المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العمل والزواج للمرأة



الماوردي
12-18-06, 08:30 AM
فتيات مستعدات لتطليق العمل من أجل الزواج

محبطات.. اتكاليات.. مثاليات أم فاشلات؟


الرباط: لطيفة العروسني
بعد سنوات قضينها في العمل، إما في وظائف حكومية أو في شركات خاصة، أو عاملات في مصانع، لم تعد كثير من الفتيات يرغبن الاستمرار في العمل، وتوقف طموحهن عند محطة واحدة هي الحلم بالزواج من شخص يعفيهن من الاستمرار في مزاولة مهنهن، بغض النظر عما إن كان مقتدرا أو مجرد موظف بسيط لا يستطيع توفير سوى الضروريات.
فالعمل بالنسبة لهذه الشريحة لم يعد استقلالا وتحقيقا للذات بقدر ما اصبح مرادفا للتعب والإرهاق البدني والنفسي. لكن هل يمثل رأيهن حقيقة ما تشعر به المرأة عموما؟ وهل لديهن ميول فطرية للعودة الى البيت والتخلي عن الاستقلالية الذاتية والمادية بهذه البساطة؟ وكيف ترضى بأن يتكفل بها رجل حتى وإن عاشت معه محرومة من الكثير من مباهج الحياة وكمالياتها؟. تجدر الإشارة إلى أن هذه الشريحة تضم فتيات قادرات على العمل، وعلى المساهمة في تحسين مستوى معيشة أسرهن، لكن مع ذلك لا يتوقفن عن التعبير عن هذه الرغبة التي اصبحت ملحة عليهن. تقول سامية، 30 عاما، وهي موظفة بقسم المعلوميات في إحدى الوزارات انها بعد سبع سنوات من العمل، اصبحت لا تفكر سوى في العثور على زوج يشترط عليها ان تترك العمل. اما السبب الذي جعلها تفكر بهذا المنطق، كما تقول، فهو شعورها بأن عملها مجرد اهدار للوقت والطاقة، وما تقوم به ليس له أي قيمة أو اهمية، بدليل ان الوزارة التي تعمل بها عندما تكون بحاجة الى برامج معلوميات، تستعين بخبراء اجانب، يتطلبون تكلفة مالية ضخمة، أما نحن «فلا أحد يعيرنا أي اهتمام، ونكلف فقط بالمهمات البسيطة للغاية»، وتضيف: «صحيح اننا لا نملك خبرة كبيرة في هذا المجال، لكن بالامكان ان نمنح فرصة لتطوير خبراتنا عبر دورات تكوين، بدل ان نظل معطلين برواتب في آخر الشهر، اذ قد يمر اسبوع كامل من دون ان نكلف بأي عمل. وتتابع بمرارة: «لم اعد احتمل هذا الوضع، وأرى أن العمل الذي كنا نحلم به في أيام الدراسة خيب آمالنا، وبدل الشعور بالقيمة والنجاح، تسرب الينا الشعور بالاحباط وعدم الإحساس بقيمة الذات». المشكلة ان هذه المشاعر جعلت سامية تؤمن فعلا انه بزواجها ستستعيد بعضا من قيمتها: «على الأقل سأشعر بأن لي دورا في الحياة من خلال انجاب اطفال وتربيتهم، ولا يهم إن كان زوج المستقبل لا يملك سوى مرتب بسيط». أما راضية المصواري، 35 سنة، فحالتها مختلفة، فهي لم تكمل تعليمها، واضطرت لدخول معترك العمل بأحد المصانع المتخصصة في خياطة الملابس الجاهزة قبل عشر سنوات لمساعدة اسرتها. معاناتها مع العمل تكمن في انها تعمل لساعات طويلة، حيث تستيقظ باكرا ولا تعود إلا في آخر النهار مقابل راتب ضئيل، الأمر الذي أنهكها بدنيا، وبعد عشر سنوات تقول انها تحلم بالزواج من رجل، حتى لو وفر لها مجرد «خبز وزيتون وماء»، وهو قول فيه بعض المبالغة من باب التأكيد عن حجم معاناتها اليومية، والتعبير عن قناعتها بأن عملها ليس سوى مرحلة مؤقتة تسبق الزواج، لكنها تعود لتقول انها خائفة من المستقبل، لأن وضعها الحالي يشير إلى انه سيصبح مرحلة دائمة. وتوافقها الرأي خديجة، 28 عاما، التي تعمل ممرضة، وعلى أتم الاستعداد، كما تقول، بالتضحية بعملها في حال تقدم لها زوج قادر على إعالتها، خصوصا وانها لم تستفد ماديا من عملها طيلة خمس سنوات، لأنها مرغمة على إعطاء والدها راتبها في آخر الشهر، بحجة اعالة اخوانها واخواتها الصغار. وأكثر ما تخشاه خديجة ان تتكرر تجربتها مع والدها ايضا مع زوج المستقبل، لذلك ترفض مطلقا الارتباط بزوج يفرض عليها الاستمرار في العمل، وينتظر منها مساعدة مادية في شؤون البيت، منطلقة من قناعتها بأن «الرجل الحقيقي هو الذي لا يرضى بأن تساهم زوجته في مصروف البيت، حتى وان كانت تشتغل». واذا كانت هؤلاء الفتيات لم يتخطين بعد مرحلة الحلم، وما زلن في انتظار من يأتي ليخلصهن من متاعب العمل وإحباطاته، فإن تجربة أمينة تختلف نوعا ما. فهي، وبعد عام فقط من تعيينها بمدرسة في احدى القرى النائية في الجنوب المغربي، قدمت استقالتها لأنها لم تستطع العيش في منطقة نائية من جهة، ولأن ظروف العمل لم تكن تناسبها. وبعد مدة قصيرة تزوجت، ورغم ان حالة زوجها لمادية غير ميسورة، فهي ترفض العودة الى العمل، وإن كانت تتلقى بين الفينة والأخرى عروضا للتدريس في القطاع الخاص. وتؤكد انها ببساطة لا «أستطيع الجمع بين العمل والقيام بأشغال البيت وتربية الاطفال، وغير نادمة على ترك العمل رغم ظروف زوجي المادية الصعبة، ورغم صعوبة الحصول على وظيفة في القطاع العمومي». تعليقا على هذه الظاهرة، يعلق عبد الكريم بلحاج، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، انه في المجتمعات العربية ما زالت الثقافة التقليدية التي تحصر دور المرأة في البيت شائعة بشكل واسع، وتلقى القبول من طرف بعض الفئات، لذلك عندما تعبر المرأة عن رغبتها في التخلي عن العمل، من أجل الزواج وتربية الاطفال، فهي متأكدة أن لا احد سيعترض على رغبتها، وأن موقفها سيكون مقبولا، بل قد تجد من يشجعها عليه لأكثر من سبب.

وأوضح بلحاج ان انتشار مثل هذه الآراء، يؤثر بشكل سلبي على مشاركة المرأة في تنمية المجتمع، ويعد تراجعا عن العديد من المكتسبات التي حصلت عليها بعد كفاح طويل ومرير. فالمجتمعات العربية عموما ما زالت في طور النمو، وبحاجة شديدة الى كل عناصر المجتمع للمساهمة في هذه التنمية والتطور.

لكن وللاقتراب اكثر من الأسباب النفسية والاجتماعية العميقة التي تجعل هذه الشريحة تبدي استعدادها للتخلي عن العمل، والعيش تحت كفالة الزوج، أوضح بلحاج ان هناك عدة عوامل تفسر هذه الرغبة، من بينها ان عمل المرأة في المجتمعات العربية لا يعفيها من القيام بأشغال البيت وتربية الاولاد، لذلك ترى أن عملها خارج البيت يمثل عبئا اضافيا عليها وتعبا يوميا، فتفضل التفرغ لأحدهما. هذا عدا ان تفرغ المرأة لأشغال البيت يعفيها ايضا من الدخول في علاقة «صراعية أو تصادمية» مع الزوج، وهو ما يحقق لها نوعا من التوازن النفسي. ومن بين الاسباب الأخرى التي تدفع النساء للتخلي عن عملهن، كما قال، شعورهن بعدم الكفاءة المهنية، او عدم التميز، رغم حصولهن على شهادات دراسية عالية، ونتيجة لذلك قد يتعرضن لتوبيخات من طرف مرؤوسيهن، فيرافقهن الشعور بالفشل، لذلك و«عوض ان تكون مرؤوسة ومضغوطا عليها في مكان عمل، تفضل ان تصبح صاحبة قرار في بيتها الصغير».

ولا يمكن اغفال عامل السن لدى المرأة، حسب رأي بلحاج، فهو عامل مهم في إعلان رغبتها هاته في التخلي عن شرط العمل، الذي كانت تصر عليه بنات جنسها في السابق، ولا زالت العديدات منهن يعتبرنه كذلك، مقابل الحصول على زوج. فالزواج بالنسة لهذه الفئة هو بمثابة المستقبل، الذي يتحقق معه الاستقرار النفسي». ويشير بلحاج إلى أن هذه الظاهرة لا تخدم وضعية المرأة، عموما في المجتمع، لأن علاقتها بالرجل تصبح مبنية على «الاتكالية»، بينما الزواج مؤسسة قائمة على التفاوض والشراكة. وقد تصبح المرأة في بعض الحالات ضحية «استعباد» من طرف الزوج، إذا كان اختيارها لشريك الحياة مبنيا على قاعدة مصلحية، كالثراء.

الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط