minshawi
11-15-06, 12:53 AM
كشفت دراسة فقهية اجتماعية عن حقيقة الزواج العرفي في السعودية، والأسباب التي دفعت بعض الفتيات للزواج عرفياً. وأكدت الدراسة أن لهذا الزواج مفاسد ومساوئ كثيرة جداً، من أهمها تحوله إلى سوق للمتعة والتنقل بين النساء، وكثرة الطلاق، وعدم المسؤولية والغيرة، وغيرها من السلبيات التي رصدها الباحث في دراسته الميدانية. كما يترتب على هذا الزواج هدم مفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والود بين الزوجين، وقد تشعر المرأة فيه بالمهانة وعدم قوامة الرجل عليها، مما يؤدي إلى سلوكها سلوكيات سيئة تضر بنفسها وبالمجتمع، وكذلك وما يترتب عليه من عدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سويه متكاملة، وتأثيره سلباً في تكوين شخصياتهم.
الدراسة أعدها الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق، وقدم لها الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (عضو الإفتاء والدعوة والإرشاد سابقاً)، وهي تتناول ظاهرة (الزواج العرفي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها).
وتتناول الدراسة في القسم الأول "الأسرة ومفهومها الإسلامي وعلاقتها بالزواج العرفي"، و"الزواج وأحكامه" و"الأركان والشروط في الزواج" و"رأي الفقهاء في الزواج" و"الميل الفطري في الزواج".
أما القسم الثاني للدراسة فيخصصه الباحث للزواج العرفي، وحقيقته وأسبابه ودوافعه والسرعة في انتشاره بين المسلمين والألقاب التي لقب بها هذا الزواج، ومقارنة الزواج العرفي بالأنكحة الأخرى، والفرق بين زواج المسيار والزواج العرفي، وبينه وبين زواج المتعة، والزواج السري، والزواج بنية الطلاق، وزواج الخطيفة والزواج المدني، وزواج النهاريات والليليات، وزواج فرند.
ويتطرق الباحث للزواج العرفي من النواحي الشرعية والقانونية والمقاصدية، وحكم الزواج العرفي وسلبياته.
ابحثوا عن الأسباب
وأخطر ما جاء في الدراسة استمارات الاستبانة للمتزوجات عرفياً، حيث يكشفن عن الأسباب التي دفعتهن لهذا الزواج رغم مساوئه الكثيرة.
(م. م ـ 47 سنة)، متزوجة عرفياً، وتقول إن السبب في زواجها العرفي ضمان الحصول على معاش والدها، وإن هذا الزواج استمر لمدة ثلاث سنوات ثم حدث الطلاق، وتضيف: لم أكن أتوقع الطلاق، لأنني أفهم أنه زواج عادي مثل أي زواج آخر، وأن الذي دلها على هذا الزواج هي "نفسها". أما عن العقبات التي واجهتها فهي تتمثل في المجتمع الذي لا يرضى عنه، وأنها أقدمت على الزواج لأنه الحل الأخير الذي يناسب ظروفها من أجل استمرار معاش والدها، وهو زواج سريع وغير مكلف ويحل مشاكل كثيرة، وفي الوقت نفسه هو زواج غير آمن وليس للزوجة فيه حقوق، وهي لا ترضى عنه والحاجة الماسة هي التي دفعتها إليه.
وتعترف (م. م) بأنها كانت تشعر بأن الذي يعاشرها ليس زوجها، وتنصح من تريد الزواج بأن تتزوج رسمياً.
لم أتزوج من جنسيتي
(أ. ب ـ 30 سنة)، جامعية، سعودية، ومتزوجة عرفياً من غير جنسيتها، والسبب - كما تقول - صعوبة استخراج تصاريح الزواج للسعوديات، ففضلت أن يكون زواجاً عرفياً، وحتى الآن لم تنجب رغم مرور خمس سنوات على زواجها، ولا تتوقع الطلاق، لأنها كما تقول: تزوجته بعد قصة حب، وكانت تحول بيننا الكثير من العوائق أهمها الجنسية، وموافقة أهلي إضافة إلى أنه رجل متزوج ولديه أطفال، وبعد أن عرف أهلي بالقصة قام والدي بتزويجي له وانتقلنا إلى منطقة أخرى حيث مكان عمل زوجي، وواجهت العديد من العقبات من الأهل وفي العمل ومن المجتمع كله، ولكنني صممت على الزواج منه وواجهت الجميع.
وترى (أ. ب): أن هذا الزواج كان هو الحل لمثل وضعي ووضع زوجي، وأيضاً لمناسبة ظروفه، وخاصة أنه زواج غير معقد، وليس هناك إجراءات إدارية، ولو كنت تزوجت بالطريق الرسمي لانتظرت الحصول على تصريح، أما عن سلبياته فتقول: الشعور بأنني مهمشة من زوجي الذي يرفض الإنجاب خوفاً من زوجته الأولى وأولاده، ومن المجتمع الذي يرفض هذا الزواج، صحيح حققت ما أريد، وتزوجت بمن أحب، لكنه زواج ناقص، وأشعر أنه يملي علي رغبات غير واقعية، ولقد أثر علي هذا الزواج لأنه أضاع كثيراً من حقوقي ومن أبسطها الرغبة في الإنجاب.
والنصيحة التي تقدمها (أ. ب) لامرأة في نفس ظروفها تقول: أنصحها بعدم الزواج عرفياً ليس لأنه زواج عرفي فقط، بل هو خارج إطار المجتمع الذي نعيش فيه، ولا يجب أن تشذ بزواج غير عادي، وتوجه النصيحة للنساء بوجه عام قائلة: "عليهن ألا يضعفن أمام قلوبهن، وتضييع حقوقهن وألاّ ينصاع ولي أمرهن لهن فيقبل هذا الزواج، مهما كان الأمر، لأن هذا الزواج حكم على المرأة بالإعدام.
(أ. أ ـ 33 سنة)، حاصلة على مؤهل عال، تزوجت عرفياً منذ ثلاث سنوات، وما زال الزواج مستمراً، وقبلت الزواج العرفي لأن زوجها متزوج بأخرى ويخشى أن تطلب الطلاق لأن لديه أولاداً كثر، وعليه مؤخر صداق كبير، وتقول: توقعت أن يستمر زواجي، لأني أعلم أن زوجي متدين، وصارحني أنه سوف يتمسك بزوجته الأولى وأولاده، وأيضاً سيتمسك بي، وقد تم الاتفاق بين زوجي وأنا ووالدي، وقام والدي بتزويجي له، ولم يكن هذا الزواج هو الحل الأخير بل كان الحل البديل، الذي يناسب ظروف زوجي وظروفي.
وترى أنه زواج رسمي وسلبياته في عرفيته، وأنه قد تم التغلب على ذلك بطريقة أخرى، وتؤكد أنها ترضى عن هذا الزواج، ولكن لا ترضى عما نجم عنه من مشكلات في العمل، وأنه يجب على الإنسان أن يتصرف وفقاً للشريعة الإسلامية مادام الزواج بولي وبرضاها وبشهود، وأن الولي اطمأن على الأركان الخاصة بالزواج، وترى أن ظروف كل امرأة تختلف عن الأخرى.
زواج مرفوض
(هـ. ن) متزوجة، ترفض هذا الزواج، وتقول إنه لا يسهم في حل مشكلة العنوسة، والمجتمع لا يتقبله بل يرفضه ويعيبه، وأنه يجعل المرأة سلعة سهلة المنال، ولا يلبي الحد الأدنى من حقوق المرأة، ويشكل أثراً نفسياً سيئاً على المرأة كونها أقل شأناً من غيرها.
وتضيف (هـ. ن): إن المجتمع يخلط بين مفهوم الزواج العرفي ومفهوم الزواج السري، وينظر بازدراء وتنقص لمن يتزوج أو تتزوج عرفياً، وخاصة بالنسبة للمرأة، أما الرجال فإن الأغلبية تلجأ للزواج العرفي هروباً من التبعات المصاحبة للزواج العادي الرسمي، وكثيراً ما يلجأ الرجل إلى هذا الزواج إذا كان يعيش في بلد وزوجته الأولى في بلد آخر، وإن عقبات مثل ارتفاع المهر والمؤخر وعدم الحصول على الإذن بالزواج من الجهات المختصة، وعدم استطاعة الزوج الإنفاق على زوجته وأولاده السبب في الزواج العرفي، وإن هذا النوع لا يحقق أي درجة من التكافل الاجتماعي مثل كون المرأة المتزوجة عرفياً أرملة، وترغب في تلبية حاجتها وحاجة أبنائها أو كونها معاقة وتحتاج إلى بعض الرعاية، ولا ترى الزواج بالخادمة في حالة الإتيان بها إلى المنزل، وتؤكد أن هذا النوع من الزواج مرفوض لأنه يهضم حقوق المرأة.
مطلقة وترفضه
(أم أحمد ـ 39)، مطلقة، حاصلة على الثانوية العامة، ترفض الزواج، ولا ترى منه أي حل لمشاكل العنوسة، وأن المجتمع لا يقبله تماماً، لأنه يجعل من المرأة مجرد سلعة سهلة المنال. ولكنها تقول: إنه يلبي الحد الأدنى لحقوق المرأة، ولكنه يشكل أثراً نفسياً سيئاً عليها كونها أقل شأناً من غيرها من النساء، وتعترف بأن المجتمع يخلط بين الزواج العرفي والزواج السري، وهو ينظر بازدراء وتنقّص لمن تتزوج عرفياً وخصوصاً إذا كانت امرأة، وأن الرجال الذين يلجؤون إلى هذا الزواج يهربون من تكاليف وتبعات الزواج العادي.
وترى (أم أحمد) أن هذا الزواج قد يحقق نوعاً من التكافل الاجتماعي إذا كانت المرأة أرملة وتريد من يتحمل مسؤوليتها، أو معاقة وتحتاج لرعاية.
بينات وإحصاءات
وقد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق أن 69.5% ممن شملتهم الاستبانة يؤكدون أن المجتمع لا يقبل الزواج العرفي ويرفضه ويعيب، وقال 24% إن المجتمع لا يتقبل هذا النوع من الزواج "إلى حد ما"، في حين قال 33% إن الزواج العرفي يسهم في حل بعض مشاكل العنوسة التي كثرت في هذا الوقت. وقال 44% إنه لا يحل مشاكل العنوسة. وأكد 41.5% أن هذا الزواج لا يقلل من الأثر النفسي على الزوجة الأولى إذا ما حصل مقارنة مع التعدد العادي، في حين قال 27% إنه يقلل من الأثر النفسي على الزوجة الأولى.
وأكد 69% ممن شملتهم الاستبانة أن الإقبال على الزواج العرفي يجعل من المرأة سلعة سهلة المنال، ورفض 13% هذا القول تماماً، وقال 18% إنه - نوعاً ما- يجعل المرأة سلعة سهلة المنال.
وقال 46% إن هذا الزواج يلبي الحد الأدنى لحقوق المرأة، في حين قال 28% إنه لا يلبي هذا الحد، وأكد 67% أن الزواج العرفي يشكل أثراً نفسياً سيئاً على المرأة لكونها أقل شأناً من غيرها، ورفض هذا القول 12% ممن شملتهم الاستبانة.
وقال 55% إن أفراد المجتمع يخلطون بين مفهوم الزواج العرفي ومفهوم الزواج السري، في حين قال 21% إن المجتمع لا يخلط بين المفهومين، وأكد 72.5% ممن شملتهم الاستبانة أن المجتمع ينظر بازدراء وتنقص لمن تتزوج عرفياً، وقال 9% لا، في حين قال 18.5% إن المجتمع ينظر بازدراء وتنقص لمن تتزوج عرفياً (نوعاً ما).
وحول لجوء بعض الرجال إلى هذا الزواج العرفي، كان السبب أنه في بلد والزوجة في بلد آخر، في حين رفض هذا القول 21.5 % من أفراد الاستبيان.
وقال 43% إن بعض الرجال يلجؤون إلى الزواج العرفي لعدم الحصول على إذن بالزواج من بلده لأي ظرف كان كصغر السن لدى الزوج، ورفض هذا القول 23.5%.
وأكد 55.5% أن بعض الأزواج لا يستطيعون التوفيق بين الاستمرار في هذا الزواج وبين الطلاق بسبب ارتفاع المؤخر، وعدم الحصول على إذن بالزواج من بلده، أو عدم استطاعة الزوج النفقة على زوجته وأولاده لدرجة أنه تخلى عن أبنائه نهائياً.
وقال 41% إن الزواج العرفي ربما يتوافق مع صور التكافل الاجتماعي مثل: كون المرأة أرملة، أو ترغب في تلبية حاجاتها وحاجة أبنائها، أو كونها معاقة وتحتاج إلى بعض الرعاية، ولكن 30% ممن شملتهم الاستبانه رفضوا ذلك الرأي.
وأكد 38% ممن شملتهم الاستبانه أن الزواج العرفي هو البديل الذي لا مناص منه في حالة الرغبة في الزواج، وعدم الاستطاعة، والحذر من الوقوع بالزنا، خصوصاً في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن، ورفض هذا القول 31.5%، في حين أيده (إلى حد ما) 22.5%.
ورفض 63% مجرد التفكير في الزواج العرفي في حالة عدم القدرة على تكاليف الزواج العادي الرسمي، في حين وافق على الزواج العرفي 23.5% وقبله (نوعاً ما) 13.5%.
وأيد 11% الزواج عرفياً إذا كان عمله يحتاج إلى عنصر نسائي مثل (عاملة منزلية) أو (مربية) أو (غير ذلك) وخشي على نفسه الزنا أو كانت الظروف مواتية، في حين قال 52% إنهم يغضون الطرف نهائياً عن هذا الأمر ولا يفكرون في الزواج العرفي، وأكد 17% أنهم سوف يتخلصون من (الخادمة) أو (المربية) أو (العاملة) بأي طريقة.
ورفض 71% الزواج بالخادمة في حالة الضرورة في حالة الإتيان بها من دون محرم، في حين أيد هذا الزواج 12%.
وقال 32% إن الآباء هم السبب في هذا الزواج العرفي، وذلك لكثرة الأسئلة والتمحيص والتدقيق عن الخاطب، والتأخر الكثير في الوقت دون إجابة الخاطب مما يزيده تعقيداً، ولكن رفض هذا القول 29%.
ليس زواجاً
ويستعرض الباحث الآراء المختلفة حول شرعية أو عدم شرعية الزواج العرفي، ويقول إن هناك إجماعاً من العلماء على أن الزواج العرفي الذي يتم بين الرجل والمرأة، دون اكتمال الأركان والشروط المعتبرة شرعاً ليس بزواج أصلاً وإن سمي زواجاً، كما أجمعوا - أي العلماء - على أن الزواج الذي تكتمل فيه الأركان والشروط المعتبرة يكون العقد فيه صحيحاً، وأن شرط الكتابة ليس لصحة العقد، وإنما لصيانته والخشية من ضياع الحقوق فيه، ويبقى الخلاف في صحة الزواج من حيث مخالفته لمقاصد النكاح العظيمة أو ما يسببه من آثار سيئة على المجتمع، وما حصل من استغلال لهذا العقد استغلالاً بشعاً، مما يجعله أمام العامة من الناس لا فرق بينه وبين الزنا، ولذلك من قال بإباحته نظر إلى عقده، وأما آثاره فهي محل نظر.
أما من قال بتحريمه فقد نظر إلى خطورته من جهة مقاصده، وسبب الخلاف بين من قال بتحريمه على قسمين:
القسم الأول: قال بالتحريم المطلق، وشدد بالتحريم لآثاره البشعة والمهينة، دون التفريق بين من كان العقد فيه مكتملاً، وبين العقد الذي يخلو من الأركان والشروط، وبين من كان العقد فيه ناقصاً، وأنه زنا محض.
أما القسم الثاني: فقال بتحريم العقد المكتمل للأركان والشروط بالنسبة لآثاره وليس لذات العقد، مشبهاً ذلك بنكاح التحليل وغيره.
توصيات عامة
وأورد الباحث توصيات عامة مقترحة إلى المجامع الفقهية، وخاصة المجمع الفقهي الإسلامي بجدة، بإصدار القرار الشرعي المناسب بمنع هذا الزواج، وإن كان صحيحاً، وذلك حماية للأعراض، وصيانة للعقود، وخاصة عقود الزواج من الخادمات وما حصل من التلاعب الملحوظ فيهن، وأن يصاحب ذلك تخفيض للمهور وخفض للتكاليف الأخرى، كما أوصت الدراسة بدراسة أثر الزواج العرفي على التوافق النفسي والشخصي للمرأة، وأثره على سلوكيات الأبناء الخلقي وعلى الزواج الرسمي ومدى تضرره، كذلك دراسة أثر الزواج العرفي على سلوك الخادمة مع الأسرة السعودية.
العلماء والزواج العرفي
اختلفت آراء العلماء المعاصرين حول الزواج العرفي وشرعيته، وقد حرص الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق أن يفرد فصلاً كاملاً في دراسته عن آراء العلماء المعاصرين حول الزواج العرفي، الذي اختلفوا فيه، فهناك من رأى فيه زواجاً شرعياً إذا اكتملت فيه أركان الزواج الشرعية، وهناك من رأى أنه زنا ولا يعد زواجاً.
فالشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (عضو الإفتاء والدعوة سابقاً) قال بإباحته مادام فيه شرط عقد النكاح: الولي، والشاهدان، والإيجاب والقبول وانتفاء الموانع، فإذا تمت الشروط وزالت الموانع صح عقد النكاح، وليس من شروطه إثبات ذلك في وثائق عند أحد المأذونين، وإنما جعل هذا الشرط أخيراً لما احتيج إلى إثبات الزوجة في دفتر العائلة خوفاً من التزوير ومن الكذب، وحيث إنه قد يضطر إلى السفر بها خارج البلاد، فاشترط إثباتها وتوقف الإثبات على هذه الوثيقة، ولكن الأصل عدم وجوب هذه الوثيقة، كما كان عليه العمل قبل خمسين أو ستين سنة، فإذا تمت هذه الشروط فلا مانع من اعتبار هذا الزواج، سواء كانت في داخل البلد أو خارج الدولة.
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان قال: الزواج العرفي إذا تكاملت فيه أركان النكاح وهي: الزوجان الخاليان من الموانع، والإيجاب والقبول، وتكاملت فيه شروط صحة العقد وهي: وجود الولي الذي تتكامل فيه شروط الولاية، ووجود الشاهدين العدلين، ورضا كل من الزوجين بصاحبه، وتعيين كل من الزوجين، وإعلان النكاح. فإذا تكاملت هذه الأركان وهذه الشروط فالنكاح صحيح شرعاً والإجراءات النظامية لا بد منها إذا ترتب على تركها لحوق الضرر بالزوجين أو أحدهما، فلا بد من التزامها دفعاً للضرر.
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان (رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية) سئل عن حكم الزواج العرفي فأجاب بأن الزواج إذا لم يكن فيه مانع من الموانع الشرعية ووجد الولي والشهادة، فهذا صحيح حتى ولو لم تتم فيه الوليمة، مع أن الأحسن إتمامها لقوله صلى الله عليه وسلم (أولم ولو بشاة).
الشيخ ناصر بن سليمان العمر قال : إذا كان الزواج العرفي مكتمل الشروط، من ولي وشهود وإيجاب وقبول ومهر وموافقة المرأة، فإنه زواج شرعي ولو لم يسجل رسمياً.
الشيخ إبراهيم الخضيري قال: الزواج العرفي بالصورة التي وردت بالسؤال هو: زواج شرعي صحيح وعليه عمل المحاكم الشرعية، فإنه إذا ثبت الزواج بشروطه الشرعية المعتبرة وأركانه المعروفة وهي: زوج، وولي، وشاهدان، وبمهر، فإنه يترتب آثاره لقوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالنكاح وحث عليه، ولم يلزم بتوثيقه بوثائق أو بحاكم شرعي.
أما الشيخ يوسف القرضاوي فيرى أن الزواج العرفي زواج شرعي غير مسجل ولا موثق ولكنه زواج عادي، يتكلف فيه الزوج السكن والنفقة للمرأة، وفي الغالب يكون الرجل متزوجاً بأخرى ويكتم عنها هذا الزواج لسبب أو آخر.
الشيخ نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق) يقول: إن الزواج العرفي لا يكون صحيحاً شرعاً في هذا الزمن الذي نحن فيه، والذي قل فيه الوازع الديني، وكثرت فيه الفتن، وإنكار الشهادات التي يشهد بها الشهود، وشهادات الزور، وضياع الحقوق الزوجية، والنسب.
الشيخ محمد نبيل غنايم (أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة) يقول: بالنظر إلى حقيقة هذا الزواج العرفي يتبين حكمه الشرعي، فهو باطل وحرام، وفاعله آثم إثماً عظيماً من عدة وجوه منها أن الله تعالى شرع الزواج لتحقيق مقاصد عديدة أهمها إقامة الحياة الآمنة المطمئنة التي من خلالها يتحقق الحصول على النسل بطريق مشروع، وإشباع الغريزة بطريق مشروع. فأين المقاصد من الزواج العرفي؟ أين السكينة فيه والطمأنينة؟ وأين المودة والرحمة؟ وأين الأبناء والبنات؟، ليس في الزواج العرفي إلا إشباع الغريزة بصورة حيوانية أشبه بالزنا والسرقة والاغتصاب، يلتقيان خفية أو في الظلام، يتوجسان خيفة من أي حركة، ويرتعدان من أي حركة، يرتعدان من أي صوت، لأنهما يحسان أنهما يرتكبان جريمة. هذا الزواج لا تتوافر فيه شروط وأركان الزواج الشرعي. فالمسألة هنا مسألة إيجاب وقبول من اثنين فقط؟ ولكنها أكبر من ذلك وأعظم، فأين الولي؟.
أما الشيخ محمد متولي الشعراوي فقد سئل عن رأيه في الزواج العرفي: أهو حلال أم حرام؟، فأجاب بلهجة حادة وقاطعة: (زنا، الزواج العرفي زنا، لأن الزواج إذا كان في الخفاء انتهت المسألة لعدم وجود الإعلان والإشهار، لماذا إنسان يكون زواجه في الخفاء؟، إنه في هذه المسألة يشبه نفسه ببعض البلطجية والمنحرفين الذين يلتفون حول أنثى في الخفاء، الزواج العرفي حرام حرام حرام).
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط
الدراسة أعدها الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق، وقدم لها الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (عضو الإفتاء والدعوة والإرشاد سابقاً)، وهي تتناول ظاهرة (الزواج العرفي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها).
وتتناول الدراسة في القسم الأول "الأسرة ومفهومها الإسلامي وعلاقتها بالزواج العرفي"، و"الزواج وأحكامه" و"الأركان والشروط في الزواج" و"رأي الفقهاء في الزواج" و"الميل الفطري في الزواج".
أما القسم الثاني للدراسة فيخصصه الباحث للزواج العرفي، وحقيقته وأسبابه ودوافعه والسرعة في انتشاره بين المسلمين والألقاب التي لقب بها هذا الزواج، ومقارنة الزواج العرفي بالأنكحة الأخرى، والفرق بين زواج المسيار والزواج العرفي، وبينه وبين زواج المتعة، والزواج السري، والزواج بنية الطلاق، وزواج الخطيفة والزواج المدني، وزواج النهاريات والليليات، وزواج فرند.
ويتطرق الباحث للزواج العرفي من النواحي الشرعية والقانونية والمقاصدية، وحكم الزواج العرفي وسلبياته.
ابحثوا عن الأسباب
وأخطر ما جاء في الدراسة استمارات الاستبانة للمتزوجات عرفياً، حيث يكشفن عن الأسباب التي دفعتهن لهذا الزواج رغم مساوئه الكثيرة.
(م. م ـ 47 سنة)، متزوجة عرفياً، وتقول إن السبب في زواجها العرفي ضمان الحصول على معاش والدها، وإن هذا الزواج استمر لمدة ثلاث سنوات ثم حدث الطلاق، وتضيف: لم أكن أتوقع الطلاق، لأنني أفهم أنه زواج عادي مثل أي زواج آخر، وأن الذي دلها على هذا الزواج هي "نفسها". أما عن العقبات التي واجهتها فهي تتمثل في المجتمع الذي لا يرضى عنه، وأنها أقدمت على الزواج لأنه الحل الأخير الذي يناسب ظروفها من أجل استمرار معاش والدها، وهو زواج سريع وغير مكلف ويحل مشاكل كثيرة، وفي الوقت نفسه هو زواج غير آمن وليس للزوجة فيه حقوق، وهي لا ترضى عنه والحاجة الماسة هي التي دفعتها إليه.
وتعترف (م. م) بأنها كانت تشعر بأن الذي يعاشرها ليس زوجها، وتنصح من تريد الزواج بأن تتزوج رسمياً.
لم أتزوج من جنسيتي
(أ. ب ـ 30 سنة)، جامعية، سعودية، ومتزوجة عرفياً من غير جنسيتها، والسبب - كما تقول - صعوبة استخراج تصاريح الزواج للسعوديات، ففضلت أن يكون زواجاً عرفياً، وحتى الآن لم تنجب رغم مرور خمس سنوات على زواجها، ولا تتوقع الطلاق، لأنها كما تقول: تزوجته بعد قصة حب، وكانت تحول بيننا الكثير من العوائق أهمها الجنسية، وموافقة أهلي إضافة إلى أنه رجل متزوج ولديه أطفال، وبعد أن عرف أهلي بالقصة قام والدي بتزويجي له وانتقلنا إلى منطقة أخرى حيث مكان عمل زوجي، وواجهت العديد من العقبات من الأهل وفي العمل ومن المجتمع كله، ولكنني صممت على الزواج منه وواجهت الجميع.
وترى (أ. ب): أن هذا الزواج كان هو الحل لمثل وضعي ووضع زوجي، وأيضاً لمناسبة ظروفه، وخاصة أنه زواج غير معقد، وليس هناك إجراءات إدارية، ولو كنت تزوجت بالطريق الرسمي لانتظرت الحصول على تصريح، أما عن سلبياته فتقول: الشعور بأنني مهمشة من زوجي الذي يرفض الإنجاب خوفاً من زوجته الأولى وأولاده، ومن المجتمع الذي يرفض هذا الزواج، صحيح حققت ما أريد، وتزوجت بمن أحب، لكنه زواج ناقص، وأشعر أنه يملي علي رغبات غير واقعية، ولقد أثر علي هذا الزواج لأنه أضاع كثيراً من حقوقي ومن أبسطها الرغبة في الإنجاب.
والنصيحة التي تقدمها (أ. ب) لامرأة في نفس ظروفها تقول: أنصحها بعدم الزواج عرفياً ليس لأنه زواج عرفي فقط، بل هو خارج إطار المجتمع الذي نعيش فيه، ولا يجب أن تشذ بزواج غير عادي، وتوجه النصيحة للنساء بوجه عام قائلة: "عليهن ألا يضعفن أمام قلوبهن، وتضييع حقوقهن وألاّ ينصاع ولي أمرهن لهن فيقبل هذا الزواج، مهما كان الأمر، لأن هذا الزواج حكم على المرأة بالإعدام.
(أ. أ ـ 33 سنة)، حاصلة على مؤهل عال، تزوجت عرفياً منذ ثلاث سنوات، وما زال الزواج مستمراً، وقبلت الزواج العرفي لأن زوجها متزوج بأخرى ويخشى أن تطلب الطلاق لأن لديه أولاداً كثر، وعليه مؤخر صداق كبير، وتقول: توقعت أن يستمر زواجي، لأني أعلم أن زوجي متدين، وصارحني أنه سوف يتمسك بزوجته الأولى وأولاده، وأيضاً سيتمسك بي، وقد تم الاتفاق بين زوجي وأنا ووالدي، وقام والدي بتزويجي له، ولم يكن هذا الزواج هو الحل الأخير بل كان الحل البديل، الذي يناسب ظروف زوجي وظروفي.
وترى أنه زواج رسمي وسلبياته في عرفيته، وأنه قد تم التغلب على ذلك بطريقة أخرى، وتؤكد أنها ترضى عن هذا الزواج، ولكن لا ترضى عما نجم عنه من مشكلات في العمل، وأنه يجب على الإنسان أن يتصرف وفقاً للشريعة الإسلامية مادام الزواج بولي وبرضاها وبشهود، وأن الولي اطمأن على الأركان الخاصة بالزواج، وترى أن ظروف كل امرأة تختلف عن الأخرى.
زواج مرفوض
(هـ. ن) متزوجة، ترفض هذا الزواج، وتقول إنه لا يسهم في حل مشكلة العنوسة، والمجتمع لا يتقبله بل يرفضه ويعيبه، وأنه يجعل المرأة سلعة سهلة المنال، ولا يلبي الحد الأدنى من حقوق المرأة، ويشكل أثراً نفسياً سيئاً على المرأة كونها أقل شأناً من غيرها.
وتضيف (هـ. ن): إن المجتمع يخلط بين مفهوم الزواج العرفي ومفهوم الزواج السري، وينظر بازدراء وتنقص لمن يتزوج أو تتزوج عرفياً، وخاصة بالنسبة للمرأة، أما الرجال فإن الأغلبية تلجأ للزواج العرفي هروباً من التبعات المصاحبة للزواج العادي الرسمي، وكثيراً ما يلجأ الرجل إلى هذا الزواج إذا كان يعيش في بلد وزوجته الأولى في بلد آخر، وإن عقبات مثل ارتفاع المهر والمؤخر وعدم الحصول على الإذن بالزواج من الجهات المختصة، وعدم استطاعة الزوج الإنفاق على زوجته وأولاده السبب في الزواج العرفي، وإن هذا النوع لا يحقق أي درجة من التكافل الاجتماعي مثل كون المرأة المتزوجة عرفياً أرملة، وترغب في تلبية حاجتها وحاجة أبنائها أو كونها معاقة وتحتاج إلى بعض الرعاية، ولا ترى الزواج بالخادمة في حالة الإتيان بها إلى المنزل، وتؤكد أن هذا النوع من الزواج مرفوض لأنه يهضم حقوق المرأة.
مطلقة وترفضه
(أم أحمد ـ 39)، مطلقة، حاصلة على الثانوية العامة، ترفض الزواج، ولا ترى منه أي حل لمشاكل العنوسة، وأن المجتمع لا يقبله تماماً، لأنه يجعل من المرأة مجرد سلعة سهلة المنال. ولكنها تقول: إنه يلبي الحد الأدنى لحقوق المرأة، ولكنه يشكل أثراً نفسياً سيئاً عليها كونها أقل شأناً من غيرها من النساء، وتعترف بأن المجتمع يخلط بين الزواج العرفي والزواج السري، وهو ينظر بازدراء وتنقّص لمن تتزوج عرفياً وخصوصاً إذا كانت امرأة، وأن الرجال الذين يلجؤون إلى هذا الزواج يهربون من تكاليف وتبعات الزواج العادي.
وترى (أم أحمد) أن هذا الزواج قد يحقق نوعاً من التكافل الاجتماعي إذا كانت المرأة أرملة وتريد من يتحمل مسؤوليتها، أو معاقة وتحتاج لرعاية.
بينات وإحصاءات
وقد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق أن 69.5% ممن شملتهم الاستبانة يؤكدون أن المجتمع لا يقبل الزواج العرفي ويرفضه ويعيب، وقال 24% إن المجتمع لا يتقبل هذا النوع من الزواج "إلى حد ما"، في حين قال 33% إن الزواج العرفي يسهم في حل بعض مشاكل العنوسة التي كثرت في هذا الوقت. وقال 44% إنه لا يحل مشاكل العنوسة. وأكد 41.5% أن هذا الزواج لا يقلل من الأثر النفسي على الزوجة الأولى إذا ما حصل مقارنة مع التعدد العادي، في حين قال 27% إنه يقلل من الأثر النفسي على الزوجة الأولى.
وأكد 69% ممن شملتهم الاستبانة أن الإقبال على الزواج العرفي يجعل من المرأة سلعة سهلة المنال، ورفض 13% هذا القول تماماً، وقال 18% إنه - نوعاً ما- يجعل المرأة سلعة سهلة المنال.
وقال 46% إن هذا الزواج يلبي الحد الأدنى لحقوق المرأة، في حين قال 28% إنه لا يلبي هذا الحد، وأكد 67% أن الزواج العرفي يشكل أثراً نفسياً سيئاً على المرأة لكونها أقل شأناً من غيرها، ورفض هذا القول 12% ممن شملتهم الاستبانة.
وقال 55% إن أفراد المجتمع يخلطون بين مفهوم الزواج العرفي ومفهوم الزواج السري، في حين قال 21% إن المجتمع لا يخلط بين المفهومين، وأكد 72.5% ممن شملتهم الاستبانة أن المجتمع ينظر بازدراء وتنقص لمن تتزوج عرفياً، وقال 9% لا، في حين قال 18.5% إن المجتمع ينظر بازدراء وتنقص لمن تتزوج عرفياً (نوعاً ما).
وحول لجوء بعض الرجال إلى هذا الزواج العرفي، كان السبب أنه في بلد والزوجة في بلد آخر، في حين رفض هذا القول 21.5 % من أفراد الاستبيان.
وقال 43% إن بعض الرجال يلجؤون إلى الزواج العرفي لعدم الحصول على إذن بالزواج من بلده لأي ظرف كان كصغر السن لدى الزوج، ورفض هذا القول 23.5%.
وأكد 55.5% أن بعض الأزواج لا يستطيعون التوفيق بين الاستمرار في هذا الزواج وبين الطلاق بسبب ارتفاع المؤخر، وعدم الحصول على إذن بالزواج من بلده، أو عدم استطاعة الزوج النفقة على زوجته وأولاده لدرجة أنه تخلى عن أبنائه نهائياً.
وقال 41% إن الزواج العرفي ربما يتوافق مع صور التكافل الاجتماعي مثل: كون المرأة أرملة، أو ترغب في تلبية حاجاتها وحاجة أبنائها، أو كونها معاقة وتحتاج إلى بعض الرعاية، ولكن 30% ممن شملتهم الاستبانه رفضوا ذلك الرأي.
وأكد 38% ممن شملتهم الاستبانه أن الزواج العرفي هو البديل الذي لا مناص منه في حالة الرغبة في الزواج، وعدم الاستطاعة، والحذر من الوقوع بالزنا، خصوصاً في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن، ورفض هذا القول 31.5%، في حين أيده (إلى حد ما) 22.5%.
ورفض 63% مجرد التفكير في الزواج العرفي في حالة عدم القدرة على تكاليف الزواج العادي الرسمي، في حين وافق على الزواج العرفي 23.5% وقبله (نوعاً ما) 13.5%.
وأيد 11% الزواج عرفياً إذا كان عمله يحتاج إلى عنصر نسائي مثل (عاملة منزلية) أو (مربية) أو (غير ذلك) وخشي على نفسه الزنا أو كانت الظروف مواتية، في حين قال 52% إنهم يغضون الطرف نهائياً عن هذا الأمر ولا يفكرون في الزواج العرفي، وأكد 17% أنهم سوف يتخلصون من (الخادمة) أو (المربية) أو (العاملة) بأي طريقة.
ورفض 71% الزواج بالخادمة في حالة الضرورة في حالة الإتيان بها من دون محرم، في حين أيد هذا الزواج 12%.
وقال 32% إن الآباء هم السبب في هذا الزواج العرفي، وذلك لكثرة الأسئلة والتمحيص والتدقيق عن الخاطب، والتأخر الكثير في الوقت دون إجابة الخاطب مما يزيده تعقيداً، ولكن رفض هذا القول 29%.
ليس زواجاً
ويستعرض الباحث الآراء المختلفة حول شرعية أو عدم شرعية الزواج العرفي، ويقول إن هناك إجماعاً من العلماء على أن الزواج العرفي الذي يتم بين الرجل والمرأة، دون اكتمال الأركان والشروط المعتبرة شرعاً ليس بزواج أصلاً وإن سمي زواجاً، كما أجمعوا - أي العلماء - على أن الزواج الذي تكتمل فيه الأركان والشروط المعتبرة يكون العقد فيه صحيحاً، وأن شرط الكتابة ليس لصحة العقد، وإنما لصيانته والخشية من ضياع الحقوق فيه، ويبقى الخلاف في صحة الزواج من حيث مخالفته لمقاصد النكاح العظيمة أو ما يسببه من آثار سيئة على المجتمع، وما حصل من استغلال لهذا العقد استغلالاً بشعاً، مما يجعله أمام العامة من الناس لا فرق بينه وبين الزنا، ولذلك من قال بإباحته نظر إلى عقده، وأما آثاره فهي محل نظر.
أما من قال بتحريمه فقد نظر إلى خطورته من جهة مقاصده، وسبب الخلاف بين من قال بتحريمه على قسمين:
القسم الأول: قال بالتحريم المطلق، وشدد بالتحريم لآثاره البشعة والمهينة، دون التفريق بين من كان العقد فيه مكتملاً، وبين العقد الذي يخلو من الأركان والشروط، وبين من كان العقد فيه ناقصاً، وأنه زنا محض.
أما القسم الثاني: فقال بتحريم العقد المكتمل للأركان والشروط بالنسبة لآثاره وليس لذات العقد، مشبهاً ذلك بنكاح التحليل وغيره.
توصيات عامة
وأورد الباحث توصيات عامة مقترحة إلى المجامع الفقهية، وخاصة المجمع الفقهي الإسلامي بجدة، بإصدار القرار الشرعي المناسب بمنع هذا الزواج، وإن كان صحيحاً، وذلك حماية للأعراض، وصيانة للعقود، وخاصة عقود الزواج من الخادمات وما حصل من التلاعب الملحوظ فيهن، وأن يصاحب ذلك تخفيض للمهور وخفض للتكاليف الأخرى، كما أوصت الدراسة بدراسة أثر الزواج العرفي على التوافق النفسي والشخصي للمرأة، وأثره على سلوكيات الأبناء الخلقي وعلى الزواج الرسمي ومدى تضرره، كذلك دراسة أثر الزواج العرفي على سلوك الخادمة مع الأسرة السعودية.
العلماء والزواج العرفي
اختلفت آراء العلماء المعاصرين حول الزواج العرفي وشرعيته، وقد حرص الدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق أن يفرد فصلاً كاملاً في دراسته عن آراء العلماء المعاصرين حول الزواج العرفي، الذي اختلفوا فيه، فهناك من رأى فيه زواجاً شرعياً إذا اكتملت فيه أركان الزواج الشرعية، وهناك من رأى أنه زنا ولا يعد زواجاً.
فالشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (عضو الإفتاء والدعوة سابقاً) قال بإباحته مادام فيه شرط عقد النكاح: الولي، والشاهدان، والإيجاب والقبول وانتفاء الموانع، فإذا تمت الشروط وزالت الموانع صح عقد النكاح، وليس من شروطه إثبات ذلك في وثائق عند أحد المأذونين، وإنما جعل هذا الشرط أخيراً لما احتيج إلى إثبات الزوجة في دفتر العائلة خوفاً من التزوير ومن الكذب، وحيث إنه قد يضطر إلى السفر بها خارج البلاد، فاشترط إثباتها وتوقف الإثبات على هذه الوثيقة، ولكن الأصل عدم وجوب هذه الوثيقة، كما كان عليه العمل قبل خمسين أو ستين سنة، فإذا تمت هذه الشروط فلا مانع من اعتبار هذا الزواج، سواء كانت في داخل البلد أو خارج الدولة.
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان قال: الزواج العرفي إذا تكاملت فيه أركان النكاح وهي: الزوجان الخاليان من الموانع، والإيجاب والقبول، وتكاملت فيه شروط صحة العقد وهي: وجود الولي الذي تتكامل فيه شروط الولاية، ووجود الشاهدين العدلين، ورضا كل من الزوجين بصاحبه، وتعيين كل من الزوجين، وإعلان النكاح. فإذا تكاملت هذه الأركان وهذه الشروط فالنكاح صحيح شرعاً والإجراءات النظامية لا بد منها إذا ترتب على تركها لحوق الضرر بالزوجين أو أحدهما، فلا بد من التزامها دفعاً للضرر.
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان (رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية) سئل عن حكم الزواج العرفي فأجاب بأن الزواج إذا لم يكن فيه مانع من الموانع الشرعية ووجد الولي والشهادة، فهذا صحيح حتى ولو لم تتم فيه الوليمة، مع أن الأحسن إتمامها لقوله صلى الله عليه وسلم (أولم ولو بشاة).
الشيخ ناصر بن سليمان العمر قال : إذا كان الزواج العرفي مكتمل الشروط، من ولي وشهود وإيجاب وقبول ومهر وموافقة المرأة، فإنه زواج شرعي ولو لم يسجل رسمياً.
الشيخ إبراهيم الخضيري قال: الزواج العرفي بالصورة التي وردت بالسؤال هو: زواج شرعي صحيح وعليه عمل المحاكم الشرعية، فإنه إذا ثبت الزواج بشروطه الشرعية المعتبرة وأركانه المعروفة وهي: زوج، وولي، وشاهدان، وبمهر، فإنه يترتب آثاره لقوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالنكاح وحث عليه، ولم يلزم بتوثيقه بوثائق أو بحاكم شرعي.
أما الشيخ يوسف القرضاوي فيرى أن الزواج العرفي زواج شرعي غير مسجل ولا موثق ولكنه زواج عادي، يتكلف فيه الزوج السكن والنفقة للمرأة، وفي الغالب يكون الرجل متزوجاً بأخرى ويكتم عنها هذا الزواج لسبب أو آخر.
الشيخ نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق) يقول: إن الزواج العرفي لا يكون صحيحاً شرعاً في هذا الزمن الذي نحن فيه، والذي قل فيه الوازع الديني، وكثرت فيه الفتن، وإنكار الشهادات التي يشهد بها الشهود، وشهادات الزور، وضياع الحقوق الزوجية، والنسب.
الشيخ محمد نبيل غنايم (أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة) يقول: بالنظر إلى حقيقة هذا الزواج العرفي يتبين حكمه الشرعي، فهو باطل وحرام، وفاعله آثم إثماً عظيماً من عدة وجوه منها أن الله تعالى شرع الزواج لتحقيق مقاصد عديدة أهمها إقامة الحياة الآمنة المطمئنة التي من خلالها يتحقق الحصول على النسل بطريق مشروع، وإشباع الغريزة بطريق مشروع. فأين المقاصد من الزواج العرفي؟ أين السكينة فيه والطمأنينة؟ وأين المودة والرحمة؟ وأين الأبناء والبنات؟، ليس في الزواج العرفي إلا إشباع الغريزة بصورة حيوانية أشبه بالزنا والسرقة والاغتصاب، يلتقيان خفية أو في الظلام، يتوجسان خيفة من أي حركة، ويرتعدان من أي حركة، يرتعدان من أي صوت، لأنهما يحسان أنهما يرتكبان جريمة. هذا الزواج لا تتوافر فيه شروط وأركان الزواج الشرعي. فالمسألة هنا مسألة إيجاب وقبول من اثنين فقط؟ ولكنها أكبر من ذلك وأعظم، فأين الولي؟.
أما الشيخ محمد متولي الشعراوي فقد سئل عن رأيه في الزواج العرفي: أهو حلال أم حرام؟، فأجاب بلهجة حادة وقاطعة: (زنا، الزواج العرفي زنا، لأن الزواج إذا كان في الخفاء انتهت المسألة لعدم وجود الإعلان والإشهار، لماذا إنسان يكون زواجه في الخفاء؟، إنه في هذه المسألة يشبه نفسه ببعض البلطجية والمنحرفين الذين يلتفون حول أنثى في الخفاء، الزواج العرفي حرام حرام حرام).
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط