عند بداية انتقالي إلى الرياض عام (1420هـ) لاستكمال دراساتي العليا في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية حدث موقف عنصري صدمني بشدة وخاصة انه صدر من معلمة تربوية تقوم على تربية النشء وتعليمهم وكانت هذه الرسالة:
الأخت الفاضلة معلمة مادة الجغرافيا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ بداية التحاق بناتي لديكن في مدرسة تحفيظ القران في بداية هذا الفصل اثر نقلنا المؤقت من مكة المكرمة إلى الرياض لظروف استكمال دراساتي العليا لاحظت عليهن بعض الضيق والنفور من المدرسة وقد عزوت ذلك لأسباب البعد عن الأهل وعن صويحباتهن ومدرساتهن اللاتي ألفنهن ، ثم بدأن يشكوا لي ولوالدتهن من بعض المضايقات التي تحصل لهن في المدرسة وأهمها ما كان يصدر منك أثناء الشرح حيث كنت تصري وبإلحاح على أنهن غير سعوديات في حين كن وببراءة الأطفال يخبرنك والدموع في أعينهن ويقسمن على ذلك بأنهن كذلك ولم تكوني لتصدقينهن بل كانتا مصدر تهذيئ وسخرية منك ، أصدقك القول لم نكن نعر ما كانا يخبرانا به أي اهتمام لعدة أسباب منها :
1. كنا نعتقد أن هذا من باب محاولة التبرير لإحجامهن عن المدرسة والدراسة وهن اللاتي تعودن وبفضل الله أن يتنافسن فيما بينهن على المرتبة الأولى والثانية ، وهن اللاتي كن يقمن الدنيا ولا يقعدهن إذا نقصت درجة واحدة من درجاتهن .
2. لم نكن لنصدق إطلاقا بان مثل هذه الأفكار المتخلفة والعقليات المتحجرة لا زالت تعيش بيننا وخاصة أنها صادرة من معلمة ( لاحظي معلمة ) أي أنها يفترض أن تكون قدوة لغيرها وأنها يفترض فيها أن تكون مؤهلة تربويا وعلميا لتربية فلذات أكبادنا .
3. لقد تربينا وربينا أطفالنا على مبدأ احترام المعلم وكنا نرضعهم منذ نعومة أظافرهم قول الشاعر :
قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسول
ومقولة : من علمني حرفا كنت له عبدا
إضافة إلى أن ثقافتنا الإسلامية أوصت باحترام معلم الناس الخير .
ولذلك كنا نوبخهن كلما جئن للشكوى من مثل هذه التصرفات بالرغم من تكرار شكواهن .
ومضى الفصل الأول وتفوقن بفضل الله بالرغم من حالة الإحباط التي كانت لديهن .
وبدا الفصل الدراسي الثاني وبدأت معهن فصلا أخر حيث بدأت بالاعتراف بأنهن سعوديات ( ولله الحمد والمنة ) ولكنهن متجنسات وليتك اكتفيت بذلك بل أصدرت حكما عاما ( كنا نسمعه منذ زمن غابر جدا أيام التخلف والتناحر ) بان أهل الحجاز كلهن متخلفين وبقايا حجاج .
يا الله هل ما يحدث صحيح ؟ هل يمكن أن يصدر هذا من شخص لا يزال يعيش في القرن الواحد والعشرين وفي عاصمة الثقافة ؟ هل هذا يمكن أن يصدر من مسلم نهى عن التفاخر بالأنساب والتنابذ بالألقاب ؟ وأخيرا هل يمكن أن يصدر من معلمة يفترض أن تكون مؤهلة تربويا وثقافيا وعلميا لتربية أطفالنا وغرس المعلومات والقيم فيهن ؟
يا معلمة الجغرافيا :
سوف افترض فرضيات واطرح أسئلة وأقرر حقائق .. فليسع حلمك كل ذلك .
لنفترض جدلا أنهن سعوديات
أو لنفترض أيضا جدلا أنهن متسعودات
أو لنقل أنهن أجنبيات !!! ( واعلم تماما أن في الصف طالبات أجنبيات )
هل يؤثر ذلك في طريقة تعليمهن ؟
هل يغير ذلك من حقوقهن وواجباتهن ؟
هل يبدل ذلك أو ينقص من العلم الذي لديك ( أن كان لديك علم ) ؟
هل تفرق طرق التربية التي تعلمتيها ( أنا افترض جدلا بأنك تعلمتى طرق التربية ) بين المواطن وغير المواطن ؟
هل تغيرت واجبات المعلمة إلى موظفة في الجوازات أو الأحوال المدنية ؟
هل تعرفين يا معلمة الجغرافيا معنى كلمة " ديموغرافيا " إذا كنت لا تعلمين فتلك مصيبة وان كنت تعلمين فكيف جهلت إذن التوزيع الديموغرافى لسكان الحجاز ؟
لقد اخبرنا آبائنا ومن عاصر حرب المدّينةَ ( هل تعلمي ما هي حرب المدّينةَ ، لا اعتقد فمن يجهل صلب تخصصه أنى له أن يعرف غيرها ) بان هذا التفاخر كان موجودا قبل ذلك ولكن الموحد رحمه الله قضى على مثل هذه العقول والأفكار ، بل لقد قضي عليها ديننا الحنيف قبل ذلك .
هل جهلت يا معلمة الأجيال بان ديننا الحنيف نهى عن التفاخر قال تعالى في سورة لقمان :
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18)
هل جهلت أن الشرع نهى عن السخرية قال تعالى في سورة الحجرات :
يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(11)
هل جهلت حرمانية الهمز واللمز ، قال تعالى في سورة الهمزة :
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ(1)
بم تفتخرين ؟ بحسبك ؟ الم تسمعي قول الرسول عليه الصلاة والسلام :
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ما من رجل يسلك طريقا يطلب فيه علما إلا سهل الله له به طريق الجنة ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه *
وقوله صلى الله عليه وسلم :
حدثنا إسماعيل حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى اللهم عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام قال ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب *
الم تقرئي وعيده صلى الله عليه وسلم :
حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب *
أو لم يتوعد المتفاخر بالنار :
حدثنا عبد الله حدثني أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ابن كعب قال انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام فقال أحدهما أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك قال أنا فلان بن فلان ابن الإسلام قال فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن هذين المنتسبين أما أنموت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة *
فعدى يا معلمة الجغرافيا ما شئت من أجدادك ؟
هل ما ذكرته كافيا لإقناعك ؟ أمل ذلك وان كنت اعتقد بان من هم في مثل مستواك الفكري لن يقتنعوا إلا بما تعودوا عليه من جهل وضلال ألا وهو الافتخار بالأنساب !!
لن افتخر فمعاذ الله أن أقع في مثل ذلك ولكن أوضح لك حقيقتين غائبتين عنك ولم أكن لأفصح عنها أو أتفاخر بها (ولست بالمتفاخر أن شاء الله ) لولا الحاجة إلى إقناعك بتفاهة الأفكار التي تبثينها بين طالباتك .
هل تعلمي يا معلمة الجغرافيا إلى من ينسبن من أنكرت مواطنتهن ( وكأن المواطنة حق لمن هم أمثالك فقط ) لن اذكر لك حسب ونسب أبوهن فهو واضح ولك أن تبحثي عن ذلك في كتب التاريخ وتسألي من يعرفون الأنساب ، ولكن سأوضح ما لا يمكن لك الوصول إليه بداهة ألا وهو مخولهن :
أولا : هل تعلمي من هو الحجاج الثقفي ( ومثلك يحتاج إلى مثله ) هل له اصل وفصل ، الم يكن حاكما وأميرا ، هل تعلمين أن قبيلة ثقيف تسكن الحجاز . حسنا أن مخول الفتاتين من ثقيف .
وثانيا : هل تعلمي من هو مخول والدهن ؟ هل تعلمي من هم السادة السنوسية ؟ هل تعلمي أنهم كانوا ملوكا وحكاما ؟ بل والاهم وهو مربط الفرس ، هل تعلمي إلى من ينسبوا ؟ إنهم ينسبوا إلى أفضل نسب يمكن أن ينتسب إليه أي شخص على وجه الأرض ، إلى آل البيت ، إلى من أمرت بالصلاة والسلام عليهن .
فإذا كان مثلنا من أجدادهم ملوكا وسلاطين ويلتحقوا بأفضل نسب قاطبة لا يفتخر بنسبه وحسبه فبما مثلك يفتخر ؟؟؟؟؟؟؟
وأخيرا يا معلمة الجغرافيا أخشى أن استمر الوضع على مثل ما هو عليه أن تتغير النظرة إلى المعلم ( مع علمي مسبقا بوجود معلمين أفاضل لن نوفيهم حقهم ) وان يتحول التمثل بقول الشاعر السابق إلى :
قم للمعلم وأعطه البرسيم كاد المعلم أن يكون بهيما
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
والدهن