النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري

  1. #1

    Lightbulb نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري

    نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري


    ( الكاتب/ دكتور زاهر زكار*)

    يعتبر التطور من الظواهر البارزة التي يتميز بها الوجود بمفهومه العام،والتطور بصفة عامة يقصد به هنا، التحول الذي يطرأ على الأشياء والكائنات الحية نتيجة تفاعل عناصر الوجود الطبيعي ككل،مما يؤدي الى تغير أوضاعها وعلاقاتها وسماتها ومضامينها بدرجات متفاوتة، لتنتقل تدريجيا من أوضاعها القديمة البسيطة الى أوضاع جديدة تمتزج فيها الأصول الجوهرية بالصفات والخصائص المكتسبة(بالتعلم) بالشكل الذي يساعد هذه الكائنات على التكيف والتوافق مع الظروف المحيطة بها والعوامل المؤثرة التي تتفاعل معها.
    وترتبط مظاهر الاستمرار والتفاعل والتحول من أبرز الخصائص المميزة لظاهرة التطور بالنسبة للكائنات الحية بصفة عامة،كما ترتبط ظاهرة التطور ارتباطا جدليا بظاهرة الحياة،حيث يستمر تطور الكائنات الحية ما دامت حياتها مستمرة.
    أما بالنسبة للكائن البشري بصفة عامة،فان التطور يستمر باستمرار المجتمع البشري نتيجة انتقال التجربة الإنسانية عبر الأجيال المتعاقبة،وتواصل نموها وتزايد إثرائها. وبدون أدنى شك،أن الإنسان قد بدأ يتطور منذ نشأته،وبقي يتطور عبر المراحل التاريخية الطويلة التي اجتازها،حيث تمكن الإنسان بشكل تدريجي من بلوغ مستويات التقدم الحضاري التي بات يتمتع بها،والتي ما زالت تنمو وتزداد دقة وتنوعا في شتى المجالات،وذلك بفضل ما يتمتع به الإنسان من استعدادات طبيعية،وقدرات نوعية ساعدته على التفاعل الإيجابي مع عناصر البيئة الطبيعية التي نشأ فيها واستفاد من مكوناتها،حيث استطاع تحويل العديد من العناصر والمواد الطبيعية وسخرها لإشباع حاجاته،وحماية وجوده المادي.
    لقد أدت عمليات التطور الناجحة التي مر بها الفرد عبر العصور، الى تراكم المعارف والخبرات الإنسانية بشكل متزايد،مما جعل حركة التطور البشري تنمو وتتزايد باستمرار،حيث استفاد الإنسان من الخبرات والمعارف والإنسانية السابقة،واستخدامها من أجل تحقيق المزيد من الاختراعات والاكتشافات العلمية،وتنويع طرق الاستفادة منها،مما زاد في إمكانيات الإنسان وقدراته على تلبية حاجياته ومواصلة مسيرته على طريق التقدم الحضاري.
    لقد تمكن الإنسان بفضل هذا التطور المتواصل، من إدراك الكثير من الحقائق التي كانت غائبة عنه والمتعلقة بطبيعته البشرية،و استطاع تعميق معرفته بعناصر البيئة الطبيعية التي يعيش فيها،كما نجح(الإنسان) في تسخير الكثير من عناصرها لإشباع حاجاته وتحسين ظروف حياته بشكل متزايد.وإذا كان واضحا ان ما حققه الإنسان عبر مسيرته من تقدم حضاري كان بفضل عمليات التطور المختلفة فان هذا يؤكد على أهمية التطور وضرورة استمراره بالنسبة لمستقبل الإنسان وقدرته على تحقيق المزيد من التقدم نحو حياة أفضل.فقد تمكن الإنسان بفعل عوامل التطور ان يتواصل ويستمر في تعميق معارفه المختلفة،وتنمية قدراته وتجديد خبراته وتصحيح تصوراته الخاطئة،وذلك فضلا عن مختلف الوسائل التي استطاع(الإنسان) إنجازها في شتى المجالات لمواجهة متطلبات حياته العصرية.بيد ان الإنسان مع ذلك لم يصل الى مستوى الكمال المنشود الذي يمكنه من إشباع حاجاته ودوافعه المتغيرة.
    وإذا كانت حاجات الإنسان وطموحاته تتجدد وتتزايد باستمرار، فان إمكانية إشباعها تتطلب الاستمرار في تحقيق المزيد من التقدم في مختلف الميادين،مما يعني ان الإنسان في حاجة دائمة الى مواصلة مسيرة التطور بمفهومه الواسع، من أجل تنمية قدراته وتحسين ظروف حياته وتحقيق المزيد من الرقي والتقدم نحو الكمال المنشود.
    ولا شك ان التطور البشري بمفهومه العام ،يفتح آفاقا جديدة أمام الإنسان،ويمكنه من تنمية قدراته وتعميق معارفه،وتلبية حاجياته،وبفضل ذلك يتحرر الإنسان من الجمود الفكري والاعتقادات الخاطئة، وتبني الأفكار والتصورات العلمية الصحيحة،واتباع المناهج الرشيدة في سلوكه،وكل هذا من شأنه ان ينعكس على حيان الفرد العملية،حيث يقوم بتغيير أنماط حياته،والعمل على تحسين أوضاعه باستخدام ما توصل اليه من وسائل وتصورات جديدة.
    إن منطق التطور وحتمية التغيير يعني ان عمليات التطور المستمر التي يمر بها المجتمع البشري،تحدث تحولات وتغييرات واضحة في حياة الإنسان او الفرد الذهنية والاجتماعية بصفة عامة. فعلى المستوى الذهني(مثلا) تؤدي نتائج التقدم العلمي ومختلف الاكتشافات والاختراعات التي يتوصل إليها الإنسان، الى توسيع معارفه وتجديد أفكاره وإثراء خبراته في شتى المجالات،وان تمكن الإنسان من اكتساب المزيد من المعارف المعمقة،واكتشاف المعطيات والحقائق الجديدة المتعلقة بطبيعته الإنسانية،وعناصر الوجود الذي يحيط به،من شأنه ان يساعده في تصحيح تصوراته وتدارك أخطائه وتنمية قدراته،وهذا ما يجعل الفرد يقوم ،وكيفية التعامل معها.
    إن التطور على المستوى الاجتماعي،يساعد على تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وفقا للقيم والمعايير الاجتماعية الجديدة والتصورات والمفاهيم التي تتبلور نتيجة عمليات التطور. أما على المستوى المادي،فان مظاهر التطور تتجلى في مختلف المواد والوسائل الجديدة التي ينجزها الفرد ويستعملها في حياته العملية. فالتطور من شأنه ان يساعد الفرد على اكتساب المزيد من المعارف والوسائل الجديدة التي تسمح له بتنمية قدراته المختلفة وتلبية حاجياته وتصحيح تصوراته وعاداته وسلوكياته الخاطئة،وتجعله بالتالي يتقدم نحو الأفضل باستمرار،وهو ما يعني بوضوح ان التطور بطبيعته ونتائجه يتعارض تماما مع حالة الجمود والانغلاق الفكري والركود الحضاري.
    فالتطور يفتح للإنسان آفاقا لا نهائية لتحقيق المزيد من التقدم والتطور في شتى المجالات،أما الركود فيحول دون تقدم الإنسان نحو الأفضل، ويحد من قدراته وتطلعاته نحو المستقبل،وبالتالي يؤدي إلى إبقائه في حالة من الجهل والتخلف الدائم،بيد أن عمليات التطور الحضاري بالنسبة للفرد تبدأ على المستوى الذهني،حيث تنمو معارف الفرد وتتسع وتتعمق باستمرار ليكتسب بذلك الأفكار الجديدة ويتخلص من الأفكار الخاطئة.
    ولا شك أن التطور على المستوى الذهني يقتضي تحرير الفرد ذهنيا،من الجمود الفكري وقيود التشبث بالأحكام والتصورات الخاطئة،حتى يكون على استعداد دائم لتمحيص المعارف والتصورات التي يتوصل إليها،والعمل على إعادة تصحيحها،وتقبل الأفكار الجديدة الصحيحة،وهو ما يعني أن إمكانية التطور الفكري لدى الفرد،تقتضي بالضرورة قابلية التصحيح والتجديد والتغير على المستوى الذهني،لكن من الواضح أن إمكانية التطور وقابلية التغير تتعارضان مع الاعتقاد القائل بحتمية ثبات الأفكار والأمور على حالها بشكل دائم،ذلك أن مبدأ التطور يتضمن قابلية التحول والتصحيح المستمر،ويفترض احتمالات التغير الملائم بالنسبة لنمو الأفكار والتصورات وتركيبها على المستوى الذهني.
    لكن قابلية التحول والتغير التي يتضمنها التطور لا تنفي إمكانية استقرار الأفكار والتصورات المعبرة عن الحقائق البديهية،غير أن،هذا الاستقرار يظل مع ذلك قابلا للتغير بعقل التطور،ولا يدوم إلا إذا أكدته وحافظت عليه عمليات التمحيص والتصحيح المستمرة التي تحدث بفعل عوامل التطور،حيث أن الاستقرار(مبدئيا)يعتبر مؤقتا ما دام التطور مستمرا وامكانية التغيير قائمة،فضلا عن أن الإنسان لا يعلم علم اليقين بما سوف يحدث بالضبط في المستقبل بصرف النظر(طبعا) عن التوقعات والاحتمالات.
    إن الفكرة الأساسية التي يجب إقرارها في هذا المقام،تكمن في ارتباط نمو الفكر الديمقراطي بحركة التطور،حيث أن الفكر الديمقراطي بما يتضمنه من مثل وقيم ومبادئ نبيلة،،يهدف بالأساس إلى تنمية مدارك الإنسان وتمكينه من الارتقاء والتقدم المستمر نحو الأفضل،وهذا النزوع الإنساني نحو الأفضل،يجعل الفكر الديمقراطي ينمو ويتطور نحو الكمال،وهو ما يعني بوضوح أن الفكر الديمقراطي يستبعد الأفكار والتصورات الثابتة(الجامدة)،التي تحول دون تطور الإنسان بحرية وبشكل متواصل نحو الأفضل،الذي يكمن(طبعا)في سعادة الإنسان،باعتباره القيمة المثلى والهدف الأسمى.
    فالفكر الديمقراطي ينمو ويتطور باستمرار من أجل خدمة الفرد وتطويره وحمايته،وذلك وفقا للمبادئ الديمقراطية المتمثلة في الحرية والمساواة والعدل وحياته وكرامته،وحماية حقوقه الإنسانية.
    وحول تطور الفكر الإنساني نحو القيم والمثل الإنسانية الشاملة،فقد أدى التطور الحضاري والتكنولوجي،المتعدد الجوانب الذي عرفته الإنسانية ،خلال القرن الماضي وشمل مختلف المجالات المتعلقة بحياة الإنسان وتطلعاته واهتماماته،والتي بفضلها حقق الإنسان نجاحات باهرة في ميادين البحث العلمي وتطبيقاته المتعددة الاستعمالات- نقول أدى هذا التطور إلى تقدم وسائل الاتصال والتعامل بين سكان المعمورة، وتعددت إمكانيات انتشار المعرفة وتبادل الخبرات والمنفعة بين الأفراد والمجتمعات،رغم مظاهر الإجحاف والتسلط وانعدام التوازن التي سادت العلاقات بين الشعوب والأمم.
    ومع تزايد أشكال الاتصال والتعارف وتكاثرها بين المجتمعات تزايدت فرص التفاعل والتأثير المتبادل بين أفراد المجتمعات رغم اختلاف انتماءاتها وخصائصها الثقافية وأوضاعها غير المتكافئة.
    ومهما يكن،فقد أدت أشكال التفاعل والتأثير وتبادل الخبرات والمعارف التي ما كانت تزداد كثافة وتنوعا بين الأفراد والشعوب المختلفة إلى نمو المعرفة الإنسانية بصفة عامة وانتشارها وتشعبها وتعدد مصادرها وتنوع مفاهيمها وتصوراتها وفوائدها،حيث تمكن الأفراد من التعرف على أهم الخصائص الحضارية المميزة للمجتمعات البشرية وطبيعة الأفكار والمعتقدات السائدة فيها.
    لقد شكل هذا التفاعل البشري المتعدد الجوانب الإنسانية والتأثيرات الحضارية،البوتقة التي انصهرت بداخلها الأفكار الإنسانية وتبلورت بطريقة تنتج عنها نمو الأفكار الإنسانية الفاضلة والمعبرة بصدق عن أسمى القيم والمثل التي ارتقى إليها الإنسان بطبيعته الإنسانية المجردة من التبعية الطائفية الطبقة حيث أن الإنسان قد تخلص بفضل عوامل التطور والتفاعل من العديد من التصورات والمفاهيم الخاطئة،وبات لديه اقتناع راسخ حول تطابق العناصر الطبيعية وتشابه الحاجات الحيوية لأفراد البشرية جمعاء،مهما اختلفت أماكن تواجدهم وانتماءاتهم الحضارية،فقد أصبح الفكر الإنساني المتطور يميل أكثر إلى الموضوعية العلمية،ويعالج قضايا الإنسان على أساس قيمته الإنسانية المشتركة،ويدعو بإلحاح إلى ضرورة ترقية الفرد وحماية حقوقه الأساسية حيثما وجد.
    لقد أصبح هذا التيار الفكري المثالي المتطور الذي ينمو ضمن حركة الفكر الديمقراطي المتحرر،أصبح ينظر إلى الفرد والإنسانية بشكل عام مجرد من الخصائص الحضارية والحدود الجغرافية،ومميزات النظم السياسية،وأشكال النظم السياسية القائمة،وذلك باعتبار أن الإنسان حيثما كان من حقه أن يعيش حرا ومحترما،بصرف النظر عن أصوله العرقية والجغرافية وانتماءاته الثقافية ومعتقداته الدينية.
    ومما لا شك فيه أن هذه النظرة الإنسانية كانت تمثل عين الصواب،فإذا كانت العناصر الطبيعية التي يتكون الإنسان منها متطابقة ومتساوية بالنسبة لجميع الأفراد،فإن هذا التساوي في العناصر الطبيعية يحتم بالضرورة التساوي في القيمة الإنسانية بالنسبة لجميع أفراد المجتمع أيضا،كما أ ن التساوي في القيمة الإنسانية يتضمن كذلك التساوي في الحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بيد أن التساوي بين الأفراد،في القيمة الإنسانية لا ينفي وجود الفرو قات الفردية والاختلاف في القيمة الاجتماعية،فإذا كان الأفراد يتمتعون بالقيمة الإنسانية المتساوية بينهم،فإنهم يختلفون مع ذلك في القيمة الاجتماعية.
    ومهما يكن،فإن السلوك الإنساني بمفهومه الشامل ومؤثراته،هو الذي يمثل القاعدة الأكثر موضوعية وحصافة لتقدير الأفراد ومنحهم القيمة الاجتماعية اللائقة بكل منهم،وإذا كان صحيحا أن ثمة عدة عوامل تتمثل في الثروة والوجاهة والسلطة،تتدخل لتمكين الأشخاص من اكتساب مكانة اجتماعية معينة ،فإن هذه المكانة الاجتماعية لا تعبر بالضرورة عن قيمة اجتماعية حقيقية لصالح هذه المكانة،إلا إذا كانت مرتبطة بسلوك اجتماعي له تأثيره الإيجابي على الآخرين وينال رضا واعجاب معظم أفراد الجماعة البشرية التي ينتمي إليها ويتفاعل مع أفرادها،وذلك أن الجماعة هي التي تمنح القيمة الاجتماعية للفرد وفقا للقيم والمعايير السائدة فيها،وعلى أساس ما يصدر عن الفرد من سلوك.
    وفي بعض الحالات قد تكون تقديرات الجماعة تجاه الفرد خاطئة،إذا لم تدرك (الجماعة)قيمته الحقيقية،وفي هذه الحالة تكون القيمة الاجتماعية التي يكتسبها الفرد مزيفة،لكن السلوك الفردي بمؤثراته،يظل مع ذلك المعيار الأساسي لتقييم الفرد.فالسلوك الذي يقوم به الإنسان هو الذي يجعل أفراد الجماعة التي ينتمي إليها يحكمون عليه(إيجابا أو سلبا)وذلك حسب معايير الفضيلة والرذيلة السائدة في الجماعة.
    إن الفكرة الأساسية التي نحاول إبرازها في هذا المقام هو اشتراك جميع أفراد البشرية في القيمة الإنسانية بالتساوي،وذلك أن هذه القيمة الإنسانية المشتركة بالتساوي بين جميع الكائنات البشرية تعتبر في الحقيقة قاعدة أساسية لتنظيم العلاقات الإنسانية وعمليات التعامل بين أفراد المجتمع البشري ككل،بصرف النظر عن الحدود الجغرافية أو الإقليمية المصطنعة والحواجز المعنوية المزيفة،حتى يمكن اتخاذ هذه القيمة الإنسانية منطلقا لإلغاء هذه الحدود والحواجز التي تشكلت بين أفراد البشرية بروح تعسفية منحازة.
    وإذا كان أفراد البشرية جميعا يتمتعون بقيمة إنسانية متساوية وثابتة لا تختلف باختلاف الخصائص الحضارية والمميزات الثقافية للأفراد والشعوب،فإن هذا التساوي المطلق في القيمة الإنسانية يقتضي بالضرورة تساوي جميع أفراد البشرية في التمتع بالحقوق الأساسية،وذلك بغض النظر عن نظام الجنسيات وحدود النظم القائمة.
    وعلاوة على ذلك،فإن تطابق العناصر الطبيعية للأفراد،يجعل حاجاتهم الأساسية متشابهة رغم اختلاف العوامل البيئية والخصائص الثقافية للجماعات والمجتمعات التي ينتمون إليها،فضلا عن أن حاجة أفراد البشر لبعضهم البعض تعتبر حيوية وحتمية ويستحيل الاستغناء عنها،حيث لا يمكن للفرد أن يعيش ويتطور ويكتسب صفاته الإنسانية،إلا من خلال الحياة الاجتماعية ضمن مجموعة بشرية،وكذلك المجتمعات تبقى في حاجة إلى التعاون والتفاعل مع بعضها البعض،حيث أصبح تبادل الخبرات والمنافع بين الأفراد والجماعات عبر المناطق والقارات أمرا ضروري لتقدم الإنسانية بصفة عامة.
    لقد أظهرت مستويات التطور الاجتماعي الحضاري التي بلغها الإنسان المعاصر ،أن المعرفة الإنسانية بمفهومها الواسع ومؤثراتها المختلفة تنتشر بشكل أو بآخر عبر مناطق العالم ولا تتوقف عند الحدود الجغرافية للدول والمجتمعات السياسية.
    وإذا كانت العناصر الطبيعية للأفراد وحقوقها الأساسية متطابقة وحاجاتها متشابهة وتعاملهم ضروري وتفاعلهم حتمي،فإن كل ذلك في الواقع يحتم عليهم التعايش والتعاون بصدق مع بعضهم البعض من أجل تقدم الإنسانية وازدهارها في ظل الحرية والمساواة والعدل والتآخي والتآزر والاحترام المتبادل بالنسبة لجميع أفراد البشرية دون تمييز،حيث أن التعاون الصادق بين الأفراد والجماعات والدول،مع تسخير كل الخبرات والوسائل المتاحة من أجل خدمة الإنسان وتطوره في كل مكان وازدهار المجتمع البشري بكامله،يعتبر من الشروط الأساسية لتحقيق التوازن والتكامل بين المجتمعات في شتى الميادين والمجالات الحضارية،والتمهيد لاندماجها الكامل في نظام عالمي للمجتمع البشري يقوم على أساس الاحترام المطلق للقيمة الإنسانية وتحقيق المساواة في التمتع بهذه القيمة بالنسبة لجميع الأفراد،والعمل الدائم على صيانة كرامة الإنسان وترقيته،وضمان التمتع بالحقوق والحريات الفردية،لا سيما في مجالي التعبير عن الرأي،والإبداع الفكري،وممارسة النشاط المفيد والعبادة الدينية والتنقل والإقامة عبر مناطق العالم،وإقامة العلاقات والروابط الإنسانية،وتبادل الخدمات والمنافع بين الناس،وذلك في ظل الحرية والاحترام المتبادل والتفاهم والتضامن والتكافؤ في الفرص والتعاون من أجل تقدم البشرية نحو الأفضل المنشود لجميع الناس.
    وإذا كانت هذه الآمال والتصورات تبدو أكثر مثالية وبعيدة المنال،فإنها مع ذلك تمثل الاتجاه الصحيح،الذي يمكن المجتمع البشري ككل من تعبئة قدراته وإمكانياته وتسخيرها لخدمة الإنسان في كل مكان من جهة،وتفادي مخاطر الحروب الهدامة وأشكال القهر والتسلط وسيطرة القوي على الضعيف التي ما انفك الإنسان يمارسها ضد أخيه الإنسان.
    إن قراءة تاريخ البشرية تكشف بوضوح عن مدى فظاعة المعاناة والمآسي وأشكال العذاب والقهر الذي عاشتها البشرية في ظروف مختلفة وأماكن متعددة من العالم،نتيجة الصراعات والحروب الطاحنة التي خاضها الإنسان من أجل السيطرة على حقوق الآخرين واستغلالهم،حيث عمل معظم الحكام والقادة بشكل تعسفي على تعبئة الشعوب والطوائف البشرية التي يقودونها لمحاربة بعضها البعض بدافع الرغبة في التفوق والسيطرة واستغلال الغير..ما أدى إلى تكريس انقسام البشرية إلى أنظمة ومجتمعات متميزة،وزاد من وتيرة التخوف بين هذه الأنظمة الحاكمة من بعضها البعض،ودفعها بالتالي إلى بذل الجهود وتسخير الإمكانيات لمواجهة بعضها البعض،وظلت النظم الحاكمة تنفق وتهدر الأموال الطائلة وتستعمل ثرواتها والوسائل المتوافرة لديها لحماية وجودها وضمان بقائها واستمرارها ونموها بطرق تتوافق مع طبيعة نظمها المختلفة.
    وكان من الواضح أن هذه الجهود الهائلة لتي بذلتها الأنظمة الحاكمة في مجالات التسلح والدفاع،سواء لحماية وجودها أو للهيمنة على الآخرين،كان من الممكن استخدامها لترقية الإنسان وتقدمه الحضاري في كل مكان،لولا انقسام المجتمع البشري إلى دول متصارعة ونظم سياسية متضاربة.
    لقد أدى هذا الانقسام في البشرية إلى تعميق انعدام التوازن وتكافؤ الفرص بين الشعوب والأمم،كما جعل خصائصها وأهدافها وغاياتها متباينة في معظم الحالات،وكل ذلك جعل الشعوب لا تتطور بدرجات متساوية،ولا تستغل ثرواتها الطبيعية العالية والإنجازات الإنسانية بشكل عادل،رغم أن الثروات الطبيعية الأساسية تعتبر ملكا مشتركا لجميع البشرية.
    ولا شك أن مظاهر انعدام التوازن والتساوي بين شعوب المعمورة انعكست (سلبا)على حياة الأفراد فيها،حيث ظل الحرمان والتعاسة من نصيب أغلبية البشر،ولمواجهة هذا الواقع يظل من الصواب بالنسبة للبشرية الاندماج بين الشعوب وتضامن الأفراد وتظافرجهودهم وتسخير الإمكانيات والوسائل لخدمة الإنسان في كل كان والعمل من أجل تطوره بغض النظر عن أصوله العرقية وانتماءاته الثقافية ومعتقداته الدينية ،حيث أن هذا المسعى الاندماجي المتعلق بمصير البشرية المشترك يقتضي ضرورة إقامة نظام عالمي شامل وعادل تلغى فيه الحدود القائمة بين الشعوب وكل مظاهر التسلط،وتضمن فيه حرية الأفراد في التنقل والإقامة وممارسة مختلف نشاطات المفيدة في شتى المجالات،وتختفي فيه الجيوش بكل ترساناتها الحربية،حيث لا يبقى من مظاهر القوة المسلحة في العالم سوى القوات المحلية،الخاصة بحفظ الأمن والنظام وحماية الحقوق والحريات المشروعة،ذلك أن مهام الجيوش المختلفة ترتبط أساسا بوجود كيانات الدول المستقلة وتخوفها من بعضها البعض،وتنافسها من أجل خدمة مصالحها الخاصة وحرصها على حماية سيادتها،وعندما تندمج مختلف الدول في نظام عاملي موحد تزول أسباب وجود الجيوش والاستعدادات الحربية،حيث يصبح المجتمع البشري بمثابة دولة واحدة لا خصم لها سوى تناقضاتها الثقافية والاجتماعية.
    والحقيقة أن اندماج الشعوب في نظام عالمي موحد يقوم على أساس العدل والمساواة واحترام كرمة الإنسان،وضمان حقوقه، يعتبر أعظم نجاح يمكن للبشرية أن تحققه،وذلك نظرا للفوائد الحضارية العظيمة التي تنتج عن هذا المشروع بالنسبة للبشرية جمعاء في حالة إنجازه واقعا ملموسا(* كاتب وباحث أكاديمي).

  2. #2
    مشرفة عامة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الدولة
    جدة
    المشاركات
    1,907

    افتراضي

    ،’

    جزآك الله خيرآ وغفر لك ! . .
    "

    ياربّ الطمأنينة التي تملأُ قلبي بذكرك..


  3. #3
    مدير وصاحب الموقع
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مكة المكرمة
    المشاركات
    4,413
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي رد: نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري

    تم نشره في الموقع
    http://www.minshawi.com/node/2397

  4. #4

    افتراضي رد: نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري


  5. #5

    افتراضي رد: نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبض الحرف مشاهدة المشاركة
    نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري


    ( الكاتب/ دكتور زاهر زكار*)

    يعتبر التطور من الظواهر البارزة التي يتميز بها الوجود بمفهومه العام،والتطور بصفة عامة يقصد به هنا، التحول الذي يطرأ على الأشياء والكائنات الحية نتيجة تفاعل عناصر الوجود الطبيعي ككل،مما يؤدي الى تغير أوضاعها وعلاقاتها وسماتها ومضامينها بدرجات متفاوتة، لتنتقل تدريجيا من أوضاعها القديمة البسيطة الى أوضاع جديدة تمتزج فيها الأصول الجوهرية بالصفات والخصائص المكتسبة(بالتعلم) بالشكل الذي يساعد هذه الكائنات على التكيف والتوافق مع الظروف المحيطة بها والعوامل المؤثرة التي تتفاعل معها.
    وترتبط مظاهر الاستمرار والتفاعل والتحول من أبرز الخصائص المميزة لظاهرة التطور بالنسبة للكائنات الحية بصفة عامة،كما ترتبط ظاهرة التطور ارتباطا جدليا بظاهرة الحياة،حيث يستمر تطور الكائنات الحية ما دامت حياتها مستمرة.
    أما بالنسبة للكائن البشري بصفة عامة،فان التطور يستمر باستمرار المجتمع البشري نتيجة انتقال التجربة الإنسانية عبر الأجيال المتعاقبة،وتواصل نموها وتزايد إثرائها. وبدون أدنى شك،أن الإنسان قد بدأ يتطور منذ نشأته،وبقي يتطور عبر المراحل التاريخية الطويلة التي اجتازها،حيث تمكن الإنسان بشكل تدريجي من بلوغ مستويات التقدم الحضاري التي بات يتمتع بها،والتي ما زالت تنمو وتزداد دقة وتنوعا في شتى المجالات،وذلك بفضل ما يتمتع به الإنسان من استعدادات طبيعية،وقدرات نوعية ساعدته على التفاعل الإيجابي مع عناصر البيئة الطبيعية التي نشأ فيها واستفاد من مكوناتها،حيث استطاع تحويل العديد من العناصر والمواد الطبيعية وسخرها لإشباع حاجاته،وحماية وجوده المادي.
    لقد أدت عمليات التطور الناجحة التي مر بها الفرد عبر العصور، الى تراكم المعارف والخبرات الإنسانية بشكل متزايد،مما جعل حركة التطور البشري تنمو وتتزايد باستمرار،حيث استفاد الإنسان من الخبرات والمعارف والإنسانية السابقة،واستخدامها من أجل تحقيق المزيد من الاختراعات والاكتشافات العلمية،وتنويع طرق الاستفادة منها،مما زاد في إمكانيات الإنسان وقدراته على تلبية حاجياته ومواصلة مسيرته على طريق التقدم الحضاري.
    لقد تمكن الإنسان بفضل هذا التطور المتواصل، من إدراك الكثير من الحقائق التي كانت غائبة عنه والمتعلقة بطبيعته البشرية،و استطاع تعميق معرفته بعناصر البيئة الطبيعية التي يعيش فيها،كما نجح(الإنسان) في تسخير الكثير من عناصرها لإشباع حاجاته وتحسين ظروف حياته بشكل متزايد.وإذا كان واضحا ان ما حققه الإنسان عبر مسيرته من تقدم حضاري كان بفضل عمليات التطور المختلفة فان هذا يؤكد على أهمية التطور وضرورة استمراره بالنسبة لمستقبل الإنسان وقدرته على تحقيق المزيد من التقدم نحو حياة أفضل.فقد تمكن الإنسان بفعل عوامل التطور ان يتواصل ويستمر في تعميق معارفه المختلفة،وتنمية قدراته وتجديد خبراته وتصحيح تصوراته الخاطئة،وذلك فضلا عن مختلف الوسائل التي استطاع(الإنسان) إنجازها في شتى المجالات لمواجهة متطلبات حياته العصرية.بيد ان الإنسان مع ذلك لم يصل الى مستوى الكمال المنشود الذي يمكنه من إشباع حاجاته ودوافعه المتغيرة.
    وإذا كانت حاجات الإنسان وطموحاته تتجدد وتتزايد باستمرار، فان إمكانية إشباعها تتطلب الاستمرار في تحقيق المزيد من التقدم في مختلف الميادين،مما يعني ان الإنسان في حاجة دائمة الى مواصلة مسيرة التطور بمفهومه الواسع، من أجل تنمية قدراته وتحسين ظروف حياته وتحقيق المزيد من الرقي والتقدم نحو الكمال المنشود.
    ولا شك ان التطور البشري بمفهومه العام ،يفتح آفاقا جديدة أمام الإنسان،ويمكنه من تنمية قدراته وتعميق معارفه،وتلبية حاجياته،وبفضل ذلك يتحرر الإنسان من الجمود الفكري والاعتقادات الخاطئة، وتبني الأفكار والتصورات العلمية الصحيحة،واتباع المناهج الرشيدة في سلوكه،وكل هذا من شأنه ان ينعكس على حيان الفرد العملية،حيث يقوم بتغيير أنماط حياته،والعمل على تحسين أوضاعه باستخدام ما توصل اليه من وسائل وتصورات جديدة.
    إن منطق التطور وحتمية التغيير يعني ان عمليات التطور المستمر التي يمر بها المجتمع البشري،تحدث تحولات وتغييرات واضحة في حياة الإنسان او الفرد الذهنية والاجتماعية بصفة عامة. فعلى المستوى الذهني(مثلا) تؤدي نتائج التقدم العلمي ومختلف الاكتشافات والاختراعات التي يتوصل إليها الإنسان، الى توسيع معارفه وتجديد أفكاره وإثراء خبراته في شتى المجالات،وان تمكن الإنسان من اكتساب المزيد من المعارف المعمقة،واكتشاف المعطيات والحقائق الجديدة المتعلقة بطبيعته الإنسانية،وعناصر الوجود الذي يحيط به،من شأنه ان يساعده في تصحيح تصوراته وتدارك أخطائه وتنمية قدراته،وهذا ما يجعل الفرد يقوم ،وكيفية التعامل معها.
    إن التطور على المستوى الاجتماعي،يساعد على تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وفقا للقيم والمعايير الاجتماعية الجديدة والتصورات والمفاهيم التي تتبلور نتيجة عمليات التطور. أما على المستوى المادي،فان مظاهر التطور تتجلى في مختلف المواد والوسائل الجديدة التي ينجزها الفرد ويستعملها في حياته العملية. فالتطور من شأنه ان يساعد الفرد على اكتساب المزيد من المعارف والوسائل الجديدة التي تسمح له بتنمية قدراته المختلفة وتلبية حاجياته وتصحيح تصوراته وعاداته وسلوكياته الخاطئة،وتجعله بالتالي يتقدم نحو الأفضل باستمرار،وهو ما يعني بوضوح ان التطور بطبيعته ونتائجه يتعارض تماما مع حالة الجمود والانغلاق الفكري والركود الحضاري.
    فالتطور يفتح للإنسان آفاقا لا نهائية لتحقيق المزيد من التقدم والتطور في شتى المجالات،أما الركود فيحول دون تقدم الإنسان نحو الأفضل، ويحد من قدراته وتطلعاته نحو المستقبل،وبالتالي يؤدي إلى إبقائه في حالة من الجهل والتخلف الدائم،بيد أن عمليات التطور الحضاري بالنسبة للفرد تبدأ على المستوى الذهني،حيث تنمو معارف الفرد وتتسع وتتعمق باستمرار ليكتسب بذلك الأفكار الجديدة ويتخلص من الأفكار الخاطئة.
    ولا شك أن التطور على المستوى الذهني يقتضي تحرير الفرد ذهنيا،من الجمود الفكري وقيود التشبث بالأحكام والتصورات الخاطئة،حتى يكون على استعداد دائم لتمحيص المعارف والتصورات التي يتوصل إليها،والعمل على إعادة تصحيحها،وتقبل الأفكار الجديدة الصحيحة،وهو ما يعني أن إمكانية التطور الفكري لدى الفرد،تقتضي بالضرورة قابلية التصحيح والتجديد والتغير على المستوى الذهني،لكن من الواضح أن إمكانية التطور وقابلية التغير تتعارضان مع الاعتقاد القائل بحتمية ثبات الأفكار والأمور على حالها بشكل دائم،ذلك أن مبدأ التطور يتضمن قابلية التحول والتصحيح المستمر،ويفترض احتمالات التغير الملائم بالنسبة لنمو الأفكار والتصورات وتركيبها على المستوى الذهني.
    لكن قابلية التحول والتغير التي يتضمنها التطور لا تنفي إمكانية استقرار الأفكار والتصورات المعبرة عن الحقائق البديهية،غير أن،هذا الاستقرار يظل مع ذلك قابلا للتغير بعقل التطور،ولا يدوم إلا إذا أكدته وحافظت عليه عمليات التمحيص والتصحيح المستمرة التي تحدث بفعل عوامل التطور،حيث أن الاستقرار(مبدئيا)يعتبر مؤقتا ما دام التطور مستمرا وامكانية التغيير قائمة،فضلا عن أن الإنسان لا يعلم علم اليقين بما سوف يحدث بالضبط في المستقبل بصرف النظر(طبعا) عن التوقعات والاحتمالات.
    إن الفكرة الأساسية التي يجب إقرارها في هذا المقام،تكمن في ارتباط نمو الفكر الديمقراطي بحركة التطور،حيث أن الفكر الديمقراطي بما يتضمنه من مثل وقيم ومبادئ نبيلة،،يهدف بالأساس إلى تنمية مدارك الإنسان وتمكينه من الارتقاء والتقدم المستمر نحو الأفضل،وهذا النزوع الإنساني نحو الأفضل،يجعل الفكر الديمقراطي ينمو ويتطور نحو الكمال،وهو ما يعني بوضوح أن الفكر الديمقراطي يستبعد الأفكار والتصورات الثابتة(الجامدة)،التي تحول دون تطور الإنسان بحرية وبشكل متواصل نحو الأفضل،الذي يكمن(طبعا)في سعادة الإنسان،باعتباره القيمة المثلى والهدف الأسمى.
    فالفكر الديمقراطي ينمو ويتطور باستمرار من أجل خدمة الفرد وتطويره وحمايته،وذلك وفقا للمبادئ الديمقراطية المتمثلة في الحرية والمساواة والعدل وحياته وكرامته،وحماية حقوقه الإنسانية.
    وحول تطور الفكر الإنساني نحو القيم والمثل الإنسانية الشاملة،فقد أدى التطور الحضاري والتكنولوجي،المتعدد الجوانب الذي عرفته الإنسانية ،خلال القرن الماضي وشمل مختلف المجالات المتعلقة بحياة الإنسان وتطلعاته واهتماماته،والتي بفضلها حقق الإنسان نجاحات باهرة في ميادين البحث العلمي وتطبيقاته المتعددة الاستعمالات- نقول أدى هذا التطور إلى تقدم وسائل الاتصال والتعامل بين سكان المعمورة، وتعددت إمكانيات انتشار المعرفة وتبادل الخبرات والمنفعة بين الأفراد والمجتمعات،رغم مظاهر الإجحاف والتسلط وانعدام التوازن التي سادت العلاقات بين الشعوب والأمم.
    ومع تزايد أشكال الاتصال والتعارف وتكاثرها بين المجتمعات تزايدت فرص التفاعل والتأثير المتبادل بين أفراد المجتمعات رغم اختلاف انتماءاتها وخصائصها الثقافية وأوضاعها غير المتكافئة.
    ومهما يكن،فقد أدت أشكال التفاعل والتأثير وتبادل الخبرات والمعارف التي ما كانت تزداد كثافة وتنوعا بين الأفراد والشعوب المختلفة إلى نمو المعرفة الإنسانية بصفة عامة وانتشارها وتشعبها وتعدد مصادرها وتنوع مفاهيمها وتصوراتها وفوائدها،حيث تمكن الأفراد من التعرف على أهم الخصائص الحضارية المميزة للمجتمعات البشرية وطبيعة الأفكار والمعتقدات السائدة فيها.
    لقد شكل هذا التفاعل البشري المتعدد الجوانب الإنسانية والتأثيرات الحضارية،البوتقة التي انصهرت بداخلها الأفكار الإنسانية وتبلورت بطريقة تنتج عنها نمو الأفكار الإنسانية الفاضلة والمعبرة بصدق عن أسمى القيم والمثل التي ارتقى إليها الإنسان بطبيعته الإنسانية المجردة من التبعية الطائفية الطبقة حيث أن الإنسان قد تخلص بفضل عوامل التطور والتفاعل من العديد من التصورات والمفاهيم الخاطئة،وبات لديه اقتناع راسخ حول تطابق العناصر الطبيعية وتشابه الحاجات الحيوية لأفراد البشرية جمعاء،مهما اختلفت أماكن تواجدهم وانتماءاتهم الحضارية،فقد أصبح الفكر الإنساني المتطور يميل أكثر إلى الموضوعية العلمية،ويعالج قضايا الإنسان على أساس قيمته الإنسانية المشتركة،ويدعو بإلحاح إلى ضرورة ترقية الفرد وحماية حقوقه الأساسية حيثما وجد.
    لقد أصبح هذا التيار الفكري المثالي المتطور الذي ينمو ضمن حركة الفكر الديمقراطي المتحرر،أصبح ينظر إلى الفرد والإنسانية بشكل عام مجرد من الخصائص الحضارية والحدود الجغرافية،ومميزات النظم السياسية،وأشكال النظم السياسية القائمة،وذلك باعتبار أن الإنسان حيثما كان من حقه أن يعيش حرا ومحترما،بصرف النظر عن أصوله العرقية والجغرافية وانتماءاته الثقافية ومعتقداته الدينية.
    ومما لا شك فيه أن هذه النظرة الإنسانية كانت تمثل عين الصواب،فإذا كانت العناصر الطبيعية التي يتكون الإنسان منها متطابقة ومتساوية بالنسبة لجميع الأفراد،فإن هذا التساوي في العناصر الطبيعية يحتم بالضرورة التساوي في القيمة الإنسانية بالنسبة لجميع أفراد المجتمع أيضا،كما أ ن التساوي في القيمة الإنسانية يتضمن كذلك التساوي في الحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بيد أن التساوي بين الأفراد،في القيمة الإنسانية لا ينفي وجود الفرو قات الفردية والاختلاف في القيمة الاجتماعية،فإذا كان الأفراد يتمتعون بالقيمة الإنسانية المتساوية بينهم،فإنهم يختلفون مع ذلك في القيمة الاجتماعية.
    ومهما يكن،فإن السلوك الإنساني بمفهومه الشامل ومؤثراته،هو الذي يمثل القاعدة الأكثر موضوعية وحصافة لتقدير الأفراد ومنحهم القيمة الاجتماعية اللائقة بكل منهم،وإذا كان صحيحا أن ثمة عدة عوامل تتمثل في الثروة والوجاهة والسلطة،تتدخل لتمكين الأشخاص من اكتساب مكانة اجتماعية معينة ،فإن هذه المكانة الاجتماعية لا تعبر بالضرورة عن قيمة اجتماعية حقيقية لصالح هذه المكانة،إلا إذا كانت مرتبطة بسلوك اجتماعي له تأثيره الإيجابي على الآخرين وينال رضا واعجاب معظم أفراد الجماعة البشرية التي ينتمي إليها ويتفاعل مع أفرادها،وذلك أن الجماعة هي التي تمنح القيمة الاجتماعية للفرد وفقا للقيم والمعايير السائدة فيها،وعلى أساس ما يصدر عن الفرد من سلوك.
    وفي بعض الحالات قد تكون تقديرات الجماعة تجاه الفرد خاطئة،إذا لم تدرك (الجماعة)قيمته الحقيقية،وفي هذه الحالة تكون القيمة الاجتماعية التي يكتسبها الفرد مزيفة،لكن السلوك الفردي بمؤثراته،يظل مع ذلك المعيار الأساسي لتقييم الفرد.فالسلوك الذي يقوم به الإنسان هو الذي يجعل أفراد الجماعة التي ينتمي إليها يحكمون عليه(إيجابا أو سلبا)وذلك حسب معايير الفضيلة والرذيلة السائدة في الجماعة.
    إن الفكرة الأساسية التي نحاول إبرازها في هذا المقام هو اشتراك جميع أفراد البشرية في القيمة الإنسانية بالتساوي،وذلك أن هذه القيمة الإنسانية المشتركة بالتساوي بين جميع الكائنات البشرية تعتبر في الحقيقة قاعدة أساسية لتنظيم العلاقات الإنسانية وعمليات التعامل بين أفراد المجتمع البشري ككل،بصرف النظر عن الحدود الجغرافية أو الإقليمية المصطنعة والحواجز المعنوية المزيفة،حتى يمكن اتخاذ هذه القيمة الإنسانية منطلقا لإلغاء هذه الحدود والحواجز التي تشكلت بين أفراد البشرية بروح تعسفية منحازة.
    وإذا كان أفراد البشرية جميعا يتمتعون بقيمة إنسانية متساوية وثابتة لا تختلف باختلاف الخصائص الحضارية والمميزات الثقافية للأفراد والشعوب،فإن هذا التساوي المطلق في القيمة الإنسانية يقتضي بالضرورة تساوي جميع أفراد البشرية في التمتع بالحقوق الأساسية،وذلك بغض النظر عن نظام الجنسيات وحدود النظم القائمة.
    وعلاوة على ذلك،فإن تطابق العناصر الطبيعية للأفراد،يجعل حاجاتهم الأساسية متشابهة رغم اختلاف العوامل البيئية والخصائص الثقافية للجماعات والمجتمعات التي ينتمون إليها،فضلا عن أن حاجة أفراد البشر لبعضهم البعض تعتبر حيوية وحتمية ويستحيل الاستغناء عنها،حيث لا يمكن للفرد أن يعيش ويتطور ويكتسب صفاته الإنسانية،إلا من خلال الحياة الاجتماعية ضمن مجموعة بشرية،وكذلك المجتمعات تبقى في حاجة إلى التعاون والتفاعل مع بعضها البعض،حيث أصبح تبادل الخبرات والمنافع بين الأفراد والجماعات عبر المناطق والقارات أمرا ضروري لتقدم الإنسانية بصفة عامة.
    لقد أظهرت مستويات التطور الاجتماعي الحضاري التي بلغها الإنسان المعاصر ،أن المعرفة الإنسانية بمفهومها الواسع ومؤثراتها المختلفة تنتشر بشكل أو بآخر عبر مناطق العالم ولا تتوقف عند الحدود الجغرافية للدول والمجتمعات السياسية.
    وإذا كانت العناصر الطبيعية للأفراد وحقوقها الأساسية متطابقة وحاجاتها متشابهة وتعاملهم ضروري وتفاعلهم حتمي،فإن كل ذلك في الواقع يحتم عليهم التعايش والتعاون بصدق مع بعضهم البعض من أجل تقدم الإنسانية وازدهارها في ظل الحرية والمساواة والعدل والتآخي والتآزر والاحترام المتبادل بالنسبة لجميع أفراد البشرية دون تمييز،حيث أن التعاون الصادق بين الأفراد والجماعات والدول،مع تسخير كل الخبرات والوسائل المتاحة من أجل خدمة الإنسان وتطوره في كل مكان وازدهار المجتمع البشري بكامله،يعتبر من الشروط الأساسية لتحقيق التوازن والتكامل بين المجتمعات في شتى الميادين والمجالات الحضارية،والتمهيد لاندماجها الكامل في نظام عالمي للمجتمع البشري يقوم على أساس الاحترام المطلق للقيمة الإنسانية وتحقيق المساواة في التمتع بهذه القيمة بالنسبة لجميع الأفراد،والعمل الدائم على صيانة كرامة الإنسان وترقيته،وضمان التمتع بالحقوق والحريات الفردية،لا سيما في مجالي التعبير عن الرأي،والإبداع الفكري،وممارسة النشاط المفيد والعبادة الدينية والتنقل والإقامة عبر مناطق العالم،وإقامة العلاقات والروابط الإنسانية،وتبادل الخدمات والمنافع بين الناس،وذلك في ظل الحرية والاحترام المتبادل والتفاهم والتضامن والتكافؤ في الفرص والتعاون من أجل تقدم البشرية نحو الأفضل المنشود لجميع الناس.
    وإذا كانت هذه الآمال والتصورات تبدو أكثر مثالية وبعيدة المنال،فإنها مع ذلك تمثل الاتجاه الصحيح،الذي يمكن المجتمع البشري ككل من تعبئة قدراته وإمكانياته وتسخيرها لخدمة الإنسان في كل مكان من جهة،وتفادي مخاطر الحروب الهدامة وأشكال القهر والتسلط وسيطرة القوي على الضعيف التي ما انفك الإنسان يمارسها ضد أخيه الإنسان.
    إن قراءة تاريخ البشرية تكشف بوضوح عن مدى فظاعة المعاناة والمآسي وأشكال العذاب والقهر الذي عاشتها البشرية في ظروف مختلفة وأماكن متعددة من العالم،نتيجة الصراعات والحروب الطاحنة التي خاضها الإنسان من أجل السيطرة على حقوق الآخرين واستغلالهم،حيث عمل معظم الحكام والقادة بشكل تعسفي على تعبئة الشعوب والطوائف البشرية التي يقودونها لمحاربة بعضها البعض بدافع الرغبة في التفوق والسيطرة واستغلال الغير..ما أدى إلى تكريس انقسام البشرية إلى أنظمة ومجتمعات متميزة،وزاد من وتيرة التخوف بين هذه الأنظمة الحاكمة من بعضها البعض،ودفعها بالتالي إلى بذل الجهود وتسخير الإمكانيات لمواجهة بعضها البعض،وظلت النظم الحاكمة تنفق وتهدر الأموال الطائلة وتستعمل ثرواتها والوسائل المتوافرة لديها لحماية وجودها وضمان بقائها واستمرارها ونموها بطرق تتوافق مع طبيعة نظمها المختلفة.
    وكان من الواضح أن هذه الجهود الهائلة لتي بذلتها الأنظمة الحاكمة في مجالات التسلح والدفاع،سواء لحماية وجودها أو للهيمنة على الآخرين،كان من الممكن استخدامها لترقية الإنسان وتقدمه الحضاري في كل مكان،لولا انقسام المجتمع البشري إلى دول متصارعة ونظم سياسية متضاربة.
    لقد أدى هذا الانقسام في البشرية إلى تعميق انعدام التوازن وتكافؤ الفرص بين الشعوب والأمم،كما جعل خصائصها وأهدافها وغاياتها متباينة في معظم الحالات،وكل ذلك جعل الشعوب لا تتطور بدرجات متساوية،ولا تستغل ثرواتها الطبيعية العالية والإنجازات الإنسانية بشكل عادل،رغم أن الثروات الطبيعية الأساسية تعتبر ملكا مشتركا لجميع البشرية.
    ولا شك أن مظاهر انعدام التوازن والتساوي بين شعوب المعمورة انعكست (سلبا)على حياة الأفراد فيها،حيث ظل الحرمان والتعاسة من نصيب أغلبية البشر،ولمواجهة هذا الواقع يظل من الصواب بالنسبة للبشرية الاندماج بين الشعوب وتضامن الأفراد وتظافرجهودهم وتسخير الإمكانيات والوسائل لخدمة الإنسان في كل كان والعمل من أجل تطوره بغض النظر عن أصوله العرقية وانتماءاته الثقافية ومعتقداته الدينية ،حيث أن هذا المسعى الاندماجي المتعلق بمصير البشرية المشترك يقتضي ضرورة إقامة نظام عالمي شامل وعادل تلغى فيه الحدود القائمة بين الشعوب وكل مظاهر التسلط،وتضمن فيه حرية الأفراد في التنقل والإقامة وممارسة مختلف نشاطات المفيدة في شتى المجالات،وتختفي فيه الجيوش بكل ترساناتها الحربية،حيث لا يبقى من مظاهر القوة المسلحة في العالم سوى القوات المحلية،الخاصة بحفظ الأمن والنظام وحماية الحقوق والحريات المشروعة،ذلك أن مهام الجيوش المختلفة ترتبط أساسا بوجود كيانات الدول المستقلة وتخوفها من بعضها البعض،وتنافسها من أجل خدمة مصالحها الخاصة وحرصها على حماية سيادتها،وعندما تندمج مختلف الدول في نظام عاملي موحد تزول أسباب وجود الجيوش والاستعدادات الحربية،حيث يصبح المجتمع البشري بمثابة دولة واحدة لا خصم لها سوى تناقضاتها الثقافية والاجتماعية.
    والحقيقة أن اندماج الشعوب في نظام عالمي موحد يقوم على أساس العدل والمساواة واحترام كرمة الإنسان،وضمان حقوقه، يعتبر أعظم نجاح يمكن للبشرية أن تحققه،وذلك نظرا للفوائد الحضارية العظيمة التي تنتج عن هذا المشروع بالنسبة للبشرية جمعاء في حالة إنجازه واقعا ملموسا(* كاتب وباحث أكاديمي).
    مجهود راائع شكرا جزيلا
    [CENTER][FONT=arial][SIZE=4][B] أن تضيء شمعة صغيرة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام

  6. #6

    افتراضي رد: نمـو الفكر الديمقراطي وارتباطه بحركة التطور البشري

    جزآك الله خيرآ وغفر لك

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

جميع الحقوق محفوظة لموقع منشاوي للدرسات والابحاث