شهد تطور الأنظمة النقدية والمصرفية بعد الأزمة الاقتصادية والنقدية العالمية الكبرى (1929/1933) تغيرات متسارعة وحاسمة، خاصة بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية وظهور بوادر بناء نظام نقدي دولي جديد جراء عقد اتفاقية (بريتون- وودز) إذ ظهرت أدوات نقدية تدار وفق آليات وقواعد جديدة دعمها التطور الحاصل في مجال الالكترونيات الدقيقة الذي استغل في مجال الخدمات والمبادلات لاسيما في عرض خدمات الجهاز المصرفي إذ استخدم فيها جملة خدمات على رأسها وسائل الدفع الالكترونية الحديثة.
والمتأمل في السنوات القلائل الماضية يجد أنها شهدت ثورة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أثرت تأثيراً جذرياً على الطريقة التي تمر بها المعاملات أو الصفقات التجارية، انسجمت مع ما تتميز به البيئة التجارية من سرعة في المعاملات، ومواكبة التطور خاصة في مجال العمليات المصرفية.
اذ شهد العالم ابتداء من النصف الثاني من القرن الماضي تطوراً علمياً في مجالات الحياة كافة، ولعل أبرز تلك التطورات اكتشاف الحاسوب، ومن ثم ظهور شبكة الانترنيت بحيث احدث ذلك ثورة حقيقية في المعلومات وبذلك بدأ الحديث عن مجتمع المعلومات وساد الاعتقاد بأن المجتمع على اعتاب حضارة جديدة تكون الغلبة فيها لمجتمع المعلومات كبديل عن المجتمع الصناعي .
ومن هنا كان لابد من إعادة النظر في الدور التقليدي للمصارف الذي يقوم على قبول الودائع ومنح الائتمان والتطلع إلى تقديم خدمات مصرفية ومالية متنوعة على نحو يتلائم مع النمو المتزايد لوسائل الاتصال الحديثة ، ومما لاشك فيه أن استخدام تقنيات البرامج المعلوماتية في مجال المصارف جاء نتيجة للتوسع في استخدام الحاسوب بما له من قدرة هائلة على التخزين والاسترجاع ، وإذا كانت كل القطاعات قد استفادت كثيراً من هذه الصناعة فأن القطاع المصرفي لم يكن بعيداً عن هذه الفائدة ، إذ استفاد منها كثيراً من خلال استخدامها في انجاز الخدمات المصرفية التي يقدمها للزبائن ومن تلك الخدمات عملية النقل الالكتروني للنقود عبر الشبكة الدولية الانترنيت .
وذلك ما أثر بدوره على نوعية النقود التي تسوى بها تلك المعاملات والصفقات، وكذلك على السياسة النقدية التي تتحقق أهدافها من خلالها، اذ أصبحت كل هذه المعاملات والآليات تمر عبر شبكات الاتصال الإلكترونية وهي الأنترنت.
كما عانت الأنظمة الاقتصادية في بعض دول العالم من أزمة البطء وقلة الثقة في التعاملات المالية المصرفية لسنوات عديدة، فتركيبة مجتمعات العمل متعددة الجنسيات وسريعة التبدل في دول العالم، تبعاً لتطور مجتمع التجارة المتسارع مع الزمن، مما ساهم في خلق أسواق مفتوحة تفسح بطبيعتها المجال أمام البعض لأجراء اتفاقات مالية غير مدعومة بالموارد اللازمة. وهكذا، وبفعل الاحتيال المتعمد أحياناً، أصبحت العديد من المجتمعات عرضة لعدد من حوادث الاحتيال الالكتروني المصرفي.
ومع تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفي مختلف نواحي الحياة وبانتشار الحضارات تنوعت الجرائم فلم تعد مقتصرة على الجرائم التقليدية مما أدى هذا التطور الهائل إلى ظهور أنواع جديدة من الجرائم القائمة على العلم والعقل ومنها جرائم غسيل الأموال. إذ تقوم العصابات التي تتعامل بمثل هذه الجرائم بتجارة المخدرات والأسلحة وتجارة الرقيق والتزييف مخترقة الأجهزة المالية الدولية والقوانين والأنظمة في تلك الدول ومتوارية عن أنظار الأجهزة الأمنية الدولية وفارة من وجه العدالة الجنائية. كما أن التطورات المتسارعة التي شهدتها المصارف والمؤسسات المالية في نواحي الربط الالكتروني و وسائل الدفع الالكتروني المصرفية الأخرى، مع التزايد الكبير في حجم التجارة الالكترونية التي لها تأثير في كفاءة التقنيات العاملة لكشف الجرائم المالية فتح ذلك الباب على مصراعيه لعمليات غسيل الأموال على نطاق واسع لا مثيل له، وجعل تلك المؤسسات أكثر عرضة للاستغلال من خلال عمليات غسيل الأموال.
وذلك بعد اصبح النقل الالكتروني للنقود من أهم وسائل التقدم العلمي التي أفرزتها التطورات الحديثة في التكنلوجيا للاتصالات والمعلومات، وقد أدركت الدول المتقدمة مدى الأهمية البارزة للتحويل الالكتروني للنقود في مجال التجارة الالكترونية ومن ثم ازدهار اقتصادها، فسارعت إلى تنظيمها بالشكل الذي يتلائم مع ما يشهده العالم من تطور في مجال العلم والتكنولوجيا، وهو ما دفع الدول المتطلعة للنمو إلى ضرورة تنظيمه لكي تلحق بركب الدول المتقدمة وذلك من خلال تطوير اقتصادها.
تناولت هذه الدراسة نظام (التحول الإلكتروني للأعمال المصرفية للبنوك) في إطار ارتباطه بالواقع العملي والتقني وما ينفخ فيها هذا الواقع من روح التطور، ونظراً لأن أي نظام جديد يفتقر في بدايته إلى التلائم مع الأوضاع التي يحل عليها فإن هناك العديد من المخاطر التي تنشب عن تطبيق ذلك النظام، ولكن لا يمنع ذلك من تطبيق النظام عن طريق وضع حلول مقترحه لتلك المخاطر.
وينبغي في البداية معرفة ما هو ذلك المجال الجديد الذى سنتعرض للخوض في آلية عمله ؟ وما هو تعريف العمليات المصرفية للبنوك التي تتم من خلاله ؟
ذلك المجال الجديد هو شبكة المعلومات الدولية (الأنترنت) والتي تتعدد تعريفاتها ولكننا سنقتصر على التعريف اللغوي لها وهو، تداخل الشيء بعضه مع بعضه وهذا يقودنا لبيان المعنى العلمي لهذه الشبكة وهو أنها أحدى وسائل الاتصال الحديثة للتفاوض وإبرام العقود. وتنفيذها أحيانا وتعتمد على أجهزة من الحاسب الآلي في التعبير عن الإرادة بين الأشخاص المختلفة في جميع أنحاء العالم وبسرعة فائقة.
أما عن تعريف العمليات المصرفية للبنوك التي تمر من خلال هذه الشبكة فهي تسمى الخدمات المصرفية الإلكترونية، وهي عبارة عن العمليات المصرفية للبنوك التي تمر بواسطة وسائل إلكترونية.
وإذا كانت الأعمال المصرفية للبنوك قد عرفت صوراً متعارف عليها وكذلك أهداف السياسة النقدية تتبلور في مجموعة من الأهداف تسعى إليها كل دولة لتحقيق توازن اقتصادها، ولذلك فأنه لمعرفة كيفية تحقق تلك الآلية من خلال النظام الإلكتروني ينبغي أن نتناول ذلك التحول الإلكتروني تفصيلاً لمعرفة آثاره ومدى فاعليته.
عليه أننا في سياق هذه الدراسة سنتناول آلية عمل المصارف الإلكترونية، و مدى فاعلية تلك العمليات المصرفية الالكترونية للبنوك. محاولين وضع حلول للمخاطر التي تؤثر في تلك الفاعلية بالسلب ولذلك فإننا في إطار هذه الدراسة سنحاول الإجابة على العديد من التساؤلات منها.
ماهي آلية عمل المصارف الإلكترونية ؟
ما هو أثر ذلك التحول الإلكتروني على العمليات المصرفية للبنوك ؟
وما هو مدى التفاعل بين التحول الإلكتروني وتحقيق أهداف العمليات المصرفية للبنوك ؟
ما هو نطاق مسؤولية المصرف قبل بدء تنفيذ التحويل الالكتروني، واثناء عملية النقل والتحويل ؟
وإلى أي مدى تتحقق تلك الأهداف ؟
كل هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عليها إن شاء الله من خلال عرض موضوع الدراسة.