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-04-09, 08:29 PM
  4. """"""هام هام هام هام للغاية ارجو الرد""""""""
    بواسطة محمد البدر في المنتدى التحليل الاحصائي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-27-07, 12:45 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-21-04, 06:44 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

جميع الحقوق محفوظة لموقع منشاوي للدرسات والابحاث