أطلق عدد من المهتمين بالتربية والتعليم أسئلة كثيرة تتعلق بتطوير المناهج الدراسية، البعض سأل قائلا: هل هناك تطوير حقيقي، أم إن المسألة لا تتعدى أغلفة المقررات الدراسية نفسها؟، والبعض الآخر يرى أن مشروع التطوير الشامل للمناهج بوصفه نقلة مهمة للتعليم بصفة عامة، حيث أوكلت وزارة التربية والتعليم مهمة تطوير المناهج إلى إدارات تطوير المناهج في مناطق المملكة المختلفة.
"الوطن" بدورها طرحت القضية، حملت الأسئلة نفسها، وأطلقتها في فضاء المعنيين بحقل التربية والتعليم.
أشارت لمياء الحاج - رئيسة قسم المناهج ورئيسة قسم الإعلام التربوي في إدارة التطوير - إلى مشروع التطوير الشامل للمناهج بوصفه نقلة مهمة للتعليم بصفة عامة، وأشارت إلى أن وزارة التربية والتعليم أوكلت مهمة تطوير المناهج إلى إدارات تطوير المناهج في مناطق المملكة المختلفة، ففي مكة المكرمة كلفت اللجان هناك بتطوير مادة العلوم، وفي جدة مادة الرياضيات واللغة العربية والإنجليزي، وكلفت المنطقة الوسطى بتطوير مواد الدين، وأسندت الاجتماعيات ومادة علم النفس إلى المنطقة الشرقية، وسيشمل التطوير جميع المواد وسيكون مرحليا بحيث يتناول مادة إثر أخرى.
وأضافت أنه تم اختيار ثلاث مراحل دراسية كبداية للتطوير هي الأول الابتدائي والرابع الابتدائي والأول المتوسط، وجاء هذا التصور من منطلق أن الأول الابتدائي مرحلة دراسية جديدة على حياة التلاميذ من الجنسين، أما الرابع الابتدائي فيعتبر نقلة من مرحلة التقويم المستمر إلى مرحلة الصفوف العليا، أما الأول المتوسط فهو نقلة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة.
تجربة تحتاج إلى الوعي
وترى الحاج أن هذه التجربة إذا نجحت في حال التطبيق، فإنها سوف تطبق على جميع المراحل تباعا، وتشير إلى أن عملية التطوير تحتاج إلى وعي المعلمين، كما تحتاج إلى وعي مديري المدارس والأهالي معا، كما أن تطبيق هذه المناهج الجديدة في مدارس البنين والبنات والمدارس الحكومية والأهلية على حد سواء سوف يحتاج إلى تدريب وتطوير مهارات المعلمين والمعلمات من خلال عقد دورات تدريبية.
وتضيف الحاج "بعد الانتهاء من مرحلة التأليف تأتي مرحلة التقويم، ومن ثم يتم تطبيقها في المدارس، وأعتقد أنه من الممكن البدء بتطبيق تدريسها مع بداية الفصل الدراسي الثاني للعام 1427 أو بداية العام الدراسي 1428".
وتشير إلى أن المقررات الجديدة تهدف إلى تنمية مهارات التفكير لدى التلاميذ وسوف يكون هناك تعلم إلكتروني وتعلم ذاتي وتعلم تعاوني، مع المحافظة على أهداف التعليم الأساسية التي سوف يتم تطبيقها من خلال المنهج، لأن معطيات المنهج تتطلب أن تكون طرائق التدريس فيها بهذه الأساليب، وهذا التطوير يعتبر جديدا في الميدان.
وأكدت لمياء أن العمل بهذا المشروع بدأ منذ 4 سنوات، وأن اللجان القائمة عليه مكونة من الإدارتين بنين وبنات على حد سواء، وتضم مجموعة من خيرة المشرفين والمعلمين المفرغين لهذا العمل، فهو عمل جماعي يسوده التناغم والتكاتف، لتحقيق هدف موحد وهو الارتقاء بمستوى التعليم.
الأسلوب العلمي الحديث
ويرى مدير الإشراف التربوي بإدارة التربية والتعليم بجدة عبدالرحيم مساعد المغربي أن التطوير الشامل يعد تطويرا وتغييرا في المفاهيم، بمعنى أن المقررات الدراسية ليست مادة تطرح في كتاب، وبالتالي هناك عدة أساليب تم اتخاذها في عملية التغيير وفي طريقة عرض المادة، وأكد أن هذه التجربة سيتم تطبيقها في 4 مدارس في جدة، وسوف تكون مناصفة بين البنين والبنات، وستكون بمثابة عينة لمعرفة المؤشرات وردود الفعل، ومن ثم تقييمها قبل تعميمها.
ويؤكد المغربي أن المناهج والمقررات الجديدة روعي فيها الأسلوب العلمي الحديث لتحقيق مجموعة أهداف الدرس بعدة طرق، بعيدا عن أسلوب التلقين الذي كنا متهمين به قبلا، وتسعى لأن تكون مشاركة الطالب مشاركة فعلية لتحقيق هذه الأهداف، بالإضافة إلى إدخال التعليم الإلكتروني كجزء من تحقيق هذه الأهداف.
ويقول المغربي ردا على من يطالبون بإحداث تغيير كامل وشامل للمناهج الدراسية إن هناك ثوابت لا نستطيع أن نغيرها كالقراءة والكتابة ومادة الرياضيات، ولكن أساليب تنفيذها وطريقة العرض تغيرت، وفيما يخص المواد الأخرى فإن أهم مسعى هو أن يكون المنهج مرنا، بحيث يمكن إضافة مجموعة الأحداث التي تجري الآن بوصفها جزئية من المقرر.
فكر ومحتوى جديدان
ويرى رئيس قسم الاجتماعيات والتربية الوطنية بإدارة التربية والتعليم بجدة عبد العزيز الرفاعي أن المشروع الشامل مشروع مستقل عن تغيير المناهج والمقررات، وهو قائم على فكر جديد ومحتوى جديد، ويهتم بكيفية عرض المعلومة، وكيفية بناء الأهداف، وهناك كتاب للمعلم وكتاب للطالب وكتاب للتطبيقات، وتم تجميع بعض المواد مع بعض، وتم تغيير بعض المعلومات، كما تم تحديث التواريخ القديمة والشخصيات في بعض المقررات.
وأكد الرفاعي أن المشروع الشامل يتضمن مقررات جديدة كاملة، فمثلا لن يكون هناك كتاب خاص للتاريخ وكتاب خاص للجغرافيا وآخر للتربية الوطنية، وإنما سوف يكون هناك مقرر واحد يسمى الاجتماعيات، متضمنا المعارف الثلاث السابقة ولكن بطرح جديد، وبتناول جديد، بالإضافة إلى مراعاة تحديث المعلومة، ومن حسنات هذا المشروع أن الطالب لم يعد لديه 3 مواد، وإنما مادة واحدة، وهذا يخفف العبء على الطالب في الاختبارات أيضا.
وفي سياق تطوير المناهج قال مدير مدرسة ذات الصواري إبراهيم فاضل إن مناهجنا الدراسية تحتاج إلى إعادة صياغة، وليس لتطوير، لأن مناهجنا تخضع بالفعل لعملية تطوير سنويا..
وتعتبر مدرسة ذات الصواري من المدارس التي وقع عليها الاختيار لتطبيق هذه التجربة، وعن معايير الاختيار قال فاضل إن الوزارة تبحث عن المدارس التي تساعد في تطبيق المشروع، والتي لديها إمكانات والتي تتعاون إدارتها مع القيمين على المشروع من أجل إنجاحه.
ويصف المشرف التربوي صالح الزهراني اتهام الوزارة بأنها لم تلتفت إلى تطوير المناهج إلا في ظل الأوضاع الراهنة بأنه اتهام غير صحيح، ويقول إن المناهج لدينا خاضعة دوما للتطوير، وهناك وكالة كاملة في الوزارة مستقلة وخاصة بالمناهج تبحث دوما في مسألة التجديد والتطوير.
مناهج تدرس من 20 سنة
لكن المعلمة "هـ. م" - مدرسة بالمرحلة المتوسطة - تطالب بالتطوير في المناهج الدراسية قائلة: "نحن في حاجة ماسة للتطوير وذلك شيء مهم للغاية من أجل تقدم مسيرة التعليم، فلا زلنا نقوم بتدريس مناهج كنا ندرسها قبل 20 عاماً، فمن غير اللائق أن تدرس ابنتي ذات 6 سنوات ما كنت أدرسه أنا".
وتضيف "ليس هناك تطوير سوى في شكل الغلاف الخارجي للمواد، كما أننا بحاجة لتدريس مواد في الحاسب الآلي منذ المرحلة الابتدائية، خصوصا وأن الحاسب بات ضرورة ملحة في حياتنا، ولا بد أن تكون مناهجنا منسجمة مع متطلبات العصر الذي نعيشه".
وتقول معلمة الاختصاص أم مشاري التي تعمل في مجال التربية والتعليم أكثر من 15 سنة "أنا مع التطوير وليس التغيير، لأن ما تحقق في السنوات الماضية كان تغييرا وليس تطويرا، كنا نجد أغلفة الكتب والألوان والرسوم هي التي تتغير وتتبدل من مادة إلى أخرى، مع بقاء المضمون كما هو".
وتضيف قائلة: "نحن في عصر الثورة التكنولوجية الهائلة، وإذا لم يحدث تطوير في مناهجنا الدراسية فلن نواكب الحضارة، فلا يعقل أن يظل أبناؤنا يتعلمون عبر السبورة، ووسيلة الإيضاح التي يتم تعليقها على السبورة، في حين وصل التعليم في الدول المتقدمة إلى ما وصل إليه، فيما نحن نتفرج عليهم ونتحسر".
من يقوم بالتطوير؟
وتلح المشرفة الإدارية غادة الشرق على أن المناهج الدراسية بحاجة إلى تطوير وتتساءل ولكن كيف؟ ومن يقوم بذلك؟ وما البديل؟، وترى أن المسألة مهمة، وليست ارتجالا، وأنها تحتاج إلى سنوات من التحليل والدراسة للوضع السائد.
وتقول: "لا نستطيع أن نقوم بتطوير المناهج في سنة أو سنتين، ولا بد من الاستقصاء الميداني، وعمل الدراسات اللازمة، وأن يتم اختيار النخبة التي تستطيع فعلا تطوير المنهج تطويرا يليق بهذا العصر، وألا تقتصر هذه المهمة المتعلقة بعقل ووعي الأجيال على سين أو صاد من الناس، أو حصرها في إدارة معينة وجعلها مسؤولة عن التطوير".
وتضيف غادة "أنا ضد أن تتولى إدارة معينة أعني إدارة تطوير المناهج مهمة التطوير، لأنها سوف تعمل على إيصال فكرها، وتوجهات الأفراد العاملين بها، وأرى أن تطوير منهج نربي به الأجيال، ونعدهم للمستقبل، ينبغي ألا يكون مقتصرا على جهة معينة، ولا بد أن يشارك في هذه المهمة الجميع بمن فيهم المواطن والطالب".
وتؤكد قائلة: "من خلال اطلاعي على التطوير الحالي للمناهج، الذي سوف يطبق في الفترة القادمة أرى أن الذي حصل هو محض تغيير ولكنه ليس جوهريا".
ونفت غادة أن يكون ذلك تطويرا، لأن التطوير ينبغي أن يتطرق إلى المجتمع الذي نعيش فيه بجميع أبعاده، وأن يلبي كافة احتياجاته، فالمواد الدينية مثلا محتاجة إلى لمسة تطويرية عميقة، وكذلك هناك جوانب تحتاج إلى تأصيل، وثمة جوانب أخرى تحتاج إلى إلغاء واستبعاد، وهذا يجري على اللغة العربية والتاريخ واللغة الإنجليزية، وترى أن هذه الأخيرة تحتاج إلى دعم وتعميق.
مدرسة بلا حقيبة
تقول مساعدة شؤون التعليم بمنطقة جدة الدكتورة سامية بن لادن: "هناك استعدادات تجري لإيجاد مدرسة بلا حقيبة، حيث تم الاتفاق مع إحدى الشركات لوضع جميع المناهج التعليمية للطالبات في أقراص إلكترونية، فلن تكون هناك كتب تحملها الطالبة، وسيكون البديل الـ(سي دي)، بالإضافة إلى وجود جوانب إثرائية في السي دي تستفيد منها الطالبة ومعلمتها".
ولكن ما رأي أساتذة المناهج في واقعها الراهن وكيف ينظرون إلى تطويرها؟، أستاذ المناهج بجامعة أم القرى الدكتور عبداللطيف فرج يصف قرارات المسؤولين في الدولة بخصوص تطوير المناهج بأنها قرارات حكيمة جدا، ويرى أن المشكلة تقع في التنفيذ سواء من وزارة التربية والتعليم أو من مؤسسات التعليم الفني.
ويؤكد الدكتور فرج على أن ما يسمى تطويرا في المناهج، والذي تم اتخاذه من 30 سنة ليس تطويرا جذريا، وإنما هو عبارة عن تغيير يتناول أسماء بعض المؤلفين، كما أنه يمس شيئا من المحتوى.
ويوضح أن التطوير عملية معقدة وصعبة، فالتطوير لا يشمل فقط محتوى المنهج، وإنما يشمل المعلم والمبنى المدرسي والطالب المثالي، ومن يحصر التطوير في المنهج فقط يكون وعيه ضيقا، لأن المسألة أكبر من هذا التصور المحدود، ويشبه الدكتور فرج المناهج بالمبنى الكبير، وفي عملية التطوير لابد من هدم ذلك المبنى بالكامل، ويتعين علينا إعادة بنائه على أساس سليم، بدءا بأهداف وموضوعات السياسة التعليمية، وعلينا أن نراجعها كل 5 سنوات.
تغيرات تكنولوجية وتقنية هائلة
ويرى أن المجتمع يمر بتغيرات تكنولوجية وتقنية هائلة، والمنهج الحالي لا يواكب تلك التغيرات السريعة، كما أن المنهج لا يخاطب عقل الطفل الذي يعيش متغيرات كبيرة في المجتمع، ويقترح أن نبدأ بالتطوير الشامل، وأن نبتعد عن التطوير الجزئي الذي اعتدنا عليه،
وطالب الدكتور فرج بإصلاح التعليم الجامعي والتعليم العالي، خصوصا وأن 80% من شباب الجامعات يتلقون تعليما نظريا لا يفيد المجتمع، ولا متطلبات سوق العمل، ويبقى الشاب السعودي غير مؤهل، مع أننا نحتاج الطالب الذي يفكر ويحلل ويساهم في المجتمع بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى الكثير من الاختصاصات التطبيقية والعملية، ولا نحتاج إلى التخصصات النظرية كما هو عليه الحال راهنا.
وانتقد الدكتور فرج الحشو في المناهج الراهنة، كما انتقد ما يطبق في الميدان، ويرى أن ذلك ينتمي لنظريات قديمة عفا عليها الزمان، كالنظرية الأساسية والنظرية الموسوعية التي تكدس أرتالا من المعلومات..، ويقول إننا نحتاج إلى دراسات تواكب روح العصر، وتفيد من التقنيات الحديثة، وتنسجم وهذا التغير السريع في المجتمع.
ضخامة المناهج الدراسية
ويقول رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة أم القرى الدكتور صالح السيف "هناك مشكلة في ضخامة المناهج الدراسية الحالية من حيث عددها ومحتواها، لذا يجب إعادة النظر فيها، خصوصا وأنها ترهق أبناءنا وبناتنا ولا تتيح لهم الفرصة للتفكير والإبداع".
ويصف الاتجاه إلى دمج مقررات اللغة العربية والعلوم الإسلامية بأنه خطوة صحية وجيدة، ويرى أنه آن الأوان لأن تخفض هذه المواد، وتحديدا في المرحلة الثانوية، لكي يستطيع المتخرج تحديد مساره التخصصي الفاعل من خلال مؤسسات التعليم العالي.
نحتاج قرارات رسمية
وقال أستاذ الأدب والنقد الحديث في جامعة الملك سعود الدكتور معجب الزهراني إن الحديث عن المناهج أصبح مملا، لكثرة ما قيل وكتب فيه، ويقول: "نحن في أمس الحاجة إلى قرارات رسمية تعفينا من الجدل الذي يهدر الوقت، هناك شعوب غربية وشرقية، من كل المعتقدات واللغات تحرز تقدما كل يوم بفضل مناهجها، وأخرى تتراجع وتتصدع باستمرار بسبب مناهجها أيضا، وعلينا أن نفكر ونقرر ونختار، ولو امتلكنا بعض الجدية فإنه يمكننا استنساخ النظام التعليمي في ماليزيا أو اليابان أو الهند أو كوريا أو سنغافورة، وبعد جيل واحد لن نكون أقل منهم كفاءة، أما إن ظلت الأمور تسير على ما هي عليه اليوم، فالمؤكد أننا سنظل نراوح في أزماتنا، وقد يوصلنا تعليمنا ذاته إلى ما هو أسوأ، هل يصدق البعض منا أن مناهجنا ونظم تربيتنا وتعليمنا الراهنة تعلم الناس الخوف من العلم والقلق من كل معرفة لا تتطابق مع أوهامنا؟!، قد لا تصدقون، لكن هذا هو الواقع الذي ألمسه لدى طلابي وطالباتي، حتى في مستوى الدراسات العليا..، إنها الثمرات المرة للتعليم التلقيني المشحون بالحقائق الأيديولوجية التي لا تصمد أمام رياح المعرفة في عصر العلوم والتقنيات.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-12-07/affair.htm