يحتاج كثير من الناس الذين يعملون في قطاع الأعمال، والصناعة والتكنولوجيا، والطب، والمهن الأكاديمية، إلى الاتصال مع الآخرين، وإحدى وسائل هذا الاتصال، هو الملخص، والذي يمكن أن يكون جزءاً أساسياً في اتصالاتهم. إن الملخص يلخص مقالاً أو تقريراً أو بحثاً أكاديمياً (مثلا) بصورة مختصرة ودقيقة يتمكَّن القرّاء من خلاله وبسرعة من تكوين فكرة جيدة عن محتوى النص الطويل المكتوب، ومن ثم يقررون فيما إذا كانت لهم علاقة بالأبحاث التي يعدونها، أو لديهم اهتمام بها، وبالتالي فإن الملخص يوفر عليهم الجهد والوقت. ولتوضيح ذلك أكثر، فإن العلاقة بين الملخص والمقال أو التقرير يشبه تماما العلاقة بين النموذج المصغر لبناية صممها مهندس معماري، والبناية المقامة على الارض بما فيها من تفاصيل …… فمن المجسم المصغر، يستطيع الشخص أن يكون فكرة عن البناء المقام على أرض الواقع، وكذلك الحال بالنسبة للملخص، ينبغي أن يعطي فكرة شاملة عمّا هو في داخل التقرير أو البحث. وينبغي الإشارة هنا إلى أن الملخص هو نص قائم بذاتة ومستقل عن النص الذي يمثله تماما- كالمجّسم للبناء القائم.
و هكذا كما نرى، فان الملخص يخدم الكاتب والقارئ على حد سواء، ولكن بطرق مختلفة، فهو بالنسبة للكاتب طريقة أو وسيلة للبدء بالتفكير بالموضوع الذي ينوي الكتابة فيه، أو وسيلة لتنظيم الأفكار التي لديه عن الموضوع. ومن هنا يمكن القول إن هناك أكثر من نوع من الملخصات: النوع الأول يمكن أن يسمى أوليا (مسوَّدة ) قابل للتعديل والمراجعة وذلك بالاضافة أو الحذف أو إعادة الترتيب، ويكون وذلك مع تقدم البحث. وأحيانا يخدم الملخص الكاتب إذا ما أراد الكتابة حول الموضوع، وهو أن يبعث الملخص الأول إلى محرر المجلة التي ينوي الكتابة فيها، أو إلى أي شخص آخر( هيرستون،1986)، وذلك لحجز "دور" في المجلة و قطع الطريق على من يريد، إن جاز التعبير، أن يكتب في الموضوع نفسه، وذلك لتجنب تضييع الجهد والوقت، وأيضا قد يكون الملخص بمثابة دعوة إلى المهتمين للاشتراك في الكتابة في الموضوع مع صاحب الملخص.
ومن هنا تأتي أهمية إتقان فن كتابة ملخص البحث، فهو بالأحرى قطعة فنية يجب أن تنال إعجاب القراء، وذلك لأن دقة الملخص ووضوحه يجعل المحرر أو الشخص المعني يقبل البحث على أساس الملخص، وعند قبول الملخص تكون أنت قد قطعت على نفسك التزاما بالكتابة في الموضوع طبقا للمواعيد النهائية لإرسال كامل البحث. بمعنى يجعلك ملتزما أخلاقيا بالكتابة، ويكون قبول الملخص دافعا لك للقيام بذلك، وعدم وجود ملخص لا يكون ملزماً لك بأن تكتب في الموضوع ….. هذا النوع من الملخصات يطلق عليه أحيانا أنه إبداعي.
أما النوع الثاني من الملخصات، فهو الذي يأتي بعد أن تكون قد اسْتكملت كتابة البحث، وهذا الملخص المعدل يخدم أغراضاً متعددة منها: أنه يظهر في مستهل البحث أو التقرير المنشور في المجلة، ويكون بمثابة استعراض مسبق للبحث يدع القارئ يعرف ما يمكن أن يتوقع، وبخاصة عندما يكون البحث أو التقرير طويلا وليس أمام القارئ متسعا من الوقت لقراءة البحث ( هيرستون، 1986)، وأيضا يجعله يقرر فيما إذا كان هناك فائدة من قراءة البحث كاملاً أو أن له صلة بما يبحث فيه، ويفيد الملخص، أيضاً، في أنه يعطي الباحث المعلومات الضرورية على شكل "كبسولة"، أما هذا النوع من الملخصات فإنه يكون دائما تحليليا.
ومن هنا تكمن أهمية الملخص، وكما يقول كرستيان ارنولد، فإن الملخص هو "أهم شيء في البحث أو التقرير"، فهو الذي يعطي الانطباع الأول في ذهن القارئ عن البحث، ومن ثم يجعل القارئ يقرر المضي قدماً في قراءة الملخص أو لا كما أسلفنا.\
كتابة الملخص
لابد من التأكيد على أن كتابة الملخص حسب الأصول ليس بالأمر السهل، لأنه يحتاج الى ضغط أو كبس أكبر كمية من المعلومات في فراغ قصير، ولأنه يحتاج إلى استخدام لغة يسهل فهمها بمعنى لغة غير فنية، و هكذا نرى أن كتابة الملخصات بنوعيها هي عملية تمر في مراحل تتمثل في كتابة الفكرة الرئيسية (thesis) التي تريد أن تعرضها، ثم يتبعها عملية عصف فكري / ذهني وأخذ ملاحظات حول النقاط الممكنة والمتعلقة بالفكرة الأساسية.
ومن الأشياء التي يمكن استخدامها في ذلك كتابة مصادر وأمثلة وتفاصيل ذات علاقة لتوضيح الفكرة الرئيسية، ويمكن أن تكتب لماذا تعتقد أن البحث الذي تقدمه يستحق كتابته؟ أو لماذا سيكون الجمهور مهتماً في قراءة ما ستكتبه؟ بمعنى قد تكون في كثير من الأحيان بحاجة إلى تبرير كتابتك في موضوع لإقناع القارئ، وهذا في سوق قطاع الأعمال عملية تسويق للبضاعة وترويجها وهي تحتاج منا إلى ذكاء وقدرة للوصول إلى ذهن القارئ وأن تقرأ ما في ذهنه. وفي الملخص تبدأ بعبارة أو جملة، تعبر فيها عن الفكرة الرئيسية (deduction) أو أن تقدم الشواهد والأدلة التي تريد أن تستقرىء منها استنتاجاً (induction)، وهذان هما اثنان من أساليب البحث والكتابة، وأحيانا يلجأ بعض الكتاب أو الباحثين إلى طرح عدد من الأسئلة في الملخص والتي سيجيب عنها البحث أو التقرير.
طول الملخص
في المسودة الأولى لا ينبغي أن تشعر بالقلق حول طول الملخص فهناك حاجة لكي تقدم للمحرر أو رئيس البرنامج أكبر كمية من المعلومات التي يحتاجها من أجل الحكم على البحث الذي تنوي القيام فيه، ولاحقا يمكنك تصغير الملخص وينبغي أن تضع في ذهنك دائماً أنك لا تعطي القارئ فقط فكرة من محتوى بحثك أو تقريرك، وإنما تعطيه فكرة عن أسلوبك الإنشائي ولغتك وقدرتك في التعبير عن الفكرة. وأما بالنسبة لطول الملخص بعد انتهاء كتابة البحث أو التقرير فإنها تعتمد على طبيعة طول التقرير أو البحث نفسه وبشكل عام تكون عدد الكلمات ما بين 175- 200. وخلاصة الحديث عن الملخص هو أنه تلخيص موجز عن محتوى وهدف البحث أو التقرير، وفي بعض المجلات يكون الملخص بمثابة تلخيص للنتائج، مما يسمح للقارئ باستعراض محتويات المقال أو التقرير بسرعة، وكما قلنا يكون الملخص قائماً بذاته ومنفصلاً عن جسم البحث.
واستناداً الى دليل رابطة علماء النفس الأمريكية (1974) فإن ملخصات المقالات البحثية تشمل ما يلي :
طرح أو بيان مشكلة البحث في جملة واحدة، أسلوب البحث أو طريقة الحصول على البيانات أو المعطيات، النتائج، الاستنتاجات والتوصيات.
وعند الحديث عن طريقة البحث ينبغي تحديد أشخاص الدراسة إذا كانت دراسة ميدانية، العدد، العمر، الجنس، مكان السكن ،مستوى المعيشه، ومستوى التعليم …..الخ، ويجب أيضاً وصف تصميم البحث وأدوات الاختبار، كالاستبانات، والاختبارات، والمقابلات، وطريقة جمع المعطيات. وينبغي تلخيص النتائج بذكرها فقط دون تفاصيل. وأخيرا تحليل وإعطاء مقارنات أو استنتاجات اعتمادا على النتائج. أما بالنسبة لملخصات الأبحاث النظرية فإنها تشمل ما يلي: المواضيع المغطاة في البحث، والفكرة الرئيسية أو المركزية.
المصادر المستخدمة
الملاحظة الشخصية للمؤلف، مراجعة الأدب المكتوب حول الموضوع أو الأبحاث الحالية المتعلقة بالموضوع، وهذه الملخصات تكون قصيرة ولكنها تطلع القارئ على ماهية البحث ويقترح أن لا يزيد طول الملخص عن 175 كلمة. و فيما يلي عينتان نموذجيتان من الملخصات بالعربية والانجليزية.
ملخص البحث
يهدف هذا البحث الى الكشف عن إمكانية تطبيق أسلوب الادارة اليابانية على مؤسسات القطاع الخاص العربية، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الحضارية والثقافية للبيئة العربية.
وقد أشارت الدراسة إلى أن الادارة اليابانية تتميز بعدة خصائص أهمها: تأكيد أهميّة العنصر الواحد، التركيز على أسلوب المشاركة، الأخذ بمبدأ تفويض السلطة، العمل بروح الفريق الواحد، التركيز على حلقات الجودة، الفخر والاعتزاز بالإنتماء إلى المنظمة، غرس الثقة لدى المرؤوسين، منح الأمن الوظيفي للعاملين، العمل على توفير المعلومات إلى جميع الأفراد في المؤسسة. وفي المقابل، لا تولي الإدارة العربية أدنى اهتمام بالعنصر البشري، ويظهر ذلك من خلال عدم التزامها برعاية شؤون العاملين فيها، إذ أنه بدون ذلك الالتزام والدعم من جانب الإدارة فإن برامج التطوير والتنمية سيكون مصيرها الفشل، وبناء على ذلك، فإن تبني الأسلوب الياباني سيكون العلاج الناجع لتلافي جوانب الضعف والقصور في الادارة العربية. لقد أشارت الدراسة إلى إمكانية اللجوء الى بعض الطرق للاستفادة من التجربة اليابانية في مجال الادارة العربية، منها:إيفاد مديري مؤسسات القطاع الخاص العربية وموظفيها في دورات تدريبية إلى اليابان للتدرّب على أسلوب الادارة اليابانية في البيئة اليابانية، وإقامة مشروعات يابانية عربية مشتركة، والاطلاع على القيم الحضارية والثقافية اليابانية ذات الصلة بمجال الإدارة من خلال الدراسات والبحوث والكتب الدراسية والمراجع الجامعية، والإلمام بالجوانب النظرية والتطبيقية للإدارة اليابانية.