قام الطالب بكلية المعلمين بحائل مطلق بن صياح البلوي الحاصل على درجة الماجستير في التاريخ الحديث بتقدير ممتاز وتوصية مؤخراً بطبع الرسالة العلمية التي اشرف عليها الأستاذ الدكتور عايض بن خزام الروقي من قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة ام القرى عن رسالته المعنونة «الوجود العثماني في شمال الجزيرة العربية» والتي أجرى فيها دراسة تحليلية موثقة عن تاريخ هذه المنطقة في الفترة من 1908 الى 1923م.
وقال الباحث البلوي عن الرسالة ان اختيار الموضوع جاء نتيجة بحث دقيق حيث افادته خبرة المشرف العلمية بتوجيهه الى موضوع لم يطرق من قبل يتميز بالاصالة والاضافة الى المعرفة التاريخية العلمية لعدة اسباب يتعلق بعضها بالمكان في شمال الجزيرة العربية، والبعض الآخر بالأهمية التاريخية لزمن الدراسة الذي اهتم بالوجود العثماني في جزيرة العرب خلال فترة زمنية شديدة الحساسية اثرت في تاريخ العالم.

وتوضيحاً لهذه الاسباب قال البلوي ان الدراسات العلمية التي تتناول شمال الجزيرة العربية في العهد العثماني شحيحة مقارنة بالمناطق الأخرى حيث تركز هذه الدراسات على الحجاز ونجد باستثناء بعض الدراسات لجزء من المنطقة تناولت غالباً امارة آل رشيد في حائل؛ كما ان البعد الزمني خلال الفترة من 1326 - 1341ه المعادل للسنوات من 1908 - 1923م له اهمية بالغة في التاريخ الحديث كله لان احداثاً جساماً كثيرة ومتلاحقة وقعت خلاله كان لها تأثير بالغ ليس فقط على منطقة الدراسة بل امتد ليطال المناطق المجاورة والبعيدة، فخلال هذه الفترة خلع السلطان عبدالحميد الثاني، وجاءت جمعية الاتحاد والترقي بسياسة العلمنة في تركيا مما ادى لالغاء الخلافة، كما اندلعت الحرب العالمية الاولى بين الحلفاء تقودها بريطانيا وفرنسا من جهة والمحور بقيادة المانيا وتركيا من جهة أخرى مما ادى الى وقوع بعض معارك هذه الحرب في المنطقة مما دفع امراء الجزيرة العربية مثل آل رشيد في حائل، وآل الشعلان في الجوف، والأمير حسين بن علي في الحجاز، والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في وسط نجد للعمل على توظيف الاحداث للسيطرة على الجزيرة العربية حتى استطاع المغفور له الملك عبدالعزيز حسم الامر وتأسيس الدولة السعودية.

وايضاحاً لأسلوب الباحث في تحقيق هدف الدراسة العلمي قال انه قام بزيارة عدد من الجامعات داخل المملكة العربية السعودية وقابل كثيراً من الأساتذة واطلع على رسائل جامعية في كل من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الملك سعود بالرياض، وكذلك جامعة الامام محمد بن سعود بالرياض، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، كما زار مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض للحصول على عدد من الوثائق، واطلع على مجموعة وثائق الوكيل المويلحي الموجودة على ميكروفيلم في المكتبة رغم كثرتها الهائلة اضافة لزيارة دارة الملك عبدالعزيز للاطلاع على الوثائق العثمانية فيها، كذلك زيارة مكتبة الحرم المكي الشريف، ومركز دراسات وبحوث المدينة المنورة، ثم سافر الى جمهورية مصر العربية لزيارة جامعتي القاهرة، وعين شمس، ومركز الوثائق القومية بالقاهرة، ثم زار مكتبة الأسد في دمشق، ومكتبة الجامعة الاردنية في عمان باحثاً عن اي دراسة تتعلق بشبه جزيرة العرب في العهد العثماني، الا انه لم يوفق في العثور على اية وثيقة تتناول احداث الفترة الزمنية المحددة، فسافر الى تركيا للاطلاع على الارشيف العثماني في اسطنبول ووثائقه حيث كانت الدولة العثمانية توثق مكاتبات مسؤوليها وكل ما يجري على أرضها والاقاليم التابعة لها وتحفظه في الارشيف التابع لرئاسة الوزراء الذي يضم مائة وخمسين مليون وثيقة تمت فهرسة ثلثها فقط في ستة فهارس، ولم تفهرس بقية الوثائق حتى الآن.واشاد البلوي بتجربته في التعامل مع موظفي الارشيف العثماني الذين زودوه بعدد من الملفات المتعلقة بموضوع البحث وفق نموذج مخصص لهذا الغرض، وقال البلوي انه امضى شهراً كاملاً يعمل على مضمون الملفات المكتوبة باللغة التركية بأحرف عربية بمساعدة عدد من الأساتذة الاتراك المتخصصين في التاريخ العثماني منهم من يتقن اللغة العربية مثل الأستاذ الدكتور زكريا كوروشون الذي عاون الباحث ووجهه الى الوثائق المتعلقة بموضوع البحث وكانت موزعة على فهارس متعددة مما تطلب بذل المزيد من الجهد للحصول على معلوماتها وهي تنشر لاول مرة اضافة للاطلاع على اوراق الباب العالمي ونظارة الداخلية.

ولمعرفة وجهة نظر الطرف الآخر في الحرب العالمية الاولى اطلع البلوي على الوثائق البريطانية المنشورة في السفر الضخم الذي يقع في خمسة مجلدات للمؤرخ الكبير نجدة فتحي صفوة الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية «ويتعلق بعض هذه الوثائق بدعم بريطانيا للأمير حسين بن علي ودفعه الى الثورة ضد الدولة العثمانية، واطلع ايضاً على وثائق فرنسية منشورة في كتاب الملك عبدالعزيز سيرته وفترة حكمه في الوثائق الاجنبية».

وقال البلوي انه توخياً للاحاطة بموضوع الدراسة والتعرف على اهم مصادرها اطلع على عدد ضخم من النشرات والكتب والرسائل الجامعية ذات العلاقة مثل «النشرة العربية» التي اصدرتها السلطات البريطانية في القاهرة اثناء الحرب العالمية الاولى متضمنة آراء المسؤولين البريطانيين، واحداث المعارك العسكرية في شمال الجزيرة العربية، وكتاب «الاتراك في الحرب العالمية الاولى» الذي اصدرته وزارة الدفاع التركية بناء على وثائق الارشيف العسكري العثماني في أنقرة وفيه تفصيل المعارك العسكرية بين الدولة العثمانية والحلفاء في الحجاز وعسير واليمن، ومخطوط «شمال الحجاز» للرحالة موسيل الذي كلفته الدولة العثمانية عام 1910 م بمعرفة طرق هروب الحجاج من الحجر الصحي في تبوك، كما كلفته بالبحث عن اماكن صالحة للاستيطان قرب سكة الحديد، ومن المصادر المهمة ايضاً كتاب «الدفاع عن المدينة» الذي لم ينشر من قبل وألفه أحد رجال المخابرات العثمانية في قيادة حملة الحجاز، حيث يمثل وجهة نظر الدولة العثمانية في الاحداث، وهو موجود في مركز دراسات وبحوث المدينة المنورة.واكد الباحث البلوي ان مصادر ومراجع مهمة أخرى افادت دراساته بشكل ملحوظ ككتاب «مذكراتي» عن الثورة العربية لفائز الغصين وكتاب «ثورة الصحراء» الذي كتبه لورنس وضمنه آراءه ووجهة نظر الحلفاء خاصة بريطانيا في الحرب، وكتاب سليمان موسى «الحرب في الحجاز» الذي تناول دور إمارتي آل رشيد وآل الشعلان فيها.

جدير بالذكر ان الدراسة تكونت من تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، تم في التمهيد توصيف جغرافية منطقة الدراسة، وتحديد مفهوم شمال الجزيرة العربية ومن ثم تناول تاريخ الوجود العثماني هناك، وتناول الفصل الاول من الدراسة الحاميات العثمانية في الشمال الغربي من الجزيرة العربية، والوجود العثماني في شمال البحر الأحمر، ومشروع سكة حديد الحجاز واثره في منطقة الدراسة، ثم امارة آل رشيد وآل الشعلان ودورهما في الاحداث التي جرت خلال فترة الدراسة، وموقف الدولة العثمانية من الامارات العربية في المنطقة، بينما ركز الفصل الثاني على قيام الحرب الاولى ودور الدولة العثمانية والموقف العربي منها، وسياسة بريطانيا في شمال الجزيرة العربية وما قدمه العرب في المنطقة من مساندة للحلفاء اثناء الحرب، ثم هزيمة الدولة العثمانية وخروجها من المنطقة، واثر ذلك عليها، وجاء الفصل الثالث تحت عنوان «انتهاء الوجود العثماني» لدراسة اتفاقيات الحرب العالمية الاولى السرية واثرها، ثم نهاية الحرب، وما اعقبها من مؤتمرات صلح ذات نتائج وخيمة على الدولة العثمانية منها التدخل البريطاني المباشر في المشرق العربي، ثم دراسة الموقف العربي من الوجود العثماني بعد انتهاء الحرب وتراجع وسقوط الدولة العثمانية في نهاية اسفرت عن تغيير موازين القوى، والخريطة السياسية ليس لمنطقة الدراسة فحسب وانما للمشرق العربي كله.وقد توصلت الدراسة في النهاية الى نتائج هامة وثرية تضمنتها خاتمة مركزة تغني المطلع عليها عن الخوض في التفاصيل الا اذا كان مختصاً لا يشبع نهمه العلمي الا دقائق الامور.وتقدم مطلق البلوي بالشكر في ختام اللقاء لكل من اعانه وخص بالشكر والعرفان الأستاذ الدكتور عايض بن خزام الروقي، الذي كابد مشقة الاشراف على الباحث والرسالة لمدة طالت ما يقرب من السبع سنوات، تابع الباحث وعمله العلمي خلالها متابعة دقيقة مبدياً توجيهاته السديدة، واثنى البلوي بالشكر على الأساتذة الافاضل اعضاء لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور يوسف الثقفي، والأستاذ الدكتور عمر بابكور لمناقشة رسالته العلمية مثمناً تجشمهم عناء القراءة ومقدراً ملاحظاتهم العلمية الدقيقة وتعاملهم الاكاديمي الراقي طوال مراحل عمله معهم.
http://www.alriyadh.com/2006/02/17/article131308.html