دعت دراسة حديثة إلى ضرورة تقوية التجارة البينية العربية بجميع الوسائل المتاحة والتي من أهمها توحيد التشريعات العربية وبخاصة في مجال إكساب الأحكام التحكيمية صيغة النفاذ حتى يمكن تفعيل دور التحكيم والاستفادة من ميزاته الواسعة في حل الخلافات الناشبة في هذه التجارة البينية. وقالت الدراسة التي أعدها الخبير السوري الدكتور سدير الخردجي أن التعرّف على المبادئ والقواعد القانونية في الاتفاقيات العربية القضائية والتحكيمية الخاصة بقضايا التحكيم التجاري يوجب دراسة اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لسنة 1983 والتي تشتمل على أحكام تتعلق بتنفيذ قرارات التحكيم الصادرة في إحدى الدول المتعاقدة لدى الدول الأخرى.
وأكدت الدراسة أن الحاجة في الوقت الحاضر أظهرت تقارباً كبيراً بين مختلف الأقطار العربية في مجال إيجاد بعض القواعد القانونية الموحدة على صعيد تنفيذ الأحكام القضائية والتنفيذية الصادرة في القضايا التجارية والمدنية ويظهر هذا التقارب بشكل خاص في إبرام عدد من الاتفاقيات العربية القضائية والاقتصادية الثنائية والجماعية تحدد فيها الأساليب القانونية وطرق حل النزاعات التي تنشأ بين أطراف الدول العربية المرتبطة بها وأضافت أنه نظراً للأهمية المتزايدة لاتفاقية الرياض القضائية في إرساء آلية موحدة لتنفيذ الاحكام التحكيمية الصادرة في إحدى الدول المتعاقدة فقد ركز الخبراء في البحث في هذه الاتفاقية لتسليط الضوء على دور القضاء في حسن تطبيقها بغية تحفيز الدول العربية على تفعيل دور هذه الاتفاقية لما في ذلك من أهمية لتعزيز دور التحكيم في تنشيط حركة التجارة البينية.
وأشارت الدراسة إلى أن أهم ما يميز نصوص الاتفاقية أنها تضمنت تعداداً للأحكام القضائية التي تعترف بها وللأحكام التي لا تعترف بتنفيذها وفقاً لشروط الاتفاقية. ومما يؤخذ عليها في مجال التحكيم أنها لم تعدد أحكام المحكمين ولا المواضيع التي تصدر فيها تلك الأحكام القابلة للتنفيذ وفقاً لشروطها وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون القضائي بين الدول العربية المرتبطة بها وإلى تبسيط وتسهيل إجراءات تنفيذ الاحكام القضائية والتحكيمية إلا انها لم تعين طريقة معينة لتنفيذ حكم المحكمين وكل ما نصت عليه في المادة 37 هو أنه تحيل (الهيئة القضائية) التي تنظر في طلب تنفيذ الحكم على شروط الاتفاقية ولقواعد القانون الوطني ويؤخذ على هذه الحالة أنها تترك لمحاكم الدولة العربية تعيين طريقة التنفيذ وفقاً لتفسيرها قواعد تنفيذ الأحكام التي تصدر خارج أراضيها من دون أن تعين للمحكمة المختصة طريقة معينة للتنفيذ الأمر الذى يترك باب الاجتهاد واسعاً حول تعيين المرجع المختص وطريقة التنفيذ.
واقترحت الدراسة أن يكون هناك بروتوكول إضافي لاتفاقية الرياض يتم الأخذ بموجبه بالصفة الملزمة للحكم (binding) بدلاً من ازدواجية صيغة التنفيذ (the double exequatur) وذلك لتتماشى الاتفاقية مع مضمون اتفاقية نيويورك وغيرها من الاتفاقيات الدولية الحديثة ذات الشأن لتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بما يحقق التعاون بين الدول في تنشيط التجارة التي تقوم على السرعة في إنجاز المعاملات والوصول إلى الحقوق وطالبت الدراسة بضرورة إغناء هذا الموضوع بحثاً من قبل الهيئات القضائية العربية المختصة بمشاركة المهتمين في هذا المجال من محامين ومختصين بغية توحيد آلية إكساب أحكام المحكمين استناداً إلى اتفاقية الرياض القضائية وجعلها تتماشى مع مضمون اتفاقية نيويورك الأمر الذى ينعكس إيجاباً على تعزيز مكانة التحكيم في الوطن العربي.
غير أن ما يميّز اتفاقية الرياض أنها وضعت قيدين أساسين على سلطة الهيئة القضائية التي تنظر في طلب تنفيذ الحكم وتعتبر هذه القيود من الضوابط القانونية التي تحدد شكل المراقبة القضائية على حكم المحكمين ومن هذه القيود منع الهيئة القضائية من إعادة البحث في وقائع الحكم وهو ما أخذت به اتفاقيات التحيكم الدولية الحديثه وكذلك تحديد الحالات التي تجيز للهيئة القضائية تنفيذ حكم المحكمين وهو أمر مشابه لما أخذ به الفقه والقضاء الأجنبيان في هذا المجال ولم تعط الاتفاقية أهمية لطريقة تنفيذ الحكم الذي يخضع لها ولكن بدارسة أحكام المادة الوحيدة وهي السابعة والثلاثون التي تعرضت لأحكام المحكمين نجد أنها لم تعيّن طريقة لتنفيذ تلك الأحكام، بل حددت شروط طلب تنفيذ الحكم وأحالت ذلك على الشروط المطلوبة لتنفيذ حكم الاتفاقية القضائي وفقاً لقواعد القانون الوطني.
وتتميز الاتفاقية بأنها قيدت سلطة المحكمة في البلد الذي يطلب تنفيذ الحكم فيه وبموجب هذا القيد تمنع الاتفاقية المحكمة المعنية من البحث في موضوع الحكم ومن رفض تنفيذه إلا في حالات محددة ولا تترك لها مباشرة رقابتها القضائية وفقاً لقواعد القانون الوطني وإنما تضع لها تنظيماً خاصاً تسود قواعده على قواعد القانون وقد تضمن هذا التنظيم القانوني قاعديتن أساستين تحددان سلطة المحكمة التي تنظر طلب التنفيذ وهاتان القاعدتان هما ألا تبحث في موضوع الحكم وألا ترفض تنفيذ الحكم إلا في حالات خمس حددتها الاتفاقية وهذا التفسير يتفق مع ما أخذ به الفقه والقضاء الأجنبيان في تفسير الشكل الذي تباشره المحكمة في تنفيذ الأحكام التي تخضع لاتفاقية نيويورك من اتفاقيات التحكيم الدولية بهدف تعزيز دور قضاء التحكيم في حل خلافات التجارة الدولية.
وتعدد الاتفاقية الحالات التي تجيز لمحكمة بلد التنفيذ رفض الاعتراف بالحكم وتنفيذه وتقصر هذه الحالات على عدم توفر الشروط الشكلية في طلب التنفيذ أو الشروط الموضوعية في حكم المحكمين وهذا يعنى أن سلطة المحكمة التي تنظر في طلب التنفيذ مقيدة ولا يحق لها القياس عليها ولا تفسيرها بصورة واسعة وبذلك تكون الاتفاقية اختارت شكلاً مرناً لطلب تنفيذ الحكم شبيهاً بالشكل الذي اختارته اتفاقيات التحكيم الدولية الأخرى وتهدف هذه المرونة إلى تشجيع التحيكم وتعزيز دور قضاء التحكيم بين دول الاتفاقية.


http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/jan/15/ec8.htm