خلق الله آدم وحواء فأكرمهما ونعمهما ، فأضلهما الشيطان فكان سفرهما من الجنة إلى الأرض بعد أن تابا فتابا الله عليهما 0"اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "0 يقال أن آدم اهبط بالهند ، وحواء في جدة وتقابلا بعد ذلك في مكة المكرمة ،ويروي ابن عباس رضي الله عنه :ـن الله قال يا آدم إن لي حرما بجبال عرشي فانطلق فابن لي بيتا فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي ، وأرسل ملكا فعرفه وعلمه المناسك ، ثم سفره الأخير إلى ربه تعالى 0 وكثير من الأنبياء والرسل سافروا نوح عليه السلام إبراهيم عليه السلام ، يونس عليه السلام ، يوسف عليه السلام ، وخير مسافر في خير سفر محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى فلسطين : " فسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى" 0 ومن أراد التزود فليقرأ حديث الإسراء والمعراج الذي رواه مسلم – رحمه الله – فسفره إلى المدينة التي انطلقت فيها الدعوة الإسلامية وأسست على أثرها الدولة الإسلامية ، ثم سفره إلى ربه سبحانه وتعالى وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ولعل من أهم مزايا السفر ما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ، دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده "رواه أبو داود والترمذي ، والحديث عن الترحال والسفر ذو شجون ، لكن جذب انتباهي قول الشاعر :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من راحة فدع الأوطان واغترب
لعل قائل هذا البيت ليس عنده وطن مثل وطني الذي تمرغت في ترابه ، وترعرعت بين أحضانه ، وما أحلى التمرغ بين أمواج ترابه الهادئة ، يقول عبد الرحمن شكري :
وللبحر أمواج وللبيد مثلها
إذا هب إعصار على الركب كارب
فبغرق في لج من الترب حائن
كما اشتبكت فوق السفين السوارب
فأمواج البيد تداعب المرء كما يداعب الحبيب حبيبه، بينهما همس كهمس الحبيب في أذن حبيبه ، أما أمواج البحر فهي تحمل الغدر ، تخدع المرء وما أن يفقد توازنه حتى ينقض عليه ، إنه عالم مجهول ، وهذا مالم تفعله أمواج الصحراء ، فهي عالم مكشوف معلوم أما الشاعر الذي شبه بلدته ببلدة أخرى فقد جانبه الصواب فالبلاد وإن جارت فهي عزيزة ، والأهل وان بخلوا فهم كرام 00000
وما هي إلا بلدة مثل بلدتي
خيارهما ما كان عونا على دهري
لا أرى في هذا البيت إلا الأنانية ، فالبلاد لا تضيق بأهلها لكن أخلاق الرجال تضيق،ولقد أخطأ الشاعر – في رأيي – في قوله :
فإنك واجد أرضا بأرض
ونفسك لم تجد نفسا سواها
إن كان المقصود هو التبديل الأبدي ، فلا يبدل وطنه – في { رأيي – إلا لئيم ، أما الذاهب لخدمة وطنه ، أو طلب العلم ، والدعوة أو لشح أصاب البلاد ، وهدفه العودة لأرض الوطن غانما سالما فهذا نسأل الله له التوفيق والسداد 0
ولا شك أن السفر مقترن بالوداع الذي يشغل تحت الضلوع نارا ذات لهب تلهب الأحشاء ، وتجري الماء من فوق الخدود ، دموعا تحرق الوجنات ، لوعة تزرع الحزن والأسى ، الدموع الماطرة من مقلتي المودع يتراءى للبعض إنها ماء منهمر ، لكنها خلاصة دم جادت بصره العين وهي فوق تنور يحترق داخل الأحشاء00
فوالله لا أنسى مدى الدهر قولها
ونحن على حد الوداع وقوف
وللنار من تحت الضلوع تلهب
وللماء من فوق الخدود وكيف
فهل أنصفت تلك الدموع الدامية ، وهل وفى القلب المحترق؟؟؟ وما قيمة هذه الدموع المنهمرة من العين التواقة إلى محبها؟؟!!تتجلى قيمها بقول الشاعر 00
ولما وقفنا للوداع وقلبها
وقلبي يغيضان الصبابة والوجدا
بكت لؤلؤا رطبا وفاضت مدامعي
عقيقا فصار الكل في نحرها عقدا
لكن الدموع تفضح أسرار المحب كما فضحت العباس بن الأحنف :
هبوني أغض إذا مابدت
وأملك طرفي فلا أنظر
فكيف استتاري إذا ما الدموع
نطقن فبحن بما أضمر
خاصة إذا أتتك تمشي كأنها تخطو على البيض أو خضر القوارير مقبلة غير مدبرة ، وكغصن بان يداعبه نسيم هادئ الطبع فهل يستطيع ( المحب) أن يستر ما يضمر من حب ولوعة واشتياق؟؟؟أم يكون من يهرب من التوديع الذي يجلب الهم والحزن !!ولا يعرف مافي البين إلا عند حدوثه تلك الساعة يتمنى الإنسان أن معرفته للمودع لم تكن 00 وممن يهرب عن التوديع البحتري00
لا تعذليني في مسيري
يوم سرت ولم ألاقك
إني أخشى مواقفا للبين تسفح غرب ماقك
وعلمت ما يلقى المودع
عند ضمك واعتناقك
فتركت ذلك تعمدا
وخرجت أهرب من فراقك
ولكن هل الدموع تفني وتنقضي ؟يقول قيس بن ذريح :
وإني لمفن دمع عيني بالبكا
حذار الذي لما تكن وهو كائن
وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة
فراق حبيب لم يبن وهو بائن
ولا تكن كما قال جرير لما عرف الخبر :
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم
يوم الرحيل فعلت مالم أفعل
وللناس في التوديع مذاهب شتى لعل أهمها : التوديع بالطرف ، والإيماء بالعين – غالبا عند العشاق – ولكل محبوب طريقته بالتوديع :
ضعفت عن التسليم يوم فراقنا
فودعتها بالطرف والعين تدمع
وأمسكت عن رد السلام فمن رأى
محبا بطرف العين قبلي يودع ؟
رأيت سيوف البين عند فراقنا
بأيدي جنود الشوق بالموت تلمع
عليك سلام الله من مضاعفا
إلى أن تغيب الشمس من حيث تطلع
0التوديع بالتلويح بأطراف البنان ، لعل الغرب يستخدم هذه الطريقة كثيرا ، والمحب الذي يستر ما في شجونه يسرق حركة توديع خافية على الجميع وهي التوديع بأطراف البنان – طبعا قبل الجوال – سارق نظرة يخفيها على الجميع :
تبدت لنا مذعورة من خبائها
وناظرها باللؤلؤ الرطب لامع
أشارت بأطراف البنان وودعت
وأومت بعينيها متى أنت راجع؟
فهل هذا النوع من السرقات الجائزة؟؟لعلها في عالم العشاق مباحة ، فعالمهم غريب ، وأركان دولتهم معروفة 0
0التوديع بالمصافحة : لعل أجمل ما في المصافحة هو تبادل تيار منطلق منهما ، فتتماسك اليدان ولا تريد الفراق هي الأخرى 00 لكن يأبى الزمان عليهما إلا الفراق :
مددت إلى التوديع كفا ضعيفة
وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي
فلا كان هذا آخر العهد منكمو
ولا كان ذا التوديع آخر زادي
0 التوديع بالعناق والتقبيل : وهذا أعمق أنواع التوديع :
مالت علي تفديني وترشفني
كما يميل نسيم الريح بالغصن
وأعرضت ثم قالت وهي باكية
ياليت معرفتي إياك لم تكن
أما الذي قبلها تسع وتسعين قبلة ، وواحدة على عجل – أتمها مائة – فلا أعلم له مكانا في عالم العشاق ، وهذا مما يؤمن بأن التقبيل والعتاق مصحوبا بتصفيق الشفتين مع إبرازهما وكأنه دليل على عمق المحبة والتقدير ، لأن العاشق لابد أن يتحلى بأدب العشق – إن كان من العاشقين – ويسير على نهجهم 00 فعندهم العفة ، فهذا جميل بن معمر صاحب بثينة يقول – فيما رواه سهل بن سعد الساعدي – بأنه قال على فراش الموت إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط ، ومات في يومه ، وقد اقتنع بالقليل :
أقلب طرفي في السماء لعله
يوافق طرفي طرفها حين تنظر
فأين هم من عشاق اليوم ؟؟
وللسفر أغراض عديدة لعل أهمها :
· 0السفر في سبيل الله 00يقول تبارك وتعالى :"والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " البقرة آية 2180 يقول النابغة الذبياني الجعدي – عندما وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم :
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى
ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وقول النمر بن تولب لسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنا أتيناك وقد طال السفر
نقود خيلا ضمرا فيها عسر
نطعمها الشحم إذا عز الشجر
والخيل في إطعامها اللحم ضرر
والشحم يعني اللبن ، والنمر بن تولب يسمى الكيس لحسن شعره ، وكذلك قدوم كعب بن زهير وقصيدته التي مطلها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول00

· 0السفر لطلب المعيشة:يقول الله سبحانه وتعالى : " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللله )0إذا كان الانسان 2معيلا على أهله وهو فقير فخير له أن يمضي في طلب المعيشة لأن المقام على الفقر هو السفر الفعلي ، والرزق مقسوم وطلب المعيشة ليست بالتمني وعلى الفردأن يلقي بدلوه لعله يجيء بالرزق ، يقول الشاعر في فلسفة شعرية بتفضيل الموت على الفقر :
وقفت وقوف الشك ثم استمر لي
يقيني بأن الموت خير من الفقر
فودعت من أهلي وبالقلب مابه
وسرت عن الأوطان في طلب اليسر
سأكسب مالا أو أموت ببلدة
يقل بها فيض الدموع على قبري

· 0التفكر في خلق الله : قال تبارك وتعالى :" قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأالخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير )0 يقول شوقي في وصف الطبيعة :
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
فالأرض حولك والسماء اهتزنا
لروائع الآيات والآثار
في كل ناحية سلكت ومذهب
جبلان من صخر وماء جاري

0 البحث عن الفرصة البديلة : الإنسان قد لا يجد نفسه في مجتمعه – حسب رأيه – فيقوده تفكيره إلى البحث عن مكان آخر يعطيه فرصة بديلة ، لربما كان مثل البخور الذي لا يزيد عن حطب وفي غربته وجد فرصته بأن كان غالي الثمن ، وكالكحل نوع من الأحجار المطروحة في الأرض لكن ما إن يغترب حتى جعل بين الجفن والحدق : فلولا اغتراب المسك ما حل مفرقا
ولولا اغتراب الدر ماحل في التاج

· 0الراحة والاستجمام : أي الترويح عن النفس وإزالة الهم وزوال الغم ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله رحمة واسعة :
تغرب عن الأوطان تكتسب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
يقول أبو الطيب :
والهم يخترم الجسيم نحافة
ويشيب ناصية الصبي ويهرم
ويقال " الهم قتل الهرة " وتقول العرب : " ثلثا الهرم الهم " ، وخير علاج للهم الذي تضمنته الضلوع قولك " لاحول ولا قوة إلا بالله " فهي كنز من كنوز الجنة ودواء من 99 داء أيسرها الهم 0
ونختم بحديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لغاية يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "رواه البخاري ومسلم 0

· الصحبة في السفر : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ماسار راكب بليل وحده" رواه البخاري 0وفي الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الصحابة أربعة :000الخ وخير الصحابة أي الصاحب فالرفيق قبل الطريق ، فالمرء يصلحه الجليس الصالح قال الشاعر :
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها
فمن زلقا عن غرة زلجا
وشبيه الشيء منجذب إليه ، ووحدة الإنسان خير من جليس السوء ، وجليس الصدق خير من جلوس المرء وحده ، تأكد من اختيار الصديق في الحل والترحال ، وكن كالضرير الذي يقدر موضع قدمه قبل وضعها مخافة العقبة السيئة 0
ولربما طعن الفتى أقرانه
بالرأي قبل تطاعن الأقران
دع عنك صاحب الأقوال لا الأفعال الذي يظهر لك غير ما يبطن 00 يقول ابن عبد الفدوس :
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ كما يروغ الثعلب
فسلوك المرء هو المقياس الحقيقي 00 يقول أبو الطيب المتنبي :
وما الحسن في وجه الفتى شرفا له
إذا لم يكن في فعله والخلائق
لا تصاحب الأحمق :
لا تيأسن من اللبيب وان جفا
واقطع حبالك من حبال الأحمق
فعداوة من عاقل متجمل
أولى وأسلم من صداقة أخرق
ولا صاحب النفاق والملق 00يقول العرجي :
ياأيها المتحلي غير شيمته
ومن سجيته الإكثار والملق
ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه
إن التخلق يأتي دونه الخلق
ولا من يتتبع العثرات ويكثر العتاب 00 يقول كثير :
ومن لا يغمض عينيه عن صديقه
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
ولا صاحب الظن فإن بعض الظن إثم 00يقول ضابي البرجمي :
وفي الشك تفريط وفي الجزم قوة
ويخطيء بالحدس الفتى ويصيب
ولا الجبان الجهول من يضرب القريب ويعجز عن ضر البعيد ، ولا الخوان 00 يقول الأعور الشني :
لا آمنن إمرءا خان امرأ أبدا
واحذر من الناس ذا وجهين خوانا
وإياك 00إياك والبخيل فإن البخل لأخلاق الرجال سروق 00 يقول عمرو بن هيثم :
ذريني فإن البخل ياأم هيثم
لصالح أخلاق الرجال سروق
أو كما قال الشاعر :
آه من الكذاب يخلف قوله
ما حيلتي في المفتري الكذاب
والله إنه ليكذب إلا من مهانته ، أو فعله السوء ، أو من قلة الأدب ، فهو يقول ما يشاء ولله در القائل :
إياك من كذب الكذوب وافكه
فلربما مزج اليقين بشكه
ولربما كذب امرؤ بكلامه
وبصمته وبكائه وبضحكه
وقال بعضهم :
لبعض جيفة كلب خير من رائحة
من كذبة المرء في جد وفي لعب
واحذر من اجتمعت فيه خصال خمس ولا تكون إلا في جاهل ، الغضب في غير غضب ، والكلام في غير نفع ، والعطية في غير موضع ، والثقة بكل أحد ، وأن لايعرف صديقه من عدوه 0
ولا تثني على أحد حتى تجربه ، والسفر يسفر عن أخلاق الرجال 00 يقول الحطيئة :
إني امرؤ قل ما أثني على أحد
حتى أرى بعض ما يأتي وما يذر
صادق من يسرك إن أقبل أو أدبر ، يقول لقيط بن معمر :
وليس أخوك الدائم العهد بالذي يسوؤك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكن أخوك الناء ما كنت آمنا
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
ومن يحمد مع الناس في ماله وجاهه ، يقول حاتم الطائي وكان أجود العرب ومن شعرائهم الكبار ، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لإبنته عندما ذكرت مواصفاته وسلوكه : ولو أبوك مسلم لتحمنا عليه " 0:
ذريني أكن للمال ربا ولا يكن
لي المال ربا تحمدي غبه غدا
أريني جوادا مات هزلا لعلني
أرى ماترين أو بخيلا مخلدا
وفي مايسر الصديق ويسوء العدو ، يقول النابغة الجعدي :
فتى تم فيه مايسر صديقه
على أن فيه مايسوء الأعاديا
يدر العروق بالسنان ويشتري
من المجد ما يبقى وإن كان غالبا
صديق يكون كما قال فيه الحجاج بن يوسف عند موت ابنه يوسف 00
وتكاملت فيك المروءة كلها
وأعنت ذلك بالفعال الصالح
فإن لم تجد صديقا صدوقا بهذه المواصفات – ولعلها مثالية- فجلوسك لوحدك خير ، لكن خالط الناس فهي التجربة الحقيقية بل هي جامعة الحياة 0 حاول أن يقع اختيارك على هذا النموذج الذي قال عنه الشاعر 00
يا حبذا حين تمسي الريح باردة
وادي أشي وفتيان به هضم
مخدمون كرام في مجالسهم
وفي الرحال إذا لاقيتهم خدم
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
إلا يزيدهم حبا إلى هم
إياك أن يأتي يوم تردد فيه قول طرفة بن العبد00
كل خليل كنت خاللته
لا ترك الله له صالحة
كلهم أروغ من ثعلب
ما أشبه الليلة في البارحة
في السفر يزداد الشوق إلى الوطن ، يقول أبو تمام00
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ماالحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألف الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
إن البين يجرع الحنظل 00البعد عن بيئة فيها ملاعب الطفولة ومراتع الصبا يشعل نار الشوق 00الوطن محبوب مهما شرق المرء أو غرب 00مهما يألف الإنسان أرضا غير أرضه وأهلا غير أهله فإن الشوق يثور كبركان ولا دواء له إلا التمرغ في أرض حلت بها التمائم ومن علامات الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى وطنها تواقة ، وقيل من إمارات العاقل بره بإخوانه وحنينه إلى أوطانه ، فهذا ابن الرومي يقول 00
ولي وطن آليت الا أبيعه
ولا أرى غيري له الدهر مالكا
عمرت به شرخ الشباب منعما
بصحبة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال اليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
لقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودر هالكا
ورحم الله الوليد عندما سمع ابن ميادة يقول 000
ألا ليت شعري هل أبتن ليلة
بحرة ليلى حيث ربتني أهلي
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وقطعن عني حين أدركني عقلي
اعطاه مائة ناقة دهما جعادا ، ومائة صهبا برعاتها 0
الشوق إلى الأهل :
لعل الحنين إلى الأهل والأصحاب ، يأتي بعد الحنين إلى الوطن إن لم يكن موازيا له ، ولعل إتحاد عنصر الوطن وعنصر الأهل يكون عامل جذب وإغراء ، فلا يجد المرء بدا من الإنقياد لهذا العامل المغري 00
هل يعلم الصحب أني بعد فراقهم
أبيت أرعى نجوم الليل سهرانا
أقضي الزمان ولا أقضي به وطرا
وأقطع الدهر أشواقا واشجانا
ولا قريب إذا أصبحت في حزن
إن الغريب حزين حيثما كانا
الشوق إلى المحبوب :
لعل العشاق عندهم بعد أمل لملاقاة من يحبون ولو على بساط الصحب ، فتجدهم ينظرون إلى نجم من النجوم محدثين النفس بأن الحبيب قد ينظر إلى هذا النجم فيلتقي نظرهما 00لعل ذلك من العلاج النفسي عند بعض العشاق ومن الباب القناعة أو من باب لعل وعسى 000أو تجده كقيس بن الملوح الذي يستغشي لعل خيال محبوبته يلقي خياله بل إنه أعطى أكثر من ذلك في قوله 000
وإني لأستغشي وما بي نعسة
لعل خيالا منك يلقى خياليا
واخرج من بين الجلوس لعلني
أحدث عنك النفس في السر خاليا
أدوات السفر :
ورد في القرآن الكريم :" هو الذي يسيركم في البر والبحر "0يونس آية 22 0" وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكن بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم 0 والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالاتعلمون "0 لعل من أدوات السفر القديمة المشي ، يقول الله سبحانه وتعالى " وقدرنا فيهما السير فسيروا فيها ليالي وأياما آمنين "0 سبأ آية 18 0
الإبل : يقال جمل وناقة ويقول الشاعر الراعي :
نجائب لا يلقحن إلا يعارة
عراضا ولا يشرين إلا غواليا
نعم الإبل الأصيلة لا يشرين إلا غواليا ويقصد ب ( يعارة : ذاهبة الجسم ، ويقال يعارض الناقة الفحل فيضربها معارضة ) وقد ذكر الناقة والجمل الشاعر المغترب أبو إسماعيل الطغرائي في لاميته :
فيم الإقامة بالزوراء لا سكنى
بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
والعرب تحب من الإبل ماكانت نجيبة ، عذافرةأي الصلبة القوية ، الغلباء ، القوداء ، القنواء ،الوجناء ، العلكوم ، الضامرة ، الكريمة ، الشمليل أي الخفيفة ، رخوة الضبيعين ، وأفضلهن ( الملحاء ، والشقحاء ) وللناس فيما يعشقون مذاهب 0
الخيل : ولعل شهرتها تطغى على شهرة الإبل لانتشارها ، لكن الله أمرنا بالتفكر في معجزات خلقة من بينها الإبل :" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " 0 ولعل أمرأ القيس خير من أجاد في صفة الخيل :
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
لها أيطلا ظبي وساقة نعامة
وارخاء سرحان وتقريب تتفل
والخيل الأصيلة قليلة نادرة مثل ندرة الصديق في كل زمان ومكان ، يقول أبو الطيب المتنبي :
وما الخيل إلا كالصديق قليلة
وإن كثرت في عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها
وأعضائها فالحسن عنك مغيب
البغل :لأبي دلامة قصيدة فكاهية ( طويلة )يصف معاناته مع بغلته ، يقول فيها :
رزقت بغيلة فيها وكال
وخير خصالها فرط الوكال
فأهون عيبها أني إذا ما
نزلت وقلت : إمشي لا تبالي
الحمار :ورد ذكر الحمار في القرآن الكريم : " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " 0 ويقال له حمار وجمعها حمير ، يقول الشاعر :
قف بسوق الحمير وانظر مليا
هل ترى أدهم أغر المحيا
ويقول الأعشى ميمون بن قيس :
وقيدني الشعر في بيته
كما قيد الأسرات الحمارا
والأتان أنثى الحمار :
وأبوك خلف أتانه يتقمل 0000
ويقال له عير والأنثى عيرانه ويقال له جحش يقول الشاعر :
ليت شعري أين الأمان وهذا
جحش عثمان قد عدمناه حيا
البحر ( الفلك ) : وقد ورد في القرآن الكريم 23مرة قال تعالى : وجعل لكم من الفلك والأنعام ماتركبون 0 الزخرف آية 12 0يقول طرفة بن العبد يذكر السفينة :
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسم الترب المقابل باليد
أما آلات السفر الحيثة فهي كثيرة لعل أهمها ( القطار ، السيارة ، الطائرة 00)
القطار يقول الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي :
وقاطرة ترمي الفضاء بدخانها
وتملأ صدر الأرض في سيرها رعبا
تمشت بنا ليلا تجر وراءها
قطارا كصف الروح تسحبه سحبا
ويقول السيد عبدالله النديم :
نظر الحكيم صفاته فتحيرا
شكلا كطود بالبخار مسيرا
تلقاه حال السير أفعى تلتوي
أو فارس الهيجا أثار العثيرا
طبعا قبل وجود القطارات الحديثة 0
السيارة : يقول الصيرفي عن سيارته :
خرجت بسيارتي مرة
أروضها في طريق القيق
إلى آخر معاناته مع سيارته 0
الطائرة : يقول حافظ إبراهيم :
يجري بسابحة تشق سبيلها شق الأزار
مثل الشهاب انقض في آثار عفريت وطار
فإذا علت فكدعوة المضطر تخترق الستار
وإذا هوت فكما هوت انثى العقاب على الهزاز
ولعل كل ذلك يندرج في قوله تعالى 0000ويخلق ما لا تعلمون ) والله أعلم 0
ولعل الحديث عن الخبر ونقله يقودنا إلى الحديث عن هذه الأخبار خاصة إذا كانت غير سارة أي من منغصات السفر فمنها :
فقد الحبيب: (سواء الأهل أو الأقارب ) 00 الأيام تأكل عمر الإنسان 00فنحن نعد الأيام والأيام تعدنا ، وما بأعمارنا من مزيد ، ولابد للمنية من كرة على الإنسان ، الدنيا أفعى تبدل كل آونة إهابا ، تحسن الصنع لياليها ، وما إن تبرح حتى تكدر احسانها ، وتفاجيء بأمر غير محتسب هكذا الدهر حالة ثم ضد ، وأشد ألما إذا كان المرء على سفر فأتاه نعي حبيب ، فهو والله أمر شديد ، وحدث جسيم طبعا – والله – نؤمن بالقضاء والقدر ، ونسأل الله أن يثبتنا عند حلول البلاء ، ويؤلمني قول عبيد بن الأبرص – وهوحق - :
وكل ذي غيبة يؤوب
وغائب الموت لا يعود فحكم اله في البرية جاري ، وما هذه الدنيا بدار قرار أنت فيها اليوم فجر ، وغدا خبرا من الأخبار ، إن الدنيا مطبوعة على كدر ، وطالب الصفو في هذه الدنيا يرجو المستحيل ، ومن الممكن أن المسافر لا يعود ، سافر سفرة الغربة ، لكنها أصبحت سفرة اللاعودة ، وتصور – لنا – أبيات أعرابية تسأل عن إبنها المغترب :
وأسل عنك الركب هل خبرونني
بحالك كيما تستكن المضاجع
فلا بك فيهم مخبر عنك صادق
ولا فيهم من قال أنك راجع
فيا ولي مذ غبت كدرت عيشتي
فقلبي مصدوع وطرفي دامع
وفكري مسقوم وعقلي ذاهب
ودمعي مسفوح وداري بلاقع
ولعلنا نأخذ صورة من حالة العشاق فهذه عفراء بنت مالك العذرية عندما وصلها خبر معشوقها عروة بن حزام قالت :
ألا أيها الركب المخبون ويلكم
بحق نعيتم عروة بن حزام
فلا نفع الفتيان بعدك لذة
ولا رجعوا من غيبة بسلام
وقل للحبالى لا يرجين غائبا
ولا فرحت من بعده بغلام
تصورت أن فقد حبيبها نهاية الدنيا ، فما زالت تردد هذه الأبيات حتى ماتت لا حقة بمعشوقها 00 يقول أبو الطيب المتنبي :
فما يدوم سرور ماسررت به
ولا يرد عليك الفائت الحزن
0 عدم حصول المنى ، يروح الانسان ويغدو لحاجته ، وحاجته لا تنقضي ، بل يموت المرء وهو لم يقضها ، هذا من طول أمل بني آدم من هذه الدنيا وأحيانا يرصى من الغنيمة بالإياب 00 يقول المثقب العبدي :
فما أدري إذا يممت أرضا
أريد الخير أيهما يليني
أأالخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني
0 قلة ذات اليد ( الحاجة ) يقال : عندما يدخل الفقر من الباب يفر الحب من النافذة) ، والعرب تقول : إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال 0 إن الانسان يميل اللا الذي معه مال ، فما أن تقبل الدنيا حتى يقبلوا عليك ، لكن ما إن تدبر حتى يولوا الأدبار ، يقول الشاعر :
إذا أفتقرت نأى واستد جانبه
وإن رآك غنيا لان وإقتربا
يقول أحد شعراء الفكاهة :
يمشي الفقير وكل شيء ضده
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب
ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة
خضعت لديه وحركت أنيابها
وإذا رأت يوما فقيرا عابرا
نبحت عليه وكشرت أنيابها
0عدم وجود الصديق :يقول الطغرائي :
ناء عن الأهل صفر الكف منفر
كالسيف عري متناه عن الخلل
فلا صديق إليه مشتكى حربي
ولا أنيس إليه منتهى جذلي
ومن منغصات السفر عدم إتقان لغة البلدوثقافته وعاداته وتقاليده ،وكذلك نوع الصحبة التي تصاحبك في السفر 0
وبعد أن طال بنا السفر خلال الصفحات الماضية وقبل الحديث عن الهدية نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحث المسافر بالرجوع حال انقضاء حاجته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ، ونومه ، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله 0" متفق عليه 0 وفي حال رجوعه لا ينسى الهدية فهي تفرح الصغير والقريب والبعيد وتقربهم إلى حوض المحبة 0 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :تهادوا تحابوا 0 فالهدية تجذب القلب الى بستان المحبة وتعمره ، فصريع الغواني قنع بالهدية البسيطة والتي ريحها طيب كريح مهديها ولكنه فضل وصال الحبيب يقول :
جزى الله من أهدى الترنج تحية
ومن بما نهوى علينا وعجلا
أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه
وأشبه في الحسن الغزال المكحلا
ولو أنه أهدى إلي وصاله
لكان إلى فلبي ألذّ وأفضلا
ولكن خلف الأحمر له عتاب من نوع آخر على الحجاج العائدين وما يحملونه من هدايا :
سقى حجاجنا نوء الثريا
على ماكان من بخل ومطل
هم جمعوا النعال وأحرزوها
وشدوا دونها بابا بقفل
فإن أهديت فاكهة وجديا
وعشر دجائج بعثوا بنعل
ومسواكين قدرهما ذراع
وعشر من دري المقل خشل
أناس تائهون لهم رداء
تغيم سماؤهم من غير وبل
بقلم الدكتور/علي الكريديس لاتنسى زيارتي
kfsc\keireidisa