السلوك المرضي 00وتـداعياته
على المعايير الاجتماعية والسلوكية..!


(الكاتب/ د.زاهر زكار*)

يحدد مفهوم السلوك المرضي بأنه انحراف أو شذوذ عن المعايير المجتمعية والسلوكية التي يتبناها المجتمع البشري،وبالرغم من شيوع هذا التفسير (المقتضب) لمفهوم السلوك المرضي،إلا أنه لا يعتبر تحديدا دقيقا لهذا المفهوم،إذ ليس كل شذوذ أو انحراف عن المعايير هو سلوك مرضي،فالفرد العبقري(مثلا)يقع خارج دائرة السلوك المعياري للذكاء(مثلا)لكنه لا يعتبر مريضا.
وهناك تعريف آخر يحدد السلوك المرضي على أنه السلوك اللاتوافقي،أي السلوك الذي تكون له انعكاسات(سلبية)على الفرد والمجتمع معا،وتأسيسا على هذا التحديد،فإن المرض النفسي هو العجز عن السلوك المقبول اجتماعيا،حيث تكون لذلك انعكاسات سلبية على المجتمع،وقد يكون هذا العجز انعكاسا لعطب عضوي أو خلل وظيفي(انعدام المعرفة،انعدام القدرة،انعدام الواقعية)وقد يكون العجز ناشئا عن ترابط هذا وذاك معا.
وعليه يبدو أن تحديد السلوك السوي واللاسوي من أصعب الأمور،ذلك لأن عوامل التنشئة الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المستويات الحضارية،وتنوع الثقافات والديانات فما يبدو في مجتمع ما أنه سلوك شاذ(لا سوي)،قد يكون في مجتمع آخر سلوكا عاديا مقبولا،وهذا ما أكدته أو أثبته دراسات أنثروبولوجية.
وفي كل الأحوال فإن العرف والمعايير الاجتماعية والسلوكية في سياق اجتماعي معين تلعب دورا أساسيا في تحديد طبيعة السلوك من حيث السواء أو الشذوذ،كما أن المعايير الاجتماعية والسلوكية تتحدد بدورها بفعل التفاعل الاجتماعي الذي يحدث بين الأفراد والجماعات في مجتمع معين ضمن اطار ثقافي وحضاري وديني محدد.
اهتم علماء النفس والاجتماع،بالأمراض الاجتماعية أو ما يعرف بـ"الباثولوجيا الاجتماعية"فالسلوك الاجتماعي في حد ذاته لا يمكن أن يقال عنه سلوك سوي أو عرضي،ولكنه يوصف بهذه الصفة بموجب تقييم المجتمع له في ضوء مدى التزامه أو خروجه عن المعايير الاجتماعية للسلوك.
ويتفاوت التقييم الاجتماعي للسلوك من الموافقة إلى المحاكمة والسجن وأحيانا الإعدام،حيث أن الإنسان قد يقع في الانحراف مختارا له أو رغم إرادته أو نتيجة لجهله أو ظروفه السيئة.وباختصار يمكن القول أن المرض الاجتماعي هو عبارة عن سلوك سلبي غير بناء وهدام ويمثل مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد أمن الفرد والجماعة معا.
الأمراض النفسية حسب تعريف عالم النفس"سوليفان"هي"دراسة العلاقات بين الشخصية"وهذا التعريف يعبر عن العلاقة الوثيقة التي تقوم بين علم الأمراض النفسية وبين علم النفس الاجتماعي،فعلم الأمراض النفسية هو دراسة الحوادث التي تنشأ في مواقف تقوم بين الأشخاص أو في تشكيلات تتألف من شخصين أو أكثر
والملاحظ أن المرض هو حادث اجتماعي ليس لأنه يظهر في مواقف اجتماعية فحسب،بل لأن جذوره قائمة في بنية الجماعة نفسها،ولا يمكن تفسيره إلى تبعا للإطار الثقافي الذي يبدو فيه،ولا يعني ذلك أن الأسس البيولوجية والفيزيولوجية لمرض لا أساس لها في هذا المجال،إذ ليس بالإمكان نفي نشوء الأمراض العقلية عن أسباب ليست اجتماعية بصفة مباشرة.
ولا يخفى أن العاهات الدماغية والتسمم الكحولي،أو التسميم بالمواد المخدرة،والأمراض الجسمية الأخرى تحدث آثار نفسية،يبد أنه لا يمكن تجاهل أن لهذه العوامل وجها اجتماعيا،فالأفراد يشربون الكحول،ويتعاطون المخدرات ليس بسبب الاضطرابات الشخصية وحسب،بل كذلك بسبب نتائج هذه الاضطرابات،كما أنه في كثير من الأحوال يكون استعمال المخدرات وسيلة للهروب من الواقع الاجتماعي الذي يصعب تحمله بدونها،وفي هذه الحالة يمكن التدليل على أن آثار العامل المادي في السلوك(كالكحول)يتصل مباشرة بمسألة البنية الثقافية.
أدت هذه الاعتبارات بعدد من الباحثين إلى اعتبار الأمراض النفسية كنوع من المرض في الجماعة أكثر منها مرضا في الأفراد الذين تتألف منهم الجماعة حيث توجد أربع أنواع من العلاقات بين الثقافة المتميزة تتمثل في:
1-يختلف مفهوم السوي وغير السوي من جماعة لأخرى
2-قد يختلف التوتر النفسي للحالات المرضية بين الجماعات
3-تختلف المواقف التي تنشئ الاضطرابات العقلية تبعا لطبيعة البنية الاجتماعية
4-تود هذه الفروق في طبيعة الاضطرابات
العوامل التي تؤدي للأمراض الاجتماعية:
(1)البيئة الاجتماعية:تؤثر عوامل البيئة والوسط الاجتماعي في تشكيل ونمو شخصية الإنسان،وتحديد حيل دفاعه النفسي عن طريق نوع التربية والضغوط والمطالب التي تسود في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
(2)العوامل الحضارية والاتجاهات الثقافية:تعتبر العوامل الحضارية والاتجاهات الثقافية من العوامل المؤثرة ي توليد المرض النفسي،وتدل بعض الشواهد على أن بعض الأمراض النفسية المؤثرة تنتشر في المجتمعات المتحضرة أكثر منها في المجتمعات البدائية.
(3)اضطرابات التطبيع الاجتماعي(التنشئة الاجتماعية):عملية التطبيع الاجتماعي تعني عملية تعليم وتعلم وتربية وتؤدي إلى تشكيل السلوك الاجتماعي للإنسان،وإدخال ثقافة المجتمع في بناء شخصيته،وتحوله من كائن حي بيولوجي(إلى كائن اجتماعي ليكتسب صفته الإنسانية،وأن أي شيء يعوق عملية التطبيع الاجتماعي يمكن أن يمثل مصدرا للضغط أو الاضطراب النفسي.
(4)سوء التكيف في المجتمع:إن المجتمع الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده يعتبر مجتمعا مريضا،لكونه يفيض بأنواع الحرمان والاحباطات والصراعات،والذي يشعر فيه الفرد بعدم الأمان،وهذا المجتمع يتولى الأمر فيه أنصاف المتعلمين والأدعياء،ويسود في هذا المجتمع الشك في الآخرين، وتزداد مشاكل الجماعة مثل الألم والكراهية والحقد ولغيرة،والتجارب النفسية الاجتماعية الأليمة من خلال التفاعل الاجتماعي غير السليم،وعزل الجماعة والتنافس بين الناس،وعدم المساواة والاضطهاد والاستغلال وعدم إشباع حاجات الفرد ورغباته في المجتمع،ووسائل الإعلام الخاطئة غير الموجهة التي تؤثر تأثيرا سيئا في عملية التطبيع الاجتماعي.
(5)سوء التوافق المهني:ويتمثل ذلك في مشاكل اختيار المهنة في ظل التطور التكنولوجي،العقد المتغير في العصر الحديث،ونقص التوجيه المهني،واختيار العمل على اساس الصدفة،وفرض العمل على الفرد،وعدم مناسبة العمل لقدرات الفرد وميله،وعدم كفاية الأجر،والإرهاق في العمل واضطراب العلاقة بين العامل وزملائه،والعمل في أعمال أو أشغال يتعرض العامل فيها لمواد تؤثر على جازه العصبي،بالإضافة لظروف العمل السيئة والاستغلال والتعسف والتعطل والبطالة،وعدم تحقيق المطامح والشعور بالإحباط.
(6)الحروب:احتمالات وقوع الحرب وما يرافق ذلك من توتر وخوف وخاصة في عصر السلاح الذري وأسلحة الدمار الشامل،ووقوع الحرب(فعلا)وما ينتج عنها خسائر في الأرواح والممتلكات واعاقة المدنية وتحطيم المثل والقيم والأخلاقيات والطباع،وعدم الشعور بالأمن،كل ذلك يؤدي إلى الأمراض النفسية.
(7)الضلال:وهو يعني بعد الفرد عن الدين وعدم الإيمان به،أو الإلحاد وتشوش المفاهيم الدينية،وضعف المعايير والقيم الاجتماعية الدينية وعدم ممارسة العبادات والشعور بالذنب،وتوقع الفرد العقاب والضعف الأخلاقي وضعف الضمير كل ذلك يؤدي إلى الأمراض النفسية.
السلوك اللاجتماعي:
تتعدد أشكال الأمراض والآفات الاجتماعية،ومن بين هذه الأشكال المرضية،ما هو نوع من الإجرام، وآخر ينطوي على انحراف جنسي،أو الإدمان على المخدرات بأنواعها،ويظل القاسم المشترك بين هذه الأمراض أنها تنطوي على تصرف أو سلوك يخالف مخالفة شديدة لما قبلت به الجماعة من قيم السلوك وقواعده،ويعكس اضطرابا في الحياة النفسية داخل الفرد المسؤول عن هذا السلوك.
ومما لا شك فيه، ان لهذه التصرفات أو السلوكيات أثر اً خطيراً في حياة الفرد والجماعة على حد السواء،حيث أنها تنطوي على الأذى للفرد في نهاية الأمر،وتكون لديه تربة خصبة للتطور باتجاه المزيد من التطرف والانحراف.والسلوك الاجتماعي هو في حد ذاته تصرفا يقوم به الفرد أو مجموعة من الأفراد ويكون موجها ضد الجماعة من حيث هي مجتمع الأفراد،ومن حيث هي نظام ومجموعة من القواعد والقيم،وهو بالتالي سلوك عدواني يكون موجها إلى الأفراد في حياتهم أو ممتلكاتهم أو مؤسساتهم،كما يمكن أن يكون موجها ضد ما قامت عليه الجماعة من نظام وقيم وقواعد اجتماعية وأخلاقية.(* كاتب/ باحث متخصص في الدراسات الأكاديمية).