العجب ممن جوز سماع آلالات الطرب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فهذا تعجب من بعض العلماء المعاصرين الذين قالوا بجواز سماع آلات الطرب ؛ لاستفاضت السنة بخلاف ماذهبوا إليه ،وأدلة السنة جاءت واضحة جلية لكن هؤلاء العلماء قد زلوا ،فلانبالغ في تعظيمهم بأخذ كلّ ما يصدُر عنهم ، أو نعتقد إصابَتَهم الحقَّ في كلّ ما يُفتون فيه أو يُخبِرون به فقد أبى الله أن تكون العصمة إلا لكتابه و لنبيّه r في تبليغه الدين ، وما العلماء إلا مخبرون عن حكم الله ، و ليسوا مشرعين ؛ لذلك أقوالهم تعرض على الكتاب والسنة فنأخذ بقول العالم الذى يوافق الكتاب والسنة ، ونلتمس العذر للعالم الذى يخالف قوله الكتاب والسنة ،ونتأدب فى رد قوله ،ولانقلده فى خلاف الحق ، وقد قال الشافعى رحمه الله : ( أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله r لم يحل له أن يدعها لقول أحد )[1]،وقال ابن تيمية فى الفتاوى : ( اتفق العلماء على أنه إذا عرف الشخص الحق فلا يجوز له تقليد أحد فى خلافه)وقال ابن القيّم رحمه الله : ( العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ ، إذ لَيسَ بمعصومٍ ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله ، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم ، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض ، و حرَّموه ، و ذمُّوا أهلَه )[2]وقد حكى الزركشي أن القاضي المالكي إسماعيل بن إسحاق الأزدي رحمه الله ، قال : ( دخلت على المعتضد ، فَدَفَع إليَّ كتاباً نظرت فيه ، و قد جمع فيه الرخص من زلل العلماء ، و ما احتج به كل منهم ، فقلت : إن مصنف هذا زنديق . فقال : ألم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت : الأحاديث على ما رُوِيَت ، و لكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، و من أباح المتعة لم يبح المسكر ، و ما من عالم إلا و له زلّة ، و من جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهـب دينه ، فأمَر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب )[3] ، ومكمن الخطورة في خطأ العالم ، فيما يترتب على الخطأ من عمل أتباعه ومقلديه ، ويحتجون قائلين هذا قول فلان من العلماء
فالكثير من الناس يتركون العمل بظاهر السنة الواضح الجلى لقول عالم من العلماء؛ فأنزلوا قول العالم منزلة الشرع ،وتوهموا أنهم على صواب ، والصواب ما وافق السنة والكتاب ، وليس ماوافق الأهواء فلا نطبع الدين للناس ،ولكن نطبع الناس للدين ، وهذه المسألة التى نحن بصددها مسألة حكم سماع آلات الطرب قد أخطأ فيها علماء أجلاء فمنهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالى والإمام العلم ابن حزم والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد الغزالى والدكتور يوسف القرضاوى والشيخ عطية صقر ،والدكتور نصر فريد واصل والدكتور على جمعة وغيرهم ،وجمهور العلماء على تحريم سماع آلات الطرب باستثناء الدف ،ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد بن حنبل وغيرهم ؛ ولقوله عز وجل : ﴿ َوالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[4] ؛ ولقولهr : « الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم »[5] عزمت على كتابة بحث يتناول هذه المسألة حتى لا يتوهم متوهم صحة ما قاله المجيزون ،وكان هذا البحث مكوناً من الفصول الآتية : الفصل الأول : ماهية آلات الطرب
الفصل الثانى : أدلة تحريم سماع آلات الطرب
الفصل الثالث : أدلة مبيحى سماع آلات الطرب ومناقشتها
الفصل الرابع : شبهة والرد عليها
هذا ما وفقنى الله لكتابته فى صدد هذا الموضوع فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فالله ورسوله منه براء ،وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين . المؤلف ربيع بن أحمد
[1]- الإيقاظ للفلانى ص 68
[2]- إعلام الموقعين لابن القيم 2 / 173
[3]- البحر المحيط لمحمد الزركشى 6 / 326
[4]- التوبة من الآية 71
[5] -رواه مسلم رقم 82 باب أن الدين النصيحة