النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تحرير البحث العلمي المجرد

  1. #1

    افتراضي تحرير البحث العلمي المجرد

    تحرير البحث العلمي المجرد

    إن البحث العلمي المجرد أيا كان ميدانه هو الخطوة الصحيحة على الطريق الموصل إلى سعادة البشرية التي لن تحقق نجاحا أو تقدما في علم من العلوم التجريبية أو التقنية أو الدينية أو الأدبية أو الإنسانية إلا به ، ولكل تخصص علمي أدواته ووسائله الخاصة به يتمكن بها الباحثون المتخصصون من التقدم العلمي إن لم يتعثروا في هوة الانحطاط بسبب الأخطاء العلمية أو المنهجية .
    وإنما الثابت المقدس هو الحقيقة العلمية الابتدائية أو المتوسطة أو الكلية ، سواء اطلع عليها الناس أم غابت عنهم ، وسواء وافقوها أم خالفوها بعضهم أو جميعهم ، ولن يصح اتخاذ الإجماع معيارا لمعرفة الحق أو الحقائق العلمية كما شاع وذاع في بعض العلوم أكثر من غيرها إذ كان على رأس أخطاء الباحثين فيها اعتبار الإجماع دليلا على أن المجمع عليه من الحقائق المقدسة التي يجب وصف مخالفها بالشذوذ والردة كما شذ " كاليلي " إلى الحقيقة العلمية يوم قال بدوران الأرض وخالف ما أجمع عليه أهل الأرض يومئذ ، وكان إعدامه إعلانا لنشأة خطإ منهجي ارتضاه رجال الدين في الكنيسة يقضي بمصادرة حرية الرأي والفكر والاجتهاد ويقضي بفرض التقليد ، قضاء باسم الدين وباسم الله كذبا وافتراء .
    ولقد أخطأ رجال الدين في الكنيسة الذين أعدموا " كاليلي " خطأين منهجيين : أولهما أن حسبوا فهمهم الكتاب المنزل أي فقههم منه معيارا للحق فقدّسوا فقههم ووصفوا بالكفر والردة كل من خالفه وعاقبوه باسم الله كذبا وافتراء عليه ، وثانيهما أن فرضوا التقليد على الناس وأغلقوا دون الاجتهاد والبحث العلمي بابا وخدّروا العقول لئلا تفكر أو تتأمل أكثر أو أبعد مما توصل إليه رجال الدين يومئذ .
    ولا يزال الخطأ المنهجي ينأى بصاحبه عن موافقة الحق سواء كان متعمّدا أو من غير قصد ، وليت شعري ما الفرق بين رجال الدين الذين أعدموا " كاليلي " وبين فرعون ذي الأوتاد الذي أعدم السحرة أن آمنوا برب العالمين قبل أن يأذن لهم ، كلاهما صادر حرية الرأي والتأمل والفكر أي قيّد البحث العلمي المجرد وفرض التقليد وأغلق باب الاجتهاد ووأد الإبداع .
    إن فرعون قد قال لقومه كما في قوله  قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد  غافر 29 ومن المثاني معه قوله  وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إلـه غيري  القصص 38 ويعني أنه قد حجر على سمعهم وأبصارهم وآرائهم وفرض عليهم تقليده وأن لا يروا رأيا إلا رأيا رآه هو لهم ولا يعلموا من العلم إلا ما علمه هو لهم ، ولم يكتف فرعون بذلك بل أعدم السحرة أن آمنوا برب العالمين قبل أن يأذن لهم كما في قوله  قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم  الأعراف 123 وقوله  قال آمنتم له قبل أن آذن لكم  سورة طـه 71 والشعراء 49 ويعني أنه لم يكتف بأن ملك وقهر وسخّر أجسامهم بل أراد أن يفعل مثله بعقولهم وآرائهم وتصوراتهم .
    وسار على منهجه رجال الدين الذين أعدموا "كاليلي" أن آمن بما لم يأذنوا له به .
    ويعتقد كثير من الناس أن مدلول كلمة ( التراث الإسلامي ) يشمل الكتاب المنزّل من عند الله ويشمل ما صحّ عن النبي الأمي  من أقوال وأعمال وتقارير ، ولعلّ في هذا التصور شيئا من الخلط بين المقدّس وغير المقدس أي بين الوحي المنزل من عند الله وبين آراء واجتهادات وفقه غير المعصومين ، الذي منه الصواب ومنه الخطأ ومنه الجيد ومنه ما دون ذلك .
    وإنما يعني الخلط بين التراث والوحي المنزل إيهام كثير من الناس في الأمة الأمية أن الآراء والمذاهب والفرق عبر التاريخ الإسلامي لها نفس العصمة والقداسة التي للوحي المنزل من عند الله وهيهات أن يسلم هذا التصور من المقال والرد ، وإلا فكيف يحملنا التقليد والتعصب للتراث على القول ك إن جميع الآراء والمذاهب والفرق المختلفة والمتناقضة داخل التراث الإسلامي هي كلها حق وصواب رغم الاختلاف والتناقض .
    وهل يسلم لنا القول بأن كلا من السلفية والفرق المتصوفة والمرجئة والجهمية والخوارج والمعتزلة والتجانية ...كلها حق وصواب في نفس الوقت وأنها جميعها حقائق مقدسة لها نفس العصمة التي للوحي أي للقرآن والحديث النبوي .
    ولا يخفى ما يعنيه ذلك التصور من انشغال الناس عن تدبر القرآن والتفقه من السنة النبوية بالتراث الإسلامي العريض ، وما يعني من التمسك بخطإ منهجي في البحث العلمي المجرد ، ذلك الخطأ الذي عانى منه المسلمون عبر التاريخ تمزقا وانحطاطا وقهقرى وأذهب ريحهم فلم يستطيعوا ردّ صولة الغزاة الطامعين كالمغول وتيمورلنك وغيرهم من الذين قهروا الأمة واستضعفوها قديما وحديثا وأركسوها في عصور الانحطاط بعد أن مزّقتها الأهواء والآراء والفرق والمذاهب وشغلتها عن تدارس القرآن العجب الذي يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم .
    إن الباحثين عن الحق لهم أن يستدلوا بالنقل ثم بالعقل بعيدا عن منهج رجال الدين الذين أعدموا "كاليلي" أن قال بدوران الأرض تعصّبا لما وصل إليه فقههم يومئذ من الكتاب المنزل ، وبعيدا عن منهج فرعون المذكور .
    وأول ما ينحرف بالبحث العلمي المجرد ويبعده عن أهدافه وغايته هو التقليد الذي يعني تعطيل السمع والبصر والعقل والفكر عن البحث والتأمل والاستنباط والنقاش ، ومن العجب أن يقوم المقلد ـ بصيغة اسم الفاعل ـ باختياره وملء إرادته وبدافع اعتقاد صلاح دينه ودنياه وأمر ه كله ـ بتعطيل سمعه وبصره وفكره وعقله ، ويجرّد نفسه مما شرف به وتميّز عن الدواب والأنعام وهو التكليف باستعمال السمع والبصر والعقل أدوات للفقه والدراية والعلم ليزداد فقها وعلما ، ولكأني بالمقلدين ولو حفظوا مئات المتون والمجلدات قد أصبحوا نسخا أخرى من الكتب التي حفظوها ولن تستفيد الأمة ولا البشرية باستنساخ مليارات النسخ من المتون القديمة ، ولا فرق بين هذه النسخ من كتب التراث على الورق أو في حافظة رجال حفظوها وعطّلوا سمعهم وأبصارهم وفكرهم وعقولهم وجرّدوا كلا منها من وظائفه التي من أجلها خلق ، وأصبحوا ممن لهم قلوب لا يفقهون بها وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها .
    ولعلّي لست مبالغا إن قلت إنه لا فرق بين هؤلاء المقلدين الذين حفظوا المتون وبين الأسطوات والأشرطة التي سجّلت فيها تلك المتون كلاهما لا يقوم بتوظيف ما بداخله من الكلام والتراث .
    هذه النماذج من المقلّدين هم الذين ابتليت بهم الأمة وأوقعوها في الذل والانحطاط منذ عشرات القرون فلم تستطع دفع صولة القرامطة والحشاشين والمغول وتيمورلنك ولا الاستعمار الغربي ولا تزال عرضة لمزيد من التمزق والانحطاط والقهقرى عن أسباب الإبداع والبناء والقوة .
    ولعل من مظاهر الذل والضعف والهوان الذي ارتكس فيه المسلمون اليوم أن أصبحوا أذل من اليهود الذين ضربت عليهم الذّلة والمسكنة ولم يغن عن المسلمين اليوم في فلسطين رجال الدين الذين امتلأوا حماسا وحفظوا من المتون والتراث ما تنوء بمفاتيحه العصبة أولوا القوة .
    وأما ثاني أسباب انحراف البحث العلمي المجرد عن غايته وأهدافه فهي الحجر على أدوات البحث العلمي أي تعطيل السمع والبصر والعقل والفكر رغما أصحابها كما حجر رجال الدين في الكنيسة على سمع وبصر وعقل وفكر الناس وأحرقوا بالنار "كاليلى" نكاية به أن استعمل سمعه وبصره وعقله وفكره فيما لم يأذنوا له به .
    وكما حجر فرعون ذو الأوتاد على أدوات البحث العلمي وفرض على قومه أن لا يروا إلا رأيا رآه هو لهم وأن لا يعلموا من العلم إلا ما علمه هو لهم .
    ذالكما السببان من أكبر موانع وصول البحث العلمي المجرد إلى غايته التي هي استنباط الحقائق الابتدائية أو المتوسطة أو الكلية لتزداد بها البشرية سعادة وتقدما وسلما وأمانا ...
    أما الأخطاء المنهجية التي يتعثّر بها البحث العلمي المجرد في هوّة سحيقة ينتكس فيها ولا يقوم أبدا فهي :
    • التعصب لرأي أو مذهب هو من التراث أي من إنشاء البشر واعتباره هو الحق وحده ، ولا يقع هذا التعصب للرأي إلا ممن استخفّ بآراء وعقول الغير ، واعتقد أنه قد بلغ مرتبة الكمال المطلق كما هو لسان حال الجهل المطبق .
    • الغلو والتطرف وهو أكثر من التعصّب إذ هو مبالغة من المقلد المتعصب لرأيه أو مذهبه أو سياسته تعصّبا تجاوز الاستعداد للتلقّي من الرأي الآخر إلى محاولة قمعه وكبته .
    وهكذا فإن كلا من التعصب للرأي والغلوّ والتطرف في الآراء خطر عظيم يهدد السلم الاجتماعي في ظل تعدد الآراء والباحثين الساعين إلى الوصول إلى الحقائق في شتى الميادين .
    أما في المجتمعات البدائية التي لم تعرف بعد تحرير البحث العلمي المجرد فإنما سادتها وساستها وقوادها أولئك المقلدون والمتعصبون والغلاة المتطرفون لآراء ومذاهب دانوا بها لا يخرج عنها إلا من يجب أن يحرق بالنار كما أحرق "كاليلى" وما أشبه المسلمين عبر التاريخ بهذه المجتمعات البدائية وهكذا ظل المسلمون يزدادون رغم كثرتهم انحطاطا وذلا وتمزقا وقهقرى .
    ومن العجب أن قد خلت الكتب المنزلة من عند الله من التعصب كما يأتي تحقيقه .
    ومن العجب أن لم توجد الأخطاء المنهجية عبر التاريخ إلا في العلوم الأدبية أعني العلوم الدينية والتاريخية والاجتماعية ... إذ خلت البحوث والدراسات العلمية من التعصب لمستوى البحث العلمي الذي وصل إليه الباحث .
    وإنما قصدت بتحرير البحث العلمي المجرد تحريره من موانعه وأخطائه المنهجية التي قيّدته ولم تطلقه حرا طليقا لتتمكن الأطراف المتصارعة من الحوار والنقاش على نحو ما كلّف به النبي الأمي  في القرآن ومنه قوله تعالى  وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون  سبأ 24 ـ 25 وهكذا يأمن المخالف من تعصب وتطرف وغلوّ الطرف الآخر ويأمن غدره وصولته ، وهكذا تفرض أيها الباحث المتجرد من التعصب والتطرف احترام المخالفين رأيك وتجعلهم على استعداد للتلقّي والنقاش والحوار لتصلوا جميعا إلى الهدف السامي بعد تحرير البحث العلمي المجرد .
    ولا يزال رجال الدين على نفس الخطإ إلى يومنا هـذا ويبتعدون يوما بعد يوم عن البحث العلمي المجرد بسبب الأخطاء المنهجية المذكورة .
    وإنما التقليد بدعة اقتبسوها من منهج فرعون واتخذوه دينا وفرضوه على الأجيال اللاحقة ، وكلما ازداد المتأخرون في تقليد من سبقهم رغم الأخطاء المنهجية أو العلمية ازدادوا انحطاطا وردة وقهقرى عن التقدم العلمي .
    وإن الكتاب المنزل على خاتم النبيين  لبريء من فرض التقليد ومصادرة حرية الرأي والفكر والتأمل والاجتهاد والبحث العلمي .
    وإن أكبر الكليات وأقدس المقدسات لحقيقة وحدانية الله وأن لا شريك له وأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ ولا شبيه ولا مثل ولا ند ، وتضمن القرآن والكتاب المنزل من عند الله هـذه الحقائق دون أن يصادر حرية الرأي والتأمل والفكر والبحث العلمي ودون أن يفرض تقليدها على الناس ومنهم المخالفون ، وإنما بالأمر باستعمال كافة أدوات البحث العلمي كالسمع والبصر والتأمل والفكر والعقل كما في قوله :
    •  أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإلـه مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين  النمل 64
    •  أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم  الأنبياء 24
    •  ومن يدع مع الله إلـها آخر لا برهان له به  الفلاح 117
    •  إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلـها لقد قلنا إذن شططا هـؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن  الكهف 13 ـ 15
    •  ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم  القصص 74 ـ 75
    ويعني حرف النمل أن الله أمر الناس بالتأمل والنظر والبحث العلمي وسيعلمون أن الذي يبدأ الخلق ثم يعدمه ثم يعيده والذي يرزق من السماء والأرض هو الله وحده لا شريك له فمن لم يفقه ذلك بعد التأمل والنظر واتخذ مع الله شريكا فليأت ببرهانه ودليله على أن لشريكه من الخلق والقدرة مثل ما لله .
    ويعني حرف الأنبياء أن الله أمر من اتخذ من دونه آلهة أن يأتي ببرهانه أي دليله عليه .
    ويعني حرف الفلاح أن القاصر المقلد الذي لم يتأمل ولم يبحث هو الذي يدعو مع الله إلـها آخر لا برهان له به وإنما بسبب التقليد .
    ويعني حرف الكهف أن الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى قد علموا أن من دعا إلـها دون رب السماوات والأرض قد قال شططا إذ خالف الصواب ، وأقرّ القرآن الفتية إذ أنصفوا قومهم المشركين فسألوهم سلطانا بيّنا أي دليلا وحجة على أن آلهتهم هي رب السماوات والأرض الذي خلقهن ويدبر الأمر فيهن .
    ويعني حرف القصص أن الله قبل أن يعذب المشركين يوم القيامة سيسألهم برهانهم ودليلهم على أن شركاءهم في الدنيا كانوا شركاء لله حقا وإذن فلينصروهم من العذاب في الآخرة .
    إن طلب البرهان والدليل العقلي والعلمي من المخالف في الكتاب المنزل من عند الله ليتعارض مع مصادرة حرية الرأي والفكر والاجتهاد بل هو تحرير للبحث العلمي المجرد وإعلان أن حرية الرأي والفكر والعبادة والسلوك حق مشروع لكل إنسان .
    وإن القرآن وهو هـكذا يناقش ويحاور في أعظم المقدسات لبريء من التقليد والحجر على الرأي والفكر والعقل .
    إن الحقيقة سواء كانت ابتدائية أو متوسطة أو كلية ستبقى كذلك لا يزيدها إجماع جميع الإنس والجن عليها ولا ينقصها نكرانهم في عصر من العصور أو عبر التاريخ ، وهكذا فإن شهادة أن لا إلـه إلا الله محمد رسول الله كلية من الكليات ستبقى كذلك لا تنقص بإنكار المنكرين ولا تزيد بإقرارهم .
    وهكذا لم ينقص من وحدانية الله تعالى إنكار أهل الأرض جميعا قبل أن يخالفهم كل من نوح وإبراهيم وحده بإعلان التوحيد .
    إن الإجماع على ما في الكتاب المنزل من عند الله وعلى ما جاء به النبي  من العلم والتشريع مع القرآن لا يزيد الوحي قوة في الدليل على قوته ، غير أن إجماع أهل الأرض أو أهل العلم على حقيقة هو الذي يزداد به إيمان وعلم المجمعين .
    وأما الإجماع ممن يعتبر إجماعهم على ما لم يتضمنه الكتاب المنزل والأحاديث والسنن النبوية فلا خلاف في الأخذ به في التشريع أي العبادات والمعاملات قبل ظهور الحكم الشرعي من الكتاب المنزل الذي تضمن تفصيل كل شيء ولم تستكمل الأمة الأمية بعد دراسة الكتاب المنزل بل ستظهر معانيه ودلالاته أكثر فأكثر كلما اقتربت الساعة وليعلم الناس رأي العين أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن كما شهد به الله وهو أكبر شهادة .
    إنني أجلّ أصحاب التراث الإسلامي أعني أولئك الأئمة الثقات العدول من القراء والمفسرين والمحدثين والفقهاء رضي الله عنهم وغفر لهم أجمعين ولكن لم أخلط بين ما نقلوه لنا عذبا وسلسلا من القرآن والحديث النبوي وبين فهمهم هم الذي خالفوا فيه ما نقلوه لنا من الوحي وهذا سرّ الخلاف وكما في الحديث الصحيح "بلّغوا عني ولو آية " وأن "رب مبلغ أوعى من سامع " وأن "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" . ولا يعني الحديث النبوي تكليف المبلغ بصيغة اسم المفعول أن لا يفهم ولا يعي من العلم إلا ما فهمه المبلغ بصيغة اسم الفاعل .
    هذه مواقع الخلاف بيننا ولينصفني الباحث المتجرد كما أنصفت التراث وأنصفت مدرسته التي خالفت ، إذ لم أطلب يوما من الناس تقليدي واتباع منهجي في البحث العلمي المجرد بل لم أعلم أني على صواب فكيف أدعو إلى موافقتي وأن يرى الناس رأيي ومذهبي في تدبّر القرآن ودراسته ، أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
    بل غاية ما طلبت من الباحثين المتجردين ومن الناس اتباع مواطن القصور والتقصير في بحوثي وإهدائها إليّ لأرجع عنها ولكن لا يخطئونني بما خالفته من التراث عن وعي ودراية وقصد بل بأدلة من الوحي أقوى مما احتججت به .
    إنني أعترف أن بحوثي ليست هي النهاية في سبيل ضرورة أو وجوب مراجعة التراث الإسلامي بل أنتظر في كل وقت أن تبرز في أي نقطة من العالم بحوث أكثر عمقا وأقوى احتجاجا وأقرب إلى تحرير البحث العلمي المجرد .
    وإني لأستأنس وليستأنس معي أو بعدي من الأجيال اللاحقة بحديث النبي  كما في مستدرك الحاكم كتاب العلم الحديث رقم 296... عن محمد بن جبير بن مطعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو بالخيف من منى : رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن : إخلاص العمل ، و مناصحة ذوي الأمر ، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تكون من ورائهم .
    وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم : عمر ، و عثمان ، و علي ، و عبد الله بن مسعود ، و معاذ بن جبل ، و ابن عمر ، و ابن عباس و أبو هريرة ، و أنس رضي الله عنهم ، و غيرهم عدة ، و حديث النعمان بن بشير من شرط الصحيح .
    وبحديث النبي  "ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه " وهو مكرر في صحيح البخاري وفي مسلم وسنن ابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي وسنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان كما اقتبست هذا التخريج من الشبكة الإسلامية .

    الحسن محمد ماديك
    باحث في علوم القرآن، متفرغ
    متخصص منذ 1989 في القراءات العشر الكبرى
    متفرغ منذ 2001 لتفسير القرآن قيد الإنجاز
    انواكشوط ـ موريتانيا
    الجوال : 002226728040
    المنزل : 002225210953
    E.MAIL : elhacenmadick***********
    elhacenmadick*************

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. فرضيات البحث العلمي / منهجية صياغة فرضيات البحث العلمي
    بواسطة اروى في المنتدى اسئلة وفرضيات البحث
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-20-13, 12:01 AM
  2. سلسلة رؤى في كتابة البحث العلمي
    بواسطة الماوردي في المنتدى الدراسات العليا والمذكرات الجامعية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-10-10, 12:37 AM
  3. الفرق بين البحث العلمي و التفكير العلمي...
    بواسطة مرام علي في المنتدى ابجديات البحث العلمي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-04-08, 03:35 AM
  4. البحث العلمي .. حاضرًا غائبًا
    بواسطة الماوردي في المنتدى ابجديات البحث العلمي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-18-07, 05:47 PM
  5. مشكلات البحث العلمي
    بواسطة al-ankabot في المنتدى الدراسات والبحوث
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 06-27-06, 05:04 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

جميع الحقوق محفوظة لموقع منشاوي للدرسات والابحاث