المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دواء السيلبريكس.. الخلل في الدراسة أم في أثره على المرضى؟



minshawi
12-08-05, 12:14 PM
تنال الدراسات العلمية الموثقة فيما يتعلق بصحة الإنسان اهتماماً بالغاً من قبل الناس ولا سيما أولئك الذين لهم علاقة مباشرة بتلك الدراسة، وتشكل النظرة إلى نتائج الأبحاث الطبية قدراً كبيراً من الأهمية لما لها من آثار كبيرة على البشر، فعندما يتم الحديث عن دواء معين تجد أن الناس يصغون إلى هذا البحث بكل دقة ويترددون عند استخدامه إذا شابه شيء من اللغط أياً كان نوعه.



من جانبها تقدم الشركات المصنعة للأدوية - بغض النظر عن توجهاتها الاقتصادية ومكاسبها المادية - تقدم خدمة كبيرة للبشرية لا يمكن تجاهلها، حيث تمر صناعة الدواء بمراحل تصل إلى عشر سنوات وقد تزيد من أجل التوصل إلى لقاح فعّال ودواء جديد يخلص البشرية من داء يفتك بهم، وفي هذه الأثناء هنالك العديد من الجهات الرقابية على عملية إجراء البحوث الطبية، ولا سيما من قبل أكبر منظمة عالمية في هذا الحقل وهي منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA التي تعطي النتيجة النهائية والحكم الفاصل في مدى صلاحية هذا الدواء من عدمها ومدى آثاره الجانبية ومضاعفاته الخطرة.

في موضوعنا اليوم نناقش ما تردد حول دواء «سيلبريكس» المسكن للألم، وهو دواء يوصف مضاداً للالتهابات ويستخدم لعلاج التهاب المفاصل والألم وتقلصات الدورة الشهرية والسليلات القولونية.

والقضية يمكن إيجازها في أن دراسة أجريت على هذا الدواء اتضح من خلالها ضرره على القلب فما مدى صحة ذلك؟؟

دواء «سيلبريكس» و«فيوكس» ينتميان إلى مثبطات الانزيم (Cox2) اللذان ينتميان للمجموعة الكبرى وهي مسكنات من آلام المفاصل والروماتيزم، فيما يتعلق بدواء السيلبريكس فقد تم طرحه في الأسواق عام 1998م أما الفيوكس فقد طرح عام 2000م وقد تم سحب «الفيوكس» من الأسواق بعد أربع سنوات من طرحه بعد أن ظهرت واكتشفت العديد من الآثار الجانبية له خاصة على القلب، أما دواء «السيلبريكس» فقد تم إجراء العديد من الدراسات عليه ويصل عدد من أجريت عليهم الدراسات إلى 1,4 مليون نسمة ولم تتبين أي آثار جانبية له على القلب تستدعي التخوف من استخدام هذا الدواء، كما أنه يعد الآن من أكثر الأدوية استخداماً في علاج التهاب المفاصل والرومايتزم حيث يصل عدد المستخدمين أكثر من 27 مليون نسمة في العالم.

أين وقعت المشكلة؟

لتأكيد سلامة الدواء قامت ثلاثة مراكز بحوث أمريكية بإجراء ثلاث دراسات طويلة المدى على دواء «سيلبريكس» تصل إلى ثلاث سنوات بجرعات كبيرة تصل إلى أربعة أضعاف الجرعة الأساسية على مرضى يعانون من أمراض سرطان القولون والزهايمر، وقد أثبتت دراستان سلامة الدواء وفعاليته وأمانه والنتائج المبدئية للدراسة الثالثة أثبت ازدياد الإصابة بالنوبات القلبية مع استخدام «السيلبريكس» ومن هنا ظهرت المشكلة وقد أكدت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDa أن هذه الدراسة سوف تخضع للتحليل ومن المتوقع أن تصدر القرار النهائي في فبراير المقبل بشأنها.

قرار وزارة الصحة

إثر هذه الدراسة أعلنت «فايزر» نتائجها من خلال العديد من البيانات المستمرة وفي هذه الأثناء بعثت وزارة الصحة خطاباً إلى شركة «فايزر» أكدت فيه إيقاف استيراد الدواء «سيلبريكس» لمدة شهرين إلى حين إصدار تقرير نهائي بخصوص الدواء، ولم تقم الوزارة بسحبه ومنع استخدامه من قبل المرضى والمستشفيات!!.

ومما يجدر ذكره أن دواء «سيلبريكس» لم يمنع استيراده أو وقفه أو تداوله في أي بلد من بلدان العالم حتى الآن.

إجراء احترازي

وقد تحدثت «الرياض» إلى د. أحمد حكيم مدير السياسات والعلاقات الخارجية في الشرق الأوسط بشركة فايزر فأوضح أن الدواء آمن وفعّال ولا يزال يمثل بديلاً لعلاج التهاب المفاصل وقال إن تداوله في السوق السعودي لم يوقف.

وحول ما تم إجراؤه من قبل وزارة الصحة قال د.حكيم إن ذلك لا يعدو كونه إجراء احترازياً فقط ولا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع فعالية الدواء وأمانه، وبيَّن أن عدد من استخدم هذا الدواء يربو على 27 مليون نسمة في العالم لم تصل أي شكاوى من جراء استخدامهم هذا الدواء.

وأبان بأنه سوف يتم الفصل في هذا الموضوع من خلال منظمة الدواء والغذاء الأمريكية FDA التي ستقول كلمتها نحو «السيلبريكس» في شهر فبراير المقبل.

لا يشكل خطراً

وفي بيانات صحفية متعددة أكد عدد من الأطباء الذين يصفون هذا الدواء لمرضاهم أنه خيار آمن نافين ما تم تناقله في بعض الأخبار وأشاروا إلى أن الدراسات المتعددة تؤكد أنه لا يشكل أي مخاطر على القلب والأوعية حتى لو تم تناوله بجرعة أعلى من تلك التي يصفها الأطباء، ويؤكد ذلك د. فاضل عابدين، استشاري ورئيس قسم جراحة العظام بمستشفى الملك فهد العام بجدة الذي يقول إنه يجب على المرضى الذين يعانون من الألم وأطبائهم أن يتعاملوا مع الأخبار ضمن الإطار الذي وردت فيه، فالدواء مازال دواءً آمناً جداً للاستخدام.

أما كبير أطباء الخطوط السعودية الجوية واستشاري أمراض الروماتيزم د. يوسف نعمان فيقول: «لا يستطيع الملايين من المرضى في المملكة مواصلة حايتهم الطبيعية دون تناول مسكنات الألم مثل دواء سيلبريكس، الذي يتم تناوله عن طريق الفم، ولذلك يجب على الأطباء توخي الحذر عند وصف بدائل للأدوية المستخدمة لعلاج التهاب المفاصل والأدوية المسكنة للألم لمرضاهم.

أثره على القلب

كما التقت «الرياض» بالدكتور حسن محمد صندقجي، استشاري قلب الكبار، بمركز الأمير سلطان للقلب وتحاورت معه حول الآثار الجانبية لتناول دواء «السيلبريكس» على القلب، وما أحدث الدراسات التي تناولت هذا الجانب وما الدواعي العلمية لإثارة هذا الموضوع في الآونة الأخيرة؟

فقال: يمثل الحديث عن عقار «السيلبريكس» في الآونة الأخيرة مثالاً على كيفية تبني نتائج الدراسات الحديثة وخاصة الدراسات العلاجية التي تتناول بالدراسة الأثر العلاجي لعقار ما وأثر الفائدة على المرضى المعنيين بالعلاج، ورصد الآثار الجانبية لتناوله بكمية الجرعات المستخدمة في هذه الدراسة.

وأضاف: قبل الإجابة عن الأسئلة المثارة حول «السيلبريكس» أريد أن أوضح أمراً أود الاستفادة منه من خلال هذا الموضوع في توضيح كيف يتم النظر السليم إلى الدراسات الطبية الحديثة بعيداً عن الإثارة وقريباً من الموضوعية والواقعية أو بعبارة أدق بطريقة علمية يكتسب بها القارئ الكريم طريقة صحيحة في الفهم والاستنتاج.

تمر الأدوية بشكل عام عبر مراحل عديدة من الدراسة قبل السماح للأطباء بوصفها والمرضى بتناولها، وتشرف على هذا الأمور هيئات علمية محايدة. فهناك الدراسات التي تؤكد فائدتها العلاجية لمرضى ما وكذلك التي تفحص سلامة تناولها من الآثار الجانبية الرئيسة المهددة لحياة متناولها، وكذلك لسلامة أعضاء الجسم فيه، وبهذا تتحدد مجالات استخدامها وكذلك مقدار الجرعات الآمنة منها.

وكما هو معلوم بداهة أن الأدوية كلها ليست أمراً آمن تناوله ما لم تدع الحاجة إلى ذلك، والأمر هنا بضبطه ترجيح الفائدة على الضرر، وهو ما يقدره الطبيب المعالج بناء على معلوماته الطبية عن الدواء وكذلك بناء على حالة المريض ومدى حاجته للدواء أياً كان، حتى حبوب الباندول، فهناك حد أعلى لكمية الباندول المسموح بتناولها يومياً، وما كان أعلى منه فهو قطعاً ضار، فكم سمعنا عن حالات وفيات نتيجة تناول جرعات عالية منه.

وقال: بالإشارة إلى ما نحن بصدد الحديث عنه فإن دواء «السيلبريكس» يتم وصفه من قبل الأطباء ويتناوله المرضى منذ ما يفوق الستة أعوام تقريباً لتخفيف آلام المفاصل وآلام الطمث لدى السيدات، ويمتاز بقلة آثاره الجانبية المزعجة على المعدة بالخصوص مقارنة بكثير من مجموعات الأدوية المخففة للألم المزمن. وتم إجراء العديد من الدراسات حوله شملت ما يفوق 30 ألف شخص من مناطق عدة في العالم خلال العقد الماضي. ولاحظت هذه الدراسات أمان استخدامه بالنسبة لسلامة القلب وكفاءته في أداء وظائفه، وربما يجدر عرض بعض منها:

يقول الدكتور «وايت» في بحثه المنشور عام 2002م في المجلة الأمريكية للقلب: (لا تزيد حالات للتجلط في الأوعية الدموية لدى تناول عقار «السيلبريكس» مقارنة بغيره من الأدوية من مجوعة «الأدوية المضادة للالتهابات غير محتوية على الكورتزون). وكرر عبارته في بحث آخر نشره عام 2003م في المجلس العلمية نفسها.

وذكر الدكتور «هرمان» في مجلة الدورة الدموية الصادرة عن رابطة القلب الأمريكية عام 2003م، ما ملخصه: (يحسن عقار «السيلبريكس» وليس عقار «الفيوكس» من قدرة الخلايا المثبطة للشرايين من أداء وظائفها بكفاءة تمكنها من مقاومة الضغوط المرضية عليها).

وإلى جانب آخر في نفس العام ونفس المجلة أشار الدكتور «تشينيفارد» إلى قدرة السيلبريكس الإيجابية في تحسن قدرة الأوعية الدموية للتوسع لتغذية الأعضاء المختلفة بالدم حال الحاجة المتزايدة إليه.

وأوضحت دراسة الدكتور «سولومون» المنشرة عام 2004م أن «الفيوكس» وليس «السيلبريكس» هو ما كان ذا أثر ضار على القلب عبر زيادة حالات جلطة القلب لدى متناوليه.

دراسة جديدة

وأبان د.صندقجي أن هذا هو المعلوم عن «السيلبريكس» وعلاقته بأمراض القلب، لكن ظهرت دراسة تقول إن له أثراً ضاراً على القلب عبر زيادة حالات جلطة القلب لدى متناوليه، وقال: لننظر إلى الأمر بتأني وتأمل من خلال هذه الدراسة ولماذا تمت وما الجرعات المستخدمة فيها.

واضاف القصة ابتداء لا علاقة لها بالقلب ولا علاقة لها أيضاً بالحالات المرضية المعتاد وصف «السيلبريكس» لها وهي تخفيف الآلام المزمنة، بل هي محاولة دراسة أثر علاجي محتمل الفائدة للوقاية من نشأة بعض أمراض الأمعاء كالحويصلات وغيرها. فتم إعداد دراستين لبحث هذا الأمر، الذي حصل أن دراسة منها بحثت تناول «السيلبريكس» بكمية 400 مليغرام لدى مجموعة من الناس، وأخرى 800 مليغرام والمجموعة الثالثة لم تتناوله بل تناولت دواء مزيفاً على أنه «السيلبريكس» وذلك لأجل المقارنة بينهم. وتمت متابعة المشاركين في الدراسة لمدة 33 شهراً. أي أن هناك تناولاً لكمية عالية من الدواء بشكل يومي ومنتظم لمدة طويلة دونما حالة مرضية قائمة في المريض تستدعي ذلك، أي على سبيل الوقاية لا على سبيل العلاج. والدراسة الأخرى التزمت بتناول مجموعة من المشاركين في الدراسة كمية 400 مليغرام كحد أعلى مقارنة بمجموعة أخرى لم تتناوله، وتابعتهم لمدة 32 شهراً.

الدراسة الأولى قلت فيها حالات الاصابة بجلطة القلب لدى من لم يتناول السيلبريكس وزادت لدى متناوليه بحسب زيادة كمية الجرعة المتناولة منه، والدراسة الثانية لاحظت زيادة نسبة الإصابة بجلطة القلب لدى من لم يتناول السيلبريكس أصلاً وقلت عنها لدى من تناولوه!

وفي نفس الوقت ظهرت نتائج دراسة واسعة أخرى لفحص مدى فائدة السيلبريكس في مقاومة ظهور مرض «الزهايمر» أو الخرف، الذي وجدته أن تناول السيلبريكس بمقدار 400 مليغرام يومياً لا يزيد من حالات جلطة القلب.

هذه هي القصة، التي منها يجب التأني في النظر إلى أثر محتمل لم يثبت من دراستين أجريتا في الوقت نفسه تقريباً وثبت من أخرى.

وأبان ان الكلام العلمي هنا يجب أن يتحلى بالدقة، فالخلل في الدراسة التي ذكرت ارتفاع نسبة جلطة القلب هو أنها قارنت ذلك بالنسبة بمن لم يتناوله، والتي هي نسبة متدنية جداً بمقدار ملفت للنظر، فالدراسة الأخرى أشارت إلى أن من يتناولوه كانت نسبة الإصابة بجلطة القلب أقرب للمعدل الطبيعي للإصابة بها خلال مدة تفوق السنتين، وهو ما يحتاج إلى تأمل بشكل علمي دقيق. لكن هذه الدراسة وغيرها يجب الاهتمام بها لإثباتها أو نفيها فحسب، أي أنه لا تبنى عليها نتائج علمية بمجرد هكذا نتائج، بل توجب الحيطة من كل جانب حولها وأول جانب هو الحيطة والتأني في قبولها وبناء نتائج علمية عليها كعدم وصفه للمرضى ضمن الحد المنصوح به أساساً وللدواعي الطبية التي من أجلها ابتداء تم الفسح بالدواء.
الأعضاء فقط هم الذين يستطيعون مشاهدة الروابط