تبدو فكرة الإنذار المبكر من الجرائم، أو لنقل التنبؤ بالجرائم قبل وقوعها، مثل فكرة فيلم الخيال العلمي «ماينوريتي ريبورت» للمخرج ستيفن سبيلبيرغ من تمثيل توم كروز. فشرطة المستقبل في الولايات المتحدة تستخدم القدرات الكومبيوترية والبشرية، أي خليط من معطيات الكومبيوتر والأفراد الذين يتمتعون بالقدرة الفائقة على التنبؤ بالأحداث، بهدف التنبؤ بالجرائم وإلقاء القبض على مرتكبيها قبل شروعهم بتنفيذها. وينتهي الفيلم بخطل فكرة التعامل المسبق مع الافراد كمجرمين بعد أن يتنبأ الكومبيوتر بتحول أهم محقق (كروز) في قسم «الوقاية من الجرائم» إلى قاتل، ويتضح بعدها أن أحدهم حاول تلبيسه التهمة.
يطلق علماء الجريمة، الذين يؤمنون بأرشفة المجرمين قبل ارتكابهم الجرائم، في الولايات المتحدة على العملية اسم «التنبؤ العلمي» وفي بريطانيا اسم «الكشف المبكر» وفي ألمانيا «الوقاية من الجريمة»، لكنها في واقع الحال تعبيرات مختلفة لعملية واحدة، وهي عملية خزن المعلومات عن المجرمين في الكومبيوتر والكشف عن خطورة ارتكابهم المزيد من الجرائم من خلال انطباق بعض العناصر المعلوماتية والنفسية والطبية...إلخ. وينتقد علماء الجريمة الألمان هذه العملية، ووصفها أحدهم بأنها «قراءة فنجان»، لكنهم يعترفون بوجود بنك معلومات عن المجرمين على الطريقة الأميركية لكنه موضوع بطريقة أكثر علمية. ويطلق على هذا البنك اسم Operative Fall (Case) Analysis OFA ويحتوي على معلومات كاملة عن المجرمين وأعمالهم وصفاتهم ومدى انحرافهم ويرتبهم في قائمة حسب الخطورة.

وأعد ريتشارد بيرك، الباحث في شؤون الجريمة من جامعة بنسلفانيا، سوفت وير خاص يطبع بلمسة زر المعلومات عن الأفراد الذين يتوقع أن يرتكبوا الجرائم في القريب العاجل. وكاتب بيرك في «فيلادلفيا انكوايرر» أن تحسين هذا «السوفت وير» بنسبة 40% سيطور دقة تشخيص المجرمين قبل ارتكابهم للجنايات بشكل كبير. ومنح هذا البرنامج الكومبيوتري أشخاصا من فيلادلفيا، حوكموا بسبب جنايات صغيرة بالسجن وخرجوا بكفالة،30 ـ 40 نقطة كدلالة على استعدادهم لارتكاب الجرائم مجددا. ويمكن على هذا الأساس استخدام البرنامج على مرتكبي جرائم الاغتصاب والقتل للتنبؤ بإمكانية ارتكاب الجرائم مجددا بعد خروجهم من السجن حينما يحصلون على 90 نقطة أو أكثر. وكتب بيرك أن من الممكن حصر المجرمين المستقبلين في قائمة من 100 شخص، ثم وضع أخطر 10 منهم في مطلع القائمة، وإذا نجحنا في كشف جناية واحدة قبل حدوثها نكون قد ظلمنا 9 منهم، لكننا نكون أيضا قد أوقفنا حدوث الجريمة.

وتتفق عالمة الجريمة البريطانية لورا ريتشاردز مع زميلها الأميركي بيرك بضرورة استنباط طريقة مستقبلية حديثة للكشف المبكر عن المجرمين تختلف عن طريق شرلوك هولمز و«كولومبو» القديمة. ولأن ريتشاردز عملت لفترة طويلة في قسم «العنف الأسري» فانها تعتقد بإمكانية وضع قائمة بممارسي العنف الأسري لأن الواقع يثبت أنهم اكثر قابلية لإرتكاب الجرائم (وخصوصا الاغتصاب والقتل) من غيرهم. وذكرت ريتشاردز لمجلة «تايمز» أنها ترى في رؤياها المستقبلية ضرورة أرشفة وخزن المعلومات عن أكثر 100 مجرم خطر في لندن بهدف التنبؤ إلكترونيا بالجرائم قبل وقوعها. وتود الباحثة، وهي رئيسة قسم الوقاية من الجرائم في شرطة لندن، أن تبدأ بأرشفة الجرائم الصغيرة، وخصوصا العنف الأسري، لأن الإنسان لا ينام ثم يستيقظ مجرما، حسب تعبيرها.

ويبدو العالم الألماني هانز يورغن كيرنر، من معهد أبحاث الجريمة في توبنغن، اكثر تحفظا من بيرك وريتشاردز، لأنه يرى في فكرة التنبؤ بالجرائم خرقا لقانون حماية المعطيات الشخصية. وتحدث كيرنر لمجلة «دير شبيغل» عن جرائم أخرى غير العنف الأسري يمكن أن تكون مؤشرا على مستقبل إجرامي، مثل تعذيب الحيوانات في الطفولة، لكنها ليست أكثر من مؤشر. وحذر كيرنر من إنشاء أراشيف منذ الآن عن «مجرمي المستقبل» لعدم وجود قانون يعنى بها حتى الآن.

ويرى فرانك روبرتس، رئيس معهد الوقاية من الجريمة (ألمانيا)، أن التنبؤ بالجرائم قبل حدوثها ليس اكثرمن «قراءة فنجان». واعتبر روبرتس الأفكار الاميركية حول تأسيس قسم الإنذار من الجرائم قبل وقوعها «دعاية تجارية وسينمائية» لا تختلف عن مسلسل «بروفايلر» الذي يعرضه التلفزيون الألماني. وشكك الباحث بوجود خواص معينة يمكن تجميعها لتشي بالميول الإجرامية المستقبلية للإنسان.

ومعروف أن السلطات الألمانية استخدمت طريقة «المسطرة» في السبعينات للكشف عن أعضاء منظمة بادر ماينهوف وخليفتها «جناح الجيش الأحمر». كما تطبقها وزارة الداخلية الحالية كطريقة للتنبؤ بالإرهابيين في إطار الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر2001. ولا يبدو أن المسطرة «القديمة» تختلف كثيرا عن الارشيف الإلكتروني الذي يجمع عناصر معينة تشي بشخصية المطلوب للعدالة. ومن النقاط التي تعتبرها الشرطة الألمانية مؤشرا على وجود ميول إرهابية: زيارة المساجد باستمرار، تربية اللحية، استخدام التحويلات المالية البريدية بدلا من البنوك، التنقل من الشقق باستمرار، تأدية الزيارات الغامضة إلى أفغانستان... إلخ والمسطرة في عمليات التجسس القديمة عبارة عن لوح رقيق من المعدن وفيه ثقوب في مواقع معينة. يغطي الجاسوس الرسالة «العادية»، التي تأتيه من مسؤوله، باللوح ويجمع الكلمات التي تظهر في الثقوب ليتعرف على تعليماته الجديدة.
http://www.aawsat.com/details.asp?se...article=399511