الأمل
12-11-09, 12:36 AM
الأب: أنت أيها المدرس لا تقوم بدورك على أكمل وجه.
المدرس: بل أنت الذي لا تقوم بدورك.
الأب: وهل تدريس الطفل هو دوري أم دورك.
المدرس: بل دوري، ولكن دوري أن أشرح الدرس وأن أبسط المعلومة وأن أعطي الواجب لا أن أعمل الواجبات للطفل.
الأب: إذا كان طفلي لا يعمل الواجب فذلك بسبب أنك لم تشرح الدرس جيدًا.
المدرس: وإذا كنت لا أجيد الشرح لما قام طلاب الفصل كلهم بعمل الواجب.
الأب: واجب عليك أن تعطيه وقتًا إضافيًا.
المدرس: بل واجب عليك أنت أن تتابع طفلك وأن تساعده في حل واجباته، وأن يكون لك دور معه.
الأب: وهل أترك أنا عملي وأشغالي لأقوم بعملك أنت.
المدرس: لا بل شارك في أفضل استثمار تستثمره في حياتك؛ ألا وهو الاستثمار في طفلك، فهو والله خير من المال وخير من الدنيا وما فيها!
مسكين هذا الطفل اليتيم
يتيم وهو يعيش في بيت أبيه وأمه!
نعم إنه يتيم، لأن أمه تخلت عنه في أحوج لحظات حياته، وعاش أبوه عنه مشغولًا، وصدق الشاعر حين قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه وخلفاه في هم الحياة ذليلًا
إن اليتيم الذي تلقى له......... أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا
إن مشكلة التأخر الدراسي لطالما نلحظها في مجتمعاتنا، خاصة وقد غلبت عليها الماديات، وافتقرت إلى روح الحياة وجوهرها؛ ألا وهو الإيمان، وغاب فيها الأب والأم عن أداء دورهما الرئيسي في الحياة؛ ألا وهو تربية الأولاد.
وإننا إن تأملنا مشكلة التأخر الدراسي سنعترف بالتأكيد أن المدرسة لها دور كبير في حل هذه المشكلة، أو على العكس يكون لها الدور السلبي بالمساعدة على نموها، فالمدرسة بلا شك هي نصف عمر الطفل أو أكثر من النصف، يعيش فيها الطفل أغلب ساعات طفولته، ولا يمكن أن نهمل دور المعلم وتأثيره على الطفل، ولكننا رغم ذلك كله وإن قلنا بأن للمدرسة وللمعلم دور كبير فإننا نؤكد أن للبيت الدور الأكبر، وهذا الأمر قتل بحثًا بالدراسات والإحصائيات والواقع.
الطفل المتأخر دراسيًا حصاد مر، ولكنه نبت بذرة في بيتك
إننا إن أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا سنوجه اللوم لأنفسنا أولًا وما هذا إلا مصداقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 14]، ومن ثم نوجه الاتهام للمدرسة، ولكن بعد أن نكون قد انتهينا عن كل الأخطاء التي فعلناها من قبل مع أبنائنا.
إن كثيرًا من الآباء يظن أن المدرسة عليها أن تفعل كل شيء، وأن البيت ليس له دور على الإطلاق في تعليم أطفالهم، وبالتالي تكون الاتكالية التامة على المدرسة، والتقصير من جانب البيت، بل إن بعض الأسر تجد فيها الأب يعمل والأم كذلك تعمل، ويعود الأولاد للبيت فلا يجدون من يهتم بهم أو يأبه لأمرهم، أو حتى يقوم بالتوقيع على شهاداتهم أو كراساتهم.
إن الواقع يشهد أيها الآباء أن الطفل المتفوق دراسيًا ما هو إلا حصاد اهتمام الآباء، والطفل المتأخر دراسيًا ما هو إلا حصاد إهمال الآباء، بل إن الواقع يشهد أيضًا أن تأخر مستوى الطفل لفترة طارئة يكون ذلك غالبًا بسبب ظرف طارئ في البيت؛ كسفر أحد الوالدين مثلًا أو مرض أحدهما، فحتى الظرف الطارئ يؤثر على مستوى الطفل المتفوق، فكيف إذًا بالطفل المتأخر.
حال الطفل في المدرسة ما هو إلا معبر حقيقي عن حال البيت
فمهما حاولت أن تخفي خطأك، أو أن تتبرأ منه أيها المربي فإن واقع طفلك سيفضحك، وسيكشف الغطاء عن أخطائك التربوية، فما الغصن إلا فرع من أصل الشجرة، فلو صلحت الشجرة لصلح الغصن، كما قال الشاعر:
إن الفروع من الأصول ولن ترى فرعًا يخيب وأصله قد أينعا
(فأثر الوالدين في الولد وما يلهمانه به من تربية وآداب لا ينكره منكر، فالولد يتأثر بوالديه تأثرًا مشهودًا، وجميل في تصوير ذلك ما أنشده الشاعر العربي:
مشى الطاووس يومًا باعوجاجٍ....فقلد شكل مشيته بنوه
فقال: علام تختالون؟ قالوا ......بدأت به ونحن مقلدوه
فخل سيرك المعوج واعدل ......فإنك إن عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كل فرع...... يجاري بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا.....على ما كان عوده أبوه
إن التاريخ الإسلامي يثبت أن (الأسرة تستطيع أن تمد المجتمع بنشء متحضر يأخذ بيد المجتمع ويسهم في تقدمه، فهؤلاء أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأولهم الحسن والحسين رضي الله عنهما ثم محمد بن الحنفية وغيرهم، وهؤلاء أبناء عمر رضي الله عنه وأهمهم عبد الله رضي الله عنه، وهؤلاء أبناء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وأهمهم عبد الله بن عباس حبر الأمة، وأبناء أبي بكر الصديق رضي الله عنه وجابر بن عبد الله وغيرهم ممن نشأ في أسر تمكن الإسلام من قلوب أصحابها، ولقد ضرب الله تعالى لنا أمثلة كثيرة، منها ما ذكره الله تعالى عن نصائح لقمان، ومنها ما ذكره عن نبي الله يعقوب عليه السلام وما نشأ عليه بنيه من فهم وعلم وايمان) [الأسرة المسلمة وتحديات العصر، المستشار حسن محمد الحفناوي].
ولكن ما هو الدور الذي يقوم به الوالدان؟
هذا هو السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن، لابد لكل أب ولكل أم أن يعرفا ما هو دورهما تجاه ولدهما ليساعداه على التفوق والنجاح في الدراسة، والحقيقة أن الأدوار كثيرة ومتشعبة، ولكن يمكن جمعها في أربع مهام رئيسية:
المهمة الأولى: ارفع من مستواك أيها المربي
هل تعلم أيها المربي أن حالتك العلمية والثقافية ـ بل والاقتصادية أيضًا ـ تؤثر على تفوق طفلك، نعم فهذا ما أثبتته الدراسات، فبهذا ينبئك الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل، وهو يتحدث عن البيئة المنزلية وأثرها على الطفل في كتابه "الطفل من الحمل إلى الرشد" فيقول (وإذا كنا نتحدث عن البيئة المنزلية باعتبارها مجالًا مؤثرًا في التحصيل المدرسي للطفل فإن ذلك يتضمن في الواقع عوامل متعددة، ذكرنا منها بالفعل المستوى التعليمي للوالدين، والمستوى الاقتصادي الاجتماعي لهما، وهناك إلى جانب ذلك نوع الشخصية التي يتميز بها الوالدين).
وهنا نركز بالذات على مستواك التعليمي أيها المربي، فالجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي هما محل اهتمام منك وجهاد، أما الجانب التعليمي فقليل من الآباء من يهتم به، وهذا خلل كبير في منظومة القدوة بالنسبة للطفل، فكيف تطلب من طفلك مثلًا أن يكون متميزًا في اللغة الإنجليزية وأنت لا تمثل له قدوة في ذلك، وكيف تطلب منه أيضًا أن يكون متميزًا في القرآن الكريم وحفظه وأنت لا تحفظ شيئًا من كتاب الله، بل كيف تريد منه أن يكون محبًا للقراءة وأنت لا تعطي للقراءة قسطًا من وقتك الثمين.
يقول المستشار حسن محمد الحفناوي (إن رب الأسرة الذي يواظب على القراءة سوف تستفيد أسرته من ثقافته، وسوف يشب أبناؤه محبين للإطلاع الذي نشأوا وترعرعوا في أحضانه، وليس بمقبول الاعتذار بالأعذار الواهية، كمن يقول إني مشغول لا أجد وقتًا للقراءة، ألا يجد وقتًا للطعام؛ بلى يجد بالقطع، فإذا كان الطعام غذاء الأجسام، فإن القراءة غذاء العقول والأفهام، كما لا يقبل أن يقال: إن جهاز المرناة (التليفزيون) شغل الناس، وحسب ذلك الزعم فسادًا أن الذين اخترعوا المرناة جلهم يواظبون على القراءة، أذكر أني كنت في مبنى المرناة لتسجيل بعض البرامج ثم خرجت للحديث في الهاتف، فرأيت عامل الإضاءة وهو مجرد عامل ـ وهو أوروبي من بولندا ـ رأيته ينفرد بنفسه في مكان قصي ويقرأ في كتاب، فسألته، فقال أنه كتاب في بعض برامج الحاسوب (الكمبيوتر)، وأنه لا بد أن يقرأ ساعتين يوميًا مهما كان الظرف، حتى ولو كان مريضًا، ألا يمكن أن نعود للقراءة والإطلاع، وأن نرجع لصداقة الكتاب من جديد، حتى نبني ثقافتنا ونستعيد حضارتنا) [الأسرة المسلمة وتحديات العصر، المستشار حسن محمد الحفناوي].
المهمة الثانية: تابع مع طفلك
وهذه هي المهمة الجوهرية في الحقيقة التي لا بد أن يقوم بها الوالدان، وأن يقتسما العمل فيها معًا، المتابعة أهم دور يقوم به الوالدان مع ولدهما، والتي تشمل نقاط رئيسية:
1. الاهتمام بالمواعيد:
والتي تهدف إلى أن يصل الطفل دائمًا إلى المدرسة في الوقت المطلوب وقد أدى واجباته، وتتضمن أن يكون الوالدان منظمان في حياتهما، وأن يتركا حياة الفوضى والفشل، فالطفل الذي يعيش في أسرة منظمة يكون منظمًا في فصله وفي مدرسته وفي أداء واجباته، أما الطفل الذي اعتاد العيش في بيت يعمه الفوضى سيكون فوضويًا بالطبع، لابد أن يكون هناك موعدًا محددًا للنوم ومن ثم للاستيقاظ ومن ثم لتناول الإفطار ومن ثم للغداء ثم لعمل الواجبات ثم النوم مرة أخرى، وهكذا.
2. الاهتمام بالواجبات:
وذلك كما ذكرنا أن يكون لها وقتًا محددًا، ثم أن يساعد الأب ابنه وتساعد الأم ابنتها في حل الواجبات، ولا نقصد بهذا أن يقوما بحلها ولكن نقصد أن يشرحا له وأن يعطياه اهتمام، إن حالة الطفل يوميًا في المدرسة تختلف بحسب مساعدة الأب والأم للطفل في حل الواجبات أو عدم مساعدتهما له، ونحن لا نعني بهذا أن لا يعود الطفل تحمل المسئولية أو أن يتكل على ذلك، ولكن المساعدة تكون بحسب الحاجة وعلى حسب سن الطفل ومدى حاجته للمساعدة، فالمساعدة تقل تدريجيًا مع كبر سن الطفل وكذلك التوجيه والمتابعة.
3. قلل من الطوارئ بقدر الإمكان:
إن الطفل يتأثر جدًا بالظروف المحيطة، وهي أي الظروف تؤثر بالفعل على تحصيله الدراسي، فمثلًا السفر المفاجيء يؤثر على تحصيل الطفل، فلا يكون السفر إلا لسبب ضروري قهري، أما السفر بدون سبب فلا حاجة له، لأنه قد يؤثر سلبًا على الطفل، إن غياب الطفل عن المدرسة يؤثر سلبيًا عليه وعلى تحصيله، ويشعر بعدها أنه متأخر عن أقرانه، ومع تكرار الغياب يقل التحصيل أكثر، وهكذا، ولهذا فعلينا أن نقلل من الأسباب الداعية للغياب بقدر الإمكان حتى لا نتسبب في تأخر أولادنا دراسيًا.
4. زيارة المدرسة أمر ضروري:
ما أجمل شعور الطفل في الحقيقة عندما يجد أحد والديه في المدرسة يسأل عن أحواله، وكم نرى في عيني الطفل حينها فخرًا وعزًا وكأنه يريد أن يصرخ بأعلى صوته وسط زملائه ويقول بكل سرور وفرح: هذا هو أبي أو هذه هي أمي، ولكن على العكس تمامًا، فإننا قليلًا ما نجد الآباء في اجتماع أولياء الأمور متواجدون إلا من رحم ربي.
عزيزي المربي، إن وجودك في المدرسة ومتابعة أحوال طفلك له أثر كبير على تفوق الطفل وزيادة مستوى تحصيله الدراسي.
المهمة الثالثة: لا للتوترات داخل البيت
إياك أن يشعر طفلك أن هناك مشكلة أو خلاف بينك وبين زوجتك، أو أن هناك مشكلة أو خطر يواجه البيت، كما أنه لا ينبغي أن يشعر الطفل أبدًا أنك لا تحبه، أو أنك ترفضه وترفض كل أفعاله، يقول الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل (وهناك أيضًا ما يؤكد القيمة الكبرى لدور الأمهات في التحصيل للأطفال، فقد أثبتت الأبحاث التي قام بها "هيليارد وروث" أن هناك فروقًا كبيرة بين أمهات الأطفال ضعيفي التحصيل وأمهات الأطفال مرتفعي التحصيل، فهؤلاء الأخيرات كن أكثر تقبلًا، في حين كانت الأوليات أكثر رفضًا، والأطفال ضعيفي التحصيل يشعرون بذلك الرفض).
المهمة الرابعة والأخيرة: اجعل لك طموحًا كبيرًا في طفلك
(أيضًا طموح الوالدين فيما يختص بمستقبل أطفالهما يؤلف بعدًا جوهريًا من أبعاد الجو الاجتماعي النفسي الذي يحيط بالطفل، بل ربما كان هذا البعد هو أهمها جميعًا) [الطفل من الحمل إلى الرشد، الجزء الثاني، د.محمد عماد الدين اسماعيل].
وما أجمل في الحقيقة الكلمة التي قالتها السيدة آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم لحليمة السعدية عندما قالت (إن لابني هذا شأنًا)، وما أجمل أن يشعر الطفل بهذا التقدير وهذا الطموح من قبل الوالدين تجاهه، إن الطفل الذي يشعر أن والديه لديهما طموح تجاهه يكون أكثر تحصيلًا وأسرع نجاحًا، حيث أنهم يحرصون دائمًا على تحقيق هذا الطموح، (إن شعور النجاح المدعم بالثناء والمكافأة يعمل على تعزيز الثقة بالنفس، فكل إنسان مدعو لمعرفة ما يملك من طاقات وإمكانيات وتحديد الهدف الذي يجب أن يبلغه في حياته وعندما يكون الإنسان واثقًا من قدراته يصبح من السهل عليه اجتياز الصعوبات التي تعترض سبيله مهما كبرت، ولا يعود يشعر بالخوف مهما كانت الحالة التي تواجهه خطيرة، ولن يسير وراء الآخرين مسلوب الإرادة لأنه واثق بنفسه، ويمكننا تربية مثل هذه الشخصية القوية المستقلة إذا حفزنا في الطفل مشاعر النجاح والثقة بالنفس) [تربية مشاعر الطفل في الأسرة، ترجمة د.عبد المطلب أبو سيف].
وختامًا نسأل الله لأبنائنا وبناتنا مستقبلًا دراسيًا ناجحًا، وتفوقًا باهرًا في كل المجالات، اللهم آمين.
المدرس: بل أنت الذي لا تقوم بدورك.
الأب: وهل تدريس الطفل هو دوري أم دورك.
المدرس: بل دوري، ولكن دوري أن أشرح الدرس وأن أبسط المعلومة وأن أعطي الواجب لا أن أعمل الواجبات للطفل.
الأب: إذا كان طفلي لا يعمل الواجب فذلك بسبب أنك لم تشرح الدرس جيدًا.
المدرس: وإذا كنت لا أجيد الشرح لما قام طلاب الفصل كلهم بعمل الواجب.
الأب: واجب عليك أن تعطيه وقتًا إضافيًا.
المدرس: بل واجب عليك أنت أن تتابع طفلك وأن تساعده في حل واجباته، وأن يكون لك دور معه.
الأب: وهل أترك أنا عملي وأشغالي لأقوم بعملك أنت.
المدرس: لا بل شارك في أفضل استثمار تستثمره في حياتك؛ ألا وهو الاستثمار في طفلك، فهو والله خير من المال وخير من الدنيا وما فيها!
مسكين هذا الطفل اليتيم
يتيم وهو يعيش في بيت أبيه وأمه!
نعم إنه يتيم، لأن أمه تخلت عنه في أحوج لحظات حياته، وعاش أبوه عنه مشغولًا، وصدق الشاعر حين قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه وخلفاه في هم الحياة ذليلًا
إن اليتيم الذي تلقى له......... أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا
إن مشكلة التأخر الدراسي لطالما نلحظها في مجتمعاتنا، خاصة وقد غلبت عليها الماديات، وافتقرت إلى روح الحياة وجوهرها؛ ألا وهو الإيمان، وغاب فيها الأب والأم عن أداء دورهما الرئيسي في الحياة؛ ألا وهو تربية الأولاد.
وإننا إن تأملنا مشكلة التأخر الدراسي سنعترف بالتأكيد أن المدرسة لها دور كبير في حل هذه المشكلة، أو على العكس يكون لها الدور السلبي بالمساعدة على نموها، فالمدرسة بلا شك هي نصف عمر الطفل أو أكثر من النصف، يعيش فيها الطفل أغلب ساعات طفولته، ولا يمكن أن نهمل دور المعلم وتأثيره على الطفل، ولكننا رغم ذلك كله وإن قلنا بأن للمدرسة وللمعلم دور كبير فإننا نؤكد أن للبيت الدور الأكبر، وهذا الأمر قتل بحثًا بالدراسات والإحصائيات والواقع.
الطفل المتأخر دراسيًا حصاد مر، ولكنه نبت بذرة في بيتك
إننا إن أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا سنوجه اللوم لأنفسنا أولًا وما هذا إلا مصداقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 14]، ومن ثم نوجه الاتهام للمدرسة، ولكن بعد أن نكون قد انتهينا عن كل الأخطاء التي فعلناها من قبل مع أبنائنا.
إن كثيرًا من الآباء يظن أن المدرسة عليها أن تفعل كل شيء، وأن البيت ليس له دور على الإطلاق في تعليم أطفالهم، وبالتالي تكون الاتكالية التامة على المدرسة، والتقصير من جانب البيت، بل إن بعض الأسر تجد فيها الأب يعمل والأم كذلك تعمل، ويعود الأولاد للبيت فلا يجدون من يهتم بهم أو يأبه لأمرهم، أو حتى يقوم بالتوقيع على شهاداتهم أو كراساتهم.
إن الواقع يشهد أيها الآباء أن الطفل المتفوق دراسيًا ما هو إلا حصاد اهتمام الآباء، والطفل المتأخر دراسيًا ما هو إلا حصاد إهمال الآباء، بل إن الواقع يشهد أيضًا أن تأخر مستوى الطفل لفترة طارئة يكون ذلك غالبًا بسبب ظرف طارئ في البيت؛ كسفر أحد الوالدين مثلًا أو مرض أحدهما، فحتى الظرف الطارئ يؤثر على مستوى الطفل المتفوق، فكيف إذًا بالطفل المتأخر.
حال الطفل في المدرسة ما هو إلا معبر حقيقي عن حال البيت
فمهما حاولت أن تخفي خطأك، أو أن تتبرأ منه أيها المربي فإن واقع طفلك سيفضحك، وسيكشف الغطاء عن أخطائك التربوية، فما الغصن إلا فرع من أصل الشجرة، فلو صلحت الشجرة لصلح الغصن، كما قال الشاعر:
إن الفروع من الأصول ولن ترى فرعًا يخيب وأصله قد أينعا
(فأثر الوالدين في الولد وما يلهمانه به من تربية وآداب لا ينكره منكر، فالولد يتأثر بوالديه تأثرًا مشهودًا، وجميل في تصوير ذلك ما أنشده الشاعر العربي:
مشى الطاووس يومًا باعوجاجٍ....فقلد شكل مشيته بنوه
فقال: علام تختالون؟ قالوا ......بدأت به ونحن مقلدوه
فخل سيرك المعوج واعدل ......فإنك إن عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كل فرع...... يجاري بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا.....على ما كان عوده أبوه
إن التاريخ الإسلامي يثبت أن (الأسرة تستطيع أن تمد المجتمع بنشء متحضر يأخذ بيد المجتمع ويسهم في تقدمه، فهؤلاء أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأولهم الحسن والحسين رضي الله عنهما ثم محمد بن الحنفية وغيرهم، وهؤلاء أبناء عمر رضي الله عنه وأهمهم عبد الله رضي الله عنه، وهؤلاء أبناء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وأهمهم عبد الله بن عباس حبر الأمة، وأبناء أبي بكر الصديق رضي الله عنه وجابر بن عبد الله وغيرهم ممن نشأ في أسر تمكن الإسلام من قلوب أصحابها، ولقد ضرب الله تعالى لنا أمثلة كثيرة، منها ما ذكره الله تعالى عن نصائح لقمان، ومنها ما ذكره عن نبي الله يعقوب عليه السلام وما نشأ عليه بنيه من فهم وعلم وايمان) [الأسرة المسلمة وتحديات العصر، المستشار حسن محمد الحفناوي].
ولكن ما هو الدور الذي يقوم به الوالدان؟
هذا هو السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن، لابد لكل أب ولكل أم أن يعرفا ما هو دورهما تجاه ولدهما ليساعداه على التفوق والنجاح في الدراسة، والحقيقة أن الأدوار كثيرة ومتشعبة، ولكن يمكن جمعها في أربع مهام رئيسية:
المهمة الأولى: ارفع من مستواك أيها المربي
هل تعلم أيها المربي أن حالتك العلمية والثقافية ـ بل والاقتصادية أيضًا ـ تؤثر على تفوق طفلك، نعم فهذا ما أثبتته الدراسات، فبهذا ينبئك الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل، وهو يتحدث عن البيئة المنزلية وأثرها على الطفل في كتابه "الطفل من الحمل إلى الرشد" فيقول (وإذا كنا نتحدث عن البيئة المنزلية باعتبارها مجالًا مؤثرًا في التحصيل المدرسي للطفل فإن ذلك يتضمن في الواقع عوامل متعددة، ذكرنا منها بالفعل المستوى التعليمي للوالدين، والمستوى الاقتصادي الاجتماعي لهما، وهناك إلى جانب ذلك نوع الشخصية التي يتميز بها الوالدين).
وهنا نركز بالذات على مستواك التعليمي أيها المربي، فالجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي هما محل اهتمام منك وجهاد، أما الجانب التعليمي فقليل من الآباء من يهتم به، وهذا خلل كبير في منظومة القدوة بالنسبة للطفل، فكيف تطلب من طفلك مثلًا أن يكون متميزًا في اللغة الإنجليزية وأنت لا تمثل له قدوة في ذلك، وكيف تطلب منه أيضًا أن يكون متميزًا في القرآن الكريم وحفظه وأنت لا تحفظ شيئًا من كتاب الله، بل كيف تريد منه أن يكون محبًا للقراءة وأنت لا تعطي للقراءة قسطًا من وقتك الثمين.
يقول المستشار حسن محمد الحفناوي (إن رب الأسرة الذي يواظب على القراءة سوف تستفيد أسرته من ثقافته، وسوف يشب أبناؤه محبين للإطلاع الذي نشأوا وترعرعوا في أحضانه، وليس بمقبول الاعتذار بالأعذار الواهية، كمن يقول إني مشغول لا أجد وقتًا للقراءة، ألا يجد وقتًا للطعام؛ بلى يجد بالقطع، فإذا كان الطعام غذاء الأجسام، فإن القراءة غذاء العقول والأفهام، كما لا يقبل أن يقال: إن جهاز المرناة (التليفزيون) شغل الناس، وحسب ذلك الزعم فسادًا أن الذين اخترعوا المرناة جلهم يواظبون على القراءة، أذكر أني كنت في مبنى المرناة لتسجيل بعض البرامج ثم خرجت للحديث في الهاتف، فرأيت عامل الإضاءة وهو مجرد عامل ـ وهو أوروبي من بولندا ـ رأيته ينفرد بنفسه في مكان قصي ويقرأ في كتاب، فسألته، فقال أنه كتاب في بعض برامج الحاسوب (الكمبيوتر)، وأنه لا بد أن يقرأ ساعتين يوميًا مهما كان الظرف، حتى ولو كان مريضًا، ألا يمكن أن نعود للقراءة والإطلاع، وأن نرجع لصداقة الكتاب من جديد، حتى نبني ثقافتنا ونستعيد حضارتنا) [الأسرة المسلمة وتحديات العصر، المستشار حسن محمد الحفناوي].
المهمة الثانية: تابع مع طفلك
وهذه هي المهمة الجوهرية في الحقيقة التي لا بد أن يقوم بها الوالدان، وأن يقتسما العمل فيها معًا، المتابعة أهم دور يقوم به الوالدان مع ولدهما، والتي تشمل نقاط رئيسية:
1. الاهتمام بالمواعيد:
والتي تهدف إلى أن يصل الطفل دائمًا إلى المدرسة في الوقت المطلوب وقد أدى واجباته، وتتضمن أن يكون الوالدان منظمان في حياتهما، وأن يتركا حياة الفوضى والفشل، فالطفل الذي يعيش في أسرة منظمة يكون منظمًا في فصله وفي مدرسته وفي أداء واجباته، أما الطفل الذي اعتاد العيش في بيت يعمه الفوضى سيكون فوضويًا بالطبع، لابد أن يكون هناك موعدًا محددًا للنوم ومن ثم للاستيقاظ ومن ثم لتناول الإفطار ومن ثم للغداء ثم لعمل الواجبات ثم النوم مرة أخرى، وهكذا.
2. الاهتمام بالواجبات:
وذلك كما ذكرنا أن يكون لها وقتًا محددًا، ثم أن يساعد الأب ابنه وتساعد الأم ابنتها في حل الواجبات، ولا نقصد بهذا أن يقوما بحلها ولكن نقصد أن يشرحا له وأن يعطياه اهتمام، إن حالة الطفل يوميًا في المدرسة تختلف بحسب مساعدة الأب والأم للطفل في حل الواجبات أو عدم مساعدتهما له، ونحن لا نعني بهذا أن لا يعود الطفل تحمل المسئولية أو أن يتكل على ذلك، ولكن المساعدة تكون بحسب الحاجة وعلى حسب سن الطفل ومدى حاجته للمساعدة، فالمساعدة تقل تدريجيًا مع كبر سن الطفل وكذلك التوجيه والمتابعة.
3. قلل من الطوارئ بقدر الإمكان:
إن الطفل يتأثر جدًا بالظروف المحيطة، وهي أي الظروف تؤثر بالفعل على تحصيله الدراسي، فمثلًا السفر المفاجيء يؤثر على تحصيل الطفل، فلا يكون السفر إلا لسبب ضروري قهري، أما السفر بدون سبب فلا حاجة له، لأنه قد يؤثر سلبًا على الطفل، إن غياب الطفل عن المدرسة يؤثر سلبيًا عليه وعلى تحصيله، ويشعر بعدها أنه متأخر عن أقرانه، ومع تكرار الغياب يقل التحصيل أكثر، وهكذا، ولهذا فعلينا أن نقلل من الأسباب الداعية للغياب بقدر الإمكان حتى لا نتسبب في تأخر أولادنا دراسيًا.
4. زيارة المدرسة أمر ضروري:
ما أجمل شعور الطفل في الحقيقة عندما يجد أحد والديه في المدرسة يسأل عن أحواله، وكم نرى في عيني الطفل حينها فخرًا وعزًا وكأنه يريد أن يصرخ بأعلى صوته وسط زملائه ويقول بكل سرور وفرح: هذا هو أبي أو هذه هي أمي، ولكن على العكس تمامًا، فإننا قليلًا ما نجد الآباء في اجتماع أولياء الأمور متواجدون إلا من رحم ربي.
عزيزي المربي، إن وجودك في المدرسة ومتابعة أحوال طفلك له أثر كبير على تفوق الطفل وزيادة مستوى تحصيله الدراسي.
المهمة الثالثة: لا للتوترات داخل البيت
إياك أن يشعر طفلك أن هناك مشكلة أو خلاف بينك وبين زوجتك، أو أن هناك مشكلة أو خطر يواجه البيت، كما أنه لا ينبغي أن يشعر الطفل أبدًا أنك لا تحبه، أو أنك ترفضه وترفض كل أفعاله، يقول الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل (وهناك أيضًا ما يؤكد القيمة الكبرى لدور الأمهات في التحصيل للأطفال، فقد أثبتت الأبحاث التي قام بها "هيليارد وروث" أن هناك فروقًا كبيرة بين أمهات الأطفال ضعيفي التحصيل وأمهات الأطفال مرتفعي التحصيل، فهؤلاء الأخيرات كن أكثر تقبلًا، في حين كانت الأوليات أكثر رفضًا، والأطفال ضعيفي التحصيل يشعرون بذلك الرفض).
المهمة الرابعة والأخيرة: اجعل لك طموحًا كبيرًا في طفلك
(أيضًا طموح الوالدين فيما يختص بمستقبل أطفالهما يؤلف بعدًا جوهريًا من أبعاد الجو الاجتماعي النفسي الذي يحيط بالطفل، بل ربما كان هذا البعد هو أهمها جميعًا) [الطفل من الحمل إلى الرشد، الجزء الثاني، د.محمد عماد الدين اسماعيل].
وما أجمل في الحقيقة الكلمة التي قالتها السيدة آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم لحليمة السعدية عندما قالت (إن لابني هذا شأنًا)، وما أجمل أن يشعر الطفل بهذا التقدير وهذا الطموح من قبل الوالدين تجاهه، إن الطفل الذي يشعر أن والديه لديهما طموح تجاهه يكون أكثر تحصيلًا وأسرع نجاحًا، حيث أنهم يحرصون دائمًا على تحقيق هذا الطموح، (إن شعور النجاح المدعم بالثناء والمكافأة يعمل على تعزيز الثقة بالنفس، فكل إنسان مدعو لمعرفة ما يملك من طاقات وإمكانيات وتحديد الهدف الذي يجب أن يبلغه في حياته وعندما يكون الإنسان واثقًا من قدراته يصبح من السهل عليه اجتياز الصعوبات التي تعترض سبيله مهما كبرت، ولا يعود يشعر بالخوف مهما كانت الحالة التي تواجهه خطيرة، ولن يسير وراء الآخرين مسلوب الإرادة لأنه واثق بنفسه، ويمكننا تربية مثل هذه الشخصية القوية المستقلة إذا حفزنا في الطفل مشاعر النجاح والثقة بالنفس) [تربية مشاعر الطفل في الأسرة، ترجمة د.عبد المطلب أبو سيف].
وختامًا نسأل الله لأبنائنا وبناتنا مستقبلًا دراسيًا ناجحًا، وتفوقًا باهرًا في كل المجالات، اللهم آمين.