الدليل الألن على جواز البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد :فالبيع من المعاملات التي يحتاج إليها الناس لتبادلالأموال والمنافع بينهم ،والإنسان مأمور بكسب الحلال الطيب ،و نهي عن كسب الحرامالخبيث ،ولذلك كل بيع يتعامل به الإنسان يجب أن يعرف حكم الله فيه قبل التلبس به حتى لا يقع فيما نهى الله عنه ،ومن البيوع التي انتشرت في عصرنا الحاضر انتشارا كبيرا بين أفراد المجتمع البيع بالتقسيط ، ومن أسباب انتشاره المنافسة الشديدة بين المنتجين , وضعف القوة الشرائية لدى المستهلكين فكثر من يحتاج إلىالسلع وليس لديه قيمتها ،وقد عانتالكثير من الأسواق من الركود , وابتكرت الشركات والمؤسسات الأساليب التسويقية الجديدة من تقديم مزايا السلع التي تستهدف الاستحواذعلى أكبر قدر ممكن من مستهلكي هذه السلع فكثر إقبال الناس على هذا النوع من البيوع الذي هو من بيوع الآجال ، ولعموم البلوى بهذا النوع من البيوع أصبح من الضروري معرفة حكمه الشرعي من حيث الإباحة أو التحريم وكذلك معرفة ضوابطه الشرعية إذا كان حلالا ،ولذلك أحببت في كتابة بحث فيه ،وأسميته : (( الدليل الألن على جواز البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن )) فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فالله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه والصلام عليكم و رحمة الله .
فصل 1: البيع بالتقسيط مفهومه وصورته وأهميته : الحكم على الشيء فرع عن تصوره لذلك لكي نحكم على البيع بالتقسيط لابد أن نعرفه أولا وبما أن لفظ البيع بالتقسيط لفظ مركب من مضاف ،وهو بيع ومضاف إليه ،وهو بيع التقسيط ،ومعرفة معنى اللفظ المركب تستلزم معرفة معنى ما ركب منه ،وهذا يستدعي أن نعرف البيع أولا ، ولأن بيع التقسيط من أنواع البيوع فنذكر أقسام البيع من حيث التأجيل والعددم ثانيا ثم نعرف التقسيط ثالثا ثم نعرف البيع بالتقسيط كلقب على علم مخصوص رابعا ثم نعرف صورة البيع بالتقسيط خامسا . المطلب الأول : تعريف البيع : البيع في اللغة : مقابلة شيء بشيء ،أو هو مطلق المبادلة[1] فمقابلة السلعة بالسلعة تسمى بيعاً لغة كمقابلتها بالنقد ، ويقال لأحد المتقابلين مبيع وللآخر ثمن .واصطلاحا هو عقد معاوضة مالية تفيد مِلك عين على التأبيد، أو مبادلة المال المُتقوَّم بالمال المتقوم تمليكا وتملُّكا[2] أو هو تمليك المال بمال بإيحاب وقبول عن تراض منهما[3]. المطلب الثاني : أقسام البيوع من حيث التأجيل وعدمه في الثمن والسلعة : ينقسم البيع شرعا من حيث التأجيل وعدمه في الثمن والسلعة إلى أربعة أقسام : الأول : أن يعجل الثمن والسلعة وهذا البيع النقدي أو ( يداً بيد ). الثاني : أن يؤجل الثمن والسلعة و هذا بيع الدين بالدين ،وهذا البيع محرم بالإجماع[4] . الثالث : أن يعجل الثمن ، وتؤجل السلعة ،وهذا بيع السلم ( السلف ) ،وهذا جائز بالإجماع[5] . الرابع : أن تعجل السلعة، ويؤجل الثمن ،وهذا بيع النسيئة ، أو بيع الآجل . المطلب الثالث : تعريف التقسيط : التقسيط هو التقتير التَّقْتيرُ ،والاِقْتِسَاطُ : الاِقْتِسَامُ . وتَقَسَّطُوا الشيء بينَهُمْ : اقْتَسَمُوهُ بالسَّويَّةِ[6]و قسط الشيء تقسيطا جعله أجزاء معلومة[7] وقسط الدينَ تقسيطا جعله أجزاء معلومة تؤدى في أوقات معينة [8] فالتقسيط بهذا المعنى تجزئة الشيء إلى أجزاء متماثلة ،كتأجيل دين بستمائة جنيه إلى ست أسابيع على أن يدفع منه مائة جنيه كلأسبوع . المطلب الرابع : تعريف البيع بالتقسيط :بيع التقسيط هو نوع من بيوع الآجال التي يكون فيهاأحد العوضين مؤخرًا عن مجلس العقد، خروجًا عن الأصول المقررة التي تشترط وجودهماعند الإقدام على إجراء عقد البيع ، و هو بيع تعَجَّل فيه السلعة ، ويتأجل فيه الثمن كلُّه أو بعضُه على أقساط معلومة لآجال معلومة ،وغالبا يكون الثمن المؤجل أكثر من الثمن المعجل . المطلب الخامس : صورة البيع بالتقسيط : صورة البيع بالتقسيط أن يقصد المستهلك التاجر الذي يبيع السلعة بالتقسيطفيخبره بثمنها إذا أراد أن يدفع حالا وثمنـها إذا أراد أن يدع مقسـطا ، و هـو بطبيعةالحال أعلى من الثمن الحال ، فيختار المشتري الثمن المؤجل المقسط ، و يتم الاتفاقعلى ذلك . المطلب السادس : أهمية البيع بالتقسيط وسلبياته : انتشر البيع بالتقسيط في هذه العصر انتشارا واسعا لما فيه من المنافع للبائع والمشتري ففائدته التي تعود للبائع إزدياد مبيعاته حتى على من ليس عنده النقد المالي ، فيبيعه الى أجل. و فائدته للمشتري تمكينه من الحصول على السلعة مع قلة دخله الشهري وارتفاع أسعار السلع وارتفاع سقفه الاستهلاكي فبدلاً من أن يدخر المال فيشتري السلعة بعد زمن طويل وقد يكون في أمس الحاجة للسلعة يقسط ثمن السلعة على عدة أشهرفأصبح البيع بالتقسيط وسيلة لشراء الشخص ما لا يستطيع الشخص أن يشتريه بثمن عاجل ،ورغم هذه المزايا للبيع بالتقسيط فله بعض السلبيات كإكثار الناس من السلع الكمالية لسهولة الحصول عليها مما يثقل كاهلهم بالدين ، ويعرقلميزانية أصحاب الدخول المحدودة إذا تعددت الأقساط التي يلتزمون بها .
فصل 2 : أدلة مانعي بيع التقسيط ومناقشتها : قد ذهب بعض العلماء إلى حرمة البيع بالتقسيط وهم زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَالنَّاصِرُ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ وَالْهَادَوِيَّةُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى[9] من القدامى ،والألباني[10] و د/عبد الرحمن عبد الخالق[11] و د/ عبد العظيم بدوي[12] من المعاصرين ،واستدل هؤلاء الأفاضل بالعديد من الأدلة ،وسنورد كل دليل منها مع مناقشته . الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[13] قالوا : يستدل بعموم تحريم الربا على حرمة البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن فالزيادة التي حصلت في بيع النسيئة هي من أجلِ الأَجل فهي زيادة ربوية محرمة ، لعدم الفرق بينها وبين الزيادة في الأجل في عقد القرض أي أنهم قاسوا زيادة سعر السلعة بثمن المؤجل على زيادة الدين مقابل زيادة الأجل ، و القياس هو إعطاء الفرع الذي لم يرد فيه نص الحكم الشرعي للأصل الذي ورد فيه نص إذا كان بينهما تشابه في الوصف الذي شرع الأصل بسببه[14] أو هو إلحاق ما لم يرد فيه نص على حكمه بما ورد فيه نص على حكمه في الحكم لاشتراكهما في علة ذلك الحكم[15] ،و قياس زيادة سعر السلعة بثمن الموجل على زيادة الدين مقابل زيادة الأجل قياس مع الفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ لأنزيادة الدين مقابل الأجل هي زيادة في الدين ، أما زيادة الثمن في البيع بالتقسيط فهذه الزيادة زيادة في قيمة السلعةمقابل زيادة الأجل، فالبيع بالتقسيط مع زيادة الثمن الزيادة فيه زيادة في ثمن السلعة مقابل زيادة الأجل، أما الزيادة في القرض فهيزيادة في الدين مقابل الأجل ، وهذا هو الربا، أما زيادة الثمن في البيع بالتقسيط فهي زيادة في ثمن السلعة ،وليس زيادة في الدين ،وزيادة الأسعار بزيادة الآجال في البَيع لا علاقة لها بالربا ؛ لأنها بَيع. والزيادةُ الحاصلة بين السعرين المعجل والمؤجل ليست من القرض، فهي مثلُ الاختلاف الموجود بين أسعار البيع بالجملة والتجزئة ،وهناك بون شاسع بين الربا والبيع بالتقسيط فالربا زيادة أحد المتساويين على الآخر ، ولاتساوي بين الشيء وثمنه مع اختلاف جنسيهما، فلا يصح تحريم الزيادة في البيع بثمنمؤجل فالمعاملةالربوية تحتاج إلى: اتحاد الجنس ، والأجل ، والزيادة مقابل الأجل ،و في بيع التقسيط لم يتحد جنسا البدلين فالمبيع سلعةمثلا وثمنهاعملة ( جنيهات مصرية ) فالسلعة ليست من جنس الجنيهات. و هذه السلعة لها منافع،و أسعارها تختلف باختلاف الأزمان ، فهي فيزمن بسعر ،و في غيره بسعر، لذلك كان الأجل في بيع النسيئة هو الداعي لزيادة ثمن السلعة ، وما أكثر الدواعي لإرتفاع الثمن فقد يكون قلة السلعة في السوق بنسبة لا تساوي الطلب الذي عليها داعياً لزيادة ثمنها في الحالات المتعارفة ، كما أن عدم سقوط الأمطار في الفصول المتوقع سقوط المطر فيها يكون داعياً لزيادة سعر الحاجيات المتوقف زيادتها او إنتاجها على سقوط الامطار ،و الصحيح في بيع التقسيط هو أنَّ الثمن كله قد وقع في مقابل السلعة ، وكان الأجل داعياً لزيادة الثمن فإذا احتاط البائع لنفسه فباعها بثمن مؤجل مرتفع ومعجل غيرمرتفع فإن موضع المعاملة يقبل الارتفاع والانخفاض في الأزمان ، و الرباليس بيعًا وإنما هو قرض بفائدة والمقترض يضمن القرض ويضمن الفائدة وإن هذه الفائدةتزداد وتتضاعف بالزمن، فإذن الربا ليس بيعًا وليس هناك فكرة السلعة، وإنما تجري علىالنقد فقط، أما البيع بالتقسيط فهو بيع شيء مبيع فلما دخلت البضاعة وأصبح أحد طرفيالعقد ببضاعة انتهت فكرة الربا، وبالتالي فالبيع بالتقسيط ليس كالربا، ولو قال شخص : قبلت بألف نقداً ، أو بألف ومئة نسيئة صح ذلك. فبيع السلعة بمئة وعشرين نسيئة لا يعني بحال من الأحوال قرضاً بمئة يرد بمئة وعشرين، لأن المبادلة في البيع هي سلعة بنقد، أما في القرض فهي نقد بنقد، والفرق أيضاً أن القرض تبادل متجانسين، والبيع تبادل مختلفين، والقرض عقد إرفاق، والبيع عقد معاوضة".وإن قالوا : الزيادة في البيع بالتقسيط لا يقابلها عوض نقول هذا القول غير صحيح؛ لأن رضاء البائع بتسليم السلعة إلى المشتري بثمن مؤجل كان بسبب انتفاعه بالزيادة في ثمن السلعة ، و رضاء المشتري بدفعالزيادة بسبب المهلة، والعجز عن تسليم الثمن نقدًا. فالبائع والمشتري كلاهما منتفع بهذه المعاملة،فلا يصح القول بأن الزيادة في البيع بالتقسيط لا يقابلها عوض .والخلاصة أن الآية الكريمة لا تدل على تحريم كل زيادة، وإنما تدل على تحريم أنواع خاصة من الزيادة،وليس منها بيع السلعة لأجل مع زيادة في الثمن، لعدم التسليم بالأدلة المستدل بهاعلى التحريم فالآية لا تتناول البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن .
الدليل الثاني : استدلوا بقوله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾[16] قالوا : عنصر الرضا مفقودفي البيع بالقسط ، ونوقش بأن الرضا ثابت ؛ لأن من يبيع بثمن مؤجل إنما يفعله رغبة في الحصول على الثمن الأعلى نظير تأخير الدفع، وما كان كذلك فلااضطرار فيه، وأما المشتري فإنه كذلك بالاختيار في الامتناع عن الشراء أو البحث عنتاجر آخر أو سلعة بديلة، أو أن يقترض قرضا حسنا ليدفع بالثمن المعجل . الدليل الثالث :قوله r :«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا »[17] ، و عن أبي هريرة قال : « نهى النبي r عن بيعتين في بيعة»[18] ،وقال ابن مسعود : «الصفقة في الصفقتين ربا "، وقال "صفقتان في صفقة ربا »[19] ، وقال السماك : ( الرجل يبيع البيع ، فيقول : هو بنساء بكذا وكذا ، وهو بنقد بكذا وكذا )[20].قالوا : هذه الأحاديث تبين عدم جواز بيع البائع سلعتهبأكثر من سعر يومها ،وأن من يفعل ذلك يقع في ربا النسيئة (ونوقشوا ) بأن الأحاديث لا تنطبق على بيع التقسيط إلا في صورة واحدة وهي أن يقول له : أبيعك هذه السلعة بمائة ألف نقداً مثلا ،وبمائتي ألف إلى نهاية السنة ويفترقا ولا يحددا ، أما لو حدد أنه اشتراها حاضرة أو اشتراها إلى أجل فليست من بيعتين في بيعة ؛ لقوله : ( بيعتان في بيعة ) أي صفقتين في صفقة فإذا قال له : اشتريت مقسط بمائة فقد تمت صفقة واحدة ،و لم تتم صفقتين ،وبيع التقسيط عقد واحدوبيع واحد، وثمن واحد، ،وقد اتفق عليه البائع والمشتري بصفة حاسمة ، وغاية ما في البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن وجود عرض من البائع لنوعين من البيع ، بيع النقد وبيع النسيئة فإذا تم العقد على أيهمافلا يوجديوجد بينهما عقدان بل عقد واحد ، فلا يكون ذلك داخلاً في نطاق النهي عن بيعتين في بيعة ، فهذا في حال قبول المشتري على الإبهام من غير تحديد ثمن بيعه ، قال الترمذي : ( فسر بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما قال الشافعي ومن معنى نهى النبي r عن بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا وجب لي غلامك وجب لك داري وهذا يفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته )[21] ،قال ابن عبد البر: ( معنى هذا الحديث عند أهل العلم : أن يبتاع الرجل سلعتين مختلفتين إحداهما بعشرة والأخرى بخمسة عشر قد وجب البيع في إحدى السلعتين بأيهما شاء المشتري هو في ذلك بالخيار بما سمي من الثمن ورد الأخرى ،و لا يعين المأخوذة من المتروكة فهذا من بيعتين في بيعة عند مالك وأصحابه )[22] ،و قال الخطابي : ( وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعة على وجهين أحدهما : أن يقول بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة أو نسيئة بخمسة عشر فهذا لا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد وإذا جهل الثمن بطل البيع )[23]ثم قال الخطابي : ( والوجه الآخر أن يقول بعتك هذا العبد بعشرين دينارا على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير فهذا أيضا فاسد لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارا وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير وذلك لا يلزمه وإذا لم يلزمه ذلك سقط بعض الثمن فإذا سقط بعضه صار الباقي مجهولا )[24]قال الخطابي : ( وعقد البيعتين في بيعة واحدة على الوجهين الذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد ،وحكي عن طاووس أنه قال لا بأس أن يقول له بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة وإلى شهرين بخمسة عشر فيذهب به إلى إحداهما )[25] ولو سلمنا جدلا احتمال الحديث البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن فلا يصح الاستدلال به ؛ لأن القاعدة : إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال ،و لا حجة مع الاحتمال الناشيء عن دليل[26] ،وأنت احتملت هذا وأنا احتملت أن المقصود بيع العينة ،و هي أن يبيع الشيءنسيئة ثم يشتريه بأقل منالثمن الذي باعه به نقداً (عاجلاً) فهذا البيع يصلح أن يكون بيعتين ،و القول بأن التفسير بعتك هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة لا يصح ،ولا يطابق الحديث لأنه إذا قال: آخذه بعشرة نقداً.. البيعة كم؟ بيعة واحدة، وإذا قال: بعشرين نسيئة. فالبيعة بيعة واحدة، ليس هناك بيعتان،لكن جدلا احتمال الحديث البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن يكون النهي في الحديث محله فيما إذاقبل المشتري على الإبهام ،و لم يعين أي الثمنين ، أما لو قال : قبلت بألف نقدًا أو بألفنسيئة فيكون بيعا واحدا وعقدا واحدا .
الدليل الرابع : قوله r: « لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا بيع ما ليس عندك , ولا ربح ما لم تضمن »[27]قالوا : الزيادة مقابل الأجل هي من باب الشرطين فيبيع و من باب سلف وبيع : فصفة الشرطين في بيع : أن يقول المبيع بالنقد بكذاوبالنسيئة بكذا وذلك غير جائز. والبيع مع السلف أن يبيع منه شيئًا ليقرضه أو يؤجلهفي الثمن ليعطيه على ذلك ربحًاقال الخطابي : ( وذلك مثل أن يقول أبيعك هذا العبد بخمسين دينارا على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك إلى أجل أو يقول أبيعكه بكذا على أن تقرضني ألف درهم ويكون معنى السلف القرض وذلك فاسد لأنه يقرضه على أن يحابيه ( المحاباة المسامحة والمساهلة ليحابيه أي ليسامحه في الثمن ) في الثمن فيدخل الثمن في حد الجهالة ولأن كل قرض جر منفعة فهو ربا انتهى ( ولا شرطان في بيع ) قال البغوي : ( هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين نسيئة فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ،و لا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة )[28] قال المناوي ( نهى عن سلف وبيع ) كأن يقول بعتك ذا بألف على أن تقرضني ألفا لأنه إنما يقرضه ليحابيه في الثمن فيدخل في الجهالة ( وشرطين في بيع ) كبعتك نقدا بدينار ونسيئة بدينارين )[29] وقال السندي في قوله ( ولا شرطان في بيع ) : ( مثل بعتك هذا الثوب نقدا بدينار ونسيئة بدينارين وهذا هو بيعان في بيع )[30] ،ونوقش قولهم أما القول بأن قوله r: ( سَلَفٌ وَبَيْعٌ ) هو أَنْ يَشْتَرِيَ شخص سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا لِأَجْلِ النِّسَاءِ فغير مسلم بل هو ظاهر في بيع شيء لشخص مع اشتراط القرض منه قال ابن الأثير : ( هو مثْل أن يقول : بعتُك هذا العَبْد بألف على أن تُسْلِفَني ألفاً في مَتاع أو على أن تُقْرِضَني ألْفا لأنه إنما يُقْرِضُه ليُحاَبيَه في الثَّمن فيدخل في حدّ الجَهاَلة ولأن كل قرْض جَرَّ مَنْفعة فهو رباً ولأن في العَقد شَرْطا ولا يَصح )[31] ،فمعنى قوله r: ( سَلَفٌ وَبَيْعٌ ) أن يقول البائع للمشتري : لا أبيعك حتى تسلفني أو أن يبيعه ويسلفه فلا يجوز الجمع بين البيع والسلف؛ ولهذا قال: "لا يحل سلف وبيع" فلو أنه مثلا باعه بيتا وأقرضه، فإنه في الحقيقة لم يقرضه إلا لأجل أنه باعه، أو كان القرض من المشتري، سواء كان القرض من البائع أو كان القرض من المشترى، كأن قال: لا أبيعك حتى تقرضني، فاشترى المشتري بيتا وأقرض البائع قرضا فهو في الحقيقة لم يقرضه إلا أنه باعه، وهذا في الحقيقة من بيوع الربا؛ لأنه يكون من باب القرض الذي جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا. ،والذي يستفاد من الحديث "النهي عن الجمع بين المعاوضة والتبرع" فلا يجمع بين معاوضة وتبرع ؛ لأن البيع معاوضة والسلف تبرع، لا يجمع مثلا بين بيع وإعارة، أو بيعَ بيعٍ وعارية، أو بيعَ بيع وقرض، أو بيع بيعٍ وإجارة ،ولو سلمنا بقولهم فليس هذا بنص في المسألة بل هو احتمال ،وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال وغاية ما فيه عند التسليم به أنه محمول على ماإذا ذكر ثمنين عاجلاً أو آجلاً، ولم يحدد أحدهما فهو يشبه البيعتين في بيعة ،أما قولهم في قوله ( ولاشرطان في بيع ) هو أن يقول البائع : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِدِينَارٍ وَنَسِيئَةً بِدِينَارَيْنِفهذا محمول على معنى ( البيعتين في بيعة ) ،وتفسير البيعتين ببيعة ببيع التقسيط مع زيادة الثمن لا يصح لوجهين الوجه الأول : أنه لا يدخل الربا في هذا العقد فلو قال المشتري : قبلت بألف نقداً ، أو بألف ومئة نسيئة صح ذلك ؟،و لا يكون ربا. فبيع السلعة بمئة وعشرين نسيئة لا يعني بحال من الأحوال قرضاً بمئة يرد بمئة وعشرين، لأن المبادلة في البيع هي سلعة بنقد، أما في القرض فهي نقد بنقد، والفرق أيضاً أن القرض تبادل متجانسين، والبيع تبادل مختلفين، والقرض عقد إرفاق، والبيع عقد معاوض. ‏الثاني : أن هذا ليس بصفقتين , إنما هو صفقة واحدة بأحد الثمنين . ومعلوم أنه إذا أخذ بالثمن الأزيد في هذا العقد لم يكن ربا ، والنهي عن البيعتين في بيعة منصب على بيع العينة وهي أن يقول الشخص : خذ هذه السلعة بعشرة نقدا وآخذها منك بعشرين نسيئة. وهذا هو المعنى المطابق للحديث . فإنه إذا كان مقصود المال العاجل بالآجل فهو لا يستحق إلا رأس ماله , وهو أوكس الثمنين فإن أخذه أخذ أوكسهما , وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا . فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا . و لا يحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هو بعينه معنى قوله r الشرطان في بيع ) . فإن الشرط يطلق على العقد نفسه . لأن العاقدين تشارطا على الوفاء به فهو مشروط , والشرط يطلق على المشروط كثيرا , كالضرب يطلق على المضروب , والحلق على المحلوق والنسخ على المنسوخ . فالشرطان كالصفقتين سواء . فشرطان في بيع كصفقتين في صفقة .
فصل 3 : البيع بالتقسيط جائز عند جمهور العلماء :
أجاز جمهور العلماء البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن[32] ،ومنهم الأحناف[33] والمالكية[34] والشافعية[35] والحنابلة[36] ،وهو اختيار ابن تيمية[37] و قول الشوكاني[38] ،ومن المعاصرين ابن باز[39] وابن عثيمين[40] وصالح الفوزان[41] و اللجنة الدائمة[42] و د/ على السالوس[43] ود /محمد عقلة إبراهيم[44] ود/ وهبة الزحيلي[45] ،والشيخ محمد صفوت نور الدين[46] ،واستدل هؤلاء العلماء بما يلي : الدليل الأول : عموم قوله تعالى : ﴿و أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾[47] الآية بعمومها تشمل جواز جميع صور البيع و لذلك بيع السلعة بالتقسيط مع زيادة الثمن مشروع ؛ لأنه داخل في عموم الآية فمن المقرر في أصول الفقه أن العام يدخل فيه جميع أفراده ،ولا يجوز قصره على بعض أفراده إلا بدليل[48] فلا يجوز القول بحرمة بيع التقسيط مع زيادة الثمن إلا بدليل صريح صحيح .لم يرد نص صحيح صريح يقضي بتحريم جعل ثمنين للسلعة ؛ ثمن معجل وثمن مؤجل ؛ فتكونحلالاً أخذًا من عموم الآية ،وإن قيل حلية البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن معارض بحرمة الربا نقول عملية البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن عبارة عن عقد شراء سلعة : فيه بائع و مشترى, وموضوع العقدهو : السلعة , وصيغة العقد : شراء بالأجل أى أن هناك سلعة وسيطة فى التعامل , وهذا جائز شرعاً لأن الله أحل البيع أما عملية الربا فهي عقد قرض : فيه مقترض ومقرض , وموضوع العقد : القرض , وصيغة العقد: قرض بفائدة , وهذا محرم حيث أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا فشتان بين عقد البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن والقرض الربوي . الدليل الثاني : عموم قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىأَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوه ﴾[49]. فقد أباح الله المداينة ، و لم يشترط سبحانه أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر، والدين يصحبه الزيادة في الثمن في الغالب ، والسكوت في معرض الحاجة بيان[50] . و لذلك بيع السلعة بالتقسيط مع زيادة الثمن مشروع ؛ لأنه داخل في عموم الآية ، ولا يجوز القول بحرمة بيع التقسيط مع زيادة الثمن إلا بدليل صريح صحيح .
الدليل الثالث : عموم قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾[51] فالآية بعمومها أيضاً تدل على جواز البيع إذا حصل التراضي من الطرفين . فإذا رضي المشتري بالزيادة في الثمن مقابل الأجل كان البيع صحيحاً . و تكون الزيادة في الثمن مقابل الأجل داخله في عموم النص ،وأعمال التجارة تنبني على البيع نسيئة غالبا ، ولا بد أن تكون لهم ثمرة ، وتلك الثمرة داخلةفي باب التجارة، وليست داخلة في باب الربا. فالثمن في البيع الآجل هو للسلعة مُراعىفيه الأجل ، وهو من التجارة المشروعة المعرضة للربح والخسارة. ومن جهة أخرى، فالرضا ثابت في هذا البيع؛ لأن من يبيع بثمن مؤجل إنما يفعله رغبة في الحصول على الثمن الأعلى نظير تأخير الدفع، وما كان كذلك فلااضطرار فيه، وأما المشتري فإنه كذلك بالاختيار في الامتناع عن الشراء أو البحث عنتاجر آخر أو سلعة بديلة، أو أن يقترض قرضا حسنا ليدفع بالثمن المعجل .الدليل الرابع : حديث عبد الله بن عمرو أن النبي r أمره أن يجهز جيشا فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة[52]،و عن عمرو بن الحريش قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي فقلت انا بأرض ليس بها دينار ولا درهم وإنما نبايع بالإبل والغنم إلى أجل فما ترى في ذلك قال على الخبير سقطت جهز رسول الله r جيشا على إبل منإبل الصدقة حتى نفدت وبقى ناس فقال رسول الله rاشتر لنا إبلا من قلائص من إبل الصدقة إذا جاءت حتى نؤديها إليهم فاشتريت البعير بالاثنين والثلاث قلائص حتى فرغت فادى ذلك رسول الله r من إبل الصدقة[53] فهنا زيد في قيمة السلعة مقابل الأجل، البعير بالبعيرينوالبعيرين بالثلاثة، لكن بثمن مؤجل إلى إبل الصدقة، وهو دليل واضح على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الأجل .
الدليل الخامس :عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ rاشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ[54] و معلومأن اليهودي لا يمكن أن يبيع الطعام إلى أجل بثمنه في وقته الحاضر ؛ لأن اليهود أهلشح وطمع ، فلا يمكن لهذا اليهودي أن يبيع الشعير إلى أجل بثمنه الحاضر فدل هذا على جواز البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن . الدليل السادس : القياس على السلم فالبيع بالتقسيط في نفس معنى معاملة بيع السَّلَم ،فإن البائع في السلم يبيع من ذمته حبوباً أو غيرها - مما يصح السلم فيه - بثمن حاضرأقل من الثمن الذي يباع به المسلَم فيه وقت السلم ، لكون المسلَم فيه مؤجلاً، والثمنمعجلاً ، وهو جائز بالإجماع[55] ، و السلم في نفس معنى البيع إلى أجل أو البيع بالتقسيط ، فنقصالثمن في السلم لأجل تأخير تسليم السلعة مثل الزيادة في سعر السلعة مقابل تأخيرتسليم الثمن ، و لقول النبي r لَمّا قدم المدينة ،و أهلها يسلمون في الثمار السنة والسنتين : « من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، و وزن معلوم إلى أجل معلوم »[56] ،و لم يشترط النبي r أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر ، ولو كان حراما لاشترط ،و لا يجوز تأخير الكلام وقت الحاجة . الدليل السابع : الاستصحاب :و هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل حتى يقوم دليل على تغير ذلك الحال[57] ،ومنه أن الأصل في المعاملات الإباحةمتى كانت برضا المتعاقدين الجائزي الأمر فيما تبايعا، ولا يحرممنها ولا يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه ،و لم يرد دليل قطعي الثبوت و الدلالة على تحريم البيع بالتقسيط ، فيبقى علىالأصل وهو الإباحة .
فصل 4 : ضوابط البيع بالتقسيط :
البيع بالتقسيط مع زيادة السعر والفائدة الثابتة لا حرج فيه إطلاقا ،وشروطه نفس شروط البيع مع الآتي :
أن تكون السلعة مملوكة للبائع قبل إبرام العقد .
أن يتفق البائعوالمشتري على نوع العقد ، بأن يجزم الطرفان بالبيع بالتقسيط دون البيع الحال ، وإلادخل ذلك في معنى ما نهى عنه النبي r من البيعتين في بيعة ، فإذا قال البائع للمشتري عندي سلعة بكذا حالا و بكذاأجلا ، فقال له المشتري لنكتب العقد ثم دعني أفكر في أيهما أختار لا يصح أما معالجزم بذلك فليس هناك إلا بيعة واحدة . أن تكون الآجال معلومة والثمن معلوما والأقساط معلومةلئلا تكون هناك جهالة أو غرر يفسدان العقد . ألا تحتسب فائدة أو غرامة عند التأخر في السداد، لأنهذه الغرامة هي عين ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن . أن تكون السلعة موجودة في ملك البائع قبل العقد ، و إلادخل ذلك فيما نهى عنه r في قوله : «لا تبع ما ليس عندك »[58]فليس للبائع أن يبيع السلع التي ليست في حوزته ،وما زالت في حوزة التجار حتى ينقلها إلى بيته أو إلى السوق ،و لا يجوز ما تفعله الشركات حيث تتفق الشركة مع المشتري وتستلم منه القسط الأول ، ثم تمضي وتشتري السلعة المتفق عليها وتسلمها له فهذا عمل غير صحيح ، وعقد باطل وهذه العملية من بيع ما لا تملكه الشركة ؛ لأنها من بيع المدين بالدين المجمع على حرمته ، قال الشافعي : ( كيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة ؟ هذا تمليك الدين بالدين ،والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين )[59] ،و قال ابن المنذر : ( أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز وقال أحمد : إنما هو إجماع )[60]ولا يقال إن هذا بيع موصوف في الذمة ينضبط بالوصف ؛ لأنه يشترط في صحة ذلك تسليم كل الثمن في مجلس العقد، وهناالثمن مؤجل ، لم يسلم منه إلا بعضه؛ فهو بيع دين بدين ؛ لأن ما لم يسلم في مجلس العقد من الموصوف في الذمة يعتبر ديناً، ولو كان حالا .ألا تكون السلعة المباعة وثمنها من الأصناف الربوية التي لا يجوز بيع بعضها ببعضبالأجل, أي وجوب اختلاف المال الذي تتم مبادلته عاجلاً عن المال الآجل فالأموال الربوية يشترط فيها التماثل والقبض في المجلس عند بيع الشيء بجنسه فقد قالا البراء بن عازب وزيد بن أرقم : كنا تاجرين على عهد رسول الله rفسألنا رسول الله rعن الصرف[61] فقال : « إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح»[62] فقوله r : ( يدا بيد ) أي يشترط أن يقبض كل من المتعاقدين البدل من الآخر في المجلس وقوله r : (نساء ) أي متأخرا دون التقابض في المجلس ،وقال r : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم »[63] فقوله r : ( إلا سواء بسواء ) أي يشترط التماثل عند بيع الشيء بجنسه وي شترط عند بيع صنف من الأموال الربوية بآخر التقابض في المجلس فقد قال r : ( ...ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا )[64] ، ويقاس على الأموال الذهب والفضة النقود . ألا يكون في البيع بالتقسيط تحايلا على الربا كأن يشتري المشتري السلعة بثمن مؤجل, ثم يبيعها بثمنمعجّلأقل للبائع , للحصول على النقود ؛ لأن هذا لا يمثل بيع وشراء حقيقي , وإنما الحصولعلى نقد مقابل الفرقبين ثمن الشراء وثمن البيع, والذي يُعتبر ربا محرمشرعا ً،هو ما يسمى ببيع العينة .
لا ينص الطرفان في البيع على الزيادة التي تضاف إلى الثمن العاجل فلا ينص على الزيادة في صورة فوائد مفصولة عن الثمن كأن يذكر البائع ثمن السلعة ثم يذكر فوائد مدة التقسيط فيقول مثلا ثمن السلعة خمسون ألف جنيه يدفع عند التعاقد خمسة آلاف ويقسط الباقي على عسرة أشهر ،وفوائد التأخير خمسة آلالاف فيكون قيمة القسط الشهري خمسة آلاف ،و ما يزيد على الثمن فائدة تطالب من أجل التأخير في الأداء ، وكلما زاد التأخيرفي الأداء زادت الفائدة فمن يفعل هذا فقد ربط الزيادة بالدين ومدته ،وهذا لا يجوز والجائز الزيادة في الثمن ، لا تقاضي الفائدة وطريقة تصحيح هذه المعاملة أن يقول البائع للمشتري : متى ستسدد الثمن ؟ فإن قال : بعد سنة – مثلاً - . فينظر البائع قيمة السلعة ومقدار الربح ثم يقول للمشتري : أبيعك إياها بكذا إلى سنة ،من غير أن ينص على الزيادة مفصولة عن الثمن . الخاتمة : اتفق أهل العلم على جواز البيع بالتقسيط لكنهم اختلفوا في البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن فأباحه جمهور العلماء ،وخالف البعض ،وسر الخلاف الزيادة التي في سعر السلعة في مقابل الأجل ، فالذين قاسوا الزيادة في مقابل الأجل على الزيادة في الدين في نظير الأجل وجعلوهما صورة واحدة قالوا بالحرمة، وأما الذين فرقوا بينهما فقالوا بالحل ،والراجح المخالفة بين الزياتدتين فعملية البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن عبارة عن عقد شراء سلعة : فيه بائع و مشترى , وموضوع العقد هو : السلعة , وصيغة العقد : شراء بالأجل أى أن هناك سلعة وسيطة فى التعامل , وهذا جائز شرعاً لأن الله أحل البيع أما عملية الربا فهي عقد قرض : فيه مقترض ومقرض , وموضوع العقد : القرض , وصيغة العقد: قرض بفائدة, وهذا محرم حيث أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ،ولبيع التقسيط عدة ضوابط يجب الالتزام بها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكتب ربيع أحمد سيد طب عين شمس الأثنين 5 رمضان 1428 هـ 17 سبتمبر2007 م















[1] - انظر المصباح المنير لأحمد بن محمد الفيومي 1/69 مادة بيع ( المكتبة العلمية – بيروت ) ، لسان العرب لابن منظور 1/556 مادة بيع ( دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988م )، الصحاح لإسماعيل الجوهري 3/1189 مادة بيع ( دار العلم للملايين بيروت. الطبعة الثانية1399 هـ-1979م تحقيق أحمد عبد الغفور عطار)

[2] - القاموس الفقهي لسعدي أبي الحبيب ص 44 ( دار الفكر ، دمشق 2003م ).

[3] - أحكام القرآن للجصاص 2/189 دار إحياء التراث العربي بيروت 1405هـ تحقيق محمد الصادق قمحاوي

[4] - انظر الأم للشافعي 4/31 دار الفكر للطباعة والنشر بيروت الطبعة الثانية 1403هـ - 1983م ،وانظر المغني لابن قدامة 4/186 الناشر : دار الفكر – بيروت الطبعة الأولى ، 1405هـ

[5] - المغني لابن قدامة 4/338 الناشر : دار الفكر – بيروت الطبعة الأولى ، 1405هـ ، عون المعبود لشمس الحق آبادي 9/ 251 الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415 هـ

[6]- انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي مادة قسط باب الطاء فصل القاف

[7] - انظر المصباح المنير للفيومي 2/503 كتاب القاف مادة قسط

[8] - انظر معجم لغة الفقه لمحمد رواس قلعة جي ص 141 دار النفائس بيروت لبنان الطبعة الثانية 1408هـ - 1988م

[9]- نيل الأوطار للشوكاني 5/160 دار الحديث الطبعة الأولى 1421هـ - 2000م تحقيق عصام الدين الصباطي

[10] - الحاوي من فتاوي العلامة الألباني 415 - 416 إعداد محمد بن إبراهيم مكتب العلمية للتراث الطبعة الأولى1421هـ 2001م وفي السلسلة الصحيحة حديث رقم 2326

[11]- له رسالة في حرمة البيع بالتقسيط سماها القول الفصل في بيع الأجل

[12]- الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز د/ عبد العظيم بدوي ص 341 دار ابن رجب الطبعة الثالثة 1421هـ - 2001م

[13] - سورة البقرة من الآية 275

[14] - علم أصول الفقه د. محمد الزحيلي ص 52 دار القلم دُبي الطبعة الأولى 2004م

[15] - الوجيز في أصول الفقه د. عبد الكريم زيدان ص 194 مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة 1421هـ 2000م

[16] - سورة النساء من الآية 29

[17] - الحديث حسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3461 وفي صحيح الجامع رقم 6116

[18] - رواه أحمد في مسنده 2/234 رقم (9582)،مؤسسة قرطبة،القاهرة ،ورواه أيضا النسائي في السنن الكبرى 4/43 رقم(6228) كتاب البيوع ، باب النهي عن بيعتين في بيعة ( دار الكتب العلمية، بيروت،الطبعة الأولى سنة 1991 م ،تحقيق : د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي )،و ورواه أيضا الترمذي في سننه 3/533 رقم (1231) باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة،( دار إحياء التراث العربي، بيروت تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون) ، ورواه أيضا البيهقي في السنن الكبرى 5/343 رقم (10660)، كتاب البيوع ، باب النهي عن بيعتين في بيعة( مكتبة دار الباز، مكة المكرمة،1994م تحقيق : محمد عبد القادر عطا ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6943وفي سنن النسائي رقم 4632

[19] - رواه الطبراني في المعجم الكبير، 9 / 321 رقم (9609) ( مكتبة العلوم والحكم، الموصل الطبعة الثانية 1983 م ، تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي ) ، ،و رواه أيضا ابن ابي شيبةفي مصنفه 4/ 307 رقم(20454) كتاب البيوع والأقضية،(مكتبة الرشد، الرياض ، الطبعة الأولى 1409هـ تحقيق : كمال يوسف الحوت) ، و رواه أيضا ابن حبان في صحيحه 3/331 رقم(1053) كتاب الطهارة باب فرض الوضوء وصححه الألباني في إرواء الغليل رقم 1307

[20] - رواه أحمد في مسنده 1/ 398 رقم (3783) .

[21] - سنن الترمذي 3/533 رقم 1231 دار إحياء التراث العربي تحقيق أحمد شاكر وآخرون وقال الألباني : صحيح سند الحديث

[22]- التمهيد لابن عبد البر 24/390 (الناشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب ، 1387 هـ تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري )

[23]- عون المعبود شرح سنن أبي داود لمحمدلاشمس الحق آبادي 9/283 ( الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415هـ )

[24]- عون المعبود لمحمد شمس الحق 9/ 239

[25]- المصدر السابق

[26]- القواعد الكلية والضوابط الفقهية لمحمد شبير ص 157- 158 دار النفائس الأردن الطبعة الأولى 1426هـ - 2006م

[27] - الحديث صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3504 رواه ابن حبان في صحيحه 10/161 رقم (4321) كتاب العتق ، باب الكتابة، و رواه أيضا الحاكم في مستدركه 2/21 رقم(2185) كتاب البيوع دار الكتب العلمية،بيروت الطبعة الأولى 1990م تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا

[28] - عون المعبود لمحمد شمس الحق 9/292

[29] - فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد اللطيف المناوي 6/332 الناشر : المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة الأولى ، 1356 هـ

[30] - حاشية السندي على سنن النسائي 7/289 ( الناشر : مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب الطبعة الثانية ، 1406 – 1986 هـ تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة )

[31]- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/981 ( الناشر : المكتبة العلمية - بيروت ، 1399هـ - 1979م تحقيق : طاهر أحمد الزاوى - محمود محمد الطناحي )

[32]- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني 5/160

[33]- قال علاء الدين الكاساني الحنفي : ( الثمن قد يزاد لمكان الأجل ) بدائع الصنائع للكاساني 5/ 224 ( دار الكتاب العربي بيروت 1982 م الثانية )

[34] - قال ابن رشد المالكي : ( جَعل للزمان مقدار من الثمن ) بداية المجتهد 2 / 108 .

[35]- قال الشيرازي الشافعي : ( الأجل يأخذ جزءا من الثمن ) المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1/289 ( دار الفكر بيروت )

[36]- قال ابن مفلح الحنبلي : ( الأجل يأخذ قسطا من الثمن ) المبدع لابن مفلح 4/105 ( المكتب الإسلامي - بيروت -1400هـ )

[37] - قال ابن تيمية : ( الأجل يأخذ قسطا من الثمن ) مجموع فتاوى ابن تيمية 29/499 ( دار النشر : مكتبة ابن تيمية تحقيق : عبد الرحمن قاسم العاصمي )

[38] - له رسالة سماها : شفاء العلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل أثبت فيه جواز البيع لأجل مع زيادة الثمن

[39] - مجموع فتاوى ومقالات ابن باز كتاب الدعوة 2/184 - 185

[40] - انظر رسالة في أحكام المداينة للشيخ القسم الأول من المداينة

[41] - المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان 3/268- 269 ( دار الهجرة الرياض )

[42] - فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم 71- 22 /4/1392هـ

[43] - انظر كتابه فقه البيع والاستيثاق ص 712 (دار الثقافة قطر مكتبة دار القرآن الطبعة الرابعة 1427هـ - 2006م )

[44]- له بحث سماه حكم بيع التقسيط بين الشريعة والقانون ،وهو باحث شرعي كويتي ،وتم نشر هذه الدراسة بمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة عن كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بجامعة الكويت، السنة الرابعة، العدد السابع.

[45] - المعاملات المالية المعاصرة د/وهبة الزحيلي ص 327 - 328 دار الفكر دمشق الطبعة الثالثة 1427هـ - 2006م

[46]- مجلة التوحيد السنة الثامنة والعشرون العدد الثاني ص 31

[47] - سورة البقرة من الاية 275

[48]- انظر مبحث صيغ العموم ودلالة العام في علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 210- 212 ( دار الحديث 1423هـ 2003م ) ، و الوجيز في أصول الفقه د.عبد الكريم زيدان ص 305- 310 ( مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة 1421هـ 2000 ) ،و علم أصول الفقه د. محمد الزحيلي ص 256- 261 ( دارالقلم الطبعة الأولى 1425هـ 2004م ) و شرح الأصول من علم الأصول لابن عثيمين ص 190 – 205 (المكتبة التوفيقية ) و مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي ص 195 -198 (مكتبة العلوم والحكم الطبعة الرابعة 1425هـ 2004م )

[49] - سورة البقرة من الآية 282

[50] - القواعد والضوابط الفقهية للدكتور محمد شبير ص 150 - 151

[51] - سورة النساء من الآية 29

[52] - رواه الحاكم في المستدرك 2/ 65 رقم 2340 قال الذهبي في التلخيص : ( على شرط مسلم ) ( الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 هـ - 1990م تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ) ،ورواه أيضا الدارقطني في سننه 3/ 70 رقم 263 ( الناشر : دار المعرفة - بيروت ، 1386 هـ – 1966م تحقيق : السيد عبد الله هاشم يماني المدني ) و الحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل رقم 1358

[53] - الحديث حسنه شعيب الأرناؤوط في مسند أحمد 2/ 171 رقم6593 و 2/216 رقم 7025 الناشر : مؤسسة قرطبة - القاهرة

[54] - رواه البخاري في صحيحه رقم 2/781 رقم 2125 باب السلم في وزن معلوم ( الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407 هـ – 1987 م تحقيق : د. مصطفى ديب البغا) ، ورواه مسلم في صحيحه 3/1226 رقم 1604

[55] - المغني لابن قدامة 4/338 الناشر : دار الفكر – بيروت الطبعة الأولى ، 1405هـ ، عون المعبود لشمس الحق آبادي 9/ 251 الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415 هـ

[56] - متفق عليه

[57] - علم أصول الفقه لأستاذ عبد الوهاب خلاف ص 102

[58] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3503

[59] - الأم للشافعي 4/31 دار الفكر للطباعة والنشربيروت الطبعة الثانية 1403هـ - 1983م

[60] - المغني لابن قدامة 4/186 الناشر : دار الفكر – بيروت الطبعة الأولى ، 1405هـ

[61] - الصرف هو بيع النقد بعضه ببعض كالذهب بالذهب أو بالفضة ومثله بيع العملات الورقية

[62] - رواه البخاري في صحيحه 2/ 726 رقم 1955 باب التجارة في البر الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة الطبعة الثالثة ، 1407 هـ – 1987 م ،وكذلك رواه مسلم في صحيحه

[63] - رواه البخاري في صحيحه 2/ 761 رقم 2066 باب بيع الذهب بالذهب ،ورواه مسلم في صحيحه

[64]- صححه الألباني في صحيح أبي داود حديث رقم 2864