المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية



د. المقريزي
03-24-07, 12:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


إخترت لكم ملفا مرفقا يتحدث به صاحبه عن


حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية


كانت الكتابة في هذا الموضوع تساورني منذ زمن


و عززها إختلافي في أحد المنتديات الإسلامية مع طبقة من أعضاء الموقع في مسألة من المسائل الفقهية


حتى أنهم شنوا عليَّ هجمة شرسة, لا تدل في تقديري إلا على ضحالة معرفتهم بالعلوم الإجتماعية و واقعهم المعاصر


حينها خرجت من الموضوع الفقهي المطروح, وفتحت موضوع بعنوان


"بحوث إجتماعية"


أعلنت في مقدمته أنه خاص بإدراج البحوث و الدراسات الإجتماعية من رسائل ما جستير و دكتوراة


حول المسألة الإجتماعية التي كنا في صددها. وبعد الإطلالة على العديد من هذه البحوث الاجتماعية


يمكننا الرجوع لفقه المسألة.


ظننت أنهم سيرعوون, لكن موضوعي هذا زاد من عنفوانهم , حيث أنهم لم يعتادوا على قراءة المطولات من الرسائل العلمية في مجال علم الإجتماع الخاص بمسألتنا الفقهية المطروحة, هم فقط معتادون على قراءة الكتب الفقهية لتحليل الظواهر الاجتماعية ثم إصدار الأحكام الشرعية حيالها.


حينها زادت قناعتي بأن طالب العلم الشرعي بحاجة ماسة لعلم الإجتماع,


لم أكتب بعد ما في خاطري حول تلك الضرورة, لكنني أجد الملف المرفق بداية


طيبة لكتابات مستقبلية حول الموضوع.


أترككم مع الملف المرفق, وفقني الله و إياكم لكل خير و صلاح.


إن لم يفتح لديك الملف المرفق فيمكنك البحث عنه من خلال الرابط التالي
بعنوان " حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية"



الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط



الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط


مركز أبحاث فقة المعاملات الإسلامية

الزهراء
04-09-07, 10:19 PM
جزاك الله خير

د. المقريزي
06-05-07, 11:50 AM
أختنا الزهراء شكرا لك


><><><><><><><><><><><><><><><>


عرضت الملف المرفق على أحد طلبة العلم فكان تعقيبه كالتالي


" بسم الله
البحث جيد و عرضه فيه فوائد, ولكنه غير شيق لصعوبته على غير المختص.
وفي نظري لا يخرج القارئ بالفائدة التي عنون لها تماما و لهذا يحتاج لتوضيح الفائدة إلى عرض أقرب و أمثلة أكثر.


شاكرين و نرحب بالتواصل في ظل الفائدة! "


إنتهي تعليق طالب العلم على موضوع "حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية"



أنا هنا سؤاصل الطرح حول هذا الموضوع و أهميته لطالب العلم الشرعي, أملا بأن نصل إلى صورة أوضح لما يُراد من طالب العلم الشرعي فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية.



كيف تساعدنا أيه القارئ الكريم؟


1
يمكنك قرائة الملف المرفق, ثم تتحفنا بتعليقك عليه.


2
يمكنك نسخ الملف المرفق, ومناولته لمن تعرفه من طلبة العلم الشرعي المتقدمين
وتطلب منه التعقيب عليه, ثم تدرج تعقيبه هنا مشكورا مأجورا.


شكرا لكل متعاون معنا وكل مرشد لنا فيما قد نقع فيه من أخطاء في منتدي د. المقريزي.

د. المقريزي
06-05-07, 12:02 PM
مقال ذو علاقة


الظواهر الاجتماعية بين الموعظة والبحث العلمي


محمد محفوظ
فمجتمعنا ليس مجتمعاً ملائكياً، وفيه ما في كل المجتمعات الإنسانية من مشاكل وظواهر مرضية. ومن الخطأ التعامل مع هذه الظواهر بوصفها انحرافات أخلاقية أو سلوكية فحسب، دون البحث في أسبابها العميقة، وتفسيرها التفسير العلمي الذي يربطها بسياق حركة المجتمع وظروفه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية




يجتهد المختصون بالشأن الاجتماعي سواء كانوا علماء اجتماع أو وعاظا ومرشدين ومصلحين اجتماعيين في رصد الظواهر الاجتماعية في حركة المجتمع وتحديد الموقف المطلوب منها.


فإذا كانت هذه الظاهرة إيجابية وحسنة امتدحها المصلح أو الواعظ وشجع على بقائها وديمومتها في الوسط الاجتماعي، وإذا كانت سلبية وسيئة ذمها واعتبرها اختراقا اجتماعيا وأخلاقيا خطيرا من قبل العدو، وعرض في ذات الوقت القيمة المقابلة لتلك الظاهرة السيئة بكلياتها وخطوطها الكبرى، واعتبرها هي الحل والعلاج لتلك الظاهرة السيئة.


فإذا كانت الظاهرة مثلا (ازدياد معدل البخل) في المجتمع فإن الواعظ يقوم بذم هذه الخصلة والمنتسب إليها ومدح الخصلة المقابلة (الكرم) والمنتسب إليها. معتبرا أن علاج ظاهرة البخل في الوسط الاجتماعي هو الالتزام بقيمة الكرم فحسب. وكأنها عملية حسابية ليست خاضعة لظروف اقتصادية ومتغيرات اجتماعية وأنساق ثقافية وفكرية. ولأن التراكم المعرفي والتواصل البحثي تقليد لا نعرفه في أبحاثنا ونشاطاتنا الاجتماعية، لذلك فإننا لا نهتم كثيرا في فهم وإدراك الظواهر الاجتماعية اعتمادا على البحوث العلمية والتحليلية القائمة على الحقائق والبراهين والأرقام. وإنما نكتفي بلغة الوعظ والإرشاد والنصيحة في معالجة الظواهر الاجتماعية.


وكأن النسق الوعظي والأخلاقي هو العامل الأوحد لعلاج كل مشكلات المجتمع وظواهره المتعددة. غافلين في ذلك عن طبيعة نشوء الظواهر في المجتمع. حيث إنه لا توجد ظاهرة اجتماعية - إنسانية وليدة شيء وظرف واحد فقط. فكل ظاهرة اجتماعية هي وليدة شبكة من العوامل والأمور والقضايا، وما تلك الظاهرة إلا إفراز طبيعي لتلك الشبكة من العوامل والظروف.


فالرشوة مثلا كظاهرة اجتماعية ليست وليدة الانحراف الخلقي فحسب أو الجشع المادي فقط، بل هي ظاهرة يشترك في صنعها الكثير من الأنساق والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.


فلا يمكن أن نعالج ظاهرة اجتماعية جاءت إفرازا لمشكل اجتماعي - حضاري عميق بالنصيحة الأخلاقية والإرشاد المجرد (دون أن ننكر دور وأهمية هذه الآلية في علاج هذه المشكلات).


والذي نريد قوله في هذا المجال : إننا ينبغي أن ننتقل في رصد وعلاج الظواهر الاجتماعية السيئة من موقع الواعظ والناصح فقط إلى موقع الباحث العلمي الذي يتجه إلى جذور الأمور وجوهر القضايا، دون أن نغفل تداعياتها وآثارها الجانبية.


وهذا بطبيعة الحال، لا يعني أن نتعامل مع الكيان الاجتماعي كما نتعامل مع العلوم الطبيعية والرياضية القائمة على الحتمية والاطراد والعمومية وغيرها من سمات العلوم الطبيعية. وإنما نحن نرى أن المنهجية والبحث العلمي الرصين مسألة ضرورية في العلوم الاجتماعية. وبالذات في دائرة (المشكلات الاجتماعية). إذ أنه لا يمكننا أن نعتمد في رصدنا وعلاجنا للمشكلات الاجتماعية على الحدس والتخمين والاحتمال. صحيح أن العلوم الاجتماعية لا ترقى في علميتها وانضباطها ومنهجيتها إلى مستوى علوم الطبيعة، ولكنها ينبغي ألا تتخلى عن الدقة والضبط العلمي في دراسة الظواهر الإنسانية. وفي تقديرنا أن الاعتماد على النسق الوعظي في علاج الظواهر الاجتماعية السيئة ليس وليد النقص العلمي أو غياب الاهتمام العلمي لدى من يقوم بهذا النسق في حركته الاجتماعية، بل يرجع إلى الاختيار المنهجي في اعتماد أسلوب الوعظ في العملية الاجتماعية.


من هنا فإننا نرى أن عدم اعتمادنا على البحوث العلمية في رصد وعلاج مشكلاتنا الاجتماعية باعتبارها مشكلة منهجية وليست معرفية بالدرجة الأولى. وبإمكاننا أن نزيح هذه المشكلة المنهجية في دراسة قضايانا الاجتماعية عن طريق التوضيح التالي :


إن من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الكثير من المهتمين بالشأن الاجتماعي العام، أنهم يعزلون الظاهرة التي يدرسونها عن السياق الاجتماعي والظروف التاريخية التي برزت فيها تلك الظاهرة ونشطت فيها. وقد حاول (دور كهايم) في كتابه (تقسيم العمل الاجتماعي) 1893م أن يدرس الظواهر الاجتماعية الموجودة في عصره فوصل إلى نتيجة مفادها : أن تقسيم العمل المفرط الذي يسير نحو التعقيد المتزايد ربما يقود في ظروف مجتمعية خاصة، إلى أن يفقد العمال مثلا معنى علاقاتهم بالآخرين ويقود هذا إلى انحطاط وتدهور العلاقات الاجتماعية. وقد وصف (دور كهايم) هذه الحالة بالأنومية والمجتمع الأنومي، وهو مصطلح استخدمه دور كهايم ليصف حالة مجتمعية حزينة يرثى لها. فهو مجتمع مفكك العلاقة لا تتناسب فيه مصالح الأفراد ويفتقد ضبط أجزائه وربطها معا في كلٍ متماسك.


فلا يمكن أن ننظر إلى مشكلة جنوح الأحداث مثلا بوصفها قضية أخلاقية محضة، دون النظر إليها في إطار سياقها الاجتماعي والتاريخي، وعلاقة الأحداث بالجماعات الصغيرة كالأسرة والجوار والأصدقاء وما أشبه.


إننا ينبغي أن نحلل هذه الظواهر تحليلا سوسيولوجيا، بحيث ننظر إلى الظاهرة الاجتماعية ككائن حي ينمو ويزدهر بفعل مجموعة من العوامل الحاضنة والمحيطة. وكما يبدو أن النسق الوعظي لا ينظر إلى الظواهر الاجتماعية نظرة سوسيولوجية، بل باعتبارها مشكلات أخلاقية تعالج بتذكير الإنسان بالفضائل الأخلاقية المقابلة لتلك الرذيلة، دون أن يتعب نفسه (الواعظ) في البحث والتنقيب عن العوامل والأحداث الحقيقية والخفية لبروز تلك الظاهرة المدروسة.


ويضرب الدكتور محمد عزت حجازي مثالا على هذه المسألة بالتنشئة الاجتماعية فيقول : إن عشرات وربما مئات الدراسات والبحوث حول موضوع مثل التنشئة الاجتماعية في مرحلتي الطفولة والشباب، وفرت كما هائلا من المعلومات عن نقاط تفصيلية كثيرة، ولكنها لم تفلح في الإجابة عن أسئلة مهمة مثل، هل تسير عمليات التنشئة الاجتماعية بحيث تخلق مواطنا يفهم ذاته ويقبلها ويفهم الآخرين ويمكنه أن يقيم علاقات مشبعة معهم، ويفهم الواقع ويستطيع أن يكون إيجابيا إزاءه؟ وهل تسمح التنشئة الاجتماعية للإنسان بأن يحقق إمكاناته وملكاته واستعداداته لأكبر مدى ممكن، بحيث لا تأتي الأجيال المختلفة تشبه بعضها بعضا. وإذا المجتمع يكرر نفسه وإذا لم تكن تفعل ذلك، فماذا من أوضاع وظروف في البنية الاجتماعية - مثلا - يحول دون بلوغه؟ وأية قيم أخلاقية وجمالية واجتماعية وغيرها ترسخها عمليات التنشئة الرسمية وغير الرسمية؟ وفي أي اتجاه تسير هذه.


إننا لا ننكر دور الوعظ في حفز الجانب الأخلاقي والوجداني لدى الإنسان، إلا أن هذا الجانب وحده لا يستطيع أن يعالج الظواهر الاجتماعية ذات المنابت المتعددة. وبكلمة، أن الأخطاء الإنسانية التي لم تتحول إلى ظاهرة يكون للوعظ والنصيحة الأخلاقية الدور الفعال في إنهائها. أما إذا تحولت هذه الأخطاء إلى ظواهر، فإن العاطفة وحدها لا تنهي تلك الظاهرة. فالإنسان لا يستبطن فقط الجوانب الأخلاقية، بل معها نوازع وحوافز شتى تؤثر على مسيرة الإنسان وقناعاته الفكرية ومواقفه السلوكية.


إننا أمام الظواهر الاجتماعية، من الضروري أن ننأى عن التفاسير الظاهرية التي تعيد هذه الظواهر إلى أسبابها الشكلية وعواملها الفوقية، دون سبر أغوار الظاهرة والتعرف على جوهر الأسباب والعوامل الموجدة لها. كما إننا ينبغي أن لا نكتفي بتحديد المسببات الكلية لهذه الظواهر. فالواقع المجرد أو الحضارة بشكل عام، أسباب للكثير من الظواهر ولكنها أسباب كلية. ومن الخطأ الاعتماد والاستناد فقط على العوامل الكلية في اكتشاف الظواهر الاجتماعية السيئة وسبل علاجها .


أسوق هذا الكلام بمناسبة التكرار الممل للكثير من الوعاظ والخطباء الذين يدرسون ظواهر المجتمع المختلفة. فالمشكلة في نظرهم واحدة، كما أن علاجها واضح ومعروف. دون أن يبذل الكثير من هؤلاء الجهد العلمي والمنهجي الكافي لدراسة هذه الظواهر وتحليلها تحليلا عميقا، ومن ثم اقتراح الحلول المناسبة لها.


فمجتمعنا ليس مجتمعاً ملائكياً، وفيه ما في كل المجتمعات الإنسانية من مشاكل وظواهر مرضية. ومن الخطأ التعامل مع هذه الظواهر بوصفها انحرافات أخلاقية أو سلوكية فحسب، دون البحث في أسبابها العميقة، وتفسيرها التفسير العلمي الذي يربطها بسياق حركة المجتمع وظروفه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية.


ونحن هنا لا نجلد ذواتنا، أو نتهم مجتمعنا باتهامات باطلة. وإنما نقول : إن مشاكل الأفراد تختلف في طبيعتها وتمظهراتها الخارجية عن مشاكل المجتمعات. والموعظة الأخلاقية بوحدها لا تعالج مشاكل المجتمع. وإنما نحتاج إلى فهم هذه الظواهر فهما علميا عميقا، ومن ثم التفكير الجدي في آليات المعالجة السليمة لهذه الظواهر.


إننا بحاجة أن نجعل الظواهر في سياقها الاجتماعي الطبيعي، ونبحث في هذا السياق والظروف عن أسبابها وطرق تجاوزها. والسياق الاجتماعي الذي نقصده، ليس كيانا راكدا وسكونيا، بل هو سياق تعتمل فيه عوامل الصراع وأسباب المدافعة والحراك الاجتماعي.


فالأمر الضروري الذي ينبغي أن نسعى إليه، هو الفهم الموضوعي للظاهرة القائم على البحث العلمي والتحليل الاجتماعي المتماسك، مستعينين في إطار ذلك بالأخلاق ودورها الاجتماعي الإصلاحي.


إننا مطالبون اليوم أمام الظواهر الاجتماعية المختلفة التي نسمع عنها أو نقرأ بعض تجلياتها في الصحف وأحداث المناطق، أن نرصدها ونقرأها اعتمادا على منهجية علمية وأساليب ملائمة لتفكيك هذه الظواهر وسبر أغوارها واكتشاف آلياتها وطرق عملها وأسباب نموها وعوامل ضمورها ومنهجية علاجها وتجاوز آثارها المتنوعة .


فلا يكفينا اليوم أن نذم هذه الظواهر، أو نبدي قلقنا الأخلاقي والاجتماعي منها، وإنما المطلوب المعرفة العلمية التي تقودنا إلى معالجتها معالجة عملية شاملة لهذه الظواهر.




===================================
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط (الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط)
الرياض
الثلاثاء19جمادى الأولى 1428هـ - 5يونيو 2007م - العدد 14225




تعليق
الوعظ العام امر مطلوب في أي مجتمع, والوعاظ يختلفون في مستوياتهم العلمية
ومنهم حتما لا يفهم ما يقوله الكاتب إلا أن تاثيره في مجتمعة غاية في الروعة
فكم من شاب وشابة سلكوا الطريق الستقيم بسبب جهود أولئك الوعاظ الكرام.


و هناك وعاظ برتبة ما جستير او دكتوراه في علوم الشريعة وغيرها من العلوم
فالخطاب في المقال السابق موجه إليهم حسب تقديري, وانه غير مقبول منهم البتة
ان لا يكون لهم جهود بحثية علمية في الظواهر الاجتماعية او على الأقل توجيه طلبتهم في الدراسات العليا
لدراسة تلك الظواهر دراسة منهجية حسب ما هو متعارف عليه. او الاطلاع على البحوث العلمية التي
درست مثل تلك الظواهر, وعلى ضوئها يمكنه نسج موعظته. وهذا لا يعنى ان يتوقف عن الوعظ العام
بل من وجهة نظري ان يراوح بين هذا وهذا والله اعلم.

د. المقريزي
08-19-07, 10:45 AM
مقال ذو علاقة



مزالق الفتيا الفضائية



سلمان بن فهد العودة




للفتيا في الفضائيات مصالح ومفاسد، وإيجابيات وسلبيات، وقد مرَّ معنا في مقال سابق حديث مستفيض عن فرصة استغلال الفضائيات في نفع الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم، والمشاركة في حل قضاياهم، وإرشادهم إلى صواب القول والعمل والتفكير، غير أن هذه الفرصة يشوبها سلبيات متعددة، تحتاج من المفتي....


....أن يدركها، ويبذل جهده للسيطرة عليها؛ لتلافي أثرها عليه وعلى الناس، ومنها:


1 - تسرع بعض المفتين دون أن يستوعب السؤال.


عدّ النووي - رحمه الله - التسرع في الفتوى، وعدم التثبت من التساهل، وهذا من سلبيات الفتوى الفضائية، وليست كل المسائل المستفتى فيها يجاب عنها في بضع ثوان، بل بعض المسائل تحتاج إلى النظر في الدليل، وأقوال من سبق من أهل العلم، وربما احتاج الأمر إلى تفصيل وتحليل، ولا يحسن فيه الإجمال، وربما كانت المسألة من النوازل الحادثة المستجدة؛ ما تحتاج إلى عناية وتأمل، وإعمال فكر، ومراجعة من المفتي وبحث، وسؤال المختصين عن حقيقتها، ونحو ذلك، وكل هذا وغيره قد يتعارض مع طبيعة برامج الفضائيات التي تقوم على سرعة الأداء وأن تكون الإجابة في سرعة السؤال المطروح.


2 - اختلاف أحوال الناس، وصعوبة تنزيل الكلام على حال المستفتي.


من المقرر أن الحكم الشرعي لا يتغير، أما الفتوى - وهي تنزيل الحكم على الواقع - فتتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والقدرة وغير ذلك، (وفي ذلك يقول العلماء: النصوص متناهية - أي: ثابتة محددة - والحوادث - أي: الواقع والمستجدات - غير متناهية)، فما ينزل فيه الحكم على شخص في مكان قد لا يصلح لغيره في مكان آخر، وما يفتى به في زمن يغايره زمن بعده، وفتوى المريض تختلف عن فتوى الصحيح، والصغير عن الكبير والمستهتر يختلف عن الجاد.


والسائلون في البرامج الفضائية والإذاعية من دول وأماكن متفرقة متباينة العادات والأعراف والأحوال، وقد لا يكونون من بلد المفتي، وربما لا يحيط بأحوالهم ومقاصدهم ولغاتهم المحلية؛ ما يوقعه في الخطأ أو الحرج.


جاء رجل إلى ابن عباس فقال: لمن قتل مؤمناً توبة؟ قال: لا إلا النار، فلما ذهب قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمناً توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: إني أحسبه رجلاً مغضباً، يريد أن يقتل مؤمناً، قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ أَلَهُ تَوْبَةٌ؟ فَقَالَ مَرَّةً: لا، وَقَالَ مَرَّةً: نَعَمْ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْت فِي عَيْنَيْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْقَتْلَ فَقَمَعْته، وَكَانَ الثَّانِي صَاحِبَ وَاقِعَةٍ يَطْلُبُ الْمَخْرَجَ.


3- تحرّج بعضهم من قول: (لا أدري).


أو أن يحيل على متخصصين، ظاناً منه أن ذلك يعد منقصة في حقه.


عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع ابن عمر نمشي، فلحقنا أعرابي فقال: أنت عبدالله بن عمر؟ قال: نعم.


قال: سألت عنك فدللت عليك، فأخبرني أترث العمة؟ قال: لا أدري، قال: أنت لا تدري؟
قال: نعم، اذهب إلى العلماء بالمدينة فاسألهم. فلما أدبر قبّل يديه، قال: نعمَّا قال أبو عبدالرحمن; سئل عما لا يدري فقال: لا أدري.


وقال ابن مسعود: من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: (الله أعلم)؛ فإن الله قال لنبيه: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين).


وقال مالك: مِنْ فقه العالِم أن يقول: (لا أعلم) فإنه عسى أن يتهيأ له الخير.


وقال: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالِم أن يورث جلساءه من بعده (لا أدري)؛ حتى يكون ذلك أصلاً في أيديهم يفزعون إليه.


وقال الشعبي: (لا أدري) نصف العلم.


إن قول (لا أدري) يعني أخلاقياً: التواضع والبساطة ونفي التكبر، وعلمياً: احترام التخصص، واحتياج كل الناس لمزيد من العلم والبحث والدراسة، واتساع مساحة الجهل في الإنسان، وعملياً: إدراك أن هذا المفتي لا يتحدث عن كل شيء وأنه يتحدث عما يعرف؛ ما يقوّي قيمة المفتي فيما يتحدث عنه، ويبعث الثقة في حديثه وكلامه.


4 - اختلاف لهجات السائلين لاختلاف بلدانهم، وهذا قد يوقع المفتي في المحذور.


فكثير من المسميات تختلف من بلد لآخر حتى في الدولة نفسها أحياناً، وكثيراً ما نرى السائل يسأل عن شيء، ويجيب المفتي عن شيء آخر.


ففي إحدى الحلقات سألت امرأة أحد المفتين عن حَلّ لإرضاء زوجها الغاضب منها! فقال الشيخ: تلطفي له وتجملي له، ثم قال: (ساحريه) فقالت السائلة: (أعمل له سحر يا شيخ؟!)، فتفطن مقدم البرنامج ونبه الشيخ على فهمها، وأن مقصود الشيخ أن تسحره بأسلوبها، وكلامها العذب، لا أن تذهب إلى ساحر. ومثل ذلك كثير.


5- دخول من ليس من أهل صناعة الفتوى في ميدانها.


بسبب كون البرامج الدينية منافسة لغيرها، أو لقلة البرامج الدينية وكثرة المشاهدين والمتابعين فيصعب معه تغطية الاحتياجات؛ ما يكون له أسوأ الأثر على المستفتي، فمنصب المفتي توقيع عن رب العالمين (أي استنباط حكم الله في الفتيا)، قال ابن القيم: ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا، إلا لمن اتصف بالعلم والصدق; فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله; وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟


6- قضية الإيجاز في الفتوى.


بسبب: - وقت البرنامج.


- كثرة المتصلين.


- تعدد الأسئلة من المتصل نفسه، ورغبته في إجابة المفتي عن كل أسئلته.


7- اضطرار المفتي للخوض في قضايا الإثارة.


يحلو لبعض البرامج أن تستقطب أعداداً غفيرة من المتابعين على حساب الموضوع الشرعي المطروح، وقد تهمها (الإثارة) المزيفة على حساب (الإثراء) النافع؛ ومن ذلك مناقشة القضايا المثيرة؛ كقضايا تعدد الزوجات والجن والسحر.. وفتح المجال على مصراعيه للمداخلين بالرد والمناقشة والإثارة والجدل، مع عدم التفريق بين ما هو شرع لا مزايدة فيه، وبين من يطبقون هذا الشرع بأساليب خاطئة؛ ما يجعل البرنامج والفتاوى المذاعة فيه هي من قبيل تضييع الوقت والجهد وعدم الفائدة.. ومن مواطن الإثارة وجود فتاوى ذات متعلقات سياسية، أو لها حساسية اجتماعية، كقضايا التكافؤ النسبي في الزواج، أو ذات إشكالية علمية، كقضايا نقل الأعضاء، والتحكم بجنس المولود ونحو ذلك، وذلك كله يحول الفتوى من مجال تطبيق الحكم الشرعي فيها، والبحث عن حكم الله المجرد إلى جدل، وذلك يفرض نوعاً من القوة الشخصية في استطاعة المفتي على الإجابة، وأخذ طرف النقاش، وعدم تعريض النص الشرعي للإشكال.


8 - سوء القصد من المستفتي.


نحن في عصر تشكلت فيه الطوائف والأحزاب والمذهبيات بحدة بالغة:



وكل يدعي وصلاً بليلى =0=0=0=0= وليلى لا تقر لهم بذاكا


والفضائيات - اليوم - ذوبت الحواجز والجدر، والأسوار الفاصلة بين الأفكار والاعتقادات؛ فأصبح من السهل في برنامج واحد أن يسأل أناس من مذاهب شتى، وفرق متباينة، وكل منهم يجر المفتي، ويستنطقه بما يريد من حق ومن باطل، وكثير منهم لا يسألون رغبة في الصواب ومعرفة الدليل واتباعه، قال ابن القيم: (يحرم عليه إذا جاءته مسألة فيها تحيل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها، ويرشده إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده، بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً، فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ).


9 - عدم تصور المفتي للمسألة كما ينبغي.


فيجيب بالخطأ أو بجواب بعيد عن السؤال، وهذا بسبب كثرة الأسئلة، وضيق وقت البرنامج، واستعجال المقدم، واختلاف لهجات السائلين وأعرافهم..؛ ما يربك المفتي في التصور الحقيقي لسؤال المستفتي.



================================================
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط
الجزيرة
الأحد 06 شعبان 1428 العدد 12743



تعليق
بعضا من جوانب حديث الشيخ سلمان يؤكد في تقديري أهمية و حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية

د. المقريزي
07-03-08, 07:02 PM
حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية
التاريخ: Sunday, April 30
الموضوع: مقالات الخدمة الإجتماعية



بسم الله الرحمن الرحيم
مـجــمــع الـفـقــه الإســلامي
منتدى الفكر الإسلامي
حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية
الدكتـــور أبـــو بكر باقـــادر
أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
" المناقشة "
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة




بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. - ،
وهو موضوع العلاقات الدولية بين منهج الإسلام والمنهج الحضاري المعاصر،


واليوم بعد هذه الفترة التي كانت عامرة بذكر الله وبالطاعة له سبحانه وتعالى


والاستجابة لدعوته بالقيام بمناسك الحج لإخواننا المسلمين جميعاً نأتي في هذه


الجلسة إلى أخٍ كريم عزيز، وقد كان النبي r أعلمنا بأن الإنسان إذا أحبّ آخر ينبغي أن


يقول له : إنّي أحبّك، وهذا الرجل لم تكن بيني وبينه صلة إلا العلاقات التي تكوّنت في


هذه المدة الأخيرة، وهي مدعاة إلى حرماني منه والإفادة من خلقه وفضله، ولكنني


وجدت صلة أخرى كريمة أقدّرها وأحبّها وأتعلّق بها فيما بيني وبين إخواني الذين أعرفهم


هي كونه من مواليد مكة، وهذا المعنى وهو أن يكون الإنسان من مواليد مكّة له أثر في


نفسي فأنا أحبّه وأحبّ كل من ولد بمكة راجياً لي ولهم العفو من الله والقبول والهداية


في حياتنا العلمية. والأخ الكريم الأستاذ أبو بكر باقادر غنيٌ عن التعريف، ولكنّها العادة


التي تأصّلت في لقاءتنا واجتماعاتنا، فلا بدّ أن نذكر جوانب من هذه الترجمة حـتى يفيد


النّاس الذين لا يعرفون. فالدكتور أبو بكر أحمد باقادر من مواليد سنة 1950م، وهناك



جوانب متعددة لن أطيل في ذكرها أولاً: كانت دراسته الأولى والثانوية والعالية بين مكة،


وببين جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في قسم الرياضيات، ثم في الولايات المتحدة


الأمريكية حـيث حـصل على الماجستير والدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة


وسكنسون مابيسون. وأما حياته العلمية بعد ذلك فقد كان - حفظه الله - يدّرس وما زال يدّرس بجامعة الملك عبد العزيز بقسم الاجتماع، وقد تنقّل من درجة أستاذ مساعد إلى درجة أستاذ، وأمّا نشاطه العلمي وحياته الفكرية فهو عضو في العديد من الجـمعيات العلمية مثل: الجمعية السعودية لعلم الاجتماع، والجمعية العربية لعلم الاجتماع، والجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع، والجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وهو نائب المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، وزميل مدى الحياة بجامعة كامبريدج. فقد أغرقنا في هـذه الاجتماعيات وفي علم الاجتماع إلى درجة نخشى على أنفسنا ألا نستطيع متابعته، لكن على كل حال ما يأتي منه هو خير واجتماعاته هي كلّها خير. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; بعد ذلك أريد أن أشير إلى نشاطه العلمي، فهو أستاذ زائر لكثير من الجامعات الإسلامية والأمريكية، وقد كان اهتمامه مركّزاً على قضايا معيّنة تتصل باختصاصه، فمن اهتماماته: النظرية الاجتماعية التي بنى عليها كثيراً من بحوثه، ومنها المرأة والأسرة الإسلامية، وهو الذي نحتفظ بحقّنا في أن يُلقي فيها دراسة ممتعة تتصل بحياة المرأة المسلمة في هذا العصر، وأمّا الاهتمام الثالث: هو المدينة العربية المسلمة، وغير ذلك مّما يشغله من الآراء والأفكار المتعلّقة بالقضايا الاجتماعية. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وأضيف بأنّه شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات محلياً ودولياً، وله أكثر من خمسة عشر كتاباً، وعدد وفير من المقالات والبحوث التي كان ينشرها في الدوريات العلمية العربية والإنجليزية. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; بعد هذا التقديم أريد أن أشير بكلمة مختصرة جداً إلى محاضرته هذه الليلة، فالموضوع سيتناول حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية. والموضوع يتناول جوانب مختلفة: الجانب الأول كان علمياً تاريخياً لأنّه ذكر الأطوار البارزة لعلم الاجتماع والتي هي خمسة، وتحدَّث عن كل طور في الغالب بذكر أعلامه ورجاله، بإبراز اختصاصاتهم، والموضوعات الدقيقة التي تناولوها في بحوثهم. والقسم الثاني وهو فيما أعتقد متنوَّع ويحتاج إلى وقت أطول وهو ارتباط علم الاجتماع بكثير من القضايا التي كان لها أثر بالنسبة للباحثين والدّارسين عند معالجة القضايا الاجتماعية، مثلاً: الجانب الأدبي وما يتصل به من نقل أدبي وبحوث أدبية إلى آخره، فهذه أبرزت جانباً من الدراسات الاجتماعية لها اعتبارها في نظر الدّارسين والنقّاد. والأمر الثاني: هو حديثه عن العلوم الشرعية الإسلامية وعلاقتها بعلم الاجتماع، وقد ذكر من غير شك أمثلة مختلفة سواء في الفقه والأصول، وعلوم الشريعة، والفقهاء والقضاة والخطباء ومن إليهم ممّن اشتغل في هذا المجال وكان له أثر، وأنا أريد أن أؤكد بين هذه العناصر على موضوع هو الإفتاء، لأن القضايا الاجتماعية وإن كانت تظهر كنتيجة بارزة في الأحكام الشرعية التي تصدر من القاضي أو من الشريعة الإسلامية لكنّها عندما فإنما تُثار باعتبار كونها قضايا للفتوى، والفتوى هي عبارة عن احتياج النّاس إلى الإجابة عن كثير من المشاكل، وهذا الاحتياج هو الذي يُملي عليهم أو على الباحثين في علم الاجتماع أن يجدوا الصلة الدقيقة بين حال المستفتي وبين الأحكام الشرعية التي ترتبت على تلك الأحوال. الجانب الآخر الذي قد ذكرناه أو أشرنا إليه هو جانب المرأة، وكذلك المجتمعات الإنسانية في مختلف البقاع، وما يكون من علاقة بين التاريخ من جهة وبين علم الاجتماع. بعد هذه الكلمة التي أرجو أن أكون قد لّخصت فيها بغاية السرعة الجوانب المختلفة والتي لم أرد قصداً أن أتحدّث عن جزئياتها قبل أن يتحدّث أخونا الكبير العالم الناقد تركت هذا له لأنّه هو المحاضر وسيتبع المحاضرة نقاش، وأريد الآن إذا أذنتم أن أشير إلى مسألتين أخريين: <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <strong>المسألة الأولى</strong> هو أن أحد الإخوان من أعضاء هذا المنتدى وهو الدكتور: عادل قوتة أرسل إليّ بكتاب فيه اقتراحات وفيه بعض الملاحظات التي تتصل بهذا الجمع المبارك حتى يُؤتي أكله على خير وجه، وقد قمنا بالواجب فرفعنا هذه الرسالة إلى اللجنة الإدارية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي والتي تُشرف على قضية المنتدى. <br />
<strong>&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أمّا الأمر الثاني </strong>وهو رفيع الأهمية<strong> </strong>وله اعتباره في هذا الظرف الذي نحتاج فيه إلى التعاون الكامل بين الأفراد، وبين المجتماعات، وبين الهيئات العلمية، وبين الهيئات الفكرية، فهو أن أحد إخواني الكرام تّفضّل عليّ بعد الاجتماع الذي عقدناه قبل الموسم وشرّفني بالزيارة، وكان الحديث بيني وبينه حول الأنشطة التي نستقبلها، أو نريد القيام بها مستقبلاً وهو ضليع في هذا المجال وقد قضى شطراً من حياته في العناية بهذه النشاطات وهو أخونا الدكتور حامد الرفاعي - جزاه الله خيراً - وسأعطيه الكلمة بعد المحاضرة. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; والآن أعود إلى سيدي الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر ليُلقي كلمته وليمتّعنا بما ورد فيها من دقائق وتفصيلات. <br />
وشكراً لكم ؛؛؛ <br />
<br />
بداية المحاضرة <br />
للدكتور أبو بكر باقادر <strong><br />
</strong>&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; &nbsp;<br />
&nbsp;&nbsp; &nbsp;<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وبعد؛ لا أملك إلا أن أشكر فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، وأقول: إن ما في النفوس من جمال يُسقط على غيرها، وما في النفوس من كرمٍ يُسقط على غيرها، وما ذكـره من محـاسن وأنا أعـلم أنني قاصر عنها إنما هو ما فيه يُسقطه عليّ فجزاه الله خيراً. <strong><br />
</strong>&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أما ما سأتناوله هذا المساء، فهو الحديث حول علم الاجتماع، وعلم الاجتماع من العلوم الحديثة التي لها تأثير كبير في العالم الغربي، ولعلّني لا أبالغ إن قلت بأن واحداً من أهم المفاتيح التي مكّنت للغربيين هي هذه العلوم الاجتماعية التي مكّنتهم من دراسة كثير من قضايا الإنسان في العصر الحديث حتى تمكّنوا - استكمالاً لكلام الشيخ صالح الحصيَّن في مسألة العلاقات الدولية - من معرفة خصومهم ومجتمعهم فأصلحوا وسيطروا. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; والكلام الذي سأتحدثه هذا المساء سيكون بشكل خاص عن علم الاجتماع لأنه أم العلوم الاجتماعية، أمّا العلوم الاجتماعية فهي عديدة، وحقيقة ربما أكاد أقول: إن كل يوم فيه تطوّر، ولعلّه مع تراكم المعرفة قد تظهر علوم اجتماعية جديدة: منها الاقتصاد، وعلوم السياسة وكثير من فروع الإدارة، كلّها تندرج تحت علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية. وأنا سعيت في هذه المحاضرة أن استخدم بعض مفردات الفقهاء وذلك لتوضيح أوجه القرابة من حيث البنية العلمية ما بين علم الاجتماع والفقه. وأقول: بأنه كان لعلماء المسلمين وخاصة من تناولوا الفقه دراية ورغبة في تفسير التاريخ ولم يرتهنوا فقط رغم أهمية الجانب الأخلاقيّ وإنما سعوْا ليُفسَّروا لماذا النّاس تتصرف بالصورة التي تتصرف بها، وهذا كان بارزاً عند المؤرّخين، وعند من سعوا إلى الحديث عن علوم السياسة والرئاسة وترتيب الدولة، بل إنهم اخترعوا وابتدعوا علماً يُسمّى بمرايا الأمراء، يُخبر الخلفاء والسلاطين والأمراء كيف يديرون شؤون بلادهم، لكن أيضاً سعوْا إلى معرفة السنن العظمى، والسنن الكبيرة فيما يمر على الأمة من تاريخ وذلك لاهتمامهم بذلك. وابن خلدون مثال ممتاز في مقدمته على ما توّصل إليه علماء العالم الإسلامي في عصره. ولقد انتظرت الإنسانية أجيالاً حتى بدأت تظهر في المجتمعات الغربية في بداية ظهور الدولة الحديثة فكرة كيف يمكن فهم ما يجري في المجتمع؟ وابتدأت على شكل حركات اجتماعية ثورية تسعى إلى تغيير الأوضاع القائمة فيما يُعرف بالدول أو الحكومات الشمولية التي كان يقول فيها الأمير: أنا الدولة والدولة أنا. وبالذات برزت هذه الأفكار في منابت هامّة تولّدت عنها تغييرات كبيرة، ولعلّ الأرض الفرنسية على وجه الخصوص شكّلت البوادر الأولى فبدأ هناك تفكير كيف يمكننا أن نفسّر ما يمرّ به الناس في حياتهم اليومية ؟. وكان هؤلاء يُشكَّلون ما يسمّى بالفلاسفة الاجتماعيين أو الأخلاقيين الاجتماعيين عند الاسكتلنديين الذين حاولوا أن يُنظَّروا ويفسّروا التحوّلات التي كانت تمّر بها أوروبا آنذاك، وشكّلوا في كتاباتهم المقدَّمات الأساسية لظهور علم الاجتماع، حتى وإن أتى صك الكلمة على يد بعضهم ولكن فقط عند تباشير هذا العلم وبداياته الأولى. وحقيقة الذي دفع إلى أن تتبلور أفكار هؤلاء إنما كانت الحاجة الماسَّة لوجود تفاسير يمكن أن تُساعد في تغيير المجتمع خاصة وأن المجتمع الغربي آنذاك كان ينتقل وبشكل متسارع من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، مجتمع المدن الكبرى وبدايات الصناعة هذه الحاجات أدَّت إلى بروز رُوَّاد مهمّين أسسوا للفكر الاجتماعي وأسميتهم بالطبقة الأولى على طريقة تسميات علماء الفقه، ومن أبرز هؤلاء - في الطبقة الأولى - كارل ماركس، وإميل دوركايم، وماكس فيبر، ولكن يضيف إليهم كثير من المؤرّخين لعلم الاجتماع عدداً كبيراً من العلماء، لكن يبقى هؤلاء الذين في الطبقة الأولى طبقة الروّاد أنهم في واقع الأمر الذين نحتوا وتناولوا في خطاباتهم النظرية التأسيس الذي قام عليه علم الاجتماع الحديث، والذي لا يزال تأثيره إلى يوم النّاس هذا. وأول هؤلاء وعلى وجه الخصوص ماركس وله عدّة وجوه ومن أبرز الوجوه أنه كان يحاول تفسير السؤال الأساسي في العلوم الاجتماعية وبالذات في علم الاجتماع وهذا السؤال هو : لماذا ظهرت الرأسمالية في الغرب مع وجود مسببات لظهورها في ثقافات أخرى ؟ وهو لم يُعالج هذا السؤال إنما الذي عالجه فيبر كما سأوضّح بعد قليل، لكنه سعى للإجابة عن طريق هذا التغيّر.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; العمل الأساسي لماركس كان كيف يُفسَّر التحوّلات النفعية الماديّة الدّاروينية التي تدافع فيها أبناء المجتمع الحديث في ظل ما يسمّيه بأسلوب الإنتاج، - وهذه المصطلحات في غاية الدّقة.- وأوضح أن الحافز الرئيسي هو يتعلّق من حيث التحليل بثلاثة أفكار أساسية:<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <strong>الفكرة الأولى</strong> ما يسمّيها القيمة وفائض القيمة، وهي: أنه ما الذي يدفع صاحب المصنع وصاحب المال إلى الاهتمام بمحاولة زيادة مكاسبه على حساب غيره، وأن هذا أدّى إلى تغيير أسلوب الإنتاج من ناحية والذي بالتالي يؤدي إلى تحويل شبكة العلاقات الموجودة في المجتمع. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <strong>أمّا المسألة الثانية</strong> التي أهتم بها ماركس هي: كيف يمكن تفسير النقاط الأساسية في التحوّلات التي تمر بها المجتمعات الإنسانية، وكان يرى حسب ما كان يجري في عصره أن هـناك قانوناً عاماً ويسمّى الحتمية، يعني القانون الذي لا يمكن للمجتمعات أن تخرج عليه، وهو أن المجتمعات البشرية تمرّ بمراحل تلعب مسألة الإنتاج وعلاقات الإنتاج دوراً كبيراً فيها. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <strong>أمّا المسألة الثالثة</strong> والتي لا يتحدّث عنها كثير من الماركسيين وهي ماذا سيكون نصيب الإنسان فيها وكان يقول: إن أساليب الإنتاج الرأسمالية ستجعل الإنسان يتحوّل من كائن إلى شيء، ومن ثمّ سيكون أحد أهم مظاهر الحياة التي ستكون مميزة لإنسان المجتمعات الصناعية هو الاغتراب والتشيُّع. مصطلحات مهمّة ذكرها، وتعتبر أطروحات ماركس وصفاً علمياً دقيقاً لما جرى من تحوّلات في المجتمعات الغربية. بطبيعة الحال ليس هذا هو الوجه الوحيد لماركس، فله وجوه أخرى، وهذه الوجوه أُخِذَ بها وكانت جميع تنبؤاته بها خطأ وحتّى حينما قامت دولة على فكره آلت إلى الفشل، لكن أفكاره على لا تزال تملك حيوية ولا تزال تُشكّل موضوع بحث ودراسة بالذات في تفكيره كيف سيتحوَّل الإنسان إلى إنسان قلق،ويكون للسلعة صنمية وتصبح الإله الذي يلهث الإنسان من أجلها بعد أن تحوّل من ذاته إلى شيء، وهذا نظر نعرف اليوم معناه وقدره. وأيضاً قدرته على التحليل والربط ما بين أساليب الإنتاج وكيف حصلت خاصة في أفكاره عن التراكم والتحوّل من المصانع البسيطة إلى حياة المجتمعات الصناعية وتولُّد هذه القوى والسُّلط في داخل المجتمعات. <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; نفس السؤال كان أيضاً محورياً بالنسبة لعالم يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع إسمه إميل دوركايم. طبعاً ماركس من أسرة يهودية تنصّرت، ودوركايم من أسرة يهودية حاخامية، ولهذا كان تأكيده وتركيزه على الأخلاق. دور كايم كان مع مجموعة من الدارسين يتحسّرون وفي نفس الوقت يأملون، يتحسّرون على تفتت المجتمع التقليدي بقيمه وبحميميته وبشبكات العلاقات الموجودة فيه، ولكنّهم يأملون في أن يكون المجتمع الصناعي بما ولّد من ثروات ومكّن من أساليب أن يفتَح للإنسان عصراً جديداً، ودوركايم قد التقط هذه الفكرة بشكل أساسي من باحث ألماني اسمه فيردنارد تونيس الذي تحدَّث عما نعرفه في العلوم الاجتماعية بالتحوّل من المجتمعات البسيطة ذات اللّحمة المتداخلة إلى المجتمعات التي تقوم فيها العلاقات على أساس التكامل وليس التماثل، المجتمعات التقليدية يتماثل الناس فيها، فكلّهم لا يحتاج بعضهم إلى بعض لأنّهم كلّهم يفعلون نفس الأشياء لأن الحياة كانت بسيطة لكن بسبب تقسيم العمل، ولهذا دوركايم وأمثاله عندما فكّروا في أن عملية التحوّل ليس لها علاقة بتاريخ المجتمع ولا بتقاليده، وإنّما بأنواع التحوّلات الهيكلية التي تقع فيه. - وأستطيع أن أقول: لطالب العلم اليوم إن كثيراً من الأفكار التي تصدق على المدينة الصغيرة، أو على القرية لا يمكنها أن تصدق على المدينة المليونية، وهذا ما تنبأ به أصحاب تقسيم العمل والذين تحدَّثوا بان المجتمع التقليدي يتميّز بما يسمّى بالعصبية الآلية، يعني الناس تشبه بعضها البعض، وهذا يُعزّز إكرامهم لبعضهم على أساس الحميمية، أو على أساس الود، وفصّل دوركايم هذا في كتاب كبير،- لكن يتحوّل الإنسان في المجتمع الحديث إلى ما يسمّى بالعصبية العضوية حيث الكل يحتاج رغم الغفلية إلى الكل يعني رغم أنّك لا تعرفه، أحياناً بعضنا يتعامل مع بائع ما وربما لأربعين سنة، وهو لا يعرف اسمه، والسبب أنك تحتاج إلى تقسيم عمل وتخصص، والناس تُكّمل بعضها بعضاً، لا أحد يستطيع أن يُفكّر في العصر الحديث وبالذات في المدن الكبيرة أنه يستغني عن غيره، هذا ولّد في نظر دوركايم قِيَما وتصورات ورؤى، ولعلّ من أبرزها أنّ لا تجانس في المجتمع ثقافياً، عقدياً، فكرياً، يحتاج إلى قواعد أخرى مختلفة. وكان المفكَّر في وجود أخلاق جامعة للمجتمعات الصناعية الحديثة.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أيضاً إميل دوركايم لأنه هو الذي أسس لعلم الاجتماع أكاديمياً كان يُفكّر كيف تدرس الظواهر الاجتماعية، والظواهر الاجتماعية لها سمة مثل سمة الظواهر الطبيعية، لها وجود في حدّ ذاتها، ولها كيان في ذاتها Socio genares، وسعى في كتابه (قواعد المنهج) أن يشتق القواعد الأساسية التي يمكن أن تساعد المشتغل بالعلوم الاجتماعية، بأن يدرس تلك الظواهر بوصفها ظواهر، وأنّه يتقدّم تطوير هذا العلم حتى يصبح مثل العلوم الطبيعية قادراً على التركيز على مجموعة من المتغيَّرات أو مجموعة من الرّكائز الأساسية التي في ضوء تناولها يمكن تفسيرها عن طريق معادلات رياضية أو معادلات جبرية أو حتى قواعد عامّة، ولقد سعى إلى ذلك أيضاً، ولأنه حاول أن يكون المؤسّـس الأكاديمي، سعى أن يفصل علم الاجتماع عن غيره من العلوم، وبالذات علم النفس، لأن كثيراً من الذين جادلوه كانوا يقولون المجتمع ما هو إلا عبارة عن مجموعة من الأفراد، ولهذا إذا درسنا الفرد وفهمناه فإننا بذلك لا نحتاج إلى علم اجتماع، فدرس ظاهرة شخصية جداً ليثبت أن الطريقة التي تُدرس بها المجتمعات إزاء تلك الظواهر الفردية تختلف عن دراسة المشاكل الفردية، وكتابه المشهور (الانتحار) درس فيه كيف يمكن تفسير ظاهرة الانتحار من مستوى اجتماعي.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; ولدوركايم محمدة أخرى وهي: أنه درس فكرة كانت تروج في الأوساط العلمية الغربية عن غيرها ألا وهي نُكرانها للدين وإذا قُبِل فإن دين الشعب أو الأمة المنتصرة - العرق المنتصر الغربي - هو الدين الكامل، وأما غيره فإنه يُرفع إلى ما يسمّى بالعقل الخرافي أو العقل البدائي، ولقد ردّ ردّاً بليغاً طويلاً موضّحاً أن هذه الفكرة ليست صحيحة، وأن الدّين هو الرّحم الذي خرج منه العلم وخرجت منه الفلسفة. وأوضح أنّنا إذا درسنا الأشكال الدينية الأولية رغم نقص المعلومات يتضح أن للمجتمع ضميراً - وليس كما يُقال في الترجمة العربية عقلاً - يُوجّهه، وهذا الضمير قادر على التكيُّف والتأقلم مع ما يجدُّ من أحداث، وهذا الضمير هو الذي يقوم على الرموز الجامعية الموجّهة نحو المقدّس، بل إنّه هو أوّل من أبرز فكرة التناظر بين المقدّس، والمدنّس، أو الدنيوي. إميل دوركايم كان يميل إلى وجـود لحـمة بين أفراد المجتمع، كان أكثر المتحدّثين عن ما يسمّى بـ Ener grasuim، يعني كيف يتحد المجتمع؟ وحتى المدرسة التي خرجت من رحم فكره كانت تتجه كيف يحدث توازناً في المجتمع ؟.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أمّا الرائد الثالث من طبقة الروّاد فهو ماكس فيبر، وهو أعجوبة أعاجيب علم الاجتماع حيث إنّه أكثرهم إنتاجاً وأكثرهم تصوّراً وأكثرهم راهنية، وهو الذي يؤثر في معظم ما يجري في الأيام خطأً أو صواباً. ولد من أسرة بروتستانتينية من أم متديّنة قلقة، وكان شغوفاً بالمعرفة، وكان يتبوأ كرسي الدراسات القانونية فتأهيله قانوني ومُؤرَّخ للقانون في هايدن بيرج أكثر جامعات ألمانيا. وهو الذي طرح أهم سؤال في العلوم الاجتماعية، وهو في واقع الأمر سؤالان: <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; السؤال الأول هو: هل الدين يُضعف الإمبراطوريات؟ وهذا ردٌ على دراسة جبسون التي تُوضّح بأن الإمبراطورية الرومانية كانت في علاها وحينما تمسَّحت - أي تنصَّرت - انهدمت. طبعاً كان في مقابله السؤال، لماذا حدث العكس في الإسلام؟ وهذا سؤال لا يزال يحتاج لمنظَّرين ودارسين.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أما السؤال الثاني المحوري وهو الذي لا يزال إشكالياً حتّى في الطبقة الخامسة من طبقات علماء الاجتماع هو: لماذا ظهرت الرأسمالية في الغرب، وفي الغرب تحديداً؟ بل إنّ ما أراد فيبر أن يؤكّده أن كارل ماركس كان على خطأ في تحليله لسبب نشأة وظهور الرأسمالية إذ أنه عزاها إلى ما يسمّى بالظروف المادية المشكَّلة للتحوّلات الاجتماعية، وماكس فيبر كان يرى على عكس ذلك أن الذي أدّى إلى ظهور الرأسمالية هي القيم الدينية التي ترعرعت بين المتطهرين المتشددين من البروتستانت، على وجه الخصوص.. وله في ذلك رسالة سال على إثرها أنهار من الحبر رغم أنها في حوالي مائة وخمسين صفحة، وقد ترجمتها إلى العربية. أوضح فيها أنَّه في ألمانيا إذا ما قارنّا بين البروتستانت والكاثوليك فإننا نجد بسبب التوجّهات الدينية فرقاً وبوناً شاسعاً في العملية. وفي الجدّ بين البروتستانت والكاثوليك.<br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أنا أتوقف عند فيبر لأنّه هو الذي نظَّر لكافة أنواع البروقراطيات، هو الذي فسَّر ما يسمَّى بالفعل الاجتماعي، هو المفكّر الكبير الذي قام بسياحة في علم الاجتماع الديني : <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وكان يرى<strong> </strong>أن سبب ظهور الرأسمالية يعود إلى البروتستانت، فقام بدراسة معمّقة لأديان الهند وأديان الصين وأديان اليهود القديمة ولم يتمكن من إنجاز عمله عن المسلمين وكانت دراسته تقصر على الدولة العثمانية، ليوضَّح بأن هناك خللاً داخلياً لهذه الأديان حال دون إمكانية نشوء رأسمالية. طبعاً لا تظنوا أن ماكس فيبر أيضاً كان معجباً بالرأسمالية، هو معجب بالعقلانية ومعجب بما ستنجبه من خيرات للإنسانية ولكن هو أول من نبَّأ إلى ما أسماه بالدخول في القفص الحديدي، بمعنى أن الإنسان سيخلق أنظمة ومؤسسات ومفاهيم هي التي ستكون آسرة له وموجَّهة لحياته إلى تعاسة بدل الحسن.&nbsp; <br />
&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; <u>هؤلاء هم الذين شكّلوا </u>طبقات الروّاد الأولى، طبعاً هناك من يقول ممكن أن نضيف إليهم باريتو، ومارشال، ولكن هؤلاء كانوا يشتغلون إمّا في مسائل تراكم الأفكار ، وكيف تُدار السياسة بالذات في دورانها كباريتو وهو شبه ابن حلدون في هذا، أو مارشال الذي تكلّم عن المؤسسات الاقتصادية وقضية التفريق بين القرارات العقلانية وغير العقلانية. بعد هذه الطبقة أتت طبقة ثانية، - طبعاً نحن في علم الاجتماع لا نسميها طبقات ولكن فقط - أثابكم الله - للتواصل معكم جعلناها طبقات - الطبقة الثانية في واقع الأمر بدء وتأسيس الأقسام العلمية لعلم الاجتماع، ولعل قسم شيكاغو الذي كان يشرف عليه روبر بارت كان يُشكَّل الانطلاقة المهمّة في تحويل المدينة رمز العصر الحديث إلى مختبر الدراسات الاجتماعية، وفي هذا بدأت تظهر نظريات تحوُّلات المدن، العلاقات الاجتماعية، مؤسسات المجتمع المدني، الانحراف، التسكّع، الجريمة، الأسرة، وما إلى ذلك. وفي هذه الطبقة بدأت تتأسس عملية انتشار أقسام علم الاجتماع في طول البلاد وعرضها، ونتج في هذا السياق أبرز المخططين للطبقة الثالثة إذ بدأت تنتقل كما انتقل الفقه في تاريخ المؤسسات الفقهية من فقه الأقاليم إلى فقه المؤسسين والشيوخ أو المدارس المذهبية، وأنا أسمَّي هذه بالمذاهب الاجتماعية، أو المدارس الاجتماعية، لأنها منذ بدأت تظهر على السطح لا تعتني بدراسة فرد من الروّاد وإنما محاولة لخلق مدارس فكرية لعل ّ من أبرزها المدرسة الوظيفية، المدرسة الرمزية، المدرسة التفاعلية الرمزية، مدرسة الصراع، وتحت هذه المدارس مدراس عديدة، ثم لاحقاً أصبحت المدرسة الفنامولوجية ومدراس أخرى، والتحم مع هذه الطبقة الثالثة التي أسست المذاهب النظرية الاجتماعية. نقد هذه المدارس، ومن ثمّ الحيوية التي جعلت هذه المدارس يتشكّل خلفها ويتحزّب أعداد كبيرة من علماء الاجتماع، ولعلّ من أبرز الأشياء في المدارس أن لها افتراضاتها ومفاهيمها.<br />
طبعاً وصلت كثير من هذه المذاهب إلى مرحلة النضج بل كما يقول أساتذة العلوم الإسلامية طُبخت حتى احترقت، ومن رحمها بدأت تنتج طبقة الدراسات الجديدة التي تؤكّد على أن المدارس بسبب أيديولوجياتها ومفاهيمها وبسبب توجّهاتها أصبحت لا تجيب إلاّ على أنواع معيّنة من الأسئلة بل واصطدمت مع إمكانية أن تُفسِّر ما يقع خارج حدود الحضارة الغربية، وابتدأت الأسئلة تتكاثر حول قضايا تتعلق بالتعددية الثقافية وبالذات فيما يُعرف بما بعد الحداثة، الخطاب ما بعد الكولينالي والدراسات التي تتكلم عن التعّددية بشكل عام، وأيضاً مرتبط بهذا الحركات الاجتماعية المُطالبة بالحقوق بالذات مثلاً: الجماعات المهمّشة أو الهجينة أو غير الممكَّن لها مثل المعاقين والنساء وأصحاب الأفكار التي لا تكون مناسبة في المجتمعات الصناعية أو في المجتمعات بشكل عام، بدأت تظهر في هذه الطائفة.<br />
ثم أتت مرحلة ما نُسمّيها بالطبقة الأخيرة الرّاهنة وهي التي تُؤكّد على مسألة صراع الحضارات والعولمة وقضايا العالم الرَّاهن، ولا يأخذكم فقط الخيال إلى فوكوياما وهنتغتون ذلك أن هناك كتّاباً هم الذين يقومون بالدراسات الميدانية وهذا مهم في ميزان الأفكار والمفاهيم وارضنتها من سماء النظرية إلى واقع التطبيقات. وفي هذا الخصوص أودّ أن أشير إلى عالم اشتهر لدينا بأنّه من مدرسة الافنولوجيا - بيتر بيرغر - الذي أصدر دراسة تُوضح أن العولمة عند التطبيق تصبح عولمات كثيرة ذلك أن تفاعل المجتمعات مع هذه الظواهر العالمية متعدّد ومختلف، لكن أيضاً بدأت العلوم الاجتماعية تنتقل من الوحدات الاجتماعية الصغيرة إلى الوحدات الاجتماعية الكبيرة وهي الدول، ولهذا أصبحت مسألة العلاقات الدولية تُشكِّل مدخلاً هاماً جداً في الدراسات الاجتماعية. هذا ما يتعلق بالطبقات.<br />
ذكرت لكم أن علم الاجتماع علم يُعدّ من أمّها العلوم في الحضارة الغربية الحديثة، ودعوني أقول: إن هذا العلم أيضاً يتمثل كما يتمثّل الفقه، مع اختلاف النوع، لأن له علم أصول وعلم فروع. أما علم الأصول فهو يتمثّل فيما يُسمَّى بالنظرية الاجتماعية، وهذه تنقسم - باختصار للوقت - إلى ما يُسمّى بفلسفة العلوم الاجتماعية وهي مُثار جدل وتفكير بين المشتغلين في العلوم الاجتماعية بشكل كبير وبين التنظير الاجتماعي، وكان التنظير الاجتماعي محصوراً في المذاهب النظرية لكن اليوم تعدَّاها وخرج، وبطبيعة الحال هو بين مدٍّ وجذر، ذلك بسبب الافتراضات التي ينطلق منها إذ كانت الافتراضات الأساسية بسيطة تقوم على المحسوس والمجرّب، مدنياً لكن اليوم اتسعت المسألة، ومن أبرز مدارسها ما يتعلّق بالتأويل وفلسفة التأويل في العلوم الاجتماعية، بل حتّى المدرسة الوضعية هي أخذت أنواعاً أخرى جديدة من الوضعية الجديدة.<br />
أيضاً من علوم الأصول في العلوم الاجتماعية ما يسمّى بمناهج البحث والوصول إلى مظان الإشكالات وتفسيرها، وهذا ينقسم إلى قسمين: مناهج كمية وهذه تتداخل كثيراً مع النظرية لكن لها وسائلها التي من خلالها تَرْقُب وتدرس الواقع الاجتماعي، وأيضاً لها أساليب البحث العلمي (الكميّة)، وهذه قد طوِّرت فيها وسائل كثيرة وعلى وجه الخصوص فكرة الرؤية وهي موضوع في فلسفة العلوم بشكل عام ذلك أن الناس لا ترى ما ترى إلا ملوّنين بما تعلّموه، كمن ينظر إلى السماء إن كان فلكياً رأي شيئا وإن لم يكن فلكياً فإنّه يرى نوراً وكُرات معلّقة في الهواء.<br />
إذن لا بدّ من التدريب ولهذا يُدرّب المشتغل في العلوم الاجتماعية سواء في العلوم الاجتماعية الكميّة أو الكيفية على وسائل عديدة لعلّ من أكثرها انتشاراً الوسائل الإحصائية التي تستخدم الوسائل الرياضية في محاولة للوصف والحصول على النتائج من كمٍّ كبير من المعلومات وتُستَخْدَمُ في ذلك برامج رياضية كثيرة تدرس ما يجري في مجتمع، وما يجري في مجتمع أغلبه ملفوظ وبعضه سلوك بحيث يمكنهم أن يقاربوا العلوم الطبيعية، وما وسائل التنبؤ بالرأي العام إلاّ من تلك النتائج. معظم التسويق قام على أساس المسوح الاجتماعية أي ما الذي يُريده الناس وما الذي يتذوقونه نفعله.<br />
أما علم الفروع فنقصد به المباحث المختلفة التي يشتغل بها علماء الاجتماع وهي كثيرة وعديدة تبدأ من علم الاجتماع الحضري، والاجتماع الصناعي، واليدوي، وعلم اجتماع اللغة، وعلم اجتماع المعرفة، وأنواع من الخدمات الاجتماعية، وهذه متعدّدة بل يبالغ أحياناً المشتغلون في علم الاجتماع بحيث يُركِّزون على قضية أو مبحث فيجعلونه محور الدراسة، فعندنا علم اجتماع السيّارة، أو علم اجتماع التلفزيون، بمعني أن هذه الظاهرة تُدرس من جوانب مختلفة ولكن بالأسلوب الذي اختصّ به علماء الاجتماع. ومن أبرز دراساتهم التي أثّرت في الحياة الحديثة الدراسات التي تتعلق بعلم اجتماع التنمية، وكان لهم للأسف أخطاء كبيرة في السبعينات والثمانينات وخاصة فيما يسمّى بعمليات التحديث التي تأذّت منها الأمم وتأثرت كثيراً بنياتها الاجتماعية والقيمية والأخلاقية.<br />
أيضاً من علوم الفروع عندهم علم اجتماع الجريمة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمسألة الانحراف، وهنا سأنبِّه إلى مسألة غاية في الحساسية وهي مطروحة في العلوم الاجتماعية بشكل واضح وبارز. النّاس يتكلمون عن علم الاجتماع بوصفه علماً لا يُقرّ واقعاً وإنما يُحلّل ويدرس ذلك الواقع فيركّزون على أن هذا ما يسمى بعلم الاجتماع، أما socioljism بمعنى أن ما يقع من الناس ويعيشونه يصبح هو المثال فهو خارج دائرة علم الاجتماع ويسمى المتحدّثون فيه بفلاسفة المجتمع.<br />
بطبيعة الحال يّفرَّق علماء الاجتماع من حيث علم الأصول الآن يعني نظرياً بين ما يسمّى بنموذج العلوم الطبيعية، ونموذج العلوم الأخلاقية أو علوم الروح، فيقولون بحسب المدرسة الألمانية إن الخيال الذي كان يوجّه الخيال الأمنية أننا نصل إلى القوانين المنظِّمة للمجتمع والتي نستطيع أن نتنبأ بما سيكون عليه المجتمع، هذا حلم ربما فلسفياً لن يتحقق في الواقع إنما الأقرب إلى المعقول هو ما يسمّى بالنموذج المثالي أو الجاد الموضوعي الذي طوّره الألمان، والذي يدور حول فكرة أن العلوم الاجتماعية غايتها تفسير وفهم ما هو قائم بشكل محايد وموضوعي، وهذا كان من أفكار فيبر التي أخذت أصداء كبيرة في يوم الناس هذا. قد يسأل بعضكم ما علاقة هذا بطالب العلم الشرعي؟ وأودّ أن أجيب على هذا مختصراً مهرولاً في ثلاث إجابات سريعة.<br />
<u>الأولى:</u> أن علماء الاجتماع يزعمون بأنّهم أقدر بسبب ما توفّر لهم من آليات بقصد وفهم وتحليل الواقع. ومن ثمَّ كيف يمكن للفقيه في العصر الحديث أن يرتهن لاجتهاد عالم كان واقعه مختلفاً لفهمه وإنزاله النص الشرعي الذي نؤمن بأنّه صالح لكل زمان ومكان؟.<br />
ومن ثمّ فإنه إن توفّر عالم مُلِمٌ بآليات ومفاهيم العلوم الاجتماعية سيكون أقدر إن توفّر له العلم الشرعي على الأقل تخصصاً أي بمعنى أن يكون مختصاً في علم اجتماع الأسرة مثلا، ويعرف ما ورد من فتاوى وآيات وأحكام فيها لا شك أنّه سيكون أقدر، ولقد مارس هذا أجدادنا فكانوا في مسائل البناء ومسائل العمران يستشيرون من هم أهل هذه الصنعة ولكنّهم على دراية بالعلوم الشرعية.<br />
<u>أما المسألة الثانية:</u> فهي أن العلوم الاجتماعية بما لها من آليات أصبحت قادرة كثيراً على دراسة ما يجري بين أوساط العلماء، أو الدّارسين للعلوم الشرعية، وذلك لأسباب كثيرة. جزء منها لأنّها تُشكّل شرائح اجتماعية.<br />
فمثلاً الفقيه نفسه أصبح موضوعاً للدراسات الاجتماعية، وإن لم تتوفر مادة مباشرة تتوفر كُتب تراجم وسأبدأ بكتب التراجم. في تونس (جرين) درس علماء تونس قبيل الاستعمار الفرنسي وأوضح كيف أن المفاهيم والآليات والأدوات التي يبرع فيها المختصون في العلوم الاجتماعية تمكِّن من دراسة تشكُّل الفقهاء، وكيف يمكننا أن نُفسِّر تأثيرهم، بل اختص للأسف الشديد علماء من إسرائيل يدرسون تأثير علماء الشريعة والفقهاء في حركات الاستقلال وفتاواهِم وآراءهم من خلال كُتب التراجم. أما في العصر الحديث فالأمر تطوّر عن ذلك كثيراً إذ أصبح الدّارس الاجتماعي يقضي أو يفني سنوات حياته ليدرس شيخاً بعينه، ولدينا دراسات انثروبولوجية وأضرب مثالاً &ndash; ريتشارد<br />
انطون - في كفر الماء في الأردن، - ولقد زرت المكان، وزرت المسجد الذي كان يدرس فيه، - تمكّن من دراسة خطيب جامع وكيف أن حياة الشيخ وخلفيته وخطبه وصلتها بالواقع تُشكِّل منبراً اجتماعياً سياسياً بقدر ما تُشكل أمراً تعبدياً، وتبعه أحد تلاميذه ليدرس أربعة أنواع أو أربعة أطياف من مشائخ خُطباء الجمعة في مدينة طنطا ويصنّفهم بالشيخ الصوفي، والشيخ الثوري، أو الشعبي، وكل ما يعيشه الشيخ فهو موضع دراسة بل إن أحدهم بقي في مدينة - أزمور - في المغرب ليدرس فقيهاً بربرياً، وكيف يتشكّل القاضي، الشيخ، خطيب الجمعة، وعلاقة الناس به. وتوضّح لنا أمثال هذه الدراسات الميدانية كيف بإمكانهم أن يفهموا ما يجري في العالم الإسلامي، حتى تخطّى الأمر إلى أن تقع دراسات عن المجتمع العربي السعودي، وهناك دراسة مشهورة فيما يسمَّى باقتصاديات الرّمز قام بها بروفيسور بجامعة جورج تاون عن خطابات الحركة الإسلامية التي كان يقول بها المسعري، وسفر الحوالي، وجميع المشائخ الموجودين، وتُحلّل على أساس أنها تُمثِّل فكراً سياسياً اجتماعياً اقتصادياً يُوجِّه ويُحرّك ويتأثر ويُؤثر في المجتمع.<br />
إذن هذا محمل واحد يوضّح كيف أن العلوم الاجتماعية والإطلاع عليها للطالب الشرعي تُنبئه وتفيده ليعرف ما يجري حوله، وأنكي ما يمكن أن يحدث للأمة أن يعرف الناس عنها أو يُسطّرون عنها وهي عن ذلك جاهلة.<br />
<u>الأمر الثاني:</u> هو في واقع الأمر ظهور دراسات جديدة في غاية الأهمية، وهي التي تتعلّق بدراسة المؤسسات الدينية الرئيسية، وعلى وجه الخصوص مثلاً من الذي يُعرِّف الدين للمجتمع؟ ولعلّ من أهمها المجامع الفقهية ودُور الإفتاء فهي تُشكِّل مؤسسات مهمّة لتعريف الدين للدولة الحديثة، ولقد اطلعت على مجموعة من الدراسات التي تعتمد النهج العلمي الاجتماعي التي درست مثلاً كيف باختلاف الفترة السياسية والنظام السياسي كان يُعرّف الإسلام في مصر من خلال دراسة من تعاقبوا على الإفتاء. أيضاً من الدراسات الاجتماعية الهامّة التي تناولت ما يقع في مؤسسات بالتنظير لها من خلال المراقبة والمشاهدة، أو دراسة ما نتج عنها درس أحدهم في اليمن ما نُسمِّيه بـ (مملكة الخط) لأن معظم دور القضاء تكتب صكوكاً، ليوضِّح بأن هذه العملية لها جوانب تتعلق بالثقافة وبطرائق النّاس رغم أنها تتحدّث عن المقدّس المُوحَى به، ومن ثمّ التعمّق فيها ودراستها على الأقل لهؤلاء الدّارسين يُجلي أبعاداً، وأحدهم ذهب إلى محاكم سلا والرّواط ودرس ما أسماه بـ (انثروبولوجيا...) ليستنتج بأن في آليات القضاء الإسلامي جوانب ثقافية لعلّها هي التي تُبرِّر كيف كان الناس يرضون عن هذه الأحكام ويتفاعلون معها. هذا من جانب. الجانب الآخر وهو جانب مهم أن هناك دراسات عديدة لا يحتمل الوقت لبثها ولكنِّي سآتي على نماذج منها: وهي أن دراسة هذه المؤسسات كما تُعبِّر عنها وثائقها ومن يقومون في الغالب بهذا الرصد لعلّهم يُريدون أن يوضحوا أموراً هذه الأمور تتضح لغير ما أرادوه، فهناك مثلاً باحث اجتماعي مؤرخ اسمه (حاييم)، بناءً على ما ذكره الرّحالة من ملاحظات على المجتمعات الإسلامية بأن هذه المجتمعات فاسدة تكثر فيها الرشوة والمجاملات وخلافه، - ونتحدَّث نحن عن حقبة في القرن السابع عشر والثامن عشر، - فجاء على الوثائق المتوفِّرة - وهذا مما يُحمد للدولة العثمانية أنّها حافظت على هذه الوثائق، - وكان مثار السؤال: كيف كانت نتائج أحكام المحاكم في حيفا؟ وبحسب التنظير أو بحسب المقولات الواصفة تاريخياً كان ينبغي أن تكون كل الأحكام لصالح الأغنياء، ولصالح أصحاب الشأن لكن ما يسطّره هذا اليهودي أنّه وجد خلاف ذلك تماماً فمعظم الأحكام كانت في جانب الأقليات والضعفاء والنساء، وُوجد في دراسة مُطوَّلة أن المحاكم الشرعية في القرن التاسع عشر في عواصم الدولة العثمانية الكبيرة كانت ترتادها أعداد كبيرة من أهل الكتاب من النصارى واليهود، وبطبيعة الحال سالت كميات كبيرة من الحبر للتأكيد هل هذه كانت حقيقة.<br />
وبالنسبة للأوضاع الأخرى التي تدرسها العلوم الاجتماعية عنّا أنهم يدرسون كثيراً نشأة المدن وتطوّرها، ومن أحدث الدراسات التي وقفت عليها من الناحية الاجتماعية مسألة نمو المدن وارتباطها بالأوقاف، وهناك دراسة واسعة عن الأوقاف، وازدهار الفتوى وأثره في توسيع ونمو المدن في دمشق، ودراسة عن أوقاف الحرمين الشريفين في الجزائر، وكيف أن هذه الأوقاف كانت تُصرف على طرائق وأساليب ما نعرفه اليوم من وسائل للمساعدة والعون في شكل تأمينات وضمانات اجتماعية.<br />
إذن هذه العلوم الاجتماعية التي يتعلّم بها أعداؤنا أو من نرى أنهم لا يودّون لنا خيراً كشفت لهم جوانب عديدة أولاً عن مكانتنا وقوّتنا وعن فعالية وفاعلية مؤسساتنا. أسأل أثابكم الله: أَلاَ يحتاج طالب العلم الشرعي أن يتعرّف على هذه الجوانب بدلاً من أن تكون معروفة لكل من حوله وهو بها جاهل؟<br />
وأختم بالدعاء لكم لحسن استماعكم وصبركم على إنسان يتحّدث عن العلوم الاجتماعية في وسط درج على أن يسمع غير ذلك. وشكراً لكم.<br />
<br />
المناقشات والحوار<br />
<br />
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي<br />
أ. د. الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة:<br />
شكراً لكم. عَقِبَ هذا الحديث العلمي الممتع، ينبغي أن أذكر بأن هناك فرقاً كبيراً بين ما ورد في النسخة التي وزِّعت علينا وبين الكلام الذي قاله، وهذا ما يُظهِر دور الأستاذ، فالأستاذ في الجامعة لا يتقيَّد بما في الورقة، أو بما في الكتاب بل يُضيف إلى ذلك أشياء كثيرة لتنير الناس، وتبيّن لهم الحقائق العلمية التي قد لا يتوّصلون إليها بمفردهم، وأُريد بجانب هذا أن أشير إلى أن الموضوع جديد في ذاته، لكنّه يحتاج إلى زيادة، يحتاج إلى بحث جوانب مختلفة أخرى تجعلنا نطمع في أن نستمع إلى الدكتور باقادر مرّة ثانية لتناول هذه الموضوعات.<br />
وأريد أن أؤكد على جوانب لعلّها تكون من باب التوجيه إن صحّ التعبير. نحن عندما نقول بأن الغرب كتب كثيراً عن الأوضاع الاجتماعية في العالم الإسلامي وربطها بالأحكام أو بالمسائل الشرعية التي دارت بين النّاس، ونأخذ بالخصوص البلاد العثمانية وما صور فيها من كتب أو دراسات أقول: بأن كل طائفة من النّاس تُدافع عن نفسها إلا العرب والمسلمون، لأن الغرب قد نشر الكتب ونشر الدراسات التي هو مكلّف بها من طرف الساسة الغربيين بخلاف المسلمين، فإنّه لا يعرف أحد من النّاس دورهم الكبير وأعمالهم الكثيرة في هذه المجالات، ولو أنّ بعض طلابنا في الجامعات يُوجَّه إلى هذه النقاط لاستطاع أن يستدرك على الغربيين أشياء كثيرة لا يعرفونها ولكنّها موجودة في كُتب الفتاوى وفي كُتب الطبقات - أي طبقات الرجال - وفي تفاريع العلم وأقسامه بحيث يمكن أن نستدرك أشياء كثيرة من شأنها أن تجعل النظرة أكمل وأشمل مما لو توقفنا عند ما قاله الغربيون في دراساتهم.<br />
وعلى كل حال لا أريد أن أضيف إلى هذا شيئاً لأنّي لا أريد التعليق ولكنّي أريد أن أشكر لسعادة الدكتور جهده الكبير، وأقول: بأنه رغم سنِّنا وعدم جواز حضورنا في جلسات علمية مجمعية أو جامعية قد نقلنا من هذه الغرفة ومن هذه القاعة الشريفة إلى حيث نستمع إلى محاضرة جامعية فقد أفدنا منها فوائد كثيرة ونرجو أن يتبعها مثلها من الدراسات العميقة في مختلف الفنون.<br />
عندي الآن بطاقات لإخوة رغبوا في الكلام، أنا لا أقول خمس دقائق أو ثلاث دقائق ولكن أقول: أرجو من الإخوان أن يقتصروا على ما به الفائدة، وإذا تحدَّث بعد طائفة من المتكلمين من يريد الكلام ووجد أنّه قد سُبق إلى الغرض الذي يبحث فيه فليترك لأن فيه كفاية ما نسمعه من المتكلّم الأول والثاني والثالث. وبحسب الترتيب الذي وُجد فإن الكلمة لمعالي الشيخ عبد الله بن بيّه، فليتفضل.<br />
<br />
الشيخ عبد الله بن بيّه:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.<br />
في الحقيقة هذه المحاضرة هي محاضرة متخصصة كما قال أخونا الدكتور باقادر وفي وسطٍ قد لا يكون متخصصاً كثيراً في هذا المجال، ولهذا فإن اللقاء بين بحر الفقه وبحر الاجتماع قد لا يكون سهلاً. ومع ذلك فلي بعض الملاحظات:<br />
من الطيّب أن يكون شخص ولد من أسرة إسلامية بالإضافة إلى ذلك الذي ولد من أسرة يهودية والآخر الذي وُلد من أسرة بروتستانية عالم اجتماع أيضاً، فهذا شيء طيّب ويبشّر بخير.<br />
الشيء الثاني هو أن كثيراً من الأفكار التي بني عليها ماركس فلسفته ظهرت كاذبة وبخاصة الحتمية التاريخية، حتمية فناء الدولة أو انعدام الدولة لتحكم البلورتاريا، أو هذه النظرية التي قامت عليها الشيوعية ظهرت كاذبة في النهاية.<br />
الشيء الآخر هو مسألة وصف الإنسان بأنه حيوان اقتصادي، وتفسير كل الظواهر بما فيها الظاهرة الدينية عن طريق هذا الفهم للإنسان أيضاً أعتقد أنه فهم خاطئ، وفي النهاية لا يمكن أن يكون مثالاً للفيلسوف النّاجح، لأنّا نعتبر أن البُنى التحتية أو وسائل الإنتاج ليست هي التي تكوِّن الفكر وليست هي التي تكوِّن الحضارات، هي عنصر مهم جداً ولكن الحضارات قد تكوّنها القِيَم، ويكونها الإيمان، ويكوِّنها الوحي الذي هو ظاهرة خارجية وليست ظاهرة داخلية من المجتمع كما يراه ماركس ويراه الاجتماعيون بأنّه ظاهرة من تطوّر العلاقات الاجتماعية ويرون البُنى التحتية هي التي تؤثِّر، ووسائل الإنتاج هي التي تُفرز الدين وهذا خطأ كبير جداً، وكثير من الاجتماعيين يُعالجون قضية الدين والتديّن من هذه الزاوية، ويجب أن نَحْذَرَ من هذا.<br />
أما فيما يتعلق بالدور الذي تقوم به المدارس الاجتماعية ودعوى فيبر بأن الإسلام فيه خلل وأن الحضارات الأخرى أو الديانات الأخرى غير البروتستانية فيها خلل، هذه أيضاً دعوى لا ينبغي أن نذكرها هكذا دون أن نُعرِّج عليها، وأن نُظهر عوجها، وأنها دعوى ليست صحيحة.<br />
الاجتماعيون أيضاً عندما نتحدّث أنّهم يُقدِّمون بعض الدراسات. أنا شخصياً زرت بعض المراكز كمركز جورج كوب وهو مركز كبير في ولاية كاليفورنيا في جامعة ستان فورد، ويُسدي النُّصح طبعاً للحكومة الأمريكية، وله دراسات عن الشرق الأوسط، لكن في الحقيقة هذه الدراسات هي عبارة عن - وسامحوني في الكلمة - وشاية. واحد يُجمِّع بعض الآراء ليُقدّم وليوجِّه وهي ليست محايدة، لا تتصف بالمحايدة ولا تتصف بأنها دراسات علمية ولكنها دراسات غير محايدة وبالتالي فالاجتماعيون إذا كانت دراساتهم من هذه النوع لا يمكن أن نصفها بأنّها دراسات محايدة ولكنّها دراسات مُوجّهة من قبل الذين موّلوها والذين قدّموها، وبخاصة فيما يتعلق بالأمانة، وبالحركات الإسلامية.<br />
أرجو من الاجتماعيين في البلاد الإسلامية ألا يتبعوا هذه الطريقة.<br />
الشيء الأخير الذين أريد أن أقوله إننا بحاجة إلى نحل ولسنا بحاجة إلى نمل، لأن النملة تجمع ما تقتات به وتدخره، وبالتالي هي تنفق مما تجد فقط، يعني عالم الاجتماع يأخذ من الآخرين ثم يُنفق، والنحلة هي التي تجمع الرّحيق من كل الأزهار، ثم في النهاية هي تُركّب أي تعيد تركيب هذا الرّحيق وتُذيبه وتحوِّله إلى مادة أخرى جيّدة تُقدّم في المجتمع. هذا الذي نحتاجه في الحقيقة، نحتاج إلى نحل ولا نحتاج إلى نمل. وشكراً لكم.<br />
الدكتور محمد عمر الزبير:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلىّ الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.<br />
سأختصر لأن جزءاً من الحديث الذي تكلّم به فضيلة الشيخ عبد الله بن بيّه خصوصاً بالنسبة للتحوّلات الاجتماعية في نظر ماركس. صحيح تماماً. أنا أريد أن أُبسِّط الموضوع حتى نتفهَّم العلاقة بين علم الاجتماع والفقه والفقهاء. الأصل في التحوّلات الاجتماعية والتغيّر في الحركة - حركة التاريخ - ثلاثة آراء:<br />
هل المادة هي المحرّك الرئيسي للتغيّر وهي التي تُنشئ كل شي؟ هناك فكر أو مدارس تعتمد اعتماداً كلّياً على أساس أن أصل التغيّر ناشئ من القوى المادية البحته ومنهم ماركس وغيره.<br />
وهناك فكر مقابل آخر على أساس أن الإنسان هو المحّرك الرئيسي وفكر هذا الإنسان هو الذي يُحدِث التغيّر في المجتمعات لأن الإنسان هو الأصل، والقيمة الأساسية، والمحرّك الرئيسي للتغيّر الاجتماعي والتغيّرات الاجتماعية.<br />
بالتأكيد قد نجد وجهة نظر فيها شيء من التوفيق بين أثر المادة على الفكر وأثر الفكر على المادة، والعلاقة بينهما علاقة جدلية في الحقيقة، وعلاقة تكاملية بحيث لا نستطيع أن نرجح أحدهما على الآخر ولو كان المؤثّر الحقيقي والكبير هو الفكر على المادّة. والحدث الذي غيّر المجتمعات الإسلامية من الجاهلية إلى المدنية التي امتدت للعالم كان أصله الفكر والوحي.<br />
قال الشيخ: هناك بحران، بحر اجتماعي وبحر فقهي وأنا أقول: ليس هناك حاجز بين البحرين، بل الفقهاء يعتمدون على أحوال المجتمع والأحكام تتنزّل على أساس واقع المجتمع، بل إن الفتاوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان. ولذلك أعتقد أن العلاقة وثيقة بين دراسات الحالة الاجتماعية، وبين الفقه وأضرب مثلاً بما حدث في السنة هذه في رمي الجمرات وفي تأثير الواقع الاجتماعي على الفتاوى والفتيا. وشكراً<br />
الدكتور محمد بشير حدّاد:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، لي عدّة تعليقات لأتوجّه بها للأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر.<br />
أولاً: لعلّ المشكلة في ساحاتنا العربية بين علم الاجتماع وأغلب فئات المجتمع. عدم وجود مصداقية لعلم الاجتماع - واسمح لي بهذا الكلام - المصداقية والقبول للدراسات الاجتماعية العربية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي في محل شك كبير، ولعلّ ذلك يعود لأسباب، أذكرها بإيجاز:<br />
1.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أن علماء الاجتماع في عالمنا العربي لا زالوا أسرى المدارس الغربية أو مجتهدي المذهب أو المذاهب أو الأطوار التي مرّت في علم الاجتماع، وعلماء الاجتماع الغربيين كانوا انعكاساً لثقافتهم الدينية والمحلية والتاريخية، فهم أسرى لذلك، وهذا الأثر لا زال ينتقل في نظر بعضنا.<br />
2.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أقسام علم الاجتماع في الغرب دعمتها حكومات، وأتاحت لها فرص الحريّات المتوفّرة في تلك المجتمعات، ولعلّ كون مجتمعاتنا لا تعتمد إلا أقسام الاجتماع في داخل الجامعات، من الأسباب، لا يوجد عندنا مراكز علم الاجتماع في حياتنا العلمية لا في وزارات الخارجية ولا وزارات التربية ولا بوزارات شؤون الأسرة ولا في أي مكان، فقط في الجامعات تُخرِّج مدرّسين.<br />
3.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; لعل السبب الثالث هو شك البعض في مصداقية علم الاجتماع بالذات، وعلم التربية، الشك في مصداقية الدراسات الكمية، إذ بعض الدراسات الكميّة تعتمد طرقاً غير صادقة مما يُفقد النتائج قيمتها في تفسير الظواهر وتحليلها بعد ذلك.<br />
4.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; الأمر الآخر هو: أنني أؤكد على ما قاله أستاذنا الشيخ عبد الله بن بيّه أننا نحتاج إلى نحل عربي إسلامي، الآن في علم الاجتماع ما وجدنا هذا، ولم يظهر في ساحتنا العربية والإسلامية أي نحل، يعني مُبرِّز كبير في علم الاجتماع.<br />
5.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; الشيء المهم جداً وهو مؤثر أن أغلب الدراسات في الغرب كانت عن الدين المسيحي، وحتّى الآن ما وجدنا دراسات تدرُسُنا إسلامياً كما ينبغي، لعلّي دهشت عندما وجدت رومل أندف في كتابه (الإسلام والعرب) قام بدراسة عن فعل الرسول r، وأصول الشريعة في تطوير علم الجبر الحديث، وعلم الرياضيات، وهو ما لم أجده عند علمائنا، وباحثينا العرب.<br />
وأكتفي بهذا، وشكراً لكم.<br />
الدكتور عادل قوته:<br />
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم اجعل أزكى صلواتك وأنمى بركاتك وأشرف تحياتك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.<br />
أشكر أستاذي الدكتور أبو بكر باقادر على هذه المحاضرة التي نتج عنها توليد للأمثلة والأفكار.<br />
أنا لن أكرّر ما سبق لكن علم الاجتماع خرج إسلامياً من جناح علماء الشريعة، والفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع مما هو معلوم لدينا.<br />
شعرت من خلال المكتوب ومن خلال المحاضرة أن الأستاذ يحاول أن يتأنّس الفقهاء وهذا شاهدٌ كبير على أدبه وعلى تديّنه، وأنا أخالف هذا تماماً أشعر أن الفقهاء بحاجة إلى صدمة وليسوا بحاجة إلى مراودة أو تخفّف، وأن قضية علم الاجتماع اليوم قضية أساسية كبرى يمكن أن تُضمَّ إلى آلية الاجتهاد، وأضرب مثالاً أو عنصراً واحداً أشار إليه سعادة الدكتور، وهو قضية حاجة الفقهاء إلى معرفة الواقع من خلال علم الاجتماع، وهو عبَّر بهذا التعبير الاجتماعي وأنا أعبّر بما يذكره الأصوليون بأنه تحقيق المناط. والمناط يكاد يكون مرادفاً للعلّة وهو مُتعلّق الحكم أنّه إثبات العلة في آحاد صورها بالنظر والاجتهاد، وهذا من الضروري على الفقيه مع تجدد النوازل وتعدّدها وتباينها، أن يكون على إطِلاع واسع إن لم يكن مثل الاجتماعي، فلا أقلّ من أن يرجع إليه، كما يرجع إلى الطبيب، وكما يرجع إلى الحكم الشرعي وتحقيق المناط فيه.<br />
البحران بينهما برزخ لا يبغيان، كلٌ إن شاء الله في مجاله وفي تخصصه.<br />
هناك مختبر الدراسات الاجتماعية فيه سَبْحٌ طويل لعلماء الفقه، في مجال الأحوال الشخصية وفقه الأسرة، في فقه العقوبات، في الظروف المُخفِّفة والمُشدِّدة لقضاء القاضي - هذا أمرٌ مهم جداً -، في فقه القضاء، في علم القضاء، في السياسة الشرعية، في المعاملات المالية والاقتصادية.<br />
أنا أعتبر أن الحاجة إلى علم الاجتماع بالنسبة لطالب العلم الشرعي، - وأنا أعبِّر بالنسبة<br />
للفقيه - سواء كان مفتياً أو قاضياً أنّها مسؤولية الفقهاء، ومسؤولية المناهج الشرعية التي تُخرِّج الفقهاء.<br />
قبل أن أختم هذه التعليقات أحب أن أذكر بعض الشواهد الشرعية كمثال على موضوع التحوّل الاجتماعي منها: أن سيدنا عمر بن الخطاب t في شأن انفاذ طلاق الثلاث بعد أن كان في زمن النبي r وفي خلافة أبي بكر الصديق يُردّ إلى الواحدة قال: &quot;إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كان لهم فيه أناة فلو أنّا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم&quot;، وأذكر حديثاً شريفاً عن النبي r هو في صحيح مسلم أيضاً دلالة على النظر الاجتماعي في تطبيق الحكم الشرعي، وهو قوله r: &quot;لقد هممت أن أنهى عن الغيلة - والغيلة هي وطء المرأة حال كونها مُرضعاً &ndash; فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا&quot;. ومعلوم أن العرب في الجاهلية ترى أن الغيلة تضّر بالرجل وتُسقطه عن فرسه.<br />
وأختم بأمر واحد فقط دلالة على حاجة العالم الشرعي، الفقيه، المفتي، القاضي، إلى علم الاجتماع أن عالما من علماء المسلمين وهو الإمام القرافي الفقيه المالكي الكبير في كتابه (الفروق) حال كلامه عن الحشيشة وعن أضرارها ذكر خلافاً هل هي في حال حمل الإنسان لها طاهرة أم نجسة؟ وهل تفسد صلاة من صلّى بها؟ ففصّل في هذا من جهة الفقه، ثم قال عقب ذلك: وسألت جماعة ممّن يُعانيها - أي متعاطيها - فاختلفوا على قولين، فمنهم من سلّم هذا الفرق، وقال كذا، ومنهم من قال كذا، فعلى القول بعدم الفرق وعلى قول بالفرق، إلى آخر ما قاله حقّق فيه المناط. وشكراً لكم.<br />
المهندس فؤاد أبو السعود:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم.<br />
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
يا دكتور أبو بكر باقادر السؤال موجه لك شخصياً. بصفتك درست الهندسة وبعد ذلك أحرزت درجة الدكتوراة في علم الاجتماع، فهل هذا يعني أنك تريد تحويل المجتمع الإسلامي العادي إلى مجتمع إسلامي مثالي؟<br />
السؤال الثاني: أين المجتمع المثالي الحالي، هل هو موجود في الغرب أو في الشرق؟<br />
وسؤال أخير: هل هناك معايير مخصصة لتحسين أو لرفع المجتمع؟ وشكراً<br />
الأستاذ أحمد خليل الاسلامبولي:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، في نقاط سريعة إن شاء الله أريد أن أُجُسِّد بعض الأخطاء التي وقع فيها كارل ماركس من أجل الإفادة. فهو حينما تكلّم عن الماديّة الجدليّة أو التفسير المادي للتاريخ كان يقول: إن كل نظام يحمل في طياته جذور فنائه حتى يأتي النظام الشيوعي النهائي وكل شخص يستطيع أن يجد ما يريد، وكل متطلباته تتحقق. نقول له: طالما أنّ كل نظام يحمل في طيّاته جذور فنائه فلماذا لا يحمل النظام الأخير في طياته جذور فنائه أيضاً؟ ثم إنّه توقّع أن هذه النظرية ستتحقق من طبقة العمّال في مجتمع صناعي هي طبقة البلورتاريا، في حين أنها تحققت في بيئة زراعية في روسيا القيصرية التي كانت تقوم على نظام الكلخوذات.<br />
فالخلاصة التي نقولها طالما أن كل ما قال كان يسقط فلماذا نحترم هذا الفكر؟ هل نشعر أن تحليله أقوى وأعلى من مقدرتنا فنقف أمامه؟<br />
أقول: إن علماء المسلمين الأوائل كان لهم السبق في كثير من العلوم الاجتماعية، فهاهو ابن جرير الطّبري كتب في التاريخ وقد ولد سنة 230هـ وتوفي سنة 310هـ، ويسبق ابن خلدون بكثير، نجد أيضاً ابن كثير كتب في التاريخ في القرن الثامن الهجري، نجد أيضاً ابن طفيل كتب كتابه المسمّى (رسالة في الحكمة المشرقية). هذه فيها الكثير من الأبعاد.<br />
أحبّ أن أقول إن العرب والمسلمين منذ القدم يرون أن المفتي ينبغي ألاّ يُفتي إلا إذا علم بأحوال البلد التي يُفتي فيها.<br />
وأخيراً هل هذا العنوان يُوحي لنا أن الفقيه أو طالب العلم الشرعي أو العالم الشرعي ينبغي أن يخرج عن حدود التخصص وتقسيم العمل فيدرس علم الاجتماع أيضاً؟ وشكراً.<br />
الدكتور حسن سفر:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم.<br />
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.<br />
وبعد؛ فنشكر أستاذنا الدكتور أبو بكر على هذه المحاضرة القيِّمة ونقول: بأن وظيفة العالم تبيين مناهج الدين وأحكامه وتنوير المجتمعات بالإجابات الشافية والتعبير عن أساليب الإعلام والتبليغ، وقد بيّن هذا الأمر الإمام الفقيه البغدادي وهو من علماء القرن الخامس، فقال رحمه الله: إن الشرائع سياسات يُدبِّر بها الله عباده، كما أن لكل أمة نوعاً من التدبير يُصلح به العلماء المفاسد أَلاَ وهو علم السياسات. ثم فسَّر علم السياسات فقال: العلوم المختلفة الواجب على العالم أن يُلَّم بها، فلا يُعفي العالم النظرة الشاملة إلى بقية العلوم حتّى يكون عارفا بما يصدر عنه من أحكام وأقوال. وجزاكم الله خيراً.<br />
الدكتور عبد الستار أبو غدّة:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم.<br />
بعد شكرنا للمحاضر الكريم. كُنّا نأمل منه أن يُولي التاريخ التراثي لعلم الاجتماع أكثر ممّا قدّم فيه، فقد اكتفى بأن يُصدِّر محاضرته بالإشارة إلى ابن خلدون، وأسهب في ذكر علماء الاجتماع الغربيين، وأوردهم على طبقات، وأصول، وفروع، ومثل هذا موجود في التراث الإسلامي العربي، فنحن نتساءل هل ابن خلدون كان فذّاً في تلك العصور كلّها، أم كان قبله خلدونيون وجاء بعده أيضاً خلدونيون؟<br />
نجد بعض الإخوان أشار إلى بعض الأسماء، وهناك أسماء كثيرة، فهناك مثلاً ابن حزم له كتاب (الأخلاق ومداواة النفوس)، ابن النفيس له الرسالة الكاملية، رسالة فاضل بن ناطق، وبعد ابن خلدون نجد الدُّلجي، والسُّبكي في مُعيد النّعم ومُريد النِّقم، وهو كتاب من كُتب الحسبة، ولكنّه يحمل نظرية اجتماعية متكاملة من خلال استعراض المهن والوظائف، وكلّ طبقات المجتمع وبيان مفاسدها وما يُصلحها. هذه ناحية.<br />
ناحية أخرى؛ هناك مشروع يسمّى مشروع إسلامية المعرفة، وينهض به المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وقد سلّط أضواء كثيرة على العلوم الاجتماعية وكيفية أسلمتها وإحياء جوهرها، كُنّا نودّ أن يشير إلى هذا الجهد الكبير.<br />
كذلك في الفقه الإسلامي قسم يسمّى قسم الآداب الشرعية، وهذا القسم فصله الفقهاء عن الفقه المدوّن الذي يبدأ بالطهارة وينتهي بالميراث، يعني منذ يولد الإنسان إلى أن يموت اهتماماً به حتى يستوعب كثيراً من القيم والأخلاقيات والسلوكيات، وفقهاء المالكية ألحقوا بكتب الفقه باباً سمّوه (الباب الجامع). هذا كلّه هو رصيد كبير في القضايا الاجتماعية. كلُّ ما في الأمر أنّنا أحياناً نُؤخَذ بغياب التسميات المعاصرة من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك في التراث اندماجاً بين العلوم تجد علماً يسمّى علم الأخلاق ولكنّه يتضمن علم النفس والفلسفة وقضايا اقتصادية كثيرة فكُنَّا نريد أن يُحقّق توقُّع فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة بأن تكون هناك مواصلة لهذا الجهد الطيّب الذي بذله حتّى نتبيّن علاقة العلوم الشريعة بالعلوم الاجتماعية وهي علاقة وثيقة لا تنفكّ ولا تنفصل لأن من مكوّنات الفقه قسمين أساسيين هما: قسم المعاملات المالية، وقسم أحكام الأسرة، وهي الدوائر الاجتماعية الأساسية في الاقتصاد والاجتماع. هناك أيضاً كُتب الحسبة تشتمل على كثير من هذه الأمور، والفقيه إذا ابتعد عن الحياة العلمية فإنه يجمد، والفقه نفسه مرتبط بالأعراف ومرتبط بالعمل وهذا ما أهتمَّ به المالكية، عمل النّاس وتصرّفاتهم وإيجاد الحلول لها.<br />
اكتفي بهذا وأكرّر شكري للجهد الذي قدّمه الأستاذ المحاضر.<br />
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي:<br />
شكراً سيدي على هذه الإيضاحات والإضافات الكثيرة التي لابّد من أن نتداركها وأن نبينها بالوجه العلمي المقبول الذي يتماشى مع طبيعة هذا الموضوع.<br />
الدكتور صالح السامرائي:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، كما أننا ندرس الطب النبوي والطب التراثي فأنا أوّيد الدكتور باقادر بعرضه هذه المدارس حتى نطالع كنوزنا بدلاً من أن تكون في صيدلية الأعشاب إننا نستفيد في الحقيقة من هذه في معالجة قضايانا. شكيب أرسلان كتب لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟ الغربيون كتبوا لماذا تأخر الغربيون ولماذا تقدموا هم أنفسهم؟ نحن يجب أن ندرس لماذا تقدّمنا ولماذا تأخرنا على ضوء علوم الآلة؟ الفقهاء يقولون هذه علوم آلة نستفيد منها إن كانت. البروتستانتية هي سبب تقدم المجتمع الرأسمالي. نحن نرى العلّة في مجتمعنا، قسم يقول الصوفية، قسم يقول العلماء، يجب أن نبحث حتى نستطيع العلاج الذاتي على ضوء الأحداث. اليابانيون أيضاً بحثوا هذا، وقال أستاذنا باقادر ماكسويل وكذا وأن سرّ تقدّم الغرب البروتستانتية، والكاثوليكية هم مقابل البوذية، هم عندهم بوذية وعندهم أديان تقليدية ولا يزالون معروفين لماذا تقدّموا؟ إذن يجب أن نبحث مشاكلنا من ضوء تاريخنا وواقع الآخرين. والسلام عليكم.<br />
الدكتور محمد صالح الحصيّن:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، درسنا فيما درسنا في تعريف علم الاجتماع أنّه يعتمد على دراسة الواقع، والنظم التي تحكم ذلك الواقع في سبيل بناء كيان مستقل، وفي سبيل تطوير ذلك الكيان نحو الأفضل، والجميع يعلم أن الإسلام أَوْلىَ هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فقد أحاطت النصوص بكثير من القضايا الاجتماعية بل وأولتها عناية خاصة، وما أظن أن ذلك غاب عن فقهائنا إلا في عصور الانحطاط فقط، أمّا فقهاؤنا قديماً وحديثاً وعلى رأسهم شيخنا الشيخ محمد بن مبارك - رحمه الله - فقد كان له دور كبير في تأصيل علم اجتماع إسلامي. القضايا الاجتماعية كلّها مبحوثة بنصوص فمن الأسرة إلى العشيرة إلى الجوار إلى المجتمع الإنساني إلى مجتمع المدينة إلى رعاية الضعفاء إلى معالجة مشكلة البطالة إلى معالجة الفقر كل هذه الأمور موجودة في ذهن فقهائنا، فنحن بحاجة إلى تأصيل علم اجتماع إسلامي ولا ضير علينا أن نستفيد ممّا قدّمه سعادة الدكتور، لكن نحن بأمس الحاجة إلى تأصيل علم اجتماع إسلامي، ولا أنكر أن الفقيه يحتاج إلى علم الاجتماع وكذلك عالم الاجتماع يحتاج إلى أن يتفقه في الدين حتى تكون المسيرة جيدّة وموفّقة إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.<br />
الدكتور عبد القاهر قمر:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.<br />
نشكركم على هذه المحاضرة القيِّمة ونريد منكم أن تُبيّنوا لنا أهم الكتب التي قد يستعين بها طالب العلم الشرعي للاستفادة في هذا المجال؟ وشكراً لكم.<br />
الأستاذ عبد اللطيف الوزّاني:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.<br />
أما بعد؛ فأشكر لهذا المجمع هذا المجهود وهذه اللقاءات العلمية الهادفة.<br />
حديثي سأختصره في نقاط على شكل تعليق ومداخلة.<br />
حسب فهمي المتواضع لمحاضرة الدكتور أبو بكر باقادر فإنّه عندما قال حاجة طالب العلم الشرعي لعلم الاجتماع لعّله قصد من وراء هذا أننا نحن المسلمون بأوضاعنا المجتمعية التي لا يحسد عليها ونرى غيرنا قد تفوَّق علينا، فإنّه من الواجب أن نعرف لماذا تفوّق هذا؟ وعلم الاجتماع هو دليل هؤلاء لأن أصحابه يحاولون إرشاد أممهم إلى الطرق المؤدية إلى تحسين أوضاعهم، وعلم الاجتماع بالنسبة إلينا نحن المسلمون نضعه في مكانه فهو لا يبحث في الدين لأن الدين ليس شأنه وإنما يبحث في التديّن لأن التديّن استجابة البشر لهذا الدين، والدين ليس ظاهرة لأن الظاهرة هي شيء - بحسب لغة الاجتماع - يتولّد من المجتمع، ولو كان الدين ظاهرة لكان أمراً غير ما هو عليه. فالدين وضعٌ إلهي يقود البشر، ولذلكم فإن الدعوة إلى دراسة علم الاجتماع لا تعني تبنّيه ولا تعني الوقوف عند نتائجه ولكن تعني ضرورة البحث وهذا مجال الإنسان، والمسلم يبحث عن الحكمة أينما وجدها، هو لا يتبنّى نتائجها بل ولا يتبنّى حتى مناهجها ولكن يجب عليه أن يعلم لأنه إن عَلِمَ سلم.<br />
قديماً كان عندنا لقاء حول قوله تعالى: ﴿<strong>يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا</strong>﴾(13 الحجرات). فقال هذا العبد لإخوانه وقتئذٍ: يا قومي التعارف يتطلب التعرّف، وماذا نعرف عن بعضنا؟ وسقت لهم مثالاً بسيطاً لأنني وقد رأيت إعلاناً عن ببلوغرافيا للدراسات التي قامت بها دولة من الدول وهي فرنسا في عقد من السنين حول العالم الإسلامي فدهشت لما وصلوا إليه، قد أجروا علينا نحن المسلمين ستة آلاف وبضع دراسة مما يعني أنّه خلال عقد قد كتبوا عنّا ما يقارب الستين مُؤلّفاً في نطاق أكاديمي، أفلا يحق لنا أن نعلم ما يفعله غيرنا؟ هذا ما فهمته من كلمة الأخ الدكتور باقادر.<br />
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
الدكتور أبو بكر باقادر:<br />
بسم الله الرحمن الرحيم، أودّ أن أذكّر بأن صاحب فكرة النملة والنحلة هو الفيلسوف العربي العلماني زكي نجيب محمود، وله فكرة أخرى تتحدّث عن الطير والسلحفاة، ويقول بأن الطير يرى مساحات أكبر، فبالإضافة إلى النملة والنحلة أيضاً زاوية الرؤية قد تتسع وقد تضيق.<br />
ما شغلني أثناء كثير من التساؤلات هو أزمة الأمة التي هي على هامش الهامش حتى ولو أصررنا أنّها غير ذلك، فرغم أنها لا تملك قدراً من القوة تحلّ أو تربط في مسائلنا لكنّها مع ذلك تُصّر على أنها لا تفتح قنوات مع الآخر، وأنا أنصح أمّتي التي أنا منها أن تتواضع. ماركس لازال يُشكِّل فكراً إنسانياً كبيراً جداً نرفضه ونقبله لكن أرجو أن نقبله ونرفضه على دراية وعلم، فعلم الاجتماع - حتى إن أردتم أن تتبرؤوا منه - ما هو إلا نقاش مع خيال ماركس كما يقول كبار علماء الاجتماع والمحققين، ولكن التحليل والسير والسعي في فهم الظواهر أمر آخر، يعني ما ذُكر شيْ - وهذه أيضاً من أزمات الأمة - إلاّ قلنا قد سبقنا إليه، وهناك أمور كثيرة التاريخ أتى بها والتراكم الإنساني، فنحن ساهمنا فيها لكننا لم نحللها.<br />
لاشك أن تأثيرنا كبير ويعترف كثير من العلماء من القرن السابع عشر الميلادي بأن أكثر الحضارات بروزاً في التاريخ سواء في العلوم الطبيعية أو في غيرها كانت الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية لكن هذه التراكمات العلمية والعلوم الجديدة.لا تعنى أن نقول بشكل التمني لو أن أجدادنا فعلوها فيقع علينا العتب بطريقتين:<br />
الطريقة الأولى: لنخرج ما يُقنع البشرية بأنّ لنا السبق.<br />
الطريقة الثانية: إذ كان لنا السبق لماذا لا تؤثِّر هذه العلوم، وأخبركم بكل صدق ومحبة أن العلوم الاجتماعية تُؤثِّر تأثيراً كبيراً وهذا لعنفوانها وفعاليتها وقدرتها إن أعداءنا حتى الصغار يستخدمونها ويؤثّرون فينا تأثيراً كبيراً. فمثلاً إسرائيل فيها من المراكز ومراصد الدراسات المعتمدة على العلوم الاجتماعية.<br />
ولهذا أقول حينما يرغب شخص في القرن الحادي والعشرين أن يُضعِّف الأمة باسم وجدان الكمال لها ينبغي أن نتصّدى له.<br />
لماذا تكون لهذه العلوم الاجتماعية هذه الفاعلية، وهذه الخطورة التي نلمسها في حياتنا، اليوم، لماذا الكلام عن الحوار مع الآخر، والإرهاب، والعولمة، وهكذا؟ هل هي صدرت بوصفها نتاجاً محلياً أم أنها استجابة لضغوط دولية؟.<br />
إذن حتّى نبدأ بالطريق لا ضير علينا أن يكون غيرنا سبقنا، ولا ضير علينا أن يكون للآخرين رأي، لكن علينا عبء كبير إزاء أمتنا إن تصدينا بوصفنا حماتها ولا نسمح لأحد أن يصل إليها فعلينا أن نجتهد، وعلينا كما قال فضيلة الشيخ أن يكون منّا النحل الذي يأخذ ما صفى ويظهر ما أصفى، لا شك في ذلك لكن هذا ليس بالادعاءات.<br />
نحن نعيش في عالم لابدّ أن نستجيب له إن والله قدَّم لنا تراثاً ما ينفعنا زاداً للعصر الحديث فهذا إرثنا ينبغي أن نستفيد منه لكن إرثنا لا يحول على الإطلاق من الاستفادة من الآخرين. وبطبيعة الحال الحمد لله أنا لا أمثّل الفكر الاجتماعي، وأنا من نُقَّاده ومن تلاميذه لكنني أقول: إنه ينبغي لمن أراد أن يتصّدى لشيء تخصصي أن يكون على الأقل متجرّداً قارئاً مُطلعاً حتى نحترم ما يقول، والمدونات موجودة، وهذه العلوم مبسوطة ولها مؤسسات تُدافع عنها، وهي في تقدّم مستمر.<br />
أما بالنسبة لمسألة الأسلمة، فإن كثيراً منها وأنا مختص يا سيد عبد الستار ودرستها وأشرت إليها في ورقتي إشارة عابرة لكن لي فيها أكثر من دراسة مطوّلة، وإن أردت أُحيلك إليها لكن سترى الكثير منها تهريج، وإلباس البنطلون العمامة لا يجعله ثوباً، في كثير من الدراسات التي تُسمَّى أسلمة العلوم الاجتماعية، هي في واقع الأمر ما هي إلا أخذ ما هو موجود عند الغير والادعاء بأنه إسلامي لدرجة أنّك تجد في بعض الدراسات المؤسلمة يكون التيار يساوياً ويسير وكأنه إسلامي، ويكون رأسمالياً أو ليبرالياً ويقول: إن هذا إسلامي، حتى إن أحد زملائي في جامعة الإمام محمد بن سعود أُعطي كتاباً ليراجعه عن أسلمة العلوم الاجتماعية من مدير الجامعة، وذلك حسب روايته لي وقال: أتيت بغلاف هذا الكتاب وقد انتزعت الكتاب وقلت: ما في الأسلمة إلا الغلاف، نعم نحن في أمس الحاجة إلى علوم إجتماعية تكون متصالحة مع تراثنا ومنطلقاتنا، وتكون متصالحة مع ديننا. لكن هذا لن يتم بتكبُّر أطراف تدّعي بأنها وصية على الأمّة. يا إخوان نحن الذين نمارس العلمانية بأسوأ أوجهها من مجتمعاتهم. كليات الشريعة معزولة في الحُرُم الجامعية العربية والإسلامية، بل إن بعضها منزوٍ. الدراسات اللاهوتية في الجامعات الغربية تكون جزءاً عضوياً فيها، من الأولى بهذا؟. لقد استبعدت نوايا صالحة كثيرة وأيدي مفتوحة وقلوب نيِّرة ترغب في المشاركة لكن على ما يبدو أن هنالك تفكيراً يقول بأن الأمة لها مفاتيح وبدون هذه المفاتيح لا يمكن الولوج. أخبركم وبقلب صادق وصريح إن لم تنفتحوا ستنغلقوا، إن لم تتفاعلوا ستخترقوا، وأولى الأولى أن تفتحوا قلوبكم لإخوانكم الذين هم غيارى على الدين مثلكم، وأن بذرة التكبّر هي ليست من روح الشريعة وضرورة الرّحمة والتفهّم - هذا رأيي.<br />
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي:<br />
شكراً لسعادتكم على هذه الكلمة وقد عدتم إلى قضية الموضوع وهو علم الاجتماع وبيان الجوانب المختلفة التي ينبغي أن نُعنى بها بعض العناية.<br />
الآن كما التزمنا الكلمة للدكتور حامد الرفاعي ليتقدّم بآرائه النيِّرة في الموضوع الذي يشغل بال المسلمين جميعاً.<br />
الدكتور حامد الرفاعي:<br />
أشكرك معالي الدكتور على إعطاء هذه الفرصة.<br />
الحقيقة ما جرى في هذه الأمسية المباركة، وهذا الموضوع له صلة بما كنت أودّ أن أتحدّث به إليكم، وأقصد بذلك الهم الأكبر للأمة. نحن عندنا هم أكبر، وكل ما يجري هو في إطار التفاعل في التعامل مع هذا الهم الأكبر. ونحن في إطار تعاملنا في المنتدى الإسلامي العالمي للحوار، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي الرابطة، وفي المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وفي غير ذلك من المؤسسات تأمّلنا محاولين أن نُشخّص مشكلة الأمّة، فوجدنا أنّ التحدّي الأكبر للأمة يتمثّل في: ارتهان إرادتها اليوم. إرادة الأمّة مرتهنة، الأمة راغبة أن تتحّول بنفسها من الغثائية إلى الثقلية، وكلٌ منّا راغب، وهذا الحديث كلّه يدور في إطار الرغبة الجامحة في نفوسنا بالتحوّل إلى الأفضل، وعندما نقول عن الأمّة أن إرادتها مرتهنة هناك سؤال يطرح نفسه علينا، ما الذي يرتهن إرادة الأمّة؟ طبعاً الجواب الذي هو على كل لسان من ألسنتنا هو افتراق كلمة الأمة وشتات أمرها، يبقى السؤال قائماً، ما الذي يُفرِّق كلمة الأمّة، وما الذي يُشتِّت أمرها؟ هذا سؤال. وجدنا أنّه لابّد أن نبحثه، فقلنا سبب ذلك هو اضطراب مفاهيم الأمّة حول مقاصد الرسالة، وأظنّ أن هذه الجلسة اليوم قدّمت نموذجاً لهذا الاضطراب حول المفاهيم. إذن شتات الأمة هو اضطراب مفاهيمها حول مقاصد رسالة الإسلام العظيمة، وما هو سبب اضطراب الأمّة؟ أسئلة متكررة تبقى تلاحقنا وتبحث عن جواب. هنا وقفنا وقفة طويلة، وأنا أتحدَّث باسم جماعة وليس باسمي الشخصي بل مجموعة كبيرة تنتمي إلى مؤسسات عالمية كبيرة لها أجهزتها، ولها تجربتها، ولها خبرتها في الميدان وجدنا أن هناك إشكاليتين كبيرتين في هذه القضية:<br />
الإشكالية الأولى: الاضطراب القائم بين فقه تديّن الفرد، وفقه تديّن الدولة، أو إن شئت قُلْ الاضطراب القائم البيِّن بين فقه مسؤوليات الأفراد، وفقه مسؤوليات الدولة. هذه الخصومة وهذا الاضطراب بين الفقهين هو الذي يُنشئ كل هذا الاضطراب الذي نعانية. وما نعانية الآن من خلل اجتماعي وما يُسمّى رُهاب هو بسبب هذا الاضطراب، اضطراب فقه مسؤوليات الأفراد وفقه مسؤوليات الدولة.<br />
كيف نحلّ هذه الإشكالية بين الفقهين، فقه تديُّن الأفراد وفقه تديّن الدولة، وفقه مسؤولية الأفراد وفقه مسؤوليات الدولة؟<br />
الإشكالية الثانية التي وجدنا أنّها تُشكِّل إشكالية كبرى في اضطراب مفاهيم الأمة هي التداخل المخلّ بين ثلاث دوائر من دوائر الإسلام. الإسلام كما تعلمون عقيدة وشريعة ومنهج بشكل عام، والعقيدة نحن نقول للناس: أنّها تمثّل الخصوصية المسلمة التي تُميِّز المسلم عن غيره من الأديان، قوله تعالى: ﴿<strong>لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ</strong>﴾(6 الكافرون)، وهي مناط الولاء والبراء، هذا لا خلاف عليه، لكن الشريعة ينفتح الأمر فيها مع الآخر فَتَقِلّ ضغوط الولاء والبراء عندما انتقل من دائرة العقيدة إلى دائرة الشريعة، وإذا انتقلت من دائرة الشريعة إلى دائرة الرسالة تجد أن هذه الضغوط تخفّ كثيراً ويصبح المشترك بيني وبين الآخر واسع كثيراً. البعض من شبابنا والبعض من علمائنا وسّعوا دائرة العقيدة التي هي دائرة الولاء حتىّ غطّت على دائرة الشريعة ودائرة الرسالة، فأصبح الولاء والبراء هو الذي يحكم علاقتي مع الآخر دون أن أضع لدائرة الشريعة ودائرة الرسالة دورها في علاقتي مع الآخرين، كان هذا الآخر وطنياً أو كان هذا الآخر عالمياً. هذا تشخيص، طيِّب كيف نعالج هذا التشخيص؟. نحن طرحنا مشروعاً في منظمة المؤتمر الإسلامي، وكما تعلمون هي منظمة تمثّل الأمم الإسلامية.<br />
شكّلت في بداية التسعينيات من القرن الماضي لجنة سميناها لجنة العمل الإسلامي المشترك، وهي تضم القيادات الإسلامية الشعبية، كل المؤسسات التي تعرفون أسماءها من الرابطة إلى المجالس إلى المنتديات ممثلة بهذه اللجنة لنعمل علاقة عملية بين السياق الرسمي وبين السياق الشعبي، ولنغلق هذه الهوّة بين الأداء الرسمي وبين الأداء الشعبي. في إطار هذه اللجنة تشكّلت لجنة سمّوها لجنة خبراء الدعوة الإسلامية، وبالفعل وضعنا دراسة استراتيجية سميناها (استراتيجية الدعوة الإسلامية)، وبعد أن مرَّت بكل الإجراءات الرسمية من وزارء خارجية الدول الإسلامية صُدِّقت من القمة الإسلامية، لكن هذه الاستراتيجية وقفت أمام أمر مهم وهو التطبيق، يعني كيف نتحوّل من هذه النظرية إن كانت اجتماعية أو كانت استراتيجية إلى التطبيق. ومن هنا طرحنا مشروعاً للتطبيق، وهذا الذي أنا رغبت أن أحدّثكم به.<br />
معالي الأمين العام للمجمع:<br />
هذا الكلام جيّد جداً ونحتاج إلى الاستماع إليه، ولكنّك أضفت فيه الإحالة على كثير من الأشياء التي لا نملكها فلو تتفضّل. الأشياء التي ذكرتموها توزّع علينا، أو تأتي بها إلى المجمع ونحن نقوم بتوزيعها على أعضاء المنتدى، ولذلك نستعدّ للحديث معك.<br />
الدكتور حامد الرفاعي:<br />
إذا أردتم في جلسة أخرى تكون أفسح ونوزّع هذه عليكم مُسبقاً لأن المطلوب من مثل هذا المنتدى أن يُقدِّم اقتراحات عملية.<br />
معالي الأمين العام للمجمع:<br />
حضرات السادة أنا أشكركم جميعاً على تفضلكم بالاستجابة لهذه الدعوة والحضور للجلسة الثانية لمنتدى الفكر الإسلامي، وإلى موعد قادم إن شاء الله، وأسألكم الحفاظ على المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه لأنّه يُميّز الفكر الإسلامي عن غيره من الأفكار حتّى في حالاتنا الشخصية وتصرفاتنا القولية والفعلية، وشكراً لكم.</div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></div></strong></div>مـجــمــع الـفـقــه الإســلامي منتدى الفكر الإسلامي



==============
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط


><