حوار مع الفقهاء والأصوليين
استنباط أصول فقه جديدة من الكتاب المنزل
مدلول الفقه
إن من تفصيل الكتاب أن لفظ الفقه حيث وقع في الكتاب المنزل فإنما للدلالة على فهم مقاصد الكلام ودراية المعنى كما في قوله :
• وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الإسراء 44
• قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول هود 91
• واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي طـه 28
• لهم قلوب لا يفقهون بها الأعراف 179
• وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه الأنعام 25 ، الإسراء 46
• إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه الكهف 57
• ووجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا الكهف 93
ويعني أول الإسراء أن بني آدم لا يفقهون أي لا يفهمون ولا يدرون تسبيح الكائنات حولهم ومنه تسبيح الرعد بحمد ربه فمن منا يفقهه ؟
ويعني حرف هود أن قوم شعيب لم يفهموا ولم تقع منهم دراية ما يدعوا إليه رسول الله شعيب من الإيمان بالغيب ومن الإسلام بامتثال التكاليف .
ويعني حرف طـه أن موسى سأل ربه أن يحلّ عقدة من لسانه ليتمكن الناس من سماع كلامه لعلهم يفهموه ولتتم درايتهم معانيه ودلالاته .
ويعني الطبع على القلوب أن أصحابها رغم سماع تلاوة الكتاب المنزل لم يفقهوه ولم يفهموا مقاصده ودلالاته .
ويعني ثاني الكهف أن القوم بين السدين لا يكادون يفهمون مقاصد الكلام ودلالاته أي هم شعب متخلف بعيد عن البحث العلمي المجرد وعن استعمال السمع والبصر للتأمل والفكر ، وهكذا لم يرفعوا رأسا بما مع ذي القرنين من العلم والحكمة وإنما سألوه أن يعيذهم ببناء سدّ من إفساد يأجوج ومأجوج ، ويعني أن ذا القرنين عرض عليهم الإيمان ولكن لم يفقهوا حديثه وعلموا تمكنه فسألوه بناء السدّ فبناه لهم ولم يعذبهم عذابا نكرا .
وإن المثاني في قوله :
• ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون المنافقون 3
• وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون التوبة 87
• هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون المنافقون 7
• لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون الحشر 13
• سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا الفتح 15
• وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون التوبة 127
• فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون التوبة 81
• وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا النساء 78
• يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الأنفال 65
ويعني نفي الفقه عن المنافقين والذين كفروا .
ولم يفقه المنافقون أن اتخاذ الأيمان جنة عن الافتضاح في الدنيا لن يغني عنهم العذاب في الآخرة .
ولم يفقه المنافقون أن خزائن السماوات والأرض هي لله وإذن فلن يضيّع من عند رسول الله .
ولم يفقه المنافقون أن الله أحق أن يرهب منه وأن يخاف أكثر من الذين آمنوا .
ولم يفقه المنافقون أن النبي إنما منعهم أن يجاهدوا معه بعد نزول حرف التوبة طاعة لله الذي أمره بذلك كما في قوله فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين التوبة 83 وحسب المنافقون قليلوا الفقه والفهم في الدين أن النبي إنما إنما منعهم من الخروج معه ومع سراياه وبعوثه حسدا أن يصيبوا من الغنائم ولم يفهموا أنه بسبب حرف التوبة الذي أنزل قبل حرف الفتح كما في قوله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل الفتح 15
ولم يفقه المنافقون المتخلفون عن غزوة تبوك أن نار جهنم أشد حرا من حر الصيف الذي يتقونه برغبتهم بأنفسهم عن نفس رسول الله ولو كانوا يفقهون لتقوا نار جهنم بطاعة الله ورسوله .
ولم يفقه المنافقون أن الحسنتات والسيئات أي النعم والمصائب هي قضاء وقدر قد كتبه الله من قبل .
ولم يفقه الذين كفروا أن حرصهم على متاع الحياة الدنيا قد أوهنهم وصيّر عشرة منهم بواحد من المؤمنين الذين هم أحرص على متاع الآخرة .
قلت : إن الفقيه حسب التراث الإسلامي هو الفروعي الذي حفظ المتون الفقهية ويكاد يحيط بالألغاز والافتراضات الفقهية في العبادات والمعاملات .
ولم يقع في الكتاب المنزل ولا الحديث النبوي ذم المنافقين والكفار على جهلهم تلك المسائل الفقهية وألغازها وافتراضاتها الفلسفية أو الوهمية .
وإنما تضمن الكتاب المنزل في هذا السياق قوله :
• قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون الأنعام 67
• وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون الأنعام 98
• فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون التوبة 122
ويعني أول الأنعام أن الله قد جعل من الشهب والصواعق آيات أي دلائل وقرائن على أن الله قادر على أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم ، وجعل من الخسف والزلازل والبراكين آيات على أن الله قادر على أن يبعث عليهم عذابا من تحت أرجلهم ، وجعل من سنن الصراعات والحروب آيات على أن الله قادر على أن يجعلهم شيعا اختلفوا في الحق وتفرقوا عنه يذيق المغلوب منهم بأس الغالب .
وصرّف الله ذلك للناس ليفقهوه ويفهموه ليعينهم على أن يهتدوا بالقرآن العجب إلى الرشد وإلى التي هي أقوم يوم يستقر النبأ العظيم ويصبح شهادة معلومة للناس كما في قوله لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون الأنعام 68 ومن المثاني معه قوله ولتعلمن نبأه بعد حين خاتمة سورة ص ، ولم ينقض بعد الرويد والحين منذ أكثر من أربعة عشر قرنا .
ويعني ثاني الأنعام أن الفقهاء من الناس هم الذين سيفقهون من تفصيل الكتاب المنزل المستقر والمستودع في بني آدم .
ولقد كنت أحسب والله أعلم أن المستقر في بني آدم هو من استقرت فيه ولم تتجاوزه إلى ذرية من بعده سلالات آبائه وأمهاته أي هو العقيم الذي لا يلد .
وأن المستودع هو من جعله الله مستودعا لذرية أخرى سيخلقها الله منه أي الذي يلد .
وكذلك كل دابة في الأرض يعلم الله مستقرها ومستودها كما في حرف هود ، فالله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ... وهو المستودع والله أعلم ، ويجعل من يشاء عقيما وهو المستقر والله أعلم ، ولن يموت المستودع قبل أن يخرج الله منه ما استودع فيه من الذرية .
ويعني حرف التوبة تصنيف المؤمنين في آخر حياة النبي إلى فرقتين فرقة تخرج في السرايا والبعوث وهم الذين ينفرون ، وفرقة تتفقه في الدين من النبي وهم الذين سينذرون قومهم بما سيكون بعد إذا رجعوا إليهم .
قلت : ولم يكن من معاني الفقه في الكتاب المنزل البحث عن حكم امرأة طلقها زوجها ثم تزوجت بعد طلاقها بسبع سنين بزوج آخر ، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الزواج الثاني أنجبت طفلا كامل الخلق والوزن والشحم والحم والدم.
قال السادة الفقهاء على مذهب مختصر خليل بإلحاق الولد بالزوج الأول وبتحريم المرأة على الزوج الثاني .
قلت : ولقد تضمن الكتاب المنزل تفصيل كل شيء من الغيب الذي كلف الناس بالإيمان به وهو من الدين الذي ارتضى الله للناس وأتمه لهم وذلك موضوع كتابي "من بيان القرآن " في الجزء الثاني من حواري مع التراث الإسلامي .
وتضمن الكتاب المنزل والهدي النبوي تفصيل كل شيء من الدين الذي كلف الناس بتمثله والتعبد به .
وهكذا أمر الكتاب المنزل بالصلاة وبيّنها النبي بسلوكه وحديثه النبوي ومنه "صلوا كما رأيتموني أصلي " في صحيح ابن حبان وسنن البيهقي الكبرى والدارقطني .
وإنما يعني الاقتداء به واتباعه أن نجعل صلاتنا تبعا لصلاته لا نفرق بين شيء من شعائرها كالذي افترضه الفقهاء من وجوب تكبيرة الإحرام دون سائر تكبيراتها وكما جعلوها عضين بين الندب والوجوب .
وأمر الكتاب المنزل بالحج وفصله تفصيلا وحج النبي بالناس وعلمهم مناسكهم وقال في حديثه النبوي " خذوا عني مناسككم " كما في سنن البيهقي الكبرى كتاب الحج باب الإيضاح في وادي محسر .
وكذلك بيّن الكتاب المنزل كيفية الوضوء وتوضأ النبي وبيّنه عملا وحديثا صحّ عنه وهكذا الزكاة والصوم وغير ذلك من أحكام العبادات والمعاملات والأقضية فلم الفلسفة بالزيادات والافتراضات والتنطع في الدين ؟
أصول الفقه من الكتاب المنزل
توطئة :
ولا يخفى أن المدارس الأصولية مدرستان أو ثلاث هي :
1. مدرسة الأحناف وتسمى مدرسة الفقهاء وطريقتهم هي بناء القاعدة على أساس فتاوي أئمتهم ، وتتعدد أوجه القاعدة الأصولية تبعا لتعدد آراء فقهائهم الفروعيين .
2. طريقة الشافعية وتسمى مدرسة المتكلمين لأن أغلب المتكلمين كانوا ولا يزالون ينتهجونها ، وعلى رأس هؤلاء المتكلمين الخوارج والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم من فرق المتكلمين .
ويتبع هذه المدرسة المالكية والشافعية والحنابلة من طوائف السنة والزيدية الأقرب إلى السنة والإمامية من الشيعة والإباضية من الخوارج وإلى حد ما الظاهرية لولا رفضهم القياس .
3. المدرسة التوفيقية التي يعدّ منها ابن حجر غير أنها في الحقيقة من مدرسة المتكلمين .
وكان التأصيل المعلوم في مدرسة المتكلمين بتقسيم خطاب التكليف بالأمر والنهي والإباحة إلى خمسة أقسام هي :
1. الوجوب
2. الندب
3. الإباحة
4. الكراهة
5. التحريم
وما يدور حوله من القياس ومسالك العلة قد استفاد منه واستغله الخوارج أولا وتبعهم جميع الفرق والطوائف في تاريخ الإسلام والمنتسبون إليه الذين لا يجمعهم إلا الانتساب إلى الإسلام ومنهم من تسمى باسم أخص حرصا منه على التميز عن سائر المخالفين رأيه وعقائده وتصوراته ومنهجه ومذهبه .
وكأن لم يتدبروا قوله ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل الحج 78 ومن المثاني معه قوله ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك البقرة 128 يعني أن إبراهيم في دعائه يوم كان يبني الكعبة دعا ربه أن يجعل من ذريته أمة مسلمة لله فتلك دلالة قوله هو سماكم المسلمين من قبل أي إبراهيم ، ولن يرغب عن ملته إلا السفيه .
ولعل الباحثين المعاصرين واللاحقين يقرون ولا ينكرون واقعا مريرا هو احتجاج تلكم الفرق المختلفة المتناقضة كالخوارج والشيعة والسنة والتجانية والسلفية ... بالتأصيل القديم للفقه كل يجعل في خانة الوجوب ما يراه واجبا وفي خانة الندب ما يراه مندوبا وفي خانة الجواز ما يراه جائزا وفي خانة الكراهة ما يراه مكروها وفي خانة الحرمة ما يراه حراما ، بل لقد وقع الاختلاف بين أصحاب الطائفة الواحدة كالمدارس الفقهية لدى السنة إذ لا يخفى عدم الاتفاق على الموصوف بالندب والكراهة وعلى الموصوف بالوجوب أحيانا بين الأحناف والمالكية والحنابلة والشافعية.
إن اعتقاد وجوب مسألة من المسائل كإقامة الخلافة بالقوة وردة المخالف واستحلال دمه وعرضه وماله وكفر من حكم برأيه أو بشرائع وضعية هو الذي عصف بالدولة الراشدة بنشأة الفتنة التي قتل بها عثمان رضي الله عنه وكان قتلته المنافقون قد أظهروا الصلاح وألقوا الخطب في المساجد وأعلنوا الغيرة على الدين تدليسا منهم على العوام ، وهكذا الخوارج آخر الخلافة الراشدة وهكذا سائر الفرق وأهل الأهواء والكلام كل وجد في الأصول الفقهية مدرسة المتكلمين درعا يحفظ له بدعته وحصنا يتحصن به عن نقد العوام أهل الفطرة الذين لا يفهمون منها غير القول بوجوب بعض الشعائر التعبدية واستحباب بعضها وكراهة بعضها وغير جواز أو حرمة بعض الأعمال وبعض الملبس والمشرب والمأكل والفروج ، ولا يفهمون من فلسفتها غير هذا المنطق .
ولا فرق بين احتجاج الخوارج وسائر أهل الأهواء بالأصول الفقهية المذكورة وبين احتجاج كثير من المتأخرين ومنهم التنظيمات السرية والجهادية المعاصرة التي اعتقدت جاهلية المجتمع وتفسيق أو كفر من لم يوافقهم ويهاجر إليهم فكل اعتقد وجوب رأي أو مذهب واعتقد أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، تلكم القاعدة التي نقضتها في فقه المرحلية .
وهكذا نشأ الاختلاف في الكتاب المنزل أي التخلي عن التمسك بهديه إلى ما تهواه أنفسهم من الآراء والأهواء .
وأدعو المنصفين من الباحثين إلى تأمل مهزلة الفقهاء الملتفين حول الحكومات الوطنية وما يزيدون به الطين بلالا وما يزيدون به الفتنة اشتعالا حين يصدعون بكفر وبفسق التنظيمات السرية والجهادية وأنهم فئة ضالة مارقة من الدين كالخوارج الأولين .
ونسي أو تناسى فقهاء الحكام أن الأصول الفقهية التي يعتمدونها لأنفسهم ولفتاويهم هي أقرب إلى التنظيمات السرية والجهادية وإلى الخوارج وسائر أهل الأهواء والكلام ، وأنها ردة فعل من مدرسة الفقهاء المتكلمين حين تسلطن في العهد الأموي غير أفقه الناس وأكثرهم اجتهادا .
أما التأصيل الذي استنبطته من الكتاب المنزل فلن يصح الاختلاف فيه لإجماع الأمة جيلا بعد جيل على المصحف العثماني الموجود اليوم بين دفتي المصاحف والحمد لله على نعمته حفظ القرآن .
ومن يختلف فيما تضمن الكتاب المنزل من أمر امتثال أو اجتناب كلف وخوطب به الملائكة والنبيون ثم بآخر خوطب وكلف به النبي ثم بآخر خوطب به الذين آمنوا ثم من دونهم رتبة فمن دونهم .
ولا أدعي أنه هو الحق وإنما هو استنباط طالب علم قاصر لم يكتمه خشية احتمال موافقة الحق وحرصا على أن يقوّم اعوجاجه خواص الأمة ومتخصصوها المنصفون المتجردون من التقليد وعثرات الأخطاء المنهجية .
ولم أقصد بهذا البحث نقض الأصول الفقهية القائمة منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا ، فذلك بحث لاحق إن شاء الله ، وإنما قصدت التمهيد لمراجعة تلك الأصول ولأعين الباحثين المتجردين المعاصرين واللاحقين بتأصيل من الكتاب المنزل لن يصح الاختلاف عليه وإنما سيجتمع عليه أصحاب المذاهب والفرق المختلفة المنتسبة إلى الإسلام .
إن الحقيقة سواء كانت ابتدائية أو متوسطة أو كلية ستبقى كذلك لا يزيدها إجماع جميع الإنس والجن عليها ولا ينقصها نكرانهم في عصر من العصور أو عبر التاريخ ، وهكذا فإن شهادة أن لا إلـه إلا الله محمد رسول الله كلية من الكليات ستبقى كذلك لا تنقص بإنكار المنكرين ولا تزيد بإقرارهم .
وهكذا لم ينقص من وحدانية الله تعالى إنكار أهل الأرض جميعا قبل أن يخالفهم كل من نوح وإبراهيم وحده بإعلان التوحيد .
إن الإجماع على ما في الكتاب المنزل من عند الله وعلى ما جاء به النبي من العلم والتشريع مع القرآن لا يزيد الوحي قوة في الدليل على قوته ، غير أن إجماع أهل الأرض أو أهل العلم على حقيقة هو الذي يزداد به إيمان وعلم المجمعين .
وأما الإجماع ممن يعتبر إجماعهم على ما لم يتضمنه الكتاب المنزل والأحاديث والسنن النبوية فلا خلاف في الأخذ به في التشريع أي العبادات والمعاملات قبل ظهور الحكم الشرعي من الكتاب المنزل الذي تضمن تفصيل كل شيء ولم تستكمل الأمة الأمية بعد دراسة الكتاب المنزل بل ستظهر معانيه ودلالاته أكثر فأكثر كلما اقتربت الساعة وليعلم الناس رأي العين أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن كما شهد به الله وهو أكبر شهادة .
الأصل الأول : خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة
إن إبليس كان من الجن وكان له ذرية كما في قوله إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني الكهف 50 .
ولم يكن إبليس من الملائكة المخاطبين بقوله :
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الكهف 50 الإسراء 61 البقرة 34
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الأعراف 11
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ص 71 ـ 72
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين الحجر 28 ـ 29
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون من غيراستثناء كما في قوله :
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ص 73 ـ 74
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين الحجر 30 ـ 31
فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين البقرة 34
فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين الأعراف 11
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه الكهف 50
ويعني أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة كما لم يتضمن تفصيل الكتاب مثل قولنا إلا إبليس كان من الملائكة ففسق عن الطاعة ، وانقطع إبليس من المستثنى منه فنصب إذ لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن وكان من الكافرين ولم يكن من الساجدين .
أما الملائكة فلا ذرية لهم ولم يكفروا لحظة واحدة بل كانوا من الساجدين والراكعين .
وأبى إبليس واستكبر أن يكون مع الساجدين وهم أعم من الملائكة كما في قوله
قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين الحجر 32
قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين ص 75
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك الأعراف 12
وهو المشكل الذي لم يفقهه التراث الإسلامي إذ حسبوا أن إبليس كان يعبد الله مع الملائكة قبل أمرهم بالسجود لآدم فشمله الأمر وحسبوا أنه كان بينهم في السماوات العلى فخالفوا صريح القرآن الذي وصف إبليس بأنه كان من الكافرين ولم يكن من الساجدين وهيهات أن يكون مع الملائكة المقربين في الملإ الأعلى كافر لم يسجد لله من قبل .
ومن زعم أن وصف إبليس بأنه كان من الكافرين إنما يعني بعد أمره بالسجود لآدم لا قبله فليتأمل قوله وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين النمل 43 ولا يخفى وصف ملكة سبإ به قبل مجيئها إلى سليمان وأنها رغم ما أوتيت من العقل والفطنة وبعد النظر والتأمل فقد عبدت الشمس من دون الله لأنها كانت من قوم كافرين فأثر فيها ما حولها من الناس وما تلقته من التصورات والسلوك الذي لم تستطع تجاوزه ولا ثورة عليه بل فرض عليها التقليد وتعطيل السمع والبصر والتأمل والتفكر .
ولقد أنكر الله على إبليس ألا يكون مع الساجدين لآدم وأن لا يسجد إذ أمره مما يعني دخول من دون الملائكة من المخلوات في أمر الملائكة بالسجود فسجد الساجدون وهم أعم من الملائكة وشذ غير الساجد وهو إبليس وحده الذي فسق عن أمر ربه .
وهكذا تضمن تفصيل الكتاب المنزل أصلا من أصول الخطاب والتكليف وهو ما يسمى لدى التراث الإسلامي بأصول الفقه ، وكان أمر الملائكة بالسجود لآدم يشمل معهم من دونهم من المخلوقات يومئذ فسجد الملائكة كلهم أجمعون وسجد بسجود الملائكة الساجدون غير الملائكة وشذ إبليس وحده ، ويعني أن خطاب الأعلى يشمل من دونه .
فوا عجبا للفقهاء ـ عبر التاريخ الإسلامي ـ لم يفقهوا هـذا وفقهه جميع المخلوقات من الدواب والطير يومئذ وهم أمم أمثال بني آدم كما في قوله وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء الأنعام 38 وكانوا يومئذ من الساجدين إذ فقهوا أن خطاب وتكليف الأعلى يشمل من دونه .
وللمزيد من البيان والتفصيل فإن تفصيل الكتاب قد تضمن ترتيب المخلوقات كالتالي :
1. الملائكة والنبيون .
2. الذين آمنوا وهم صحابة النبي والرسول خاصة وكما بينت في مدلول الإيمان في أصول التفسير .
3. المؤمنون وهم الأجيال اللاحقة بعد الصحابة من المؤمنين في أمة النبي.
4. الناس .
ولخطاب بني آدم دلالة أخرى بيّنتها في أصول التفسير عند بيان من نبوة جميع النبيين .
أما الملائكة والنبيون فهم أفضل المخلوقات كما هي دلالة قوله ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا عمران 80 وهو صريح في كفر من اتخذ الملائكة والنبيين وهم أفضل المخوقات أربابا من دون الله فمن دونهم من المخلوقات أحرى أن لا يتخذ ربا من دون الله ، إذ لم يأذن الله باتخاذ أفضل مخلوقاته شركاء معه أو من دونه فمن دونهم من الناس ومن الكواكب والأصنام حري أن لا يتخذ وليا ولا شريكا من دون الله الواحد القهار .
وإن الخطاب المنزل من عند الله أي التكاليف التي كلف بها العباد لقسمان :
1. أمر امتثال كالإيمان وإقام الصلاة والصوم والحج والبر وفعل الخير .
2. وأمر اجتناب ونهي كترك الشرك والكذب وقتل النفس التي حرم الله والزنا وشرب الخمر .
وإن تعدية الإيمان بالباء لتعني تعلقه بغيب يوم وقع الإيمان من المؤمن كما بينت مدلول الإيمان في أصول التفسير ، ولقد وصف الله حملة العرش والملائكة المقربين بالإيمان كما في قوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 يعني أنهم يؤمنون به ولم يروه بعد وهم أفضل المخلوقات وسعهم الإيمان بالله وهو من الغيب في الدنيا ووسع كذلك سائر الملائكة وجميع النبيين والرسل الإيمان به ولم يروه في الدنيا كما هي دلالة قوله لا تدركه الأبصار الأنعام 103 وقوله قال لن تراني الأعراف 143 ودلّ إيمانهم بالله على صحة الحديث النبوي " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وأن لن يقبل ممن دونهم من الناس وسائر المخلوقات إلا الإيمان بالله في الدنيا .
ولم يقبل رب العالمين من الملائكة أن يشركوا به كما في قوله ومن يقل منهم إني إلـه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين الأنبياء 29 ولم يقبل رب العالمين من النبيين أن يشركوا به كما في قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلـهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق المائدة 116 وقوله لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون النساء 172 ويعني أن من دونهم إن لم يسعه ما وسع الملائكة والنبيين سيكون من الظالمين وسيجزى جهنم وسيعذب عذابا أليما .
ولم يقبل من النبيين الشرك كما في قوله ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الزمر 65 وقوله ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون الأنعام 87 ـ 88 ويعني أن النبيين المعدودين في سورة الأنعام وسائر الذين اجتباهم ربهم وهداهم بهداه إلى صراط مستقيم فصاروا أفضل العالمين لم يقبل منهم الشرك ولو أشركوا لحبط عملهم أي لم يقبل منهم دعاء ولا صلاة ولا صيام ولا طاعة ولكانوا من الخاسرين المعذبين المخلدين في النار ، وهكذا من دونهم لن يقبل منهم الشرك كائنا من كانوا .
إن أكبر الفرائض وأوجب الواجبات هو ما كلف بامتثاله :
1. الملائكة والنبيون
2. ثم ما كلف به النبي أي سنته ويأتي تفصيله
3. ثم ما كلف به الذين آمنوا
4. ثم ما كلف به المؤمنون
5. ثم ما كلف به الناس .
فلعلها والله أعلم هي أقسام التكليف الشرعي في الكتاب المنزل سواء كانت أمر امتثال أو اجتناب .
وهكذا كان الإيمان هو أكبر الفرائض والواجبات إذ قد كلف به :
1. الملائكة والنبيون فأما الملائكة فلقوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 وهو صريح في أن الإيمان عمل من عملهم كالتسبيح والاستغفار للذين آمنوا ، وإنما يعمل الملائكة ما يؤمرون به كما في قوله لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون الأنبياء 27 ، وأما النبيون فكما في قوله وأمرت أن أكون من المؤمنين يونس 104 في خطاب النبي الأمي وقوله وأمرت أن أكون من المسلمين يونس 72 في خطاب نوح
2. وكلف به من دونهم رتبة وهم الذين آمنوا كما في قوله يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل النساء 136
3. وكلف به المؤمنون كما في قوله والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك النساء 162
4. وكلف به الناس كما في قوله يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق بالحق من ربكم فئامنوا خيرا لكم النساء 170
وكان الأمر بإقام الصلاة بعد مرتبة الإيمان إذ قد كلف به النبيون وكلف به من دونهم وهم الذين آمنوا والمؤمنون .
أما النبيون فكما في قوله :
• إنني أنا الله لا إلـه إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري طـه 14
• وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين يونس 87
• فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب آل عمران 29
• وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا مريم 32
• فصل لربك وانحر الكوثر 2
• اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة العنكبوت 45
• وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة النساء 102
وأما الذين آمنوا فكما في قوله :
• يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... المائدة 6
• يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون الحج 77
• إن الذين آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 277
وأما المؤمنون فكما في قوله :
• إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا النساء 103
• قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون
وكان الأمر بتقوى الله من أوجب الواجبات إذ قد كلف به النبيون وكلف به الذين آمنوا والمؤمنون ومن دونهم رتبة .
وكان الأمر بالصوم مما خوطب به الذين آمنوا كما في قوله يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون البقرة 183 فهو أكبر وجوبا مما خوطب به المؤمنون .
وكان الأمر بغض البصر وحفظ الفرج أقل درجة مما تقدم إذ قد خوطب به المؤمنون .
وكان الأمر بالأكل مما في الأرض من المباح أقل درجات الامتثال لخطاب الناس به .
الأصل الثاني : مدلول سنة النبي
إن النبيين قد كلفوا بتكاليف هي سنتهم التي لا يسع غيرهم من أتباعهم الخروج عنها إلا من رغب منهم عن سنة نبيه ، وسواء كانت التكاليف أمر امتثال أو أمر نهي .
وحسب التراث الإسلامي أن سنة النبي هي مأمورات لم تبلغ درجة الوجوب وإنما الاستحباب والندب ، وفاتهم أن سنة النبي هي ما كلف به النبي في الكتاب المنزل عليه كقوله وما كان لنبي أن يغلّ عمران 161 ويعني أن من سنة النبي ترك الغلول فمن غلّ فقد رغب عن سنة نبيه ، وهكذا غضب النبي أن طلق رجل من أصحابه امرأته وهي حائض ولم يقره بل غيّر إذ قد خالف سنة النبي كما في قوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة بداية سورة الطلاق وأعلن النبي براءته من سلوك النفر الذين رغبوا عن سنته إذ أجمعوا على قيام اليل وترك النوم ، وعلى الصوم وترك الفطر ، وعلى التبتل وترك النكاح ، ولا يخفى أن النبي قد كلف بجميع ما رغب عنه أولئك النفر إذ قد كلف بالقيام والنوم كما في قوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه المزمل 20 وقوله إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا المزمل 6 وهو ما أحدثه النائم من القيام بعد نوم ، ولا يخفى أن النكاح هو سنة النبي لقوله يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الأحزاب 50 ، ولا يخفى أن الني قد صام وأفطر ونهى عن صوم الدهر .
ولعل من الفقه وأصوله أن النبي لم يخاطب في الكتاب المنزل عليه بالنهي عن شرب الخمر وتعاطي الميسر كما في قوله يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون المائدة 90 .
ولم يخاطب بالنهي عن التولي يوم الزحف كما في قوله يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الأنفال 15 .
ولم يخاطب بالنهي عن السخرية من الناس واللمز والتنابز بالألقاب والظن والتجسس والغيبة وإنما خوطب به الذين آمنوا كما في قوله يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم الآيتان من الحجرات 11 ـ 12
وإنما يعني خطاب الذين آمنوا أنه أقل رتبة في الحرمة مما نهي عنه النبي ومما يعني أن مرتكب ما اختص بالنهي عنه الذين آمنوا دون من فوقهم لا يخرج من الملة أي غير مرتد ولم يرغب عن سنة نبيه ولم يبرأ منه النبي .
وهكذا كان النهي عن أكل أموال الناس بالباطل من الكبائر كما في قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما النساء 31 ولا يخفى أنه رد على قوله يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 .
وهكذا أقر النبي أن من أمته من يسرق ومن يزني ، إذ وقع النهي في الكتاب المنزل عن السرقة وعن الزنا على المؤمنين أو على الناس وهم أقل رتبة في هذا السياق .
وهكذا كان الكاذب ليس من أمته لأن النهي عن الكذب قد خوطب به النبي كما في قوله ولا تقف ما ليس لك به علم الإسراء 36 والكذب مما اقتفاه أي اتبعه الكاذب من القول وليس له به علم ، وكما في قوله ولو تقول علينا بعض الأقاويل الحاقة 44 ولأن الله إنما وصف به الأمم المكذبة من قبل وقال في شأنه إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله النحل 105
الأصل الثالث : دلالة النهي في الكتاب المنزل
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الله علام الغيوب لم ينه إلا عمّا علم أن سينتهك وهـكذا أكل آدم وزوجه من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها ، وفتن الشيطان من بني آدم رغم قوله يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان الأعراف 27 ووقع من الناس الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله قتلها فقتلوها بغير حق وقتلوا أولادهم خشية إملاق وأكلوا مال اليتيم ووقع بعضهم في الزنا وفي ما ظهر وبطن من الفواحش وأكلوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله وسائر المحرم أكله وشربه رغم النهي عنه في الكتاب المنزل .
وهـكذا غلا أهل الكتاب في دينهم غير الحق واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ، وقال أهل الكتاب على الله غير الحق رغم نهيهم عنه في الكتاب المنزل .
أما ما نهي عنه النبي فإنما للدلالة على أن امتثال النهي هو سنته التي كلف بها ولا يسع الذين آمنوا فمن دونهم رتبة الرغبة عن سنة نبيهم وهكذا كان من سنة النبي قوله يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين بداية الأحزاب ولم يطع النبي الكافرين ولا المنافقين ولكن من أطاع واحدا منهما فقد رغب عن سنة نبيه .
وسيأتي تفصيل جميع ذلك في تفصيل الكتاب في قسم الفقه وأصوله من تفصيل الكتاب إن شاء الله .
الحسن محمد ماديك