المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنحرف الصغير بين مطرقة الأهل وسندان المجتمع



minshawi
12-08-05, 12:24 PM
ناهد با شطح
((ظلم يرتكب بحق شخص واحد هو خطر على الجميع)) - حكمة يونانية -


لاحظ الأستاذ "مندل القباع" من خلال خبرته في ميدان (الأحداث) لدينا (أن 75% من حالات الإيداع المؤسسي هم سليلو أسر مفككة، فالجنوح في هذه الحالة يمثل حالات لم تهيأ لها الفرصة الأسرية للنمو السليم، وهؤلاء الأطفال الذين ينشؤون في هذا المناخ ينطوون كما يشير الأستاذ في سلوكهم على انحراف كامن حين يجد الفرصة سانحة في أي زمان أو مكان عبر القباع عن نفسه وصار سلوكاً ممارساً ملموساً في تصرفات حياتية).

وقد أثبتت دراسة الأستاذ "فهد الرويس" "اثر التفكك الأسرى على انحراف الأحداث" ان نسبة 70% من الاحداث المنحرفين في دار رعاية الاحداث بالرياض يعيشون في جو اسري يسوده الشجار والصراعات العائلية.

هذا ما تقوله الدراسات والأبحاث العلمية لدينا فما يقول الواقع ؟

ما الذي فعلناه للأسرة حتى نتوقع أن تكون حاضنة لجيل اليوم والغد ؟

ولماذا لم نتحرك لإيجاد مجلس اعلى لشؤون لأسرة ؟

لطالما حدثتكم عن الوضع المهترئ للأسرة فاليوم احدثكم عن الوضع المهترئ لانسان بلا مستقبل ؟احدثكم عن مسؤوليتنا تجاه انسان لا يملك ارادة التغيير لانه يحتاجنا معه ونحن نقف دون ان نتحرك لصالح غد لا بد ان يجيء.

مدخل:

حينما افرد هذه المساحة لاتحدث عن حياة منحرف لم يتجاوز سن المراهقة فانا اتحدث عن انسان يمكن ان يكون اخي او ابني ما دامه انسان ولا اتحدث عن المنحرف من وجهة نظر القانون كمستحق للعقاب

هل جربتم أن ترون إنسانا يحتضر أمامكم ؟

هذا هو وضع المراهق المنحرف في مجتمعنا ...

حيث لا توجد الأسرة الحاضنة الراعية لنموه بشكل سليم تبعا لارتفاع معدل التفكك الاسري ولا توجد المؤسسات الاهلية او النوادي الاجتماعية التي تقبل وجوده كعضو يحاول ان يكون فاعلا ، هذه المحاولة التي نتخلى عنه فيها فلا يوجد رعاية لاحقة للمنحرف المراهق بعد خروجه من دار الملاحظة بل انه يعود الى ذات الاسرة التي شكلت جزءا كبيرا من انحرافه عن الصواب .

أن نصف مجتمعنا دون سن الخامسة عشرة كما أكدت دراسة شملت (11) ألف أسرة سعودية قامت بها لجنة بحثية وطنية برئاسة الباحث "د. توفيق خوجه" ،وإن عدد قضايا الأحداث في المملكة والذين يعيشون الآن في إحدى عشرة دار للملاحظة مرتفع والمشكلة ان اعداد من يعودون الى دور الملاحظة بعد خروجهم في تزايد.

هنا لا بد لنا من وقفة ....هنا خلل كبير

المراهقون المنحرفون او الاحداث الجانحين يلتحقون بدور ملاحظة يخرجون منها الى المجتمع ثم يعودون ونسبة العائدون في تزايد...

هي ليست وقفة فقط ،انما تسائل بحجم مسؤولية المجتمع عن أفراده

كيف لنا أن نساهم في بناء إنسان منحرف وليس هدمه ؟

المؤسسات الإصلاحية:

كان لجريدة "الجزيرة" لقاء مع مدير دار الملاحظة الاجتماعية بمنطقة القصيم الاستاذ ابراهيم بن احمد الضبيب ( 5/يونيه 2001م) حيث تحدث عن فكرة واسلوب تطبيق "برنامج التعبير الذاتي" بالدار الفريد من نوعه على مستوى العالم العربي.

وهي طريقة علاجية لتفريغ السلوكيات العدوانية المكبوتة بشكل سلمي وذلك عن طريق الكتابة والصور للتعرف على اتجاهات الحدث تجاه نفسه ومجتمعه بعيداً عن الإساءة لثقافة المجتمع. والمؤكد ان هناك الكثير من البرامج التي وضعت لأجل إصلاح الأحداث، ولكن كيف لنا أن نثق في فاعلية برامج توضع لاجل التعامل مع المنحرفين ونحن نعلم ان بعض العاملين في دور الملاحظة الاجتماعية لا يتصفون بالمهارة التخصصية المهنية اللازمة لتنفيذ البرامج فضلا عن ان بعض المخططين من القيادات العليا في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليسو متخصصين في مجال الخدمة الاجتماعية؟

هل نقبل أن يكون المسؤولين في وزارة الصحة ليسو اطباء اذا لماذا علينا ان نقبل ان يكون المسؤولين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية او الوكالة غير متخصصين في مجال الخدمة الاجتماعية ؟

إننى لا أتوقع أن تكون هناك برامج نفسية متطورة في إصلاحية الأحداث وحينما أقول متطورة فأنا اعني تلك البرامج التي تستطيع أن تغير من سلوكيات المراهق بأسلوب علمي متطور مثل آليات الاسترخاء وفن البرمجة العصبية اللغوية ومحاولة تنظيف العقل الباطن من التجارب والخبرات المؤلمة .

تلك البرامج التي يضعها فريق من المتخصصين في علم الخدمة الاجتماعية وعلم النفس ،تلك البرامج التي لا ينفذها سوى أخصائى اجتماعي لديه مهارة لازمة للتعامل مع المراهقين كفئة خاصة لديها الكثير من المشاكل والازمات .

أما النقطة الأخرى الهامة فهي تتعلق بالآلية التي تنفذها دور الملاحظة في استقبال الحدث حين تقبض عليه الشرطة مرتكبا لمخالفة شرعية فيتم التحقيق معه في دار الملاحظة ،أما أن يدان واما أن ترفع أوراقه للأمارة ويحال للقاضي الذي يأتى الى الدار مرة أو مرتين في الأسبوع .

والسؤال هذا الحدث الذي قبضت عليه الشرطة كيف يترك في الدار مع الاحداث ويحتك ببعض المنحرفين المتمرسين في الانحراف بينما هو يرتكب الخطأ للمرة الاولى وربما ثبتت عدم ادانته حتى ان كانت النسبة ضئيلة في عدم الادانة ،

يظل ان دار الملاحظة تخطئ بدمجه مع الساكنين فيها من الاحداث على مختلف تصنيفاتهم،

ماالذي نتوقع من شاب تحن سن الثامنة عشر ارتكب مخالفة شرعية كالسرقة مثلا حين يختلط بمن استمرئ الانحراف كادمان المخدرات ؟

إذن نحن هنا نصنع منحرفا بأيدينا لذلك لا بد من وجود تصنيف للأحداث حسب الأخطاء المرتكبة ولا بد ان يكون الملتحقين الجدد في مكان لا يحتكوا فيه بمن في الدار فليس كل الاحداث على نفس المستوى من التمرس في الانحراف .

الأسرة أولا وأخيرا

في دراسة قام بها الأستاذ مندل القباع موضوعها "الترابط الأسري وأثره في تكوين شخصية الشباب "لاحظ أن نسبة 50% من عينة الدراسة غير راضية عن وضع الأسرة و50% أفادت بأن ثمة شجار دائم بين الأب والأم وأن 32% من تلك العينة لا يهتم بهم أحد في المنزل.

اسالكم بالله هذه النسبة ما الذي يقابلها من اهتمام مؤسسي بالاسرة لدينا مركز استشاري اسري واحد على مستوى المملكة وهو مركز خيري لا اعتقد مهما كان اسهامه ان ياخذ على عاتقه قضايا الاسرة السعودية ومشكلاتها و في دراسة للدكتور "عبد الله صيرفي" من جامعة أم القرى بعنوان "التنبؤ بانحراف الأحداث من خلال الخصائص الأسرية وأساليب المعاملة الوالدية ومفهوم الذات بالمملكة العربية السعودية".

كشفت النتائج أن الأسرة السعودية تميل إلى استخدام أسلوب العقاب الجسدي وسحب الحب في عملية تنشئة الأطفال بصورة عامة وأرجعت ذلك إلى عدم إلمام الآباء والأمهات بأساسيات التعامل مع الأطفال بأسلوب المصارحة والمناقشة والتي تبين أنه افضل أسلوب يمكن أن يستخدم في التعامل مع الأحداث.

نحن هنا امام اتجاهات اسرية لن تتغير دون تدخل مؤسساتي متكاتف لتغييرها الى الافضل خاصة وان ديننا القويم يمنحنا اسس تربوية ناجحة في التعامل الاسري علينا ان نتجاوز السؤال هل الأسرة لدينا بخير ؟او هل الأسرة لدينا تقوم بدورها الهام في تربية النشء؟

العالم من حولنا تغير والنظم تتغير ونحن ما زلنا نعتقد ان الاسرة قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه افرادها وكانه كنظام اجتماعي في عزلة عن ثورة العالم التقنية وتغييره .

لقد ضعف كيان الأسرة وانشغل الآباء فيها عن المهام الرئيسية الى الاستهلاك الترفي والماديات حدث هذا في العالم كله لا أقول ذلك للتباكي بل لنفعل مثلما فعل الكثير من المجتمعات حين خصصوا جمعيات خاصة للأسرة أو لجان وطنية او مجالس عليا في السابع من أغسطس لعام 2003م نشرت وكالة الأنباء السعودية أن مجلس الوزراء وافق على انضمام المملكة للمنظمة العربية للأسرة، وعلينا فقط ان نعرف ان المنظمة انشأت في عام 1977م وكنت قد قرأت مقالا للأستاذ القباع في جريدة "الجزيرة" يذكر فيه أن هناك مشروعاً باسم "اللجنة الوطنية لرعاية الأسرة" سوف يدرس من قبل مجلس الشورى.

هل نتفاءل بتسريع البت في إقرار هذه اللجنة فهناك اجندة كبيرة أمام اللجنة حيث لا بد من دراسة وضع الأسرة ومعالجة مشكلاتها والوصول بها الى الاستقرار في الاداء ؟.

الوازع الديني

وزع الأستاذ عبدالعزيز المسعود معلم العلوم الشرعية في المتوسطة الأولى استبانة على الطلاب لمعرفة التزامهم باداء الصلاة حيث ظهر ان ما نسبته 25% محافظون على الصلاة، و 40% يصلون احيانا واحيانا لا يصلون، وأما 60% من الطلاب فهم لا يصلون البتة.

هذا هو نتائج استطلاع على فئة مراهقين أسوياء فكيف إذا كانوا أحداثا جانحين لم يتعدوا سن المراهقة الحرجة؟

يقصد بالانحراف كما يذكر العلماء أنه السلوك الذي يسلكه الحدث، والذي لا يتواءم مع المعايير الاجتماعية، سواء أكان ما يقوم به مخالفاً للقوانين، أم مخالفاً للقيم الاجتماعية.

أعود الى الوازع الديني ...الى تشكيل الضمير في وجدان الطفل الذي سيكبر وسيغدو مراهقا ثم شابا ..

الأسرة بما تعانيه من ضغوط مادية واجتماعية لا يمكن أن تكون الموصل الجيد للقيم الدينية حيث تغيب القدوة كثيرا وتصل للأبناء رسائل قاسية من جراء معيشتهم في جو من التفكك الأسرى .

ولن يستطيع المسجد أن يقوم بدوره ولن تستطيع دروس الإصلاح في المؤسسات الإصلاحية أو دور الملاحظة أن تثمر دام أن المنحرف يعود الى البيئة ذاتها .

إذن لا يجب أن نركن الى تأثير الوازع الديني ما دامت الأسرة تعاني من مشكلات التصدع والانهيار

كيف يكتسب الطفل القيم الإسلامية السامية في بيت يسوده العراك أو الحرمان او الانحراف ؟

علينا أن نفكر كثيرا في الارض قبل القاء البذور .

السؤال متى؟

هناك منظمة عالمية وأخرى عربية للأسرة فإذا كنا مؤخرا قد انضممنا الى منظمة الأسرة العربية فارجو ان نهتم بالفعل بما تقدمه من برامج توعوية للاسرة ولا يكون انضمامنا لها شبيها بانضمامنا الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة !!

كما أرجو أن نسرع بإنشاء المجلس الوطني للأسرة حتى نستطيع الاستفادة من الجهود المبذولة على المستوى العالمي والعربي والخليجي للاهتمام بالاسرة فقد أوصى خبراء المجالس العليا والمؤسسات المعنية بالأسرة والمرأة والطفولة بدول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم في الدوحة والذي نظمه المجلس الأعلى لشؤون الاسرة في قطر كما نشرت جريدة "الوطن" القطرية في مارس 2003م بإنشاء لجنة وزارية على مستوى دول مجلس التعاون للتنسيق والتكامل بين الجهات والمجالس العليا والمؤسسات المعنية بشؤون الأسرة والمرأة والطفولة بدول مجلس التعاون الخليجي وكذلك حث الدول الأعضاء على انشاء مجالس عليا للأسرة على مستوى الدولة تكون معنية بالتنسيق وتكامل الجهود في مجال شؤون الأسرة والمرأة والطفولة

والسؤال إذا كنا الوحيدين في مجلس التعاون لا يوجد لدينا مؤسسة واحدة تعنى بالاسرة كيف يمكن ان ندخل ضمن منظومة العمل المؤسساتي المثمر في مجال الاسرة ؟ هذا سؤال لا ينهي المقالة بل يبدأ طريق من الاسئلة تجاه الزمن الذي لا ينتظر كثيرا.