المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 85% من المدمنين كانت بدايتهم مع السيجارة العادية



الماوردي
12-22-06, 02:45 PM
عندما يتحدّثون عن تجاربهم السابقة فإنهم يروون الحقيقة كاملة
85% من المدمنين كانت بدايتهم مع السيجارة العادية



لابد من التوعية المكثفة

د.ابراهيم بن حسن الخضير
الإدمان واحد من أكبر المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية وأيضاً السياسية. فالإدمان مشكلة بمعنى الكلمة.. مشكلة حقيقية للمتعاطي ولأهله ولمجتمعه ولبلده. المُدمن شخص مريض، هذه حقيقية يجب أن يعرفهم ويُدركها الجميع، المدمن ليس مجرماً أو سقط المتاع وحثالة المجتمع - كما يصفهم البعض - إنهم - أي المدمنين - فئة قدر الله أن تكون ظروفهم الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية سبيلا لان يُصبحوا مدمنين وأن يسلكوا هذا السلوك. فالشخص المدمن يبدأ عادة كشخص عادي، وعادةً يبدأ بالتجربة من الصغر بالتدخين، حيث يكون في سنٍ يافع يُريد تجربة أشياء جديدة، فالتدخين هو البوابة التي ينطلق منها المدمن نحو الإدمان لبقية المخدرات. الدراسات أثبتت أن 85% من المدمنين كانت بداية مع السيجارة العادية ثم انتقلوا بعد ذلك إلى تدخين الحشيشة ثم الخمور بأنواعه المختلفة ثم المخدرات الأقوى مثل الهيروين والكوكايين والمادة الأكثر انتشاراً لدينا في المملكة العربية السعودية وهو الحبوب المُنشطة المعروفة بالكبتاجون، وهي مادة طبية اسمها الامفيتامين، ولكنها تُصنّع في مصانع غير مُرخصة بصورة سرية وتباع في الشوارع تحت مُسميات كثيرة، مثل الأبيض، أو أبو ملف أو أبو مسحة، هناك الكثير من هذه التسميات الشعبية لهذه المادة الخطيرة جداً والتي يتهاون الكثيرون في تعاطيها لتساعدهم على السهر، وهذا أمرُ شائع للأسف بين الطلبة في المراحل المختلفة - بين الناس لكي تُعطيهم الطاقة والقدرة على السهر والعمل وكثيراً ما يستخدمها السائقون في الطرق الطويلة وكذلك بعض الذين يتّطلب عملهم السهر فيقعون في براثن أكثر المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تُدمّر حياة الشخص، حيث ينزلق إلى الحضيض تدريجياً حتى يصل إلى مرحلةٍ مُزرية من وضعٍ إجتماعي واقتصادي.
خلال أحد البرامج، كان هناك ثلاثة رجال سعوديون تحدثوا عن تجربتهم عن الإدمان الذي أمتد لأكثر من عشر سنوات بل إن بعضهم كان مدمناً لأكثر من عشرين عاماً . تحدثوا عن مآسي الإدمان، حيث قال أحدهم بأنه دخل مستشفى الأمل لأكثر من عشرين مرة، ودخل السجن لأكثر من ثمانية عشر مرة.. يقول هذا المدمن التائب أو المُقلع عن المخدرات بأنه كان يحضر إلى مستشفى الأمل لكي يتعالج من الإدمان ومعه المواد المخدرة، فإما يدفنها عند بوابة المستشفى أو أنه يُدخلها معه، لأنه في قرارة نفسه لا يُريد الإقلاع عن المخدرات ولكن كان يدخل لكي يرتاح فترةً قصيرة ويخرج بعدها ويبدأ التعاطي فور خروجه من مستشفى، ويقول بأن دور المستشفى لا يتجاوز 5% في الشفاء أو المساعدة على الإقلاع عن المخدرات وتعاطيها..! ويقول بأنه وصل مرحلة بأنه كان في يومٍ ما يملك خمسين ريالاً . وكان في حيرةٍ هل يشتري بهذا المبلغ حليباً لإبنه الرضيع أم يشتري المخدر الذي يتعاطاه، فكان القرار الأخير بالنسبة له هو أن يشتري مخدرات لأنه فسّر الموضوع - حسب قوله - بأن الرضيع الله يتكفّل به أما هو فهو المسؤول عن نفسه، وهكذا كان لتشوش الفكر دور بارز في أن يترك طفله الرضيع دون حليب أو طعام وقرر أن يشتري مخدرات بالمبلغ الضئيل الذي كان يملكه، وكان استخدامه دفاعاً نفسياً مرضياً هو التبرير، فبرّر أنه مسؤول عن نفسه وعن مزاجه أما الطفل الرضيع - إبنه - فالله هو المسؤول عنه ويرزقه الطعام والحليب وهذا تفكير مريض ويعكس مدى خطورة وسيطرة المخدرات على الشخص بحيث أنه لا يُفكّر إلا في تعاطيه المخدرات . المدمن لا يهمه شيء في الحياة قدر الحصول على المخدر بأي صورةٍ كانت، وقد كتبت مرةً عن مغنية أمريكية شهيرة ظهرت في برنامج أوبرى وينفري الشهير، وقد كانت هذه المغنية الشهيرة قد حصلت على أفضل إسطوانة في أمريكا ولكن تدهور حالها بعد أن أصبحت مُدمنة لمادة الهيروين، فوصل بها الأمر أن تعمل كمومس في أكثر الشوارع إنحطاطاً في نيويورك، وهو تحت أحد الجسور القريبة من الميناء والتي يرتادها البحارة والطبقة الفقيرة . كانت تبيع جسدها مقابل خمسة عشر دولاراً، حتى اكتشف هذا الأمر أحد الصحفيين ونشر هذه القصة ،خاصةً وإنها كانت إبنة احد المغنين الأمريكيين الشهيرين جداً، فإنتشلها الأصدقاء ودعموها حتى إستعادت مجدها وعادت تُغني وعادت للشهرة بعد أن تم علاجها.

أعود مرةٍ أخرى إلى المدمنين التائبين الثلاثة السعوديين الذين ظهروا على شاشات إحدى القنوات الفضائية العربية الشهيرة في برنامج مباشر على الهواء وتحدثوا بصراحة عن تجربتهم مع التعاطي والإقلاع. أحدهم جاء من أسرةٍ مُتفككة - وهذا واحد من أسباب السقوط في براثن المخدرات خاصة لصغار السن والمراهقين - فقد انفصل والداه وضاع هو بين الوالدين المُطلقين، حيث لا يوجد أب يقوده ويؤدبه ويكون قدوةً صالحةً له. فنشأ يُجرب الأشياء بنفسه حتى وصل إلى مرحلة الإدمان على المخدرات القوية. ويروي تجربةً مريرة حيث إن والده أصيب بجلطة في الدماغ، وطلب أن يُكلم أبنه، فرتّب له مسؤول السجن مكالمة تلفونية . عندما غادر عنبر السجن ليُجري المكالمة كان على وشك الخروج من السجن بعد فترةٍ قصيرة، فإنتابته الحيرة هل يُكّلم والده والذي لا تربطه به أي علاقة عاطفية، فهو لم يعش معه، ولا تربطه به أي روابط عاطفية أو علاقة بين أب وإبنه ولم يعُطه شيئاً في حياته، ففكّر هل يتصل به وهو في العناية المركزة يحتضر أم يتصل بمروّج المخدرات ليمده بالمخدرات بعد خروجه، فتغلّب الخيار الآخر واتصل بالمروّج ليوفر له المخدرات بعد خروجه ولم يُكّلم والده، الذي جاءه الضابط ليُخبره بعد عشرين دقيقة من المكالمة ليُخبره بوفاة والده، فكان هذا الحدث الجلل نقطة تحوّل في حياة هذا المُدمن، وبدأ يُفكّر جدياً في تغيير حياته والإقلاع عن المخدرات، وفعلاً بدأ العلاج وواصل أهم خطوة في علاج الإدمان وهي المُتابعة بعد الخروج من المستشفى والإختلاط بالمتعافين من مُدمني المخدرات وشجعّوه ودعموه ووقفوا خلفه يدفعونه لمواصلة عدم التعاطي وتغيير نمط حياته، وفعلاً حققّ هدفه في ترك الإدمان وتابع دراسته وأنهى دراسته الثانوية وهو الآن في المستوى الرابع في الجامعة وتزوّج وأنجب أطفال وعوّض ما فقده من عطف وحنان عندما كان صغيراً في أبنائه الذين أصبح أباً حنوناً يعطف على أبنائه بشكلٍ مُبالغ فيه، نظراً لأنه عرف معنى الحرمان من عطف الوالد!

الشخص الثالث كان من الطبقة المتوسطة وكان يتعاطى المخدرات وهو يُنكر أنه مُدمن لأنه يعمل في وظيفة مهمة ومن عائلة متوسطة، لأنه كان يعتقد بأن المدمنين هم الأشخاص التائهون في الشوارع وحثالة المجتمع، أما هو فكان يعتقد بأنه مُتعاط وليس مُدمناً، حتى انحدر مستواه العملي والإجتماعي فبحث عن العلاج حتى تم شفاؤه ولم يعد مرةً أخرى للتعاطي.

هؤلاء المُتعافون الثلاثة، الذين تكلموا على الهواء في قناة مشهورة، وبرنامج ذائع الصيت يُشاهده الكثيرون، هم فعلاً أشخاص قدموّا ولا زالوا يُقدّمون أفضل خدمة يُمكن أن يُقدمها شخص للمدمنين، الأمر الآخر هو إعطاء بقية المدمنين أملاً بأن الإقلاع عن الإدمان حتى بعد أن يقضي المدمن أكثر من عشرة أو عشرين عاماً من التعاطي.. كما قالوا في تلك الحلقة الجميلة أن العلاج في المستشفى لا يُشّكل سوى 5% والبقية تأتي من المتابعة بعد العلاج والخروج من المستشفى.. إن الإدمان مرض خطير ينخر جسم المجتمعات العربية جميعاً، وليس هناك حل سحري لهذا الداء إلا الصبر على العلاج ومتابعة البرامج الاستشفائية بعد العلاج..يجب أن لا يفقد الأمل من وقع في خطأ الإدمان، ويجب أن تتضافر جهود الجهات الحكومية والأهلية لمساعدة المرضى بالإدمان بدلاً من عزلهم ومعاملتهم كأنما هم مجرمون أو حثالة المجتمع، فلا زال هناك الأمل لمن يملك ويرغب بإرادة قوية أن يتعافى من هذا المرض.. نتمنى من الله لهم الشفاء، ونأمل أن يكون لكل فردٍ دور فاعل إيجابي حتى نقّدم شيئاً لهذا الوطن وللمجتمع ولأشخاص لهم أهل؛ والدين وإخوان وأخوات أو زوجة وأبناء وبنات، فالمجال مفتوح لأن نساهم جميعاً في مكافحة هذا الداء وقانا الله وإياكم ومن تحبون هذا المرض العضال!
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط