العرض التالي قد يعزز رؤيتنا حول أهمية "مزرعة العائلة"
أزمة الغذاء بين الجشع الدولي والعجز العربي
القاهرة/ عاصم السيد 15/6/1429
19/06/2008
أزمة الغلاء العالمية، وارتفاع أثمان الحبوب الغذائية، مع نقص هذا النوع من الغذاء خاصة في دول العالم الثالث الفقيرة، التي لا تحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاجها المحلي من الحبوب والمحاصيل الزراعية، كل هذا أوجد مشكلة شديدة الخطورة والتعقيد، تظهر آثارها على هيئة موجات من ارتفاع أسعار الغذاء في جميع أنحاء العالم، وتبلغ الآثار السلبية مداها في الدول الفقيرة ذات الاقتصاديات الْمُعْتَلَّة، ومنها دول عربية.
ويؤكد الخبراء أن اتجاه الدول الكبرى إلى تحويل المحاصيل الزراعية كالذرة والقمح والسكر إلى وقود حيوي، نظرًا لارتفاع أسعار النفط عالميًا، يُعْتَبَرُ سببًا رئيسيا في تَفَجُّر موجة الغلاء في العالم، وأن التأثير الذي تركه هذا النوع من الوقود على أسعار الغذاء حول العالم يُمَثِّل "جريمة ضد الإنسانية" بحق الفقراء.
وهذا الأمر يُقَدِّم برهانًا قويًّا في أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا سلكا مسلكًا نفعيًّا وانتهازيًا وغير أخلاقي، كان له أعمق الأثر في نقص غذاء البشر على كوكب الأرض، وارتفاع ثمنه.
فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، استخدمت ثُلُثَ إنتاجها من محصول الذرة في إنتاج الوقود الحيوي، بينما يعتزم الاتحاد الأوروبي استخدام الوقود الحيوي بنسبة تصل إلى 10 %.
كما أن ارتفاع أسعار البترول عامِلٌ آخر لزيادة الأسعار؛ لأنه يعني زيادة تكلفة إنتاج المواد الغذائية في المصانع والنقل، وبالتالي ارتفاع أسعار الغذاء ذاته.
وتوقعت منظمات دولية أن يتواصل الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغذاء لمدة 10 سنوات أخرى، وأن تنال الأزمات المترتبة عليه الدولَ الغنيةَ إلى جانب الدول الفقيرة الأسرع تأثرا، ما ينذر بأن تتحول أزمة نقص الغذاء إلى أخطر أزمة يواجهها البشر في القرن الواحد والعشرين.
ويُعَدُّ تغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه مستقبل الغذاء في العالم، ففي الصين انخفض إنتاج الذرة والأرز بسبب الفيضانات، كما تسبب الجفاف العام الماضي في نقص إنتاج أستراليا من القمح بمعدل 60%، وفي بريطانيا من المتوقع أن يَقِلَّ إنتاجها من القمح بمعدل 10% بسبب موجة الفيضانات التي شهدتها مع بداية هذا العام.
من جانبهم، يعتبر خبراء منظمة الأغذية والزراعة "فاو" أنّ ارتفاع أسعار الغذاء تعني نَزْعَ الطعام من أفواه الأطفال الجوعى، الذين لا يستطيع أهاليهم إطعامهم؛ لأنهم فقراء، ونتيجةً للارتفاع الكبير في أسعار الغذاء يضطرون إلى شراء كمية أقل من الطعام، أو يلجئون إلى الحصول على غذاء أقل فائدة.
وهكذا، فإن الجشع الغربي لن تكون نتيجته تجويع أطفال العالم الثالث الفقير، وإنما تدمير البيئة العالمية أيضًا، فإنتاج الوقود الحيوي يُمْكِنُ أن يُعَجِّل بحدوثِ التغير المناخي لكوکب الأرض في الكثير من الحالات بشكل هائل، خاصة وأن زراعة نبات الذرة والشلجم ونخيل الزيت بشكل واسع يُؤَدِّي غالبا إلى انبعاث غازات احتباسية أکثر مما يتم توفيره من الوقود الحيوي المستخلص من هذه النباتات؛ لأن إنتاج الوقود الحيوي يتطلب تدمير غابات مَدَارية، وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، كما أن الأسمدة المستخدمة بكثافة في زراعة النباتات التي يُسْتَخْلَصُ منها الوقود الحيوي تؤدي إلى انبعاث کميات أکبر مما کان يُعْتَقَدُ من أحد أنواع الزيوت الاحتباسية الخطيرة.
انعكاسات سلبية
تعود أغلب أسباب أزمة الغذاء إلى عوامل بيئية، أو تقنيات زراعية، وتكنولوجيات بديلة، كان الهدف منها حل أزمات أخرى، ولكنها أدت إلى خلق أزمات جديدة، بعضها أيضا بيئي، وبعضها الآخر صحي بامتياز.
على رأس هذه الأسباب، النمو الاقتصادي الهائل في بعض الدول (مثل الهند والصين)، وما رافقها من تغييرات في السلوكيات الغذائية للشعوب، والتي ساهمت العولمة أيضا فيها، وارتفاع الطلب على الحبوب لإطعام المواشي، ولاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، وهي سلوكيات انعكست على المزارعين، ودفعت الكثيرين إلى تغيير نوعية إنتاجهم.
كذلك فإنّ سيطرة فكرة الغذاء الصحي على المجتمعات المتقدمة زادت من طلبها على أنواع كثيرة من الخضراوات ذات النوعية العالية الجودة؛ حيث شددت الدول الغربية معايير الجودة التي تفرضها على المزارعين من أجل السماح لما ينتجونه بالدخول إلى أسواقها، مما صعب عمليات تصدير هذه المنتجات من قبل مزارعي الدول النامية نحو الشمال، وزاد من أزمتهم. في المقابل ما زالت الدول الغنية تقدم الدعم لمزارعيها، في حين تطلب اتفاقيات التجارة العالمية من الدول الفقيرة التوقفَ عن تقديم هذا الدعم، بحجة توفير مبدأ تكافؤ الفرص في التصدير. وهي كلها أمورٌ ساعدت في رفع أسعار الخضار أيضا عالميا.
التقارير الدولية تُؤَكِّد أن زيادة الفقر يؤدي بالناس إلى الاتجاه نحو أطعمة أقل من ناحية القيمة الغذائية والفيتامينات، وأقل توازنًا، مما ينعكس سلبيًا على صحة الإنسان؛ فالمعروف علميًا أن نقص التغذية يؤدي إلى سوء نمو عقلي وجسدي، كما يؤدي سوء ونقص التغذية على المدى الطويل إلى العديد من الأمراض، وهو يعمل أيضًا على التقليل من مناعة الجسم، فيزيد ذلك من خطر الإصابة بأمراض معدية، وهو كذلك من الأسباب الرئيسية للإصابة بمرض السل.
نقص الغذاء يؤدي إلى انخفاض في قدرة الأطفال على التعلم والنمو السليم فكريًّا وجسديًّا، ما ينعكس على الأجيال المقبلة من البالغين، أي أننا أمام خطر بناء أجيال كاملة غير سليمة أو مريضة.
انعكاسات الأزمة عربيًا
لم تسلم الدول العربية من تبعات هذه الأزمة؛ التي كان لها انعكاسات خطيرة عليها، وبلغت ذروة الأزمة في مصر؛ حيث شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة أزمة كبيرة في توفير "رغيف الخبز" للمواطنين، الأمر الذي تسبب في حدوث اضطرابات كبيرة، ومظاهراتٍ، احتجاجًا على أزمة الخبز وارتفاع الأسعار.
كما شهدت اليمن أيضًا بعض المظاهرات الشعبية احتجاجًا على ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار السلع الغذائية بشكل خاص.
وفي الإمارات تضاعفت أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية بنسبة 300% في السنوات الأخيرة.
وفي السعودية، استمر ارتفاع أسعار عدد من السلع الغذائية خلال العام الحالي بنسب تتراوح بين 20 و30%.
وفي سوريا ارتفعت أسعار المواد الغذائية بكافة أنواعها بنسب تتراوح بين 50 و70%.
ورغم الخطوات التي اتخذتها الدول العربية لمواجهة هذه الأزمة، ومن بينها: زيادة الرواتب، وتخفيض الرسوم الجمركية على السلع الغذائية الرئيسية، ورَفْع قيمة الدعم المقدمِ للسلع الغذائية الرئيسية، وفَرْضِ الحظر على تصدير بعض هذه السلع.. إلا أن الأزمة مُرَشَّحَةٌ للتصاعد، في ظل التقديرات التي تُؤَكِّد أن الارتفاع الحالي في الأسعار ليس مؤقتًا، وقد يمتد لفترة طويلة، الأمر الذي قد تعجز بعض الدول عن ملاحقته، وهو ما ينذر بحدوث اضطرابات سياسية ومجتمعية كبيرة، تهدد استقرار بعض الدول العربية.
مسكنات غير ناجعة
والمعضلة الرئيسية هي أن الدول العربية تقف عاجزة أمام هذا التفاقم لأزمة الغذاء، ولا تملك في جَعبتها أيةَ خطة أو استراتيجية مستقبلية للحل، وكل ما فعلته وتفعله لا يعدو كونه مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع!
فلم تحاول معالجة التضخم الذي يُعَدُّ عاملًا رئيسًا في رفع الأسعار، ولا تفعل شيئًا إزاء تدهور سِعْرِ صرف العملة الأميركية التي يُسَعَّرُ بها نفطها، الأمر الذي جعل قيمة العملات العربية متدنيةً لارتباطها بالعملة الأمريكية.
والشيء الذي يدعو للأسى: أن أزمة نقص الغذاء تحدث، على رغم أن الدول العربية تملك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تصل إلى حوالي 198 مليون هكتار صالحة للزراعة( كما ذكر التقرير الاقتصادي العربي لعام 2007)، وبلد واحد كالسودان يمكن له، إذا توفرت الإرادة السياسية، أن يصبح سلة غذاء تكفي كل أرجاء الوطن العربي، ناهيك أنّ دولًا تجري فيها الأنهار، كمصر، والعراق، وسوريا، يمكنها إذا خلصت النوايا، وصدقت العزائم، ووجدت الخطط العِلمية، والمشروعات الوطنية السليمة، وتوافر التمويل العربي، أنْ تغير المعادلة من : عجزٍ في إمدادات الغذاء، إلى: وفرةٍ تُطْعِم الجائعين، وتُصَدِّر الفائض للخارج.
الغرب مسئول عن الأزمة
لا يمكن الحديث عن أزمة الغذاء في العالم العربي دون الحديث عن الدور السلبي للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وهيئة المعونة الأمريكية، وغيرها من المؤسسات المالية الدولية التي تسيطر على الاقتصاد العربي.
فهذه المؤسسات الدولية مسئولة عن تمرير سياسات تخدم الاقتصاد الغربي، وتحرم المواطنين العرب من الخدمات الحكومية ودعم السلع.
فالدول العربية الفقيرة تضطر للاقتراض من هذه المؤسسات المالية الغربية من أجل تمويل مشروعات التنمية داخلها، ثم الاستعانة بها في رسم السياسات الاقتصادية الداخلية بالكامل، نتيجةَ الفشل الاقتصادي للدول العربية، وعدم قدرتها على تعيين الخبرات الاقتصادية الحقيقية والوطنية.
ومن جانبها، فإن المؤسسات المالية الغربية هي مؤسسات قُرُوضٍ تسعى لإقناع الدول العربية بالاستدانة لتحقيق أرباح على قروضها.
فهذه المؤسسات المالية أسوأ من البنوك التجارية؛ فقروضها دائما مصحوبةٌ بشروط تَمَسُّ سيادة الدول العربية، وغالبًا ما تأتي هذه القروض مصحوبةً بما يسمى "المساعدة الفنية"، وهي عبارةٌ عن عملية تقديم النصح الاقتصادي من قِبَلِ المؤسسات المالية الدولية، والتي تصل إلى حَدِّ رَسْمِ أدقِّ السياسات الاقتصادية الداخلية، بحجة امتلاك البنك خبراتٍ فنيةً اقتصادية، أكبر من الدولة العربية المقترضة.
ومن الشروط المعتادة للبنك وصندوق النقد، التي يجب على المقترض الموافقة عليها قبل صَرْفِ القرض، إزالة القوانين المحلية التي تُشْرِفُ على عمل الشركات الأجنبية، أو قطاع رجال الأعمال المحلي، بحجة جذب الاستثمار وعدم تنفير الشركات الأجنبية!
ومنها: تقليل الإنفاق الحكومي، وفرض قيود صارمة على الميزانية الحكومية في الخدمات الاجتماعية الحيوية؛ مثل الصحة، والتعليم، والغذاء المدعم.
ومنها: تَبَنِّي خصخصة الشركات العامة، وبيعها للشركات الأجنبية، أو بيعها لرجال أعمال متحالفين مع النظام الرأسمالي الغربي!
وبالتالي، فإن إجبار الدول على رَفْعِ الدعم عن الغذاء هو أحد أسباب القول بأن البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية وصندوق النقد يقفون جميعا وراء أزمة الغذاء.
ومن أسباب الأزمة إجبار الحكومات العربية على استثمار أموال الدولة في خدمة رجال الأعمال والشركات عن طريق تخفيف الضرائب عليها، بدلًا من استثمار أموال البلاد لخدمة الطبقات الفقيرة، وغير القادرة، وتقديم شبكات أمان لهم.
كما تقف هذه المؤسسات وراء أزمة الغذاء في الدول العربية؛ لمسئوليتها في إقناع الدول العربية بما يسمى "بآليات السوق الحر" – العرض والطلب – وأنها خير وسيلة لتوفير الغذاء.
لكن الحقيقة هي: أن الشركات الغربية، التي تعمل تلك المؤسسات على خدمتها، ترغب في التحكم في تلك المواد الغذائية، واحتكارها عالميًّا، والتلاعب بأسعارها مع المزارع الوطني، وعدم تقديم الدعم له؛ لتتركه ينافس الشركات الزراعية العالمية العملاقة، المدعومة أصلا من الحكومات الغربية القوية!
=================
http://www.islamtoday.net/albasheer/...79&artid=13032
كان تعليقي على المقال هناك كما يلي
إن لم يدار المال العالمي بالطريقة التي يرضها ربنا جل في علاه, فلنتوقع الكثير من الكوارث ومنها ما يتحدث عنه الكاتب.
أحد المخارج لهذا النوع من الآزمات و لو مؤقتا, دعوة العشائر و الأسر الكبيرة "آل فلان" بأن يملكوا مزرعة خاصة بهم يستزرعونها بالمواد الغذائية الأساسية و على رأسها القمح, و تنمية ثروة حيوانية مناسبة للألبان والحليب و مشتقاته و لسد حاجة الأسرة من اللحوم والبيض. لمتابعة مثل هذه الفكرة يمكن زيارة "منتدى د. المقريزي >> ذرية ضعافا - ذرية طيبة"
أنا أعلم أن هناك من الكتاب من سيناهض تلك الفكرة بحجة ندرة المياه الجوفية
و للرد على مثل هذه الشبهه يمكن مراجعة الرابط التالي
http://islameiat.com/cms10/php/discuss/index.shtml
موضوع بعنون "رد على مقال كيلوا قمح"
كما أن بعض الدول العربية التي تخترقها الأنهار مثل مصر لا تواجه مشكلة مياه