المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انعكاسات التربية الأسرية على الأبناء



الماوردي
12-03-06, 07:12 AM
د. عبدالرحمن الشلاش
عد الكثير من علماء الاجتماع والتربية الأسرة المؤسسة التربوية الأولى في المجتمع لدورها المؤثر والفعال في إكساب الفرد كثيرا من القيم والأساليب التي يرتضيها المجتمع، وترسم توجهاته المستقبلية، وتشكل شخصيته؛ بمعنى أن اللبنات الأولى في التنشئة بأبعادها المختلفة تتم في المحض الأسري؛ ويمثل الوالدان النموذج الذي يقتدي به الطفل؛ فينهل منهما قيم وتقاليد وعادات المجتمع وفي الغالب تتبلور شخصية الولد كأبيه والفتاة كأمها "فمن شابه أباه فما ظلم" ويقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا

على ما كان عوده أبوه

وتأسيسا على ذلك فإن الأسرة تترك بصماتها وآثارها العميقة على حياة الفرد، ونجاح الأسرة في تحقيق تنشئة متوازنة لدى أبنائها بدنيا ونفسيا مرهون -إلى حد كبير-بمدى التوافق بين الزوجين ودرجة التفاهم بينهما، إضافة إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية مثل (حجم الأسرة، وامستوى التعليمي والاقتصادي، وتأثيرات البيئة المحيطة بالأسرة كالأقارب والجيران والأصدقاء والإعلام..)

إن المنهج النبوي في التربية لتحقيق التنشئة الاجتماعية السوية "لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا" ولكل سبع منها متطلباتها واحتياجاتها وأساليبها.

وتحدث الإشكاليات عندما لا تحسن الأسرة التعامل وفق ما تتطلبه كل مرحلة، أو تقع في أخطاء تؤثر في التنشئة الاجتماعية لأفرادها سلبيا بدرجات متفاوتة، ويمكن أن نلخص أهم هذه الأخطاء فيما يلي:

- المقارنة بين الأبناء أو مقارنتهم بالآخرين ممن يفوقونهم مع تجاهل الفروق الفردية بينهم فيما يتمتعون به من إمكانات وقدرات، مما يؤدي إلى نشوء ما يسمى بالعقدة، وشعور الفرد بالدونية التي قد تلازمه طوال حياته وتؤثر في سلوكه مستقبلا..

- استخدام العنف والضرب والتوبيخ بألفاظ بذيئة عند حدوث أي خطأ أو تجاوز من الابن بدلا من استخدام التوجيه والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة.

- عدم العدل بين الأبناء في الإنفاق والمعاملة، بينما يأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعدل بينهم حتى في القبلات.

- عدم التوازن في الإنفاق والتطرف إما إلى الإسراف أو التقتير، بينما يأمرنا الله بالوسطية بقوله: "وكان بين ذلك قواما... الآية".

- ترك الوالدين أو أحدهما البيت لفترات طويلة، وعدم الجلوس مع الأبناء ولو لفترة قليلة، أو السؤال عن أحوالهم، وتعهدهم بالرعاية للانشغال بالأعمال أو التسوق.. وغير ذلك، بل إن بعض الآباء يرى أن دوره ينحصر فقط في التمويل المالي، بينما مسألة التربية لا شأن له بها..

- تركيز الوالدين على سلبيات الأبناء وتضخيمها بدلا من الاهتمام بالإيجابيات وتنميتها.

- عدم احترام شخصية وعقلية الأبناء وتجاهل آرائهم ووجهات نظرهم لاسيما في القضايا والموضوعات التي تعنيهم.

- تعويدهم على مساوئ الأمور كالكذب والغش والخداع.. الخ سواء كان ذلك بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.

تربية الأبناء تتطلب الصبر والتحمل وبذل الجهد والأخذ بالأساليب المناسبة، فالابن والابنة في حاجة إلى جو أسري يوفر لهما كل متطلبات النمو النفسي والبدني من خلال حسن الرعاية، وتوفير الإشباع العاطفي، والتوجيه والتعزيز.. ويمكن للوالدين تحقيق ذلك بعدة أساليب منها( مكافأة الأبناء عندما ينجزون أو يبدعون لحفزهم على بذل المزيد لتحقيق الأفضل، والخروج بالأبناء بين الفينة والأخرى والسفر معهم، وحضور مناسباتهم الخاصة، ومساعدتهم في اختيار الأصدقاء، وفتح باب الحوار معهم، وتعويدهم على طرح وجهات النظر..

إن متابعة الأبناء في مختلف مراحل حياتهم أمر ضروري، وهي لا تعني عدم الثقة بهم وإنما تأتي معززة لتلك الثقة، ويبقى دور الوالدين كبيرا ومؤثرا في بناء شخصية الأبناء متى تجاوزا تلك السلبيات المحبطة، مع الأخذ بكل وسيلة وسبب يعمل على تعزيز إيجابياتهم والتغلب على سلبياتهم؛ لينشأ الأبناء مواطنين صالحين مؤهلين لخدمة دينهم ووطنهم. والله الموفق
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط