السعادة
السعادة والسرورهما الهدف الأسمى لكل مخلوقات الله من البشر غنيها وفقيرها مؤمنها وكافرها صغيرها وكبيرها أنثاها وذكرها بألوانها المختلفه لأنهما يولدان التبسم في حياة المرء ، ولكن كل يرى السعادة والسرور من زاوية معينه –تكاد تختلف عن الآخرين – فهناك من يرى السعادة هي ماأصابه الإنسان من الحياة و، فهذا شاعر يرى أن الحياة هي حسناء فاركة حيث يقول :
وما الحياة سوى حسناء فاركة
مخطوبة من أحباء وأعداء
قد تمنع النفسأكفاء ذوي شغب
وربما وهبتها غـير أكفــاء
والجوهري رأى أن السعادة هي بقدر ما يعيب الإنسان في الدنيا فقال :
ذم الحياة أناس لـــم تـواتـهم

ولا دروا غير الإبــــــل والـعـشاء

وقلدتهم على العمياء جمهرة
تمشي على غير قصد خبط عشواء
ولو بدت لهم الدنيا بزينتــها
لأوسـعــــوهـا بتبجــيل وإطـــــراء
ومصطفى الغلاييني يقول :
إن الحياة هي السعادة للذي
يزور عن تزويرها وغرورها
وهي الشقاء لمن يرى أشواكها فيفر من أزهارها وعبيـرهـــا
وقد قيل الكثير في الأدب العربي عن السعادة ، وأنواعها ، وأسبابها ، فهذا البارودي لم يستطع نسيان الأحداث التي مر بها أثناء الشباب وهو يرى أنها نوع من السعادة ، ثم يختم ذلك في فلسفة إجتماعية فريدة يقول :
كل شيء يسلوه ذو اللب إلا
ماضي اللهو في زمان الشباب
ليس يرعى حق الوداد ولا يلذ
كر عـــهدا إلا كــــريم النصاب
إنما المرء صورة سوف تبلى
وانتهاء العمران بدء الخــــراب
وقيل : ليس سرور النفس بالجدة ، وإنما سرورها بالأمل ، وما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : السرور إدراك الأماني ، قيل لأعرابي : أي الأمور أمتع ؟ فقال : الأماني ، وأنشد يقول :
إذا تـمـنيت بـت اللـيل مـغـتبطا

إن المنى رأس أموال المفاليس

لولا المنى مت من هم ومن جزع
إذا تذكرت مافي داخل الكيس
أما جميل الزهاوي فإنه يرى السعادة حيث تنال النفس مناها :
إن السعادة في أن تنال نفسي مناها
وأن تكون بمنأى عمن يريد أذاهـا

ولكن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه صورها كأنها حلم عابر 0000
نسر بما يفنى ونفرح بالمنى

كما يسر باللذات في النوم حالم

كل شيء يوافق الفطرة فهو منى النفس ، وأما أذاها فهو ما خالف فطرتها التي فطرها الله عليها ،وهناك من رأى الطلاقة والإبتسامة في اللقاء هي السعادة وهذا ماقال به سعيد بن عبيد الطائي:
الق بالبشر من لقيت من النا
س جميعا ولا قهن بالطلاقة
تجن منهم جني ثمار فخذها
طيبــا طعمـه لذيـذ مذاقــــه
وهناك من يرى السعادة بمنظار آخر أو تحصيل شيء قد حرم منه فقد قيل لمسجون : مالسرور ؟ فقال : فكاك يفجأ ، وإطلاق لا يرزأ0 أما العاشقين فمناهم تنحصر في دنيا العاشقين قيل لعاشق : مالسرور ؟ فقال : لقية تشفي من الفرقة ، واعتناق يداوي من الحرقة 0 قال الموصلي :
أطيب الطيبات طيب الزمان
ونــــدام المنـعـمات الغواني
واحتساء العقار في غرة الصـــــبح
على شدو ماهرات القيان
وأمان من الهموم ومـــــال

ليس تفنيه نائبات الـــزمــان

قيل للأعشى ماالسرور ؟ فقال : صهباء صافية ، تمزجها غانية ، بصوت غادية ، وقيل لأعزب مالسرور ؟ فقال : زوجة وسيمة ، ونعمة جسيمة 0وقيل لأمرأة : مالسرور ؟ فقالت : زوج يملأ قلبي جلالا ، وعيني جمالا ، وفنائي جمالا 0 وقيل لحصين بن منذر مالسرور ؟ فقال : إمرأة حسناء ، في دار قوراء ، وفرس في الفناء 0 ويقول الأعرابي :
حسب الفتى من عيشه
زاد يـبـلـغـه المحـلا
خبـز ومــاء بـــــارد

والظل حين يريد الظل

ولعله أراد بالظل البيت الذي يأوي إليه ، ولو سئل الغريب ماالسرور ؟ لقال : الإياب مع الغنيمة ، ولو سئل طالب ماالسرور : لقال الفوز والنجاح ، ولو سئل عالم ماالسرور ؟ لقال : دواة وكتاب 0 وقيل لأعرابي – خائف - : ماالسرور ؟ فقال : الأمن والعافية ،قيل : صدقت 0 وقيل لمغن : ماالسرور ؟ قال : مجلس يقل هذره ، وعود يصفو وتره ، وعقول تفهم ما أقول 0 وقيل لمشرد : مالسرور ؟ قال : كفية ووطن ، وسلامة وسكن 0 وقيل لطفيلي : مالسرور ؟ فقال : ندامى تسكن صدورهم ، وتغلي قدورهم ، ولا تغلق دورهم 0
وقال قتيبة بن مسلم لوكيع بن أبي الأسود : مالسرور ؟ قال : لواء منشور ، وجلوس على السرير ، والسلام على الأمير 0
هذا السرور الدنيوي الزائف ، ولكن السعادة والسرور بتقوى الله واتباع ما أمر واجتناب مانهى عنه وزجر– والله- انها لهي السعادة الحق ،والتي هي من أهداف الحياة الروحية الساعية الى بث الطمأنينة في النفس الانسانية ونبذ الهم والقلق اللذين هما أعدى أعدائها وذكر الله هو الوسيلة الفعاله للوصول الى هذا الهدف ، ولا شك أن مصدر الهم والقلق هو استشعارالانسان بضعفه أمام أحداث هذه الحياة ولكن الايمان القوى بالله وبالقضاء خيره وشره يلقى في نفس الانسان طمأنينة وقوة تتضاءل أمامها هموم الحياة ويراها شيئا تافها لا يستحق الالتفاف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد الا المؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له 0كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته يقول : كان لنا أمانان ذهب أحدهما وهو كون رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ، وبقي لنا الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا ، قال سبحانه وتعالى : (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا )نوح 10-12 (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) الأنفال330 ألم أقل ان المؤمن هو السعيد وما سواه فهو في سعادة زائفة اذا كان هناك سعادة في حياته0
بقلم الدكتور/علي الكريديس- لاتنسى زيارتي
kfsc\keireidisa