وجهة نظر:إسرائيل بين الماضي والحاضر والمستقبل!!!
التاريخ: 14 أيلول - سبتمبر 2006
الموضوع: مقالات
بقلم : محمود نايف خطيب - كفركنا
جاء في كتاب صراع الحضارات للمؤلف صاموئيل هينطينجتون في صفحة 45من الترجمة العبرية ما يلي: «اليهود الذين يعيشون في الغرب يتطبعون بثقافة الحضارة الغربية التي يعيشون فيها» ، وكما نعرف فالمواطنون في الدول الغربية يعيشون في ظل نظام ديموقراطي ليبرالي رأسمالي (الليبرالية في سلوك الافراد تتسم بانها نزعة في السلوك اكثر مما هي مذهب عقلي في التفكير، وتظهر عادة بانسلاخ الفرد من كل ما تواضع عليه المجتمع من اداب وقوانين في رغباته وشهواته، ثم سيرته حسب «ضميره» ونزعته الخاصة)، اضف الى ذلك ان غالبية اليهود الذين يعيشون في اسرائيل ينهجون ايضا في حياتهم النهج الليبرالي التحرري الذي يترتب عليه تراجع اخلاقي وتفرقة سياسية، واهم النتائج التي تترتب على التراجع الاخلاقي هي:
1- ارتفاع في السلوكيات التي تضر بالمجتمع؛ مثل الجريمة، واستعمال المخدرات( 30الف اسرائيلي يتعاطون الهروين، ناهيك عن المخدرات الاخرى - احصائية قدمها البروفيسور ريتشارد يسرائيلوفيتش، من قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة بن جوريون للجنة الكنيست لمكافحة المخدرات (يوم الاحد، 28كانون الاول من العام 2003) .). وايضا تزايد العنف بشكل عام وخاصة العنف داخل الاسرة والعنف في المدارس.
2- تفسخ الاسرة؛ والذي يتضمن ارتفاعا في نسبة الطلاق (نسبة الطلاق في اسرائيل بلغت 30% من حالات الزواج) ، الولادة خارج الزواج، والحمل في جيل عشر سنوات والعائلات التي تتكون من اب لوحده او ام لوحدها.
3- نتيجة لنهج الحياة الرأسمالي الذي يترتب عليه السعي الدائم من اجل تحقيق المصلحة الشخصية هنالك اضمحلال في «رأس المال الاجتماعي»، ما يعني ان هناك ترديا في العمل داخل منظمات للعمل التطوعي، يصاحبها ترد في الثقة بين الاشخاص بما يتعلق بعضوية في جمعيات من هذا النوع.
4- وهن وضعف عام في «الاخلاص والتفاني في العمل» وارتفاع في طقوس الملذات الشخصية.
5- انخفاض في الالتزام بالتعليم وفي الفعاليات الثقافية، الذي يظهر احيانا في انخفاض في التحصيل العلمي.
هذه الامور التي ذكرناها انفا هي امراض اجتماعية تفتك في المجتمعات الغربية وايضا في المجتمع الاسرائيلي وكل الاحصائيات تذيل بالجملة «النسبة آخذة في الارتفاع»، وطبعا السبب الاساسي لهذه الامراض هو بعد هذه المجتمعات عن الدين وضبط السلوك في اطار التعليمات الدينية والالتزام باداء الواجبات الدينية، فالايمان ليس معناه الاعتراف بوجود خالق لهذا الكون، فهو «اعتراف»وليس إيمانا ، فالإيمان في قضية معينة يترتب عليه الجد والجهد والعناء والالتزام والتضحية في سبيل هذه القضية، وما يثبت عدم الالتزام بما يفرضه الايمان هو ما يقوله اشخاص غربيون، يلتزمون بالذهاب الى الاماكن الدينية، عندما يسألون لماذا يقومون بعلاقات جنسية محرمة خارج اطار الزواج فتكون الاجابة:«هذه عملية بيولوجية، ما شأن الدين فيها».
وتدركنا هنا قضية اساسية في تنظيم سلوك الفرد وانضباطه وهي قضية الايمان باليوم الآخر، ففي القرآن الكريم يأتي الحديث عن الايمان بالله مصاحبا للايمان في اليوم الاخر { تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}يوسف : 37 فالايمان باليوم الاخر هو المحفز الذي يجعل النفوس تندفع في طاقة هائلة لاداء الواجبات الدينية وتعمير الارض وانشاء الحضارة وفقا للمنهج الرباني طمعا في جنة الرحمن، وترتدع وتمتنع عن ارتكاب الفواحش خوفا من عذاب الرحمن {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }.
وبالاضافة الى ان غالبية اليهود الذين يعيشون في اسرائيل وخارجها يتطبعون بثقافة الحضارة الغربية، فان كتبهم الدينية لا تأتي على ذكر اليوم الاخر الا قليلا، فالعهد القديم تزيد صفحاته عن الف صفحة، وعلى الرغم من ذلك لا تجد فيه نصا صريحا يذكر اليوم الاخر!!، وهم أكثر الناس حبا للحياة .
وقد وضح هذا الامر رجل دين يهودي: «وعلى ذلك يتحسر قلبنا وتتمسمر شعيرات رأسنا، عندما ننظر الى الجيل الصغير... وافكاره هي افكار كفر. لا يوجد بداخله ايمان، ولا تقوى ولا خشية ولا عقيدة، هم يكرهون الله خالقهم وعبيده من بني اسرائيل...مدارس التوراة التي كانت ممتلئة بالطلاب، اصبحت فارغة، وبدلا من ذلك امتلأت الجمعيات والمجمعات التي اهدافها الكفر وتقبيح التوراة קונימוס קלמיש שפירא, קונטרס חובת התלמידים (תל אביב:ועד חסידי פיאסצנה, תשנב), הקדמת המחבר, עמ‘ יב.
والحركة الصهيونية هي حركة قومية في انتمائها، علمانية في ادارة شؤون الحياة، دينية في تطلعاتها واهدافها المستقبلية وفي اثبات شرعيتها. وقد قامت دولة اسرائيل بجهد الطلائعيين الذين كانت غايتهم اقامة وطن قومي في اسرائيل تتحول الى طاقة دافعة للعطاء والاجتهاد، وكانت ظروف اليهود الصعبة في تلك الفترة تجعل منهم يدا واحدة فيتنازلون عن حظوظ انفسهم في سبيل الغير والغاية، ويعيشون في المستوطنات التعاونية (الكيبوتسات). وربما كانوا يتفاوتون في درجة العطاء وان لم يتفاوتوا في النوايا، لكن، وفي المحصلة متساوون بالمحصول. حياة جماعية يصهر فيها الانتماء القومي والمصير المشترك والهدف الاعلى الفوارق والتباينات.
وقد عبر عن ذلك جيدا حفيد هرتسل: «هم واجهوا مشاكل كبيرة وصعبة، وفي قلوبهم يحملون ذكرى مصير ابناء شعبهم في اوروبا، مصير الذي «سينساه» بسرعة هذا العالم اللامبالي. لكنهم صغار واقوياء- يهود فلسطين- وهم مستعدون كثيرا لان يحملوا على كاهلهم عبء هذه المصاعب؛ هم ابدا لن ينسوا اخوتهم واخواتهم اليهود. ليس بأستطاعتهم ان يوقظوا الموتى. ولكن بأمكانهم ان يتحملوا الحياة، وهم يتحملون. هذا ما هم مصممون على فعله باخلاص، وبكل ما استطاعوا من قوة».
هذا ما قاله حفيد هرتسل نورمن في زيارة له لفلسطين في عام 1945عندما قابل الطلائعيين، واتبع وقال:
«اردتم هذا- اليهود- بقلوبكم وبأنفسكم، وبرؤوسكم واجسادكم، وبعملكم، وبعرق جبينكم وبدمائكم، وبكل الحزن الذي في قلوبكم - حقا، ايضا بفرحتكم، وانظروا، لم يعد هذا بأسطورة».
ومما يميز هؤلاء -الطلائعيين- انهم هاجروا الى اسرائيل بأختيار، فعلوا ذلك من اجل غاية لا توجد فيها مصلحة مادية، فحسب المقياس المادي كان من المفضل ان لا يهاجروا الى اسرائيل، غايتهم كانت انشاء اطار رسمي يستطيع شعب اسرائيل ان يحقق هويته من طريق اقامة مجتمع «متحضر» بحسب قيمه. ولكن هذا الجيل ولى وانقشع من المجتمع الاسرائيلي، فكثير من المهاجرين الى اسرائيل ما بعد قيام الدولة هم من الذين رأوا في اسرائيل افضلية اقتصادية، وخصوصا المهاجرين الذين اتوا من الاتحاد السوفييتي، حيث تشير الاحصائيات الدقيقة الى ان 300000منهم ليسوا يهودا، فالذين يتواجدون اليوم في اسرائيل هم غالبيتهم ابناء واحفاد الطلائعيين وايضا المهاجرين الذين يرون بأسرائيل افضلية اقتصادية، هؤلاء بالاضافة الى عدم ايمانهم باليوم الاخر كثير منهم اسمى غايته اشباع حاجات بيولوجية-اقتصادية، وفي كتاب «האדם מחפש משמעות» ناقش عالم النفس الفييني فرانكلين السؤال ما هو الفرق بين أولئك الذين توفوا بعد اسبوعيين في معتقل اوشفيتس وبين أولئك الذين تواجدوا في نفس الظروف وبقوا على قيد الحياة - الفرق ان الذين صمدوا كانت لديهم غاية. الذي يوجه حياته بحسب غاية خارجة عن الحاجات البيولوجية-الاقتصادية يجد طاقات نفسية عظيمة تساعده على التغلب على المصاعب المفزعة. بدون غاية كل صعوبة تنقلب لتصبح عقبة لا يمكن تجاوزها.
وقد وضح جيدا هذا الامر احد الكتاب في جريدة هارتس : » في سنوات ال-70من القرن ال-20ولى من العالم اكثرية الجيل الاول من الحركة الصهيونية العلمانية. هذا الجيل تمتع بامتياز فريد - محافظة على الهوية اليهودية الواضحة، بالرغم من وجود نهج حياة علماني لا يدعم هذه الهوية. وفي عملية تبادل الاجيال اختفى هذا الامتياز، وفقدت اسرائيل مصدر قوتها في صراعها على وجودها.» هذا ما قاله اليشع هاس في جريدة هارتس، في العدد13-8-2006.
واضاف:«الغاية اليهودية الصهيونية حل مكانها غاية إسرائيلية طبيعية، رئيس الوزراء الحالي عبر عن ذلك جيدا في خطابه ليلة انتخابه: «حياة طبيعية، في دولة ممتع جدا العيش فيها».
واضاف: «الجيل الصغير الذي فقد الهوية اليهودية يستصعب ان يفهم الحرب الوجودية التي تتحرك بدوافع دينية ويتعذر بطموحات العدو الاقتصادية-الجغرافية.»
للخلاصة، غالبية اليهود الذين يعيشون اليوم اسمى غايتهم هو تحقيق حاجات بيولوجية اقتصادية، والمجتمع الاسرائيلي هو مجتمع ينهج نهج الحضارة الغربية المادية ويعاني من امراضها، مجتمع غير متدين لا توجد له غاية عليا مثل الجنة ولا سفلى حتى مثل تلك التي كانت عند الطلائعيين. وكل الحلول المعروضة ما دامت لا تشير الى العودة الى الدين فانها بالضرورة تشير الى تأزم الوضع...
ونختم بما قاله احد الكتاب في جريدة هارتس: «أكثر شيء يخيفني هو انه استيقظ في داخلي الإيمان بديمومة اسرائيل. هذا الشك دائما كان موجودا. انا اعتقد ان كل انسان يعيش هنا، يعيش بشكل مواز أيضا البديل أن إسرائيل غير موجودة. هذا هو كابوسنا. وبمرور السنين صممنا هذا الكابوس وثبتناه وطليناه. والذي حدث في السنتين الاخيرتين مع الانقلاب في المصطلحات والقيم ووجهات النظر، هو انه بشكل مفاجئ «الإمكان أن إسرائيل لن تبقى» اصبح محسوسا وملموسا. وهذا في الوقت الحالي ليس بهذيان وهلوسة. وليس مشاكل ليلية. يوجد امكان انه كانت هنا تجربة كبيرة، جديرة، وهي لن تبقى. بالنسبة لي هذا الامر مخيف جدا». ארי שביט, «בין ההריסות», מוסף הארץ, 01 בינאור , 3002 , ص15..
=========================================
http://www.sawt-alhaq.com/ar/modules...print&sid=5487