ثقافة الاستطلاعات الإلكترونية في التنبؤ باتجاهات الرأي
نهاد رفيق السكني - باحث اكاديمي

لقد احتاج الإنسان على الدوام إلى التنبؤ بأحداث يتوقع حدوثها ، كالتنبؤ باتجاهات الرأي العام للناس أو بقضايا مهمة لا تحتمل التأجيل ، أو ميول الناس السياسة والاجتماعية و الاقتصادية ، وذلك لأن خبرته بالماضي أكدت له على أن المعرفة المبكرة بالمستقبل يمكن أن توفر له فرصة أفضل للاستعداد للأحداث المستقبلية.
لهذا نجد أن المجتمعات في الماضي حافلة بمحاولات تاريخية قديمة لقراءة المستقبل وكشف المستور ، فقد حاول الإنسان فعل ذلك بطرق وأساليب تتناسب مع كل عصر ، أساليب تراوحت بين قراءة الفنجان ومسح البلورة إلى حساب الحمل وغيرها من الأساليب التي لا تعتمد على أي أساس علمي ، إلا أنها كانت تلبي حاجة ملحة من حاجات الإنسان في الإطلاع على المستقبل والاستعداد له.
لكن مع التطور وتقدم خبرة الإنسان واستخدامه للأساليب الكمية المتقدمة أصبح التنبؤ أداة فعالة أكثر علمية ودقة في توقع الأحداث المستقبلية مما ساعد على زيادة استعداد الأفراد والمؤسسات والحكومات حتى القطاع الخاص للتغيرات المتوقعة في المجالات المختلفة ومنها التغيرات في السوق وحجم ونمط الطلب على المنتجات.
ولعل اهم أدوات عمليات التنبؤ المعروفة هي استطلاعات الرأي والتي تعتمد على مخزون المعلومات والمؤشرات الإحصائية الشاملة والدقيقة والتفصيلية عن كل ما يتعلق بميول الناس وعلاقاتهم و سلوكهم ، لتوضح ميولات واتجاهات المجتمع والتي على أساسها يضع صانعو القرار سياستهم للاستجابة لهذه الميولات والتوجهات وأخذها بعين الاعتبار.
كل ذلك لن يتم بدون الإحصاء، والإحصاء من العلوم القديمة المعروفة لدى المجتمعات، حيث حرص القادة والزعماء والملوك على إحصاء عدد الجنود والأسلحة لخوض الحروب واستعراض القوة، كما حرصت الجماعات على إحصاء أفرادها لمعرفة قوتها وكثرتها ومدى انتشارها، وقد وردت كلمة الإحصاء ومشتقاتها في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، منها قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} [النبأ: 29]، كما وردت في السنة النبوية في مواضع متعددة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أحصوا لي كم يلفظ الإسلام" أخرجه مسلم. وقد اهتم العلماء بالإحصاء وطورا علومه وعزز من ذلك الأحداث الضخمة التي شهدها القرن العشرين والتي هزت الوجدان الإنساني بأسره بدءاً من الحربين العالميتين الأولى ومن ثم الثانية، التي أثرت بشكل كبير بالرأي العام وبدوره في الحياة السياسية والوطنية والدولية, وأصبح للرأي العام دور كبير في صياغة الأحداث وفي توجيه أصحاب القرار السياسي بمضمونه في حساباتهم سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا.
وأصبح الاعتماد على تلك الأساليب من أكثر الوسائل المأمونة التي ترتكز عليها الدول والمؤسسات في التوصل للحلول المناسبة في الكثير من المشاكل والقضايا التي تهم المجتمع في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية وغيرها بحيث تضمن تحقيق الأهداف المرجوة من وراء التخطيط.
وإذا كان التنبؤ يقدم توقعات لوصف وفهم المستقبل فإنه بهذا يختلف عن التخطيط وذلك لأن التنبؤ هو أسلوب ذو سمة فنية في حين أن التخطيط وظيفة إدارية من وظائف المدير، والتنبؤ ذو بعد أكثر حياداً وموضوعية لأنه يصف ما نعتقد أنه سيحدث في المستقبل في حين أن التخطيط يتعامل مع ما نعتقد أنه يجب أن يكون في المستقبل، أي أن التخطيط يحاول أن يؤثر فيما نتوقعه حسب أهدافنا.
بالنظر إلى الانتشار والاهتمام الواسع الذي حققته استطلاعات الرأي كأداة بحثية، إلا أن هناك العديد من المواقف التقييمية والنقدية لها، حيث ساد الاعتقاد أنها تجري بشكل أفضل وأنجح في أوروبا وأمريكا مقارنة بدول العالم الثالث، نظراً للعديد من المعطيات أهمها درجة الوعي وثقافة المجتمع وتوفير الإمكانات والقدرات المادية، بالإضافة إلى تطوير وسائل وأدوات الاستطلاع، ويضمر بعض المشتغلين في السياسية والمناصب التشريعية والإدارية والصحفية العداء لاستطلاعات الرأي ولا يرون مبرراً لإجرائها ويقللون من شأنها وأهميتها، فيما يرى الخبراء والمختصون أن هناك مجموعة من المعايير والأدوات المنهجية والخطوات العلمية التي تضمن نجاح هذه الاستطلاعات بغض النظر عن المكان والزمان.
الموقف العام من استطلاعات الرأي الإلكترونية:
يأخذ بعض المختصين موقفاً سلبياً ضد نتائج استطلاعات الرأي الإلكترونية لحجم تناقضات النتائج، فمثلاً يحصل التفاح من صنف الفاكهه على أعلى النتائج بينما اتجاه استطلاع الرأي الإلكتروني يسير نحو تشجيع الحمضيات.
يعود هذا لعدم تجانس مجموعات الأسئلة في الميدان الواحد والعنوان الواحد، وعدم وجود مقدمة تمهيدية بموضوع البحث لشرحه وطمأنة المبحوثين على سرية البيانات التي يدلى بها في أغلب الاستطلاعات الإلكترونية، أيضا وهذا مهم عدم وجود أو توفر رقم عام ورقم خاص لكل إستمارة، أيضاً من العوامل عدم معرفة مجتمع الدراسة، وعدم تخصص الاستبيان حيث يناقش قضايا لا علاقة لها بالموضوع، وبذلك لا يستطيع الباحث التحقق من الاستمارات من خلال تحليل علاقة عدد من المتغيرات مع بعضها، إضافة الى الكم الهائل من الأسئلة، وعدم إدراج أسئلة إسقاطية لتحديد الاتجاه العام وصلاحية الإستمارة. وقد تؤثر تلك العوامل على عملية التحليل وبالتالي عدم القدرة على التنبؤ الدقيق باتجاهات الرأي نحو حزب ما أو شخصية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية.
ومن المآخذ السلبية شن الحملات باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر وغيرها مما يتيح الفرص لبعض النشطاء دون غيرهم في التأثير بشكل مباشر على نتائج الإستطلاعات الإلكترونية، من خلال حث أعضاء مجموعاتهم أو صفحاتهم لمزيد من التصويت، بإستخدام تقنيات مختلفة كتغيير الأي بي أو تركيب بروكسي أو حتى فصل الراوتر وتشغيله للحصول على أي بي جديد .. ومن السهل كشف تلك الحملات والتصدي لها وإسقاط الاستمارة المشبوهة.
ومن الحالات التي يمكن السيطرة عليها لضمان جودة ونزاهة ومصداقية الإستطلاع هي هجمات الهكرز وحروب الإنترنت والحملات الإلكترونية المركزة في الزمان والمكان، أيضاً منع ميكنة التصويت بشكل ألي و أتوماتيكي من خلال إجبار المستخدم على إدخال أحرف متطابقة مما يتطلب وجود إنسان بشري حيث تعجز الألة أو الكمبيوتر على قراءتها

معايير نجاح الاستطلاع الإلكتروني:
ويمكن أيضاً اعتماد معايير خاصة لضمان نجاح استطلاعات الرأي الإلكترونية، كإختيار مجتمع البحث أو الإستطلاع بشكل دقيق واختيار العينة التي تمثل مجتمع البحث بعناية، ثم اختيار حجم العينة وعمل اختبار تجريبي وإعادة الاختبار مرة أو مرتين، ومن المفيد أيضا طرح بعض الأسئلة الإسقاطية لمعرفة جدية المستبين.
وهناك معايير أخرى قد يضعها الباحث من شأنها أن تساعد في عمليات التنبؤ الدقيق، كمعرفة مجتمع البحث ودراسة سلوكه بشكل مسبق، واعتماد ال أي بي لفصل النماذج عن بعضها في عمليات التحليل الإلكتروني، وبذلك يكون ال اي بي متغير كباقي المتغيرات في الاستمارة الواحدة.
في النهاية أرى أن استخدام استطلاعات الرأى الإلكترونية مفيدة لخدمة الباحثين فى مختلف المجالات وسهلة وسريعة مما يوفر الوقت والجهد اللازمين للحصول على تقرير مفيد يقدم تنبؤات مستقبلة بسلوك مجموعة من الشرائح المجتمعية.