نقول : أنه لا يمكن أن نبحث في التاريخ دون فلسفة، ومصطلح فلسفة التاريخ مصطلح قديم يعود إلى فيكو الإيطالي (1668 م ـ 1794 م) عند البعض، وإلى القديس أُوغسطين (354 م ـ 435 م) عند البعض الآخر، أو إلى أقدم من هذا، ولكن المصطلح عُرف كموضوع مستقل، في القرن الثامن عشر الميلادي على يد مفكري عصر الاستنارة من أمثال: هيردر، وكوندرسيه، ومونتسكيو ، وفولتير، الذي ينسب إليه بلورة المصطلح.
لقد كان الدافع إلى البحث عن العلية أو السببية في تلك الفترة يعود إلى التصدي للمؤثرات الميتافيزيقية في فهم التاريخ والتي سادت مرحلة العصور الوسيطة على يد رجال الكنيسة، والعمل على دراسة التاريخ دراسة عقلية ترفض المبالغات والخرافات.
والحق يقال أن فلسفة التاريخ بمعنى البحث عن العلل والأسباب، أقدم من القرن الثامن عشر الميلادي وعصر الاستنارة الأوربية، فقد أشار إلى ذلك ابن خلدون إشارة لها مغزى دون أن يستخدم المصطلح نفسه، عندما ميز بين الظاهر والباطن في التاريخ بقوله : " ففي ظاهره لا يزيد عن أخبار الأيام والدول السوابق من القرون، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق".