المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظاهرة تنذر بالخطر.. من يكبح فورة المقدمين على الانتحار?



minshawi
10-12-05, 03:59 AM
باحث أمني: حالات الانتحار تزايدت بصورة مقلقة
الرياض: عبد الإله الخليفي
من علّم تلك الفتاة السعودية أن تخطف ذاتها من وسط أهلها وأحبابها متسللة الى مكان شاهق قاصدة قتل نفسها؟ سارت الى (قفزة الموت المريحة) دون إيعاز من أحد، لتتخلص من حياة باتت تراها «بلا جدوى» وللهرب من واقع تعيشه «أرق مضجعها»، ولولا القدر، ثم وصول فرق إنقاذ جهاز الدفاع المدني الذين نجحوا في انقاذها عبر السلالم عقب بلاغ تلقاه قسم العمليات هناك عن محاولة انتحار فتاة تبلغ من العمر 17 عاما، لحصل ما لا تحمد عقباه! من كبح فورة ذات الأربعة عشر ربيعا والتي حاولت أن (تغيب عن الحياة) في شهر مارس (آذار) الفائت حين التهمت «وجبة مميتة» تتكون من 24 حبّة دوائية من علاج كان في متناول يدها داخل المنزل، بعد أن وقعت في خلاف حاد مع والدتها! التساؤلات تترى ولا تنتهي أمام محاولة شاب يبلغ الثانية والعشرين من العمر الانتحار في محافظة الطائف منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن أشعل النار في نفسه، ليتم إطفاء ناره التي كادت أن تلتهم روحه وجسده.
حالات كثيرة مشابهة وأخرى تتسم بالوحشية بحق الذات وتبعث على الدهشة والاستغراب سبقتها وقائع مؤلمة حصلت في مناطق متفرقة من السعودية وتناولتها الصحافة السعودية والإعلام السعودي خلال أقل من عام واحد.

عالميا أكدت منظمة الصحة العالمية ارتفاع معدلات الانتحار بين صفوف الشباب في العالم وخاصة في أوروبا إلى مليون حالة انتحار في السنة، وتوقعت أن يرتفع الرقم إلى 1.5 مليون عام 2020. وقالت المنظمة إن حالة انتحار مميتة واحدة يتم تسجيلها في العالم كل 40 ثانية، مما يتفق مع الحقائق التي سجلت سابقا بأن شخصا واحدا على الأقل يحاول التخلص من حياته كل ثلاث ثوان.

في الولايات المتحدة أكدت تقارير رسمية تسجيل 29 ألف حالة انتحار سنويا بواقع 80 حالة يومياً.

أما في فرنسا فقد سجلت الاحصائيات وفاة 23 شخصا منتحرا يوميا، وأوضحت دراسة أن معدلات الانتحار زادت هناك في الفترة من 1993م إلى 1999م بنسبة 40% لدى الفتيات و20% لدى الفتيان، رغم انخفاض معدلات نجاح محاولات الانتحار في فرنسا بنسبة 15% اعتبارًا من سنة 1985.

غير ان تقارير دولية اثبتت ندرة حالات الانتحار في الدول الاسلامية مقارنة مع دول العالم خاصة دول الاتحاد السوفياتي (سابقا).

وفي السعودية طالما أبطل المحيطون بالمقدم على الانتحار جريمة الراغب في قتل نفسه، على اختلاف طبيعتهم، غير أن المنقذ غالباً هم رجال الأمن والدفاع المدني الذين يباشرون تلك الجرائم فور تلقي بلاغ لمحاولة انتحار لمعرفتهم ودرايتهم بكيفية التعامل معها، وهو الأمر الذي يفتقده المحيطون بمحاولي الانتحار من الأصدقاء أو أفراد الأسرة، والذين غالباً ما يقفون مصدومين مع قلة الحيلة أمام موقف يسدد ضربات موجعة للعاطفة الجياشة التي يكنها هؤلاء للمقدم على الانتحار سيما وأن مثل هذه المواقف تحتاج إلى حكمة وتروٍ لاحتوائها.

ومع ذلك تبرز حالات نجح فيها آباء وأمهات في الحيلولة دون إقدام ولد لهم أو بنت على الانتحار، غير أن السؤال يراوح مكانه: هل تعد الحيلولة دون محاولة شخص ما في الانتحار إلى تلاشي رغبة الإجرام في حق الذات لديه!! إذ انه ومع تفوق الأمن والدفاع المدني في إبطال حالات انتحار كثيرة في السعودية، ومع تشديدات رجال الدين باللجوء إلى الصلاة والصوم والدعاء وقت اليأس والكآبة والملل، إلا أن الجانب النفسي يخبئ أسرارا لم تكشف بعد، لا سيما وأن عددا من المنتحرين بحسب عيادات نفسية في السعودية كانوا يترددون على الطبيبوفي رصد لـ«الشرق الأوسط» رمى إلى عرض تحليلات عدد من أفراد المجتمع من الجنسين حول الإقدام على جرائم الانتحار، أبدى عدد من الرجال تحفظهم على الجانب النفسي الذي يدفع بالشخص إلى التفكير بالجريمة من ناحية، والتوجه إلى العيادات النفسية لعلاج توجهات العنف لدى الأفراد بحق ذواتهم من ناحية أخرى، واصفين المقدمين على قتل أنفسهم بأنهم (بلا عقل) وأكد بعضهم بأنهم سيصابون بالهلع اذا ما بدأ احد الشروع في الانتحار، بينما ذهبت فئة أخرى إلى أن المنتحرين غالبا هم من غير الملتزمين بالدين، والبعيدين كل البعد عن المساجد ودور العبادة وحلقات الذكر. وهؤلاء في حال شرع أمامهم شخص محاولا الانتحار فسيحاولون منعه من خلال تذكيره بالوعيد الذي ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية لقاتل نفسه، وتبيان نعيم الصابر على المصائب والمشدات والمجاهد نفسه في هذه الدنيا.

البعض الآخر خلص إلى أن الانتحار مرحلة متقدمة من الجنون الذي هو نتيجة فقدان مال أو جاه، في حين خلصت إحدى السيدات السعوديات إلى أن المقدم على الانتحار »يعاني من اضطهاد الأهل أو الأقارب، أو أنه ضحية مشاكل زوجية».

عبد الرحمن العلي الذي تعدى العقد الرابع من عمره يقول: حالات الانتحار في السعودية قليلة جداً، ولا أتصور عاقلاً يضر بنفسه ـ فما بالك بالانتحار ـ نحن نلهج بالانتحار على سبيل النكته إذ انه شيء لا يصدق ولا يمكن سماع أن فلانا انتحر إلا أن يكون قد فقد عقله».

يؤكد الدكتور أسعد صبر استشاري الطب النفسي ورئيس أقسام علاج الإدمان في مجمع الأمل الطبي (أكبر مجمع لعلاج الأمراض النفسية في السعودية) أن ثمة أخبارا ترد إليهم بين الحين والآخر بانتحار مريض كان يتردد على الطبيب النفسي. ويشير إلى أنه نما إلى سمعه انتحار شخص في احدى المناطق الريفية في السعودية بعد تردده على الطبيب النفسي للعلاج، غير أنه يؤكد خطورة إهمال الطب النفسي الذي يلعب دوراً في إنقاذ حياة الكثيرين وخصوصا الراغبين في التخلص من حياتهم، ويسهم بشكل رئيسي في الحيلولة دون إقدامهم على الانتحار.

ويضيف: كنت أباشر علاج مريضة شابة تبلغ من العمر 24 عاما كانت لديها أفكار وتوجهات بالتخلص من حياتها، الأسبوع الفائت كانت آخر زيارة لها فقد أكملت سنة كاملة من العلاج ترددت خلالها على العيادة لتأخذ جلسات علاجية مكثفة، والحمد لله وضعها الآن مستقر جدا.

ويحذر الدكتور أسعد من إهمال أي شخص تظهر عليه علامات تدل على الاكتئاب المؤدي إلى الانتحار كالرغبة في عدم الأكل واضطراب النوم والخمول الزائد والعصبية الزائدة، مشددا على ضرورة الذهاب به حين ظهور تلك العلامات إلى العيادة النفسية، والابتعاد عن التخمينات والاجتهادات الشخصية كأن تكون تلك العلامات رغبة من المريض في (المبالغة) أو رغبة من الفتاة في (الدلع الزائد) أو لفت النظر.

ويستطرد الدكتور صبر في حديثه حول الانتحار قائلاً: الانتحار من الناحية النفسية هو علامة من علامات الاكتئاب الذي إذا اشتد على المريض الذي يعاني منه تتشكل لديه توجهات وأفكار في تمني الموت، وعدم الرغبة في الحياة، فيقنع نفسه بعدها أن الموت أفضل، فيخطط لإنهاء حياته بالانتحار.

ويشير صبر إلى أن بعض المرضى المصابين بالاكتئاب يراجع الطبيب في وقت متأخر جدا، إذ أنه يصل إلى المرحلة الصعبة الذي يتعذر فيها العلاج، ويحتاج المريض في هذه المرحلة إلى جلسات كهربائية ومراقبة شديدة، سيما بعد ان تصبح لدى هذه الفئة من المرضى مقاومة للعلاج ويسمى علميا (الاكتئاب المقاوم) الذي لا يستجيب للأدوية بسهولة.

ويشير الاستشاري النفسي إلى أن عملية التخطيط للإقدام على الانتحار تبدأ بأفكار غير جازمة حتى إذا اشتدت الحالة بالمصاب تصبح تلك الأفكار جادة نوعا ما، فإذا سارت نحو الأشد تبدأ محاولة الانتحار غالبا بشكل غير جاد كأن يستخدم المقدم عليها شيئا لا يسبب الوفاة بشكل مباشر، غير أن بعضهم يبدأ بالتخطيط جديا لعملية الانتحار في مكان يختبىء به عن الناس، ووقت يحرص فيه على ألا يراه أحد، مستخدما أداة تكون الوفاة على إثرها »أكيدة« وعادة ما يترك المنتحر بعد الجريمة رسالة أو وصية يفسر فيها سبب اقدامه على هذه العملية.

المنتحرون في مكة:وفي الموضوع نفسه يعمل العقيد محمد المنشاوي رئيس قسم الإحصاء والدراسات الجنائية بشرطة العاصمة المقدسة على اكمال دراسة حول ظاهرة الانتحار داخل نطاق منطقة مكة المكرمة، ويشير العقيد إلى تزايد حالات الانتحار في السعودية بشكل مثير للقلق، ويلفت إلى أن عملية الانفتاح الفضائي والانتشار التقني أضعفت جزءا من الوازع الديني لدى أفراد المجتمع، ما أدى إلى تزايد مسببات الإقدام على قتل النفس، ويضيف: كنا نضرب المثل في قلة حالات الانتحار هنا.. أما الآن فمن يقول أن لا حوادث انتحار في السعودية فهو يكابر. ويشير في الوقت نفسه إلى أن أعداد المنتحرين من الجنسية السعودية لا زالت متدنية مقارنة بالمقدمين على الانتحار من الوافدين والمقيمين الأجانب.

والمنشاوي الذي هو بصدد إنهاء دراسته التي تتضمن استبيانات ميدانية حول جرائم قتل النفس التي تحدث داخل مكة المكرمة بالتعاون مع معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، أكد أن دراسته ستكون جاهزة في غضون 3 أشهر حيث سيتم الانتهاء من الدراسة الميدانية التي حدد لها مدة زمنية تقدر بعام كامل بدأت من يوم 10 فبراير(شباط) 2005 وتنتهي في 30 يناير (كانون الثاني) 2006.

ويوضح المنشاوي أن الدراسة تتضمن استبيانات علمية تم توزيعها وتعميمها على جميع مراكز الشرطة التابعة للمركز الرئيسي لشرطة العاصمة المقدسة في منطقة مكة المكرمة الذين سيعملون بدورهم على تعبئة الاستبانات بعد تسجيل أي حالة انتحار سعودية أو أجنبية، ليتم بعد ذلك إرجاع الاستبانات المعبئة لتفريغ بياناتها من قبل الباحثين ونقل بعض المعلومات فيما يتعلق بالحالة الاقتصادية للمنتحر والحالة النفسية والاجتماعية.

ويقول معاونه الدكتور جمال كحلوت وهو باحث في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج أن الظاهرة حاضرة في السعودية وأن المجتمع السعودي يعرف ذلك جيداً، غير أنه لم يتوصل بعد إلى خلفيات هذه الظاهرة وأسبابها.

ويرى الدكتور علي الشبل أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض أن جرائم الانتحار منشؤها الفراغ النفسي والضياع الروحي وعدم تحمل المصائب ومشاكل الحياة، وهي برأيه تدور على أصل يتمثل في ضعف الإيمان بالقضاء والقدر أو عدم الإيمان به، ويضيف: من لا يتحمل الفتنة والمصيبة يتمنى الموت في قلبه.. حتى يفعل ذلك على نفسه فيقتلها.

ويستشهد الشبل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: »من قتل نفسه بحديدة فهو يتردى بها في نار جهنم»، ويستطرد الشبل أنه لما مدح رجل من المجاهدين عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شجاع، قال الرسول هو في النار فسمع هذا القول أحد الصحابة قال والله لأتبعنه، فتتبعه في غزوة من الغزوات حتى إذا أثخنته الجراح من ضربات السيوف وطعنات الرماح والأسهم وأيقن أو جزع من الموت، وضع سن السيف بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي وقال أشهد انك رسول الله وأخبره بالخبر.

ويبين الشبل أن قتل النفس جرم من جهة أخرى وهو أنه لايملك نفسه حتى يملك حياته وموته فإذا قتل نفسه كأنه بهذا تعدى على حق الله جل وعلا، وتعدى عليه بأن أزهق نفسه، وفي هذا تعد على النفس، »ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما»، وهذا القتل يكون لغير نفسه وأيضا لنفسه إذا كان مؤمنا يناله هذا الوعيد من عموم الآية.

ويصل الدكتور علي إلى أن الذين يقعون في هذا الأمر هم أحد صنفين في الغالب، وهم المعتوهون المصابون بالأمراض النفسية البالغة حتى أصبح كالمجنون، فهذا إذا بلغت تصرفاته هذا المبلغ فهي غير مسؤولة فيكون غير مكلف شرعاً، إما بسبب المخدرات أو الخمور أو الأسباب المادية الأخرى، والنوع الآخر هو من يقتل نفسه نتيجة عدم تحمله حادثا من الحوادث أو مصيبة من المصائب كأن يخسر تجارة أو تفارقه زوجته، أو يقع في محنة يتمنى معها الموت فهذا مع ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة مخافة لله جل وعلا وضعف نفسه هو، يبادر إلى تنفيذ ما خطر في قلبه من تمني الموت والهلاك، فيقتل نفسه بالشنق أو شرب السم أو بإطلاق النار على نفسه.

ويحمل أستاذ العقيدة، الإعلام المرئي وغيره جزءاً من مسؤولية ما يحدث، ويقول أن بعض ما يعرض في الأفلام والأخبار والمسلسلات والأفلام الوثائقية يحفز هؤلاء المساكين على تحقيق وسائل قتل النفس بشكل غير مباشر، ويضيف: لم نكن نعرف الانتحار بالشنق حتى وفد علينا مع بعض العمالة ووسائل الإعلام. لافتاً إلى أن الشرائع كلها جاءت بحفظ الحقوق الخمسة وأعظمها حقوق النفس وحفظها.
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط