الأدلة المرضية على عدم إيجاب القراءة على المأموم في صلاة الجهرية

بيانات الملخص الأولية
المؤلفون: 
اللغة: 
الملخص

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فإن مسألة قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية من المسائل الفقهية المشهورة ،وقد اختلف العلماء فيها قديما وحديثا فمنهم من قال لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية ،ولا في الصلاة السرية ومنهم من قال تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية وفي الصلاة السرية ، ومنهم من توسط لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية ،وتجب في الصلاة السرية ،وهذا القول هو الذي تشهد له النصوص بالصحة ،ولأهمية المسألة لتعلقها بالصلاة التي هي خير موضوع كما قال r: « الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر »[1] أحببت في كتابة بحث فيها ،وأسميته : (( الأدلة المرضية على عدم إيجاب القراءة على المأموم في صلاة الجهرية )) حتي يفهم القاريء من خلال اسم البحث أن قراءة الفاتحة تجب في الصلاة السرية على المأموم ، ولا تجب في الصلاة الجهرية ، وعندما يقرأ البحث يجد فيه الأدلة على صحة هذا القول الوسط والذي هو قول أكثر اهل العلم فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فالله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه والصلام عليكم ورحمة الله .
فصل : بيان اختلاف العلماء في مسألة قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية :
اختلف العلماء في مسألة قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية على ثلاث أقوال : القول الأول : تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية دون السرية ، وهذا قول زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ[2] ،وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية[3] و ممن قال بهذا القول من المعاصرين العلامة الألباني[4] والشيخ أبو بكر الجزائري[5] والشيخ سيد سابق[6] والشيخ محمود المصري[7] والقول الثاني : لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية ، ولا في الصلاة السرية ،وهذا قول الأحناف[8] والألوسي[9] وانتصر له العلامة الكشميري[10] ،والقول الثالث : تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية وفي الصلاة الجهرية ، وهذا قول الشافعي وأصحابه[11] والبخاري[12] وابن حزم[13] ،وقال بصحته القرطبي[14] وممن قال بهذا القول من المعاصرين : العلامة ابن باز[15] وابن عثيمين ، والشيخ عبد الله بن قعود[16] ،والشيخ عبد الله بن غديان[17] والشيخ عبد الرزاق عفيفي[18] و الشيخ محمد بن عبد المقصود[19] .
فصل : أدلة من قال لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية دون السرية :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿َوإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[20]وهذه الآية نزلت في الصلاة قال النقاش : ( أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة )[21] ، وقال ابن تيمية : ( وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة ،وقال بعضهم في الخطبة ،وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في ذلك )[22]،والآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن وصدر الأمر بإذا، وإذا من أسماء الشرط ،وأسماء الشرط من ألفاظ العموم ،والعام يدخل فيه جميع أفراده [23] فيدخل في معنى الآية استماع المأموم لقراءة الإمام القرأن في الصلاة الجهرية ،فإن قيل قال رسول الله r: « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»[24] نقول هذا حديث عام يدل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية و في الصلاة السرية ، أما الآية فتدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن أي خاصة بالصلاة الجهرية فيحمل مدلول الآية على صلاة الجهرية ويحمل مدلول الحديث على صلاة السرية جمعاً بين دلائل الكتاب والسنة فيكون الحديث بهذا بشأن الإمام والمنفرد، أما المأموم فينصت لقراءة إمامه إذا جهر بدلالة هذه الآية ،وقال الشيخ أبو بكر الجزائري : (قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلاة ، أمَّا المنفرد والإِمام فلا خلاف في ذلك ، وأمَّا المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءة ويكون مخصصاً لعموم حديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )[25] ،ولا يقال قوله تعالى: ﴿َوإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ عام في الفاتحة وغيرها. فتخصص بحديث : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » جمعًا بين الأدلة الثابتة أي تُحْمَلُ الآية عَلَى الزَّائِدِ عَنْ الْفَاتِحَةِ فنقول الآية أمرت بالإنصات إلى القرآن ، والفاتحة أم القرآن فيمتنع أن يكون المراد من الآية الاستماع إلى غيرها دونها،و تتناول الآية الفاتحة أظهر مما تناولها غيرها ، والذي يعدل عن استماعها إلى قراءتها إنما يعدل لأن قراءتها عنده أفضل من الاستماع ، وهذا مخالف لصريح الآية ، ولا يقال قوله تعالى: ﴿َوإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ نزل بمكة ، وتحريم الكلام في الصلاة نزل بالمدينة فلا حجة فيها ، فإن المقصود كان المشركين نقول لو سلمنا أن الآية وردت في المشركين فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في الأصول[26] فالآية نزلت في مكة ودلت على نفي القراءة خلف الإمام في الجهرية ، ثم ورد حديث : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » في المدينة في حق الإمام والمنفرد هكذا يكون الجمع ، والاستدلال بحديث عبادة بن الصامت قال : صلى بنا رسول الله r صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال : إني لأراكم تقرؤون وراء إمامكم قال : قلنا أجل والله يا رسول الله هذا قال : ( فلا تفعلوا الا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) ليس بمسلم فهذا الحديث ضعيف قال ابن تيمية : ( هذا الحديث معلل عند أئمة أهل الحديث كأحمد وغيره من الأئمة وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ضَعْفِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ قَوْلُ النَّبِيِّ r: « لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ » فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الشَّامِيِّينَ وَأَصْلُهُ أَنَّ عُبَادَةَ كَانَ يَؤُمُّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ هَذَا فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْمَرْفُوعُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَى عُبَادَةَ )[27] ، وأيضا الحديث ضعفه الألباني في تحقيقه صحيح بن خزيمة حديث رقم 1581 ، وغاية ما في الحديث لو سلمنا جدلا بصحته أنه من قبيل قتلوه بنو فلان أي صدر فيهم فعل القتل لا إن قتله كل واحد وباشر بقتله كما في قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [28] فيكون معنى الحديث من أراد القراءة فليقرأ بالفاتحة فهي التي يباح له أن يقرأئها فقط قراءة الفاتحة ، وأيضا لو كانت قراءة الفاتحة فريضة على المأموم لما قال r: ( لعلكم تقرؤون خلف إمامكم ؟ ) فإن قيل سؤاله rليس عن أصل القراءة ، بل عن الجهر ، وكان حق المأموم الإسرار نقول هذا مستبعد فالرجل من الصحابة كان من عن يمينه ويساره يُسِر ، فكيف يجهر هذا ؟ ولو كان هذا صحيحا لقال r : ( لعلكم تجهرون خلف إمامكم ؟ ) أو قال ( لعلكم تنازعونني في القراءة ؟ ) أو قال ( اقرءوا سرا )،وليس في طرق الحديث لفظ الجهر ،و سؤاله r عن القراءة والأصل في الكلام الحقيقة ما لم يرد دليل كما هو مقرر في الأصول[29] .
الدليل الثاني : : قوله r: « إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا »[30] فهذا يدل على وجوب الإنصات لقراءة الإمام ، وهذا في الصلاة الجهرية فهي التي يجهر فيها الإمام بالقراءة ، وحديث : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » عام في وجوب قراءة الفاتحة للإمام والمأموم في الجهرية وفي السرية فيكون الأمر بالإنصات للإمام نهيا عن القراءة ومخصِصا لعموم حديث : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ، ومما يؤيد هذا أن من الإتمام الاستماع لما يقوله المؤتم به فمن قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لا يكونون مؤتمين به فقوم جعلوا شخص إمامهم في شيء ،و قدموه ليقرأ ، وعندما قرأ لا ينصتون لما يقول ، وكل واحد منهم يقرأ ، وهو يقرأ فهل هم بهذا مؤتمون به ؟
الدليل الثالث : الائتمام يسقط به ما قد يجب على المنفرد لقصة أبي بكر صحت منه الركعة وهو لم يقرأ الفاتحة ، ولا سمع قراءتهافإن قيل : ( هذا للعذر ) نقول : العذر لا يسقط الأركان ، لكن إنما سقطت عنه لأجل أنه ارتبط بالإمام فصحت صلاة الإمام لأجل قراءة الفاتحة ، والمأموم اكتفى بقراءة إمامه فهي مقروءة في حقه لكن لا من نفسه بل من إمامه ،وإن قيل لم يثبت أن أبا بكرة اعتد بتلك الركعة نقول لهم قد اعتد أبو بكرة بتلك الركعة ففي رواية أبي داود أنه جاء ورسول الله rراكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فلما قضى النبي rصلاته قال أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فقال أبو بكرة أنا . فقال النبي r : « زادك الله حرصا ولا تعد » ، ودليل ذلك أن النبي عقب الصلاة سأل عن فاعل هذا فقال أبو بكرة أنا فإذا لم يكن قد اعتد بتلك الركعة فسوف يأتي بركعة أخرى إذن أبو بكرة يصلي ، والنبي r بعد الصلاة يسأل بدليل قوله فلما قضى الصلاة والفاء للتعقيب فكيف يجيب النبي r عقب سؤاله بعد الصلاة ، وهو يصلي الركعة التي لم يعتد بها ، وفي الحديث فقال أنا ، والفاء للتعقيب والسرعة فهذا لا يجوز إلا إذا كان أبو بكرة قد اعتد بتلك الركعة فإن قيل هذا ليس بعد الصلاة مباشرة نقول لفظ فلما يقطع ببطلان هذا ،وإن قيل قد نهى النَّبِيّ rأَبَا بَكْر عَنْ الْعَوْد إِلَى ذَلِكَ ، وَالِاحْتِجَاج بِشَيْءٍ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لَا يَصِحّ نقول النبي r قد نهاه عن العود وسكت عن أمره بالإعادة فدل هذا على أن الإعادة غير واجبة ،والنهي كان منصبا على الإسراع كما في رواية لأحمد أن أبا بكرة جاء ، والنبي r راكع ، فسمع النبي r صوت نعل أبى بكرة ، وهو يحضر ( أي يسرع ) يريد أن يدرك الركعة ، فلما انصرف النبي r قال : من الساعي ؟ قال أبو بكرة : أنا . قال : فذكره [31] ، وفي مشكل الآثار رواية تؤكد هذا أيضا فعن أبي بكرة قال : جئت رسول الله rراكعا ، وقد حفزني النفس ، فركعت دون الصف ، ثم مشيت إلى الصف ، فلما قضى رسول الله rالصلاة قال : « أيكم الذي ركع دون الصف ؟ » قال أبو بكرة : قلت : أنا قال : « زادك الله حرصا ولا تعد »[32] .
الدليل الرابع : اللزوم فلو كانت قراءة الفاتحة في الجهر واجبة لزم المأموم أن يقرأ مع الإمام أو لزم الإمام أن يسكت حتى يقرأ المأموم الفاتحة ، وكلاهما باطل فالأول يبطله قوله تعالى : ﴿َوإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، وقوله r: « إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا » ، والثاني يبطله عدم وجود دليل على وجوب سكوت الإمام بعد الفاتحة لتمكين المأمومين من قراءتها أو حتى استحباب سكوت الإمام بعد الفاتحة لتمكين المأمومين من قراءتها ، والمدعى ذلك مدع شيئاً لا برهان عليه ، وقال الألباني عن سكوت الإمام عقب الفاتحة لتمكين المأمومين من قراءة الفاتحة : ( إن السكتة المذكورة بدعة في الدين إذ لم ترد مطلقا عن سيد المرسلين إنما ورد عنه سكتتان إحداهما بعد تكبيرة الإحرام من أجل دعاء الاستفتاح وقد مضى حديثها في الكتاب عن أبي هريرة . والسكته الثانية رويت عن سمرة بن جندب واختلف الرواة في تعيينها فقال بعضهم : هي عقب الفاتحة . وقال الأكثرون : هي عقب الفراغ من القراءة كلها وهو الصواب كما بينته في \" التعليقات الجياد \" وغيره وراجع \" رسالة الصلاة \" لابن القيم)[33] ، وقال ابن تيمية : ( ومعلوم أن النبي r لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فلما لم ينقل هذا أحد علم أنه لم يكن )[34] . وعدم ورود سكتة تسع الفاتحة أووجوب قراءة المأموم مع الإمام يستلزم عدم وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجهرية .
الدليل الخامس :المعقول فلا يعقل أن يجهر الإمام وينشغل المأموم بالقراءة عن الإصغاء والاستماع إليه فالمقصود من الجهر استماع المأمومين ،فإذا كان المأمومون مشغولين بالقراءة فقد أمر الشرع أن يقرأ الإمام على قوم لا يستمعون لقراءته ، وهذا بمنزلة من يحدث فلا يستمع لحديثه ،وهذا عبث منزهة عنه الشريعة فإن قيل هذا اجتهاد مع النص نقول هذا ليس اجتهادا مع النص بل اجتهادا في النص فالمسألة ليست فيها دليل قطعي الدلالة حتى يقال ذلك ،والمجتهد فيه هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي[35].
فصل: أدلة من قال تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية والسرية ومناقشتها:
استدلمن قال تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية و السرية بالأحاديث الدالة على وُجُوب الْفَاتِحَة عَلَى الإمام والمأموم كقوله‏ r:‏ ‏(‏ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)[36]‏ و عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم مخصص مِنْ أَدِلَّة إِيجَاب قِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَى كُلّ مُصَلٍّ فيكون الحديث للإمام والمنفرد،والمأموم في صلاة السرية أما المأموم في صلاة الجهرية ينصت لقراءة إمامه إذا جهر ،واستدلوا أيضا بحديث عبادة بن الصامت قال : صلى بنا رسول الله r صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال : إني لأراكم تقرؤون وراء إمامكم قال : قلنا أجل والله يا رسول الله هذا قال : ( فلا تفعلوا الا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) ، وهذا الحديث ضعفه غير واحد من أهل العلم ،وغاية ما في الحديث أن من أراد القراءة فليقرأ بالفاتحة فهي التي يباح له أن يقرأئها فقط ، و استدلوا بأن المأموم يَقْضِي فَرْض نَفْسه ، وَالْقِيَام وَالْقِرَاءَة وََالسُّجُود فَلَا يَسْقُط عَنْ الْمَأْمُوم إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّة ،ونحن قد اسقطنا قراءة الفاتحة على المأموم في صلاة الجهرية بالكتاب والسنة .
فصل: أدلة من قال لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية والسرية ومناقشتها :
استدلمن قال لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية و السرية بحديث : « من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة » ، وهذا الحديث غير صحيح وغير صريح ، فلو سلمنا بصحته فيكون خاص بصلاة الجهرية لا السرية ؛لأن المأموم في صلاة الجهرية أمر بالإنصات لقراءة الإمام ، واستدلوا بحديث أبي بكرة صحت منه الركعة ،وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمع قراءتها ، وهذا خاص بمن جاء والإمام في الركوع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ،وهو واقف ثم يكبر للركوع ويركع مع الإمام ويكون مدركًا للركعة ،ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة ؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات ، فتسقط عنه الفاتحة ، وأيضا هذا الحديث غير صريح في سقوط الفاتحة على المأموم في صلاة السرية واستدلوا بحديث أبي هريرة ( أن رسول الله r انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفا ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله قال : إني أقول ما لي أنازع القرآن قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله r فيما جهر فيه النبي r بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله r )[37] ، ولا حجة لهم في الحديث فَهَذَا كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِمَنْ نَازَعَهُ وَخَالَجَهُ ، وَخَلَطَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِمَّنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ أَسْمَعَ غَيْرَهُ ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ لِغَيْرِهِ ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَارِئًا خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَأَمَّا مَعَ مَخَافَتِهِ الْإِمَامَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ،وقد رد عليهم الجمهور بالأحاديث الدالة على إيجاب قراءة الفاتحة على الإمام و المنفرد والمأموم كقوله‏ r:‏ ‏(‏ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)[38]‏ وبما أن صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَلَاةٌ فَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، واستثنيَ فراءة الفاتحة على المأموم في صلاة الجهرية للنصوص الدالة على ذلك ، واستدلوا بحديث المسيء في صلاته فقد قال له النبي اقرأ بما تيسر معك من القرآن[39] ، قالوا لم يقل له اقرء الفاتحة لكن هذا غير مسلم فهو َمَحْمُول عَلَى الْفَاتِحَة فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَة ، أَوْ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَة بَعْدهَا ، أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَة .
الخاتمة : اختلف العلماء في حكم قراءة المأموم الفاتحة في صلاة الجهرية ، والراجح من أقوالهم وجوب قراءة المأمو الفاتحة في صلاة السرية ولا تجب في الصلاة الجهرية فالمأموم أمر بالإنصات والاستماع إلى الإمام فلا يصح أن يجهر الإمام ،وينشغل المؤموم بالقراءة عن الإصغاء والاستماع إليه ،وعدم ورود سكتة تسع الفاتحة أو وجوب قراءة المأموم مع الإمام يستلزم عدم وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجهرية . هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكتب ربيع أحمد سيد طب عين شمس السبت 5 شعبان 1428هـ 18 أغسطس 2007 م
هوامش :
[1]- صحيح الجامع الصغير للألباني قال حديث حسن رقم 3870

[2]- انظر نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني 2/572 دار الحديث الطبعة الأولى 1421هـ 2000م

[3] - انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية مجلد 2 ص 141- 150 مسألة القراءة خلف الإمام دار الفكر 1403هـ 1983م

[4] - انظر إرواء الغليل 2/282-283 المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الأولى 1405هـ1985م

[5]- انظر منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري 194 دار السلام الطبعة الأولي 1423هـ 2002م

[6]- انظر فقه السنة للشيخ سيد سابق 1/159 دار الكتب العلمية بيروت

[7]- انظر إرشاد السالكين إلى أخطاء المصلين 80 مكتبة العلم الطبعة الثانية 1424هـ 2004م

[8]- انظر نيل الأوطار للشوكاني 2/572

[9] - انظر تفسير الألوسي للآية رقم 204 من سورة الأعراف

[10] - العرف الشذي شرح سنن الترمذي للكشميري 1/304- 309 مؤسسة ضحى للنشر والتوزيع

[11] - انظر نيل الأوطار للشوكاني 2/572

[12] - انظر جزء القراءة للبخاري

[13] - انظر المحلى لابن حزم 3/236 دار الفكر تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر

[14] - انظر تفسير القرطبي 1/136 دار الحديث الطبعة الثانية 1416هـ 1996م

[15]- فتاوى اللجنة الدائمة 6/386،387 القراءة في الصلاة

[16]- المصدر السابق

[17] - المصدر السابق

[18] - المصدر السابق

[19] - استمع إلى أشرطته في فقه الصلاة

[20] - سورة الأعراف آية 204

[21]- تفسير القرطبي 7/337

[22] - مجموع الفتاوى لابن تيمية مجلد 2 ص 142-143

[23]- انظر مبحث ألفاظ العموم ودلالة العام في علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف 210- 212 دار الحديث 1423هـ 2003م ، وفي الوجيز في أصول الفقه د.عبد الكريم زيدان 305- 310 مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة 1421هـ 2000 ،وفي علم أصول الفقه د. محمد الزحيلي 256- 261 دارالقلم الطبعة الأولى 1425هـ 2004م وفي شرح الأصول من علم الأصول لابن عثيمين 190- 205 المكتبة التوفيقية وفي مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي 195 -198 مكتبة العلوم والحكم الطبعة الرابعة 1425هـ 2004م

[24]- رواه البخاري في صحيحه رقم 756 ،ومسلم في صحيحه رقم 394

[25]- ذكره الشيخ في تفسيره في أخر تفسيره لسورة الفاتحة تحت عنوان تنبيه ثان

[26]- الوجيز في أصول الفقه د. وهبة الزحيلي 203 دار الفكر الإعادة الحادية عشرة 1427هـ 2006م ، والواضح في أصول الفق د.محمد سليمان الأشقر 292-195 دار السلام الطبعة الأولى 1422هـ 2001م

[27]- مجموع الفتاوى لابن تيمية مجلد 2 ص 150 دار الفكر

[28]- سورة البقرة آية 72

[29]- الفقه الإسلامي تطوره أصوله قواعده الكلية د. أحمد يوسف 327- 328 دار الهاني 1422هـ- 2001م ،أصول الفقه القسم الثاني الحكم الشرعي د. محمود بلال مهران 384- 387 دار الثقافة العربية بجامعة القاهرة 1425هـ 2004م

[30]- رواه الخمسة إلا الترمذي وقال مسلم هو صحيح قال ابن تيمية : قيل لمسلم بن الحجاج حديث أبي هريرة

[31] - مسند أحمد 5/42

[32] - مشكل الآثار للطحاوي 4854

[33]- تمام المنة في التعليق على فقه السنة 187 المكتبة الإسلامية ، دار الراية للنشر 1409 هـ الطبعة الثالثة

[34]- مجموع الفتاوى مجلد 2 ص 146

[35]- الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان 406

[36] - رواه البخاري في صحيحه 1/184

[37]- صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 826

[38] - رواه البخاري في صحيحه 1/184

[39]- متفق عليه