المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم العالي بين الشكل والمضمون



الماوردي
01-21-07, 07:38 AM
التعليم العالي بين الشكل والمضمون
د. صالح بن ناصر الشويرخ





قام مجلس الشورى خلال الفترة الماضية بمناقشة نظام الجامعات السعودية، وقد لاحظت من خلال متابعتي لبعض جلسات المجلس التي خصصت لهذا الموضوع أن المجلس ما زال يدور في فلك لائحة التعليم العالي المعمول بها حالياً مركزاً على الأنظمة واللوائح التنظيمية دون المساس بالعملية التعليمية.

إنني على يقين كبير بأن إحدى مشكلات التعليم العالي الأساسية سببها إهمال العملية التعليمية نفسها؛ فلائحة التعليم العالي أو ما يسمى نظام مجلس التعليم العالي والجامعات ولوائحه المطبقة حالياً، تركز على الشكليات، أما العملية التعليمية نفسها (وهي جوهر التعليم العالي) وما يتصل بها من مناهج وطرق تدريس وأساليب تقويم، فلا مكان لها في هذه اللائحة؛ حيث تتألف هذه اللائحة من الأبواب التالية: نظام مجلس التعليم العالي والجامعات، لائحة الدراسة والاختبارات للمرحلة الجامعية، اللائحة المنظمة للشؤون المالية في الجامعات، لائحة توظيف غير السعوديين في الجامعات، لائحة الابتعاث والتدريب لمنسوبي الجامعات، اللائحة الموحدة للدراسات العليا في الجامعات، اللائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، اللائحة الموحدة للبحث العلمي في الجامعات.

وكما تلاحظون أن جميع اللوائح والقوانين والتشريعات التي تشتمل عليها هذه الأبواب هي أحكام تنظيمية تتعلق بقبول الطلاب ومعدلاتهم وتعيين أساتذة الجامعات واللوائح المالية ونحو ذلك. ولا أريد أن يفهم بعضكم أنني أقلل من شأن تلك الأحكام والقوانين، كما أنني لا أدعو إلى إهمالها، فهي مهمة ولا يمكن تصور تعليم جامعي بدونها، لكن من المهم أن يتم التركيز على العملية التعليمية أيضاً؛ أي ما يقدم للطالب من مادة علمية وما يدور داخل القاعة الدراسية، والوسائل المتبعة في قياس تعليم الطلاب، وهي تمثل جوهر ولب التعليم الجامعي برمته.

إن أحد الأسباب الرئيسية في عدم قدرة جامعاتنا على المنافسة - من وجهة نظري - هو عدم وجود لائحة تضبط العملية التعليمية نفسها، لائحة تضبط عمل أستاذ الجامعة الرئيسي، وهو التدريس وتقويم الطلاب، وتساعده على أداء عمله على أكمل وجه؛ فالأمر في الجامعات متروك لاجتهادات كل أستاذ، وعليه فإنني أرى أن يقوم مجلس الشورى بصياغة لائحة جديدة خاصة بالعملية التعليمية تعمل جنباً إلى جنب مع اللائحة التي يقوم المجلس بإعادة صياغة بنودها.

إن موقف وزارة التعليم العالي من العملية التعليمية يمكن تفهمه نظراً لانشغال الوزارة بقضية القبول الشائكة، وتوجيه جميع إمكاناتها وطاقاتها نحو توسيع القدرة الاستيعابية للجامعات، وهو هدف استراتيجي مهم. لكن موقف مجلس الشورى لهذه القضية (وضع لائحة خاصة بالعملية التعليمية) لا يمكن قبوله، خاصة أن المجلس يقوم بصياغة بنود لائحة التعليم العالي التي سوف يتم العمل بها سنوات طويلة إذا ما أقرت من مجلس الوزراء.

ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن تحتوي اللائحة المقترحة على ثلاثة محاور رئيسية: العملية التدريسية وما يرتبط بها من طرق وأساليب تدريس، والعملية التقويمية وما يتصل بها من وسائل القياس والتقويم، والعملية الإشرافية.

إن اللائحة المقترحة ينبغي أن تتضمن أحكاماً مفصلة تتعلق بطرق التدريس المعتمدة في التعليم العالي، وكيف يمكن تطبيقها، وكيف يمكن تقويمها، وتحتوي على أحكام وقوانين مفصلة تتعلق بالوسائل والأساليب التي يجب استخدامها في عملية القياس والتقويم، وكيف يمكن للأستاذ الجامعي تطبيقها والموازنة بينها. إن لائحة التعليم العالي الحالية تخلو تماماً من أية قوانين أو تشريعات تتصل بهاتين المسألتين؛ فالأمر متروك للأستاذ الجامعي، ومع أن بعض أساتذة الجامعات يجتهدون في استخدام الطرق والوسائل الحديثة في التعليم الجامعي، إلا أن طريقة المحاضرة التقليدية والاختبارات الموضوعية ما زالت هي السائدة في تقديم المادة العلمية وفي قياس تعلم الطلاب. كما يجب أن تحتوي اللائحة المقترحة على قوانين تضبط عمليات الإشراف والإرشاد العلمي، تحدد فيها الأساليب الإشرافية المعتمدة في الجامعات والمهمات الأساسية للمشرف، وكيف يمكن أن يقوم بها، وكيف يمكن التأكد من قيامه بتلك المهمات وعدم الإخلال بها، وتحدد فيها أيضاً المهمات الأساسية الخاصة بالطالب وكيفية تنفيذها وكيف يمكن محاسبته على التقصير في أدائها.

إن العمليات الثلاث: العملية التدريسية، والعملية التقويمية، والعملية الإشرافية تمثل جوهر التعليم العالي، وبدونها تصبح لائحة التعليم العالي جسداً بلا روح. إن الهدف من ذلك وضع ضوابط تحكم العلاقة بين الأستاذ والطالب، وتحدد أدوار الأستاذ الجامعي والمهمات المنوطة به بالتفصيل، وكيف يمكن محاسبته عند الإخلال أو التقصير فيها، وضوابط تحدد أدوار الطالب الجامعي والمهمات الموكلة إليه، وكيف يمكن محاسبته إذا لم يقم بها على الوجه الصحيح. إن هذه الضوابط والتشريعات لو تمت صياغتها بشكل جيد ومتوازن سوف تساعد في تقييم الأساتذة والطلاب والأقسام العلمية تقييماً علمياً دقيقاً ومنصفاً، يتم من خلاله حفظ حقوق الأساتذة المتميزين الذين يبذلون جهوداً مضنية في سبيل خدمة طلابهم، كما أن ذلك سوف يكون حافزاً لغيرهم من الأساتذة لتطوير قدراتهم وبذل المزيد من الجهود لتحسين ممارساتهم التدريسية والإشرافية. وكل ذلك سوف ينعكس على العملية التعليمية وتحقيق الجودة النوعية التي نسعى إلى تحقيقها في جامعاتنا.

وأرى أن الوقت بات مناسباً للبدء في وضع بنود هذه اللائحة المقترحة التي تحدثت عنها في هذا المقال، خاصة أن الجامعات السعودية تستعد لتطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي التي لا يمكن أن تنجح وتحقق أهدافها دون وضع لائحة تضبط العملية التعليمية بأبعادها الثلاثة: العملية التدريسية والعملية التقويمية والعملية الإشرافية.


الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط